لو أن الله تعالى ملَّك خزائن خيراته ورحمته للناس، فأصبح في أيديهم خزائن لا تنفد، ولا يخشى صاحبها الفقر، لو حدث ذلك لأمسك الإنسان وبخِلَ وقَتَر خوف الفقر؛ لأنه جُبِل على الإمساك والتقتير حتى على نفسه، وخوف الإنسان من الفقر ولو أنه يملك خزائن رحمة الله التي لا نفادَ لها ناتج عن عدم مقدرته على تعويض ما أَنفق؛ ولأنه لا يستطيع أنْ يُحدِث شيئاً.
والبخل يكون على الغير، فإنْ كان على النفس فهو التقتير، وهو سُبَّة واضحة ومُخزِية، فقد يقبل أن يُضَيِّق الإنسانُ على الغير، أما أنْ يُضيق على نفسه فهذا منتهى ما يمكن تصوّره
فالإنسان يبخل على الناس ويُقتِّر علَى نفسه؛ لأنه جُبِل علَى البخل مخافة الفقر، وإنْ أُوتِي خزائن السماوات والأرض
(خزائن رحمة ربي)
تأمل رحمة الله تعالى التي وسعت السموات والأرض ، وتخيل خزائنها ثم قل : سبحان الله ... تصور إنسانا عنده خزائن رحمة الله التي لاتنفد ولا تبيد ، ومع ذلك سيكون بخيلا - إلا من عصمه الله بالإيمان (وكان الإنسان قتورا)
مهما بلغ الإنسان من الكرم فهو شحيحا بالنسبة لكرم الله عز وجل
فكيف بالله عليك نسأل إنسانا بعد هذا ؟! ..
اسأل من يداه مبسوطتان بالليل والنهار مالك الملك ينفق كيف يشاء ...
( وكان اﻹنسان قتورا)
شديد البخل في طبيعته ؛ (اﻻحتساب لوجه الله) هو القادر على تبديل الطبائع
/ عقيل الشمري
يقول الله تعالى
(مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مانقص مال من صدقة) أتخاف الفقر بعد هذا ؟! ..
انفق ينفق الله عليك ...
تاملات قرآنية
قال بعض المفسرين: إن لم تنفقوا.
هناك وعيد شديد لمن لم ينفق، ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ ( سورة التوبة)
كيف أن الورم الخبيث مرض عضال يصيب الجسم، وقد ينهي حياة صاحبه، كذلك الشح هو مرض النفس العضال، والدليل: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾( سورة الحشر) لذلك الزكاة تطهر نفس الغني من الشح، وتطهر نفس الفقير من الحقد والحسد، وتطهر المال من تعلق حق الغير به، وتطهر المجتمع من التفاوت الطبقي. راتب النابلسي
ختم الحق سبحانه سورة الإسراء بالحمد، وبدأ سورة الكهف بالحمد، والحمد لله دائماً هو الشعار الذي أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خير الكلمات: (سبحان الله والحمد لله)
الحمد لله، فسبحان الله تنزيه، والحمد لله شكر على العطاء.
والحمد يشترك معه في المعنى العام: ثناء وشُكْر ومدح، إلا أن هذه الألفاظ وإنْ تقاربت في المعنى العام فلكُلٍّ منها معناه الخاص، وكل هذه الألفاظ فيها ثناء، إلا أن الشكر يكون من مُنعَم عليه بنعمة خاصة به، كأن يُسدي لك إنسان جميلاً لك وحدك، فتشكره عليه.
أما الحمد فيكون على نعمة عامة لك ولغيرك، فرُقْعة الحمد أوسع من رُقْعة الشكر، أما المدح فقد تمدح ما لا يعطيك شيئاً، كأن تمدح مثلاً الشكل الجميل لمجرد أنه أعجبك.
الكل يقول {الحمد لِلَّهِ} البليغ يقولها، والعيي يقولها، والأُمّي يقولها.
لذلك يقول صلى الله عليه وسلم وهو يحمد الله ويُثنِي عليه: (سبحانك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك).
فإنْ أردنا أنْ نُحصي الثناء عليك فلن نستطيع؛ لأن الثناء عليك لا يعرف مداه إلا أنت، ولا يُحصيه غيرك، ولا نملك إلا أنْ نقولَ ما علَّمتنا من حمدك: الحمد لله.
والحمد لله استهل بها الحق سبحانه خَمْس سور من القرآن: {الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} [الفاتحة: 2] {الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَجَعَلَ الظلمات والنور ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1].
{الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب..} [الكهف: 1] {الحمد للَّهِ الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَلَهُ الحمد فِي الآخرة} [سبأ: 1] {الحمد للَّهِ فَاطِرِ السماوات والأرض جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً أولي أَجْنِحَةٍ..} [فاطر: 1].
ولكن، لكُلِّ حَمْد في كل سورة حيثية خاصة،
فالحمد في الأولى لأن الله ربُّ العالمين، وربٌّ يعني الخالق والمتولي للتربية، خلق من عدم، وأمدَّ من عُدم، وتولّى تربية عباده، فهو رَبٌّ لكل العالمين؛ لذلك يجب أنْ نحمدَ الله على أنه هو الربُّ الذي خلق العالمين، وأمدَّهم بفضله. وفي الثانية: نحمده سبحانه الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، وهذه آيات من آيات الله ونِعَم من نِعَمه، فالسماوات والأرض فيها قيام البشر كله بما يمدُّ حياتهم بالقوت، ويستبقي نوعهم بالتكاثر. وفي السورة الثالثة من السور التي افتتحها الحق سبحانه ب {الحمد لِلَّهِ} والتي نحن بصددها أراد الحق سبحانه أنْ يُوضّح أنه لم يُربِّ الخلْق تربية مادية فقط، بل هناك تربية أعلى من المادة تربية روحية قيمية، فذكر هنا الحيثية الحقيقية لخَلْق الإنسان، فهو لم يُخلق لمادته فحسْب، ولكن لرسالة أسمى، خلق ليعرف القيم والرب والدين، وأنْ يعملَ لحياة أخرى غير هذه الحياة المادية، فقال تعالى: {الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب..} [الكهف: 1].
و{الكتاب..} [الكهف: 1] هو القرآن الكريم، لكن سورة الكهف ترتيبها الثامنة عشرة بين سور المصحف من المائة والأربعة عشرة سورة، أي: أن القرآن لم يكتمل بعد، فلماذا قال تعالى: {الكتاب} وهو لم يكتمل بعد؟
نقول: الكتاب يُطلَق ويُرَادُ به بعضه، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ} [القيامة: 18].
فالآية الواحدة تُسمَّى قرآناً، والسورة تُسمَّى قرآناً، والكل نُسمِّيه قرآناً.
أو: يكون المراد أَنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ، ثم نزَّله بعد ذلك مُنَجَّماً حَسْب الوقائع، فالمراد هنا الإنزال لا التنزيل.
وقوله تعالى: {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} [الكهف: 1] أي: جعله مستقيماً، لا عِوجَ فيه، كما قال في آية أخرى: {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ..} [الزمر: 28] والاعوجاج، أن يأخذ الشيءُ امتداداً مُنْحنياً ملتوياً، أما الاستقامة فهي الامتداد في نفس الاتجاه، لا يميل يميناً أو شمالاً، ومعلوم أن الخطَّ المستقيم يمثل أقرب مسافة بين نقطتين، ولا تستقيم حياة الناس في الدنيا إلا إذا ساروا جميعاً على منهج مستقيم يعصمهم من التصادم في حركة الحياة.
كتاب عظيم .. يحمد الله تعالى ذاته العليه على نعمة إنزاله على عبده ورسوله الكريم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ،
فهل نستشعر هذه النعمة العظيمة ونحمد الله عليها ليلا ونهارا ؟
ثم ما شأننا مع هذا الكتاب ؟
الخاضعون لكتاب الله تعالى لن تجد في كلامهم اضطرابا ولا في أفعالهم تناقضا ولا في تصوراتهم ارتباكا .. لامكان للإعوجاج في حياة أهل القرآن ، به يقيمون حياتهم دون انحراف ، فالتمسك بكتاب الله تعالى يعصم من كل الفتن ، ولولا هذا الكتاب العظيم لأصبحت حياتنا كلها (عوجا) ومن يرى في حياته اعوجاجا فليعود إلى القرآن ويطبق ما جاء فيه وذلك كفيل بتقويم اعوجاجه وإسعاده في الدنيا والآخره ..
النعم الدينية أولى بالحمد والشكر من النعم الدنيوية لأن الاولى ترضي الله والثانية ترضي نفسك .. وبقدر حظك من محبة ربك والتذلل والعبودية له يكون حظك من فهم القرآن وهدايته .. عجبا لمن يشعر بضيق الحياة وبين يديه قرآن معجز ..
افتح قرآنك واسمع مايقوله الله لك وسترى بحرا من الفرج والسعادة ..
يقول تعالى:
{مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً} [الكهف: 17]
فقضية الهداية والإضلال قائمة من قديم، ولا تزال ذيول هذه المعركة موجودة إلى الآن، فهناك دائماً من يقول: إذا كان الله هو الهادي والمُضِل، فلماذا يعذبني إن ضللت؟
وشاع هذا السؤال وأخذه المستشرقون والفلاسفة، ويراد منه إيجاد مبرر للنفس العاصية غير الملتزمة، ونقول لكل مجادل: لماذا قصرت الاعتراض على مسألة الضر والعذاب إن ضللت؟ ولماذا لم تذكر الثواب إن أحسنت وآمنت؟
إن اقتصارك على الأولى دون الثانية دليل على أن الهداية التي جاءت لك هي مكسب تركته وأخذت المسألة التي فيها ضرر، ولا يقول ذلك إلا المسرفون على أنفسهم.
والهداية نوعان:
هداية دلالة، وهي للجميع، للمؤمن والكافر؛ لأن الحق سبحانه لم يدل المؤمن فقط، بل يدل المؤمن والكافر على الإيمان به، فمن يُقبل على الإيمان به، فإن الحق تبارك وتعالى يجد فيه أهلاً للمعونة، فيأخذ بيده ويعينه، ويجعل الإيمان خفيفاً على قلبه، ويعطي له طاقة لفعل الخير، ويشرح له صدره وييسر له أمره.
فمن شاء الحق سبحانه هدايته أعطاه الهداية، ومن شاء له الضلال زاده ضلالاً، وقد بيّن أن من شاء هدايته يهتدي، وهذه معونة من الله، والكافر لا يهتدي، وكذلك الظالم والفاسق، لأنه سبحانه قد ترك كل واحد منهم لاختياره، وهكذا يمنع الحق سبحانه عنهم هداية المعونة.
تفسير الشعراوي
من كان صادقاً مع الله ويطلب رضاه يهيء الله له خلقه ويسخِّرهم له ..
تأمل كيف سخَّر الشمس للفتية
في كل ابتلاء رعاية ربانية ، وفي كل ضيق منفذ للفرج . وفي كل ظلمة نافذة للضياء ونور سماوي .. ومن رعته عناية الله تبددت مخاوفه ونام قرير العين .. حتى الشمس تشارك في حمايته ..
ما أغلى العبد الصالح عند الله !!
كما سخر الله تعالى الشمس لكل أهل الأرض على اتساعها ، كذلك سخرها لأهل الكهف في أضيق مكان ..ذلك الإيمان الراسخ الذي غير الله لأجله مسار الشمس سيغير الله به حياتك .. نعم الهداية من الله لكن عليك أن تسعى إليها وتطلبها بحسن عملك وإخلاصك فالله تعالى لايتولى الضَّالين ولاينشر رحمته إلا على الأرض الطيبة ..