ذكرت كلمة (العروة الوثقى) في موضعين من كتاب الله تعالى، الأولى في سورة البقرة، قال الله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:256}، الثاني في سورة لقمان، قال الله تعالى: وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {لقمان:22}، وهي في كلا الموضعين قد فسرت بعدة تفسيرات، فقد فسرها بعض المفسرين بـ (لا إله إلا الله)، وقال آخرون هي الإيمان، وقال آخرون هي الإسلام، وقال آخرون هي القرآن، وكل هذه الأقوال لا تعارض بينها لأن من تمسك بلا إله إلا الله فقد تمسك بالإيمان والإسلام والقرآن، والمقصود أنه تمسك بالدين القويم الذي ثبتت قواعده ورسخت أركانه وكان المتمسك به على ثقة من أمره لكونه استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها أي لا انقطاع لها.
في أمواج المحن والفتن وأعاصيرها .. احذر من الغرق فيها و اقبض بكل قوتك على عروة الخلاص والنجاة .. تشبث بها بقوة .. ذلك هو حبل الله المتين
تأملوا معي كلمة (استمسك) إنها أقوى من (تمسك) في خضم هذه الفتن نحتاج الاستمساك بقوة بشرع الله وطاعته ، ولن تسطيع ذلك إلا إذا كنت محسنا .. اللهم اجعلنا من المحسنين .
(ومن كفر فلا يحزنك كفره) لم يشفق على نفسه ، ولم يبال بها في أي واد هلكت!!.. فلا تحزن عليه ولكن أنكر فعله وانصحه واحتسب .. ثم طب نفسا
(إن الله عليم بذات الصدور) هي النوايا التي التحمت بفؤادك حتى لاتكاد أنت تميزها .. لكن الله عليم بها .. عليم بتلك الخيبات التي كتمتها والجراح التي أدمت قلبك .. والله وحده القادر على جبرها..اسع إليه تائبا وانكسر بين يديه ساجدا وسوف يرفعك ويجبرك .. اللهم ثباتا على دينك و جبرا من عندك .
حكم متابعة الأفلام الإباحية لمن ليس لديه قدرة مالية على الزواج؟
أجاب. د محمد الزحيلي :
بسم الله، والحمدلله ،والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ :
فقد اختُلف في مشاهدة الأفلام الإباحية على قولين : الإباحة وهو قول إبليس وأصحابه والنفس الأمارة بالسوء. التحريم وهو قول الشريعة الإسلامية. واستدل المحرمون بقوله تعالى :{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون } النور[ 30 ] وقوله صلى الله عليه وسلم :{ زنى العين النظر }. فليختر المرء لنفسه ماينجيه يوم القيامة ولايُرديه على رؤوس الأشهاد. أما فيما يتعلق بعدم امتلاك الشاب باءة الزواج : فقد قال تعالى :{ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } النور[ 33 ]. وقال صلى الله عليه وسلم :{ يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ؛ فإنه له وجاء }. فليعتصم العبد بربه وليأخذ بالأسباب المتاحة ومن ثم فليكثر من الدعاء وليتوكل على رب الأرض والسماوات، {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا } الطلاق[ 3 ] نسأل الله أن يرزقك الزوجة الصالحة الجميلة الموافقة.
(وليستعفف) هو أمر يشجع خطاك للثبات على أمر الله في كل حين ، وينبهك لعدم الاستسلام للفتن ..ذلك هو الحل والطريق السليم.
العفة سلوك قرآني يعترض صرخة الطين في الانسان قبل أن تتأجج نار الشهوة فيه لتتركه رمادا خاويا في زحمة الفتنة التي زادت حتى بلغ السيل الزبى ..
العفة أن لاينتعلك الشيطان فيحرف فطرتك .. كن قويا أمامه وأملأ قلبك باليقين ليعينك الله وتتغلب على شيطانك ..
الإنسان مسير في تركيب الشهوات ، لكنه مخير في تصريفها . انظر ماذا قال سيدنا يوسف عليه السلام عندما أحاطت به الفتن (قال معاذ الله..) و (قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه...)
(وليستعفف) فعل مضارع يصف قلبا مستمرا في المجاهدة في غض البصر وأخذ الحذر ، يزرع عفته ينثرها حوله ويسير في أمانها ..
وسوف ( يغنيهم الله من فضله) هكذا يكافئ الله أهل العفة والطاعه .. يغنيهم الله ويفتح لهم باب اليسر و السلامة والرضا ، فربنا واسع العطاء ..
لم يكن أحد يعلم قبل نزول القرآن أن الطير له إدراك، ويصل أمره لمعرفة الخالق والصلاة له سبحانه، وهذه الآية الكريمة تعنى أن كل من ذكر من المسبحين من أهل السماوات والأرض والطير قد علم كيفية صلاته وتسبيحه لله تعالى، حسب لغته التى خلقه الله عليها فللملائكة لغتها فى التسبيح والصلاة ولكل إنسان أو جن لغته والطير أيضا له لغة للتسبيح والصلاة وكل طائر له لغته الخاصة «وإن من شىء إلا يسبح بحمده» وفى قوله «ولكن لا تفقهون تسبيحهم» لأنكم أيها البشر ضعفاء لم نمكنكم من فهم لغات الكائنات الأخرى، ولم يعط فهم لغات بعض الكائنات من الحيوانات والطيور والحشرات إلا نبى الله سليمان عليه السلام، حين تحدث الهدهد إلى سليمان نبى الله حين أبلغه عن خبر الملكة بلقيس من كفرهم وتعجب الهدهد من أنهم لا يسجدون لله، وهو فى معناه تسبيح لله. أيضا الملائكة تسبح لله تعالى ليل نهار ولا يكلون من التسبيح، أما بالنسبة للطير فقال تعالى: «والطير صافات» فالذى يسبح الله مما ترونه أيها البشر من الطيور التى تمر بكم فى كل مكان وفى كل وقت، وهى تصف أجنحتها فى السماء وتقف صفوفا، فإذا علمت أيها الإنسان لغتها تراها تسبح بحمده فى كل وقت
سبحان من ألهم الطير التسبيح وهي تطير ، فلم يشغلها عملها عن عبادتها ..
(يسبح له من في السموات والأرض) (ويسبح الرعد بحمده) (وإن من شيءإلا يسبح بحمده) نظام كوني بأكمله يسبح الله دون فتور أو ملل ، فأين نحن منه ؟! كل الكائنات تسبح الله .. والإنسان وحده هو الذي يغفل عن ذلك ، وهو أجدر وأحوج خلق الله بالتسبيح !! الحرمان هو أن يلهج كل شيء بالتسبيح وتصمت أنت.
لسنا وحدنا نصطف للصلاة ونسبح بل (والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) شهد الله لجميع الطيور أنها تعرف كيف تصلي .. فهل نعرف نحن كيف نصلي ونخشع في صلاتنا حتى يقبلها الله ؟! وفي الحديث (يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير) هي قلوب رقيقة تتوكل على الله.. فهل لنا قلوب كقلوب الطيور ؟..تأمل يرعاك الله
إن الافتقار إلى الله سبحانه وتعالى من العبادات القلبية العظيمة ،والتي لا بد أن يستحضرها المؤمن ، امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى لعباده، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر:15)
ومن المحزن أن أكثر الناس قد افتقروا إلى الدنيا، وإلى شهواتها ولذاتها، ولا يفترون عنها،
فمنهم من افتقر إلى المال، ومنهم من افتقر إلى الجاه، وعامة الناس، يفتقرون إلى الأهلين والأصحاب
الإمام ابن القيم رحمه الله بقوله: "حقيقة الفقر: أن لا تكون لنفسك، ولا يكون لها منك شيء؛ بحيث تكون كلك لله، وإذا كنت لنفسك فثمَّ ملك واستغناء مناف للفقر". ثم قال: "الفقر الحقيقي: دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة إلى الله تعالى من كل وجه" [مدارج السالكين، (2/440)]. فالافتقار إلى الله تعالى أن يُجرِّد العبد قلبه من كل حظوظها وأهوائها، ويُقبل بكليته إلى ربه عز وجل متذللاً بين يديه، مستسلماً لأمره ونهيه، متعلقاً قلبه بمحبته وطاعته. قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163].
كيف يتحقق الافتقار إلى اللـه؟
يتحقق ذلك بأمرين متلازمين ؛ هما :
1- إدراك عظمة الخالق وجبروته : فكلما كان العبد أعلم باللـه تعالى وصفاته وأسمائه كان أعظم افتقاراً إليه وتذللاً بين يديه.
2- إدراك ضعف المخلوق وعجزه :فمن عرف قدر نفسه ، وأنَّه مهما بلغ في الجاه والسلطان والمال ؛ فهو عاجز ضعيف لا يملك لنفسه صرفاً ولا عدلاً ؛ تصاغرت نفسه ، وذهب كبرياؤه ، وذلَّت جوارحه ، وعظم افتقاره لمولاه ، والتجاؤه إليه ، وتضرعه بين يديه .
وأما عن علامات الافتقار إلى اللـه ، فمنها :
1- غاية الذل للـه تعالى مع غاية الحب.
2- التعلّق باللـه تعالى وبمحبوباته.
3- مداومة الذكر والاستغفار في كل الأوقات وعلى جميع الأحوال.
4- الخوف من عدم قبول الأعمال الصالحة.
5- خشية اللـه في السرَّ والعلن.
6- تعظيم أوامر اللـه ونواهيه.
آية كلما سمعتها عرفت حقيقتي .. وعرفت ربي ... فنحن أغنياء عن كل أحد .. عن كل شيء .. فقراء فقط إلى الله جل جلاله
من استغنى بالله أغناه ، ومن افتقر إليه رزقه .. فالله سبحانه هو الغني ونحتاجه في كل لحظه وكل نفس وكل حركة وكل أمر .. ولا حول ولا قوة لنا إلا بالله ..
كلما زاد فقرك لربك زاد توفيقه لك (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) إلى ( الله) فقط .
نحن من يصنع الحاجة في قلوبنا لغيره!! .. لم يخلقنا لنفتقر لأحد سواه ، فالله وحده هو الغني الحميد ، اخضع وتذلل له يغنيك .
(أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني) بدأ بفقر الناس قبل غناه سبحانه ، لأن من عرف ذاته البشرية على الحقيقة عرف ربه على الكمال ..
سبحان من يصرف النقم ويدفع المكاره ويزيل الكروب وينزل الغيث ويحي الأرض . الكون كله يسير بأمره .. كلنا تحت رحمتك يا الله ، فقراء إليك .. ونحتاجك بعدد أنفاس هذا العالم ...