قال علماء التفسير : ما دام الله جل جلاله يأمرنا أن ندعوه لئلا تزيغ قلوبنا ، معنى ذلك أن الأمر بيدنا ، يؤكِّد هذا المعنى أن الله عزَّ وجل يقول :﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾( سورة الصف : من الآية 5) معنى ( زاغ ) أي انصرف إلى شيءٍ آخر غير الدين ؛ انصرف إلى الدنيا ، انصرف إلى معصية ، انصرف إلى متعةٍ رخيصة ، أو توجه إلى جهةٍ شريكة لله عزَّ وجل ، أي كان متجهاً إلى الله فزاغ قلبه ، اتجه إلى غير الله ، كان مقبلاً على طاعة ، فزاغ قلبه ، فأقبل على معصية ، كان محسناً ، فزاغ قلبه ، فأساء ، كان طاهراً ، فزاغ قلبه ، فانحرف ، لأن الله عزَّ وجل يأمرنا أن ندعوه ..﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا ﴾ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ ، يُصَرِّفُ كَيْفَ يَشَاءُ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ : مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ اصْرِفْ قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ ))[ مسلم وأحمد ] ينبغي أن نفهم هذا الحديث فهماً دقيقاً جداً ، أي أن الله عزَّ وجل جعل قلوبنا بيده لسبب واحد ؛ من أجل أن يعيننا على إيماننا ، فلو أن أحدنا أراد شيئاً طيباً ، ملأ الله قلبه انشراحاً ، وإذا أراد أحد الناس سوءً ، ملأ قلبه انقباضاً ، فلأن القلب بيد الله عزَّ وجل ، يعطينا دفعة التشجيع ، أو دفعة ردع
﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾ معنى ذلك أن الإنسان عليه أن يبقى مستعداً لأية معركةٍ مع الشيطان ، الشيطان لا ييأس ، ولكل طورٍ من أطوار الإيمان شيطانٌ يثبط عزيمة الإنسان ، حتى إذا بلغت قمة النجاح يغريك الشيطان بالغرور ، كل نجاح له مطب ، فيجب أن تكون يقظاً . الإنسان عليه أن يؤمن ، وعليه أن يصون إيمانه ، وعليه أن يجدد إيمانه ، والإيمان يخلَق في جوف بني آدم ، ويهترئ ، فلابدَّ من تجديده ، والتجديد يكون بأن ترفع مستوى طلب العلم ، والتجديد يكون عن طريق المبالغة في الاستقامة ، والتجديد يكون عن طريق العمل الصالح ، أن تزداد علماً ، وأن تزداد انضباطاً ، وأن تزداد عطاءً ، بهذا يتجدد الإيمان ..
تزيغ في النهاية قلوبا كانت متردده في البداية .. لكن من رسخ العلم واليقين في قلبه ، خاف على نفسه الضلال فأخذ يدعو (ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ..) لقد سألوا الله العافيه مما ابتلي به الزائغون ، كما سألوه رحمته المتضمنه كل خير معترفين بمنة الله عليهم أن هداهم .. فالهداية للحق رزق يساق من الله إلى (القلوب الصادقة) فلم ينالها ابن نوح عليه السلام ، ولم يحرمها الله لأحد بكفر ذويه ..
سمي القلب قلبا لأنه كثير التقلب ، فما أنت عليه اليوم قد تعيد النظر فيه غدا !!.. احذر أن تزيغ عن الحق ..لاتأمن الفتن مهما بلغت من الإيمان ، فقد كان دعاء الانبياء(ربنا لاتزغ قلوبنا ....)
سبحانك ربنا أنت الوهاب الكريم تعطي من يسألك فوق حاجته ،
{يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ○ وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيد ○ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيق} [الحج: ٢٠-٢١-٢٢] {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ(20)}
قلنا: إن هذا الماء بلغ من الحرارة منتهاها، فلم يغْلِ عند درجة الحرارة التي نعرفها، إنما يُغلِيه ربه الذي لا يُطيق عذابَه أحدٌ. وأنت إذا صببتَ الماء المغلي على جسم إنسان فإنه يشوي جسمه من الخارج، إنما لا يصل إلى داخله، أمّا هذا الماء حين يُصَبُّ عليهم فإنه يصهر ما في بطونهم أولاً، ثم جلودهم بعد ذلك، فاللهم قِنَا عذابك يوم تبعث عبادك. {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ(21)}
المقامع: هي السياط التي تقمع بها الدابة، وتَرْدعها لتطاوعك، أو الإنسان حين تعاقبه، لكنها سياط من حديد، ففيها دلالة على الذِّلَّة والانكسار، فضلاً عن العذاب. {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ(22)} الحق سبحانه وتعالى يُصوّر حال أهل النار وما هم فيه من العذاب ومن اليأس في أن يُخفف عنهم، فإذا ما حاولوا الخروج من غَمِّ العذاب جاءتهم هذه السياط فأعادتهم حيث كانوا، والإنسان قد يتعود على نوع من العذاب فيهون عليه الأمر، كالمسجون مثلاً الذي يُضْرب بالسياط على ظهره، فبعد عدة ضربات يفقد الإحساس ولا يؤثر فيه ضَرْب بعد ذلك.
وقد أجاد المتنبي في وصف هذا المعنى حين قال:
رَمَاني الدَّهْرُ بالأَرْزَاءِ حتّى *** كَأنِّي فِي غِشَاءٍ مِنْ نِبَالِ
فكنتُ إذا أَصَابتْني سِهَامٌ *** تكسَّرتْ النِّصَالُ علَى النِّصَال لكن أنَّى يُخفَّف عن أهل النار، والحق سبحانه وتعالى يقول: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ العذاب..} [النساء: 56].
ففي إعادتهم تيئيس لهم بعد أنْ طمِعوا في النجاة، وما أشدّ اليأس بعد الطمع على النفس؛ لذلك يقولون: لا أفجعَ من يأسٍ مقمع، بعد أمل مُقْمِع. كما يقول تعالى: {وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ..} [الكهف: 29] ساعة يسمعون الإغاثة يأملون ويستبشرون، فيأتيهم اليأس في {بِمَآءٍ كالمهل يَشْوِي الوجوه..} [الكهف: 29]. تفسير الشعراوى
هم أهل النار ، ثيابهم من نار ، وشرابهم من حميم .. ذلك هو العذاب المقيم وهم فيه خالدون .. رحماك يا الله ...
يلبسون ويشربون فتشوى أجسادهم وجلودهم وتذوب أجوافهم بمافيها .... أرجلهم مقيدة بالأرض بسلاسل من حديد ... يرفعهم لهيب النار قليلا وهم في شدة العذاب والغم والكرب ، لكن لاسبيل للخروج إذ ليست القيود وحدها تمنعهم ، بل تضربهم ملائكة العذاب بمطارق من حديد قائلة لهم (وذوقوا عذاب الحريق) فيغرقوا في النار من جديد .. هل نحن واثقون أننا لسنا منهم ؟! اللهم سلم سلم ..
ألا تكفينا هموم الدنيا بما فيها من آلام ومنغصات ؟!!... كلنا نتلذذ ونسعد عندما نسمع عن النعيم المقيم في الجنة .. فكيف وهي أفضل بكثير مما نتخيله ؟!! لنحاول أن تكون آخرتنا أهنأ من الدنيا .. نتقي الله بأعمالنا ليقال لنا (ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود) تلك الجنة غاية المنى تأملات قرآنية
حين تأمُر بمعروف تنتقى أطايبَ الكلام، وحين تنهى عن منكر، تبتعد عن الفُحش والخَنا، وحين تدعو إلى الله، فبالحكمة والموعظة الحسنة، وحين تجادل فبالتي هي أحسن، وحين تحاط الكلمة بسياج العقل، وتُحَدُّ بإطار الشرع، تفعَل فِعلَ السحر: ((وإن من البيان لسحرًا))، فتهز القلوب وتلامس المشاعر، وتَنفُذ إلى العقل والوِجدان.
لقد حرَّم الإسلام كلَّ ما يوغر الصدور، فنهى عن الجدال والخصام واللجاج، وأمر بتحرِّي قول الحق في العسر واليسر، والمَنشط والمكره، وفي كافة المعاملة مع الخلق: ﴿ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30].
((إنما الشديدُ الذي يَملِك نفسَه عند الغضب)) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حرَص الإسلام على تهذيب الألسن أن تَحيد عن مسارها الصحيح، فتَجرَح أو تُؤذي، وأمر بإلانةِ القول حتى مع أعتى الخلق وأطغاهم: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43، 44].
كلمة تقرَع القلوب والأسماع، فإذا بالعدو اللدود يتحوَّل إلى حميمٍ ودودٍ، فلا نعلم دينًا اعتنى بأناقة الكلمة وبهاء اللفظ كهذا الدين: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الإسراء: 53].
جرِّب أن تستبدلَ بكلمات النقد والتجريح كلمةَ نُصحٍ حانية تريح، وبكلمة التصريح كلمات التلميح، وبعبارات اللوم ألفاظَ المديح، بعيدًا عن الفحش والبذاء، والضَّرر والإيذاء: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83]، امتثالًا لتعاليم ديننا، وطاعة لبارينا، فهو وحدَه موفِّقُنا وهادينا.
د. أسماء جابر العبد
كلماتهم طيبه في الدنيا .. فكان لباسهم الحرير في جنة تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ... اللهم لاتحرمنا هذا النعيم ..
من شرف الكلمة الطيبة واللين في القول ، أن الله جعلها من نعيم أهل الجنة .. كيف لو تمثلها الجميع في الحياة الدنيا !!... كنا تمتعنا بجزء من نعيم الجنة في حياتنا . الأقوال الطيبة هدايات من الله ، لاتأتي صدفه ، بل هي لأصحاب القلوب الصادقة الطيبة .. فالهداية تبدأ بالقلب وتصدقها الجوارح . فمن رأيته يتخبط في جوارحه فاعلم أن في إيمانه شك ...
(ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء)
لنحافظ على قلوبنا سليمة طيبة ، ونزين ألسنتنا بالكلام الطيب والقول الحسن .. فيثبت الله أقدامنا على الصراط ، وندخل الجنة بسلام ... تلك الجنة غاية المنى ...
معنى بَوَّأه: أي: جعله مَبَاءةً يعني: يذهب لعمله ومصالحه، ثم يبوء إليه ويعود، كالبيت للإنسان يرجع إليه، ومنه قوله تعالى: {وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ الله..} [البقرة: 61].
وإذ: ظرف زمان لحدث يأتي بعده الإخبار بهذا الحدث، والمعنى خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اذكر يا محمد الوقت الذي قيل فيه لإبراهيم كذا وكذا. وهكذا في كل آيات القرآن تأتي(إذ) في خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحدث وقع في ذلك الظرف.
لكن، ما علاقة المباءة أو المكان المتبوّأ بمسألة البيت؟
قالوا: لأن المكان المتبوّأ بقعة من الأرض يختارها الإنسان؛ ليرجع إليها من متاعب حياته، ولا يختار الإنسان مثل هذا المكان إلا توفرتْ فيه كل مُقوِّمات الحياة.
لذلك يقول تعالى في قصة يوسف عليه السلام: {وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ..} [يوسف: 56].
وقال في شأن بني إسرائيل: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بني إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ..} [يونس: 93] فمعنى: {بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البيت..} [الحج: 26] أي: جعلناه مبَاءة له، يرجع إليه من حركة حياته بعد أنْ أعلمنَاهُ، ودَلَلْناه على مكانه.
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت وَإِسْمَاعِيلُ..} [البقرة: 127].
ومعلوم أن إسماعيل قد شارك أباه وساعده في البناء لما شَبَّ، وأصبح لديه القدرة على معاونة أبيه، أمّا مسألة السكن فكانت وإسماعيل ما يزال رضيعاً، وقوله تعالى: {عِندَ بَيْتِكَ المحرم..} [إبراهيم: 37] يدل على أن العِنْدية موجودة قبل أنْ يبلغَ إسماعيل أنْ يساعد أباه في بناية البيت، إذن: هذا دليل على أن البيت كان موجوداً قبل إبراهيم.
وقد أوضح الحق سبحانه وتعالى هذه المسألة في قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96].
وحتى نتفق على فَهْم الآية نسأل: مَنْ هُم الناس؟ الناس هم آدم وذريته إلى أن تقوم الساعة، إذن: فآدم من الناس، فلماذا لا يشمله عموم الآية، فالبيت وُضِع للناس، وآدم من الناس، فلابد أن يكون وَُضِع لآدم أيضاً.
إذن: يمكنك القول بأن البيت وَُضِع حتى قبل آدم؛ لذلك نُصدِّق بالرأي الذي يقول: إن الملائكة هي التي وضعتْ البيت أولاً، ثم طمسَ الطوفانُ معالم البيت، فدلَّ الله إبراهيم بوحي منه على مكان البيت، وأمره أنْ يرفعه من جديد في هذا الوادي.
ويُقال: إن الله تعالى أرسل إلى إبراهيم سحابة دَلَّتْه على المكان، ونطقتْ: يا إبراهيم خُذْ على قدري، أي: البناء.
ولو تدبرتَ معنى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت..} [البقرة: 127] الرَّفْع يعني: الارتفاع، وهو البعد الثالث، فكأن القواعد كان لها طُول وعَرْض موجود فعلاً، وعلى إبراهيم أنْ يرفعها.
لكن لماذا بوَّأ الله لإبراهيم مكان البيت؟
لما أسكن إبراهيم ذريته عند البيت قال: {رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصلاة..} [إبراهيم: 37] كأن المسألة من بدايتها مسألة عبادة وإقامة للصلاة، الصلاة للإله الحقِ والربِّ الصِّدْق؛ لذلك أمره أولاً: {أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ والقآئمين والركع السجود} [الحج: 26] والمراد: طَهِّر هذا المكان من كل ما يُشعِر بالشرك، فهذه هي البداية الصحيحة لإقامة بيت الله.
وهل كان يُعقل أنْ يدخل إبراهيم- عليه السلام- في الشرك؟
بالطبع لا، وما أبعدَ إبراهيمَ عن الشرك، لكن حين يُرسِل الله رسولاً، فإنه أول مَنْ يتلقَّى عن الله الأوامر ليُبلِّغ أمته، فهو أول مَنْ يتلقى، وأول مَنْ يُنفذ ليكون قدوةً لقومه فيُصدِّقوه ويثقوا به؛ لأنه أمرهم بأمر هو ليس بنَجْوة عنه.
ألا ترى قوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {ياأيها النبي اتق الله..} [الأحزاب: 1] وهل خرج محمد صلى الله عليه وسلم عن تقوى الله؟ إنما الأمر للأمة في شخص رسولها، حتى يسهُلَ علينا الأمر حين يأمرنا ربنا بتقواه، ولا نرى غضاضةً في هذا الأمر الذي سبقنا إليه رسول الله؛ لأنك تلحظ أن البعض يأنف أن تقول له: يا فلان اتق الله، وربما اعتبرها إهانة واتهاماً، وظن أنها لا تُقال إلا لمَنْ بدر منه ما يخالف التقوى.
وهذا فَهْم خاطئ للأمر بالتقوى، فحين أقول لك: اتق الله. لا يعني أنني أنفي عنك التقوى، إنما أُذكِّرك أنْ تبدأ حركة حياتك بتقوى الله.
إذن: قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام: {أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً..} [الحج: 26] لا تعني تصوُّر حدوث الشرك من إبراهيم، وقال {شَيْئاً..} [الحج: 26] ليشمل النهيُ كُلَّ ألوان الشرك، أياً كانت صورته: شجر، أو حجر، أو وثن، أو نجوم، أو كواكب.
ويؤكد هذا المعنى بقوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ..} [الحج: 26] والتطهير يعني: الطهارة المعنوية بإزالة أسباب الشرك، وإخلاص العبادة لله وحده لا شريكَ له، وطهارة حِسّية ممّا أصابه بمرور الزمن وحدوث الطوفان، فقد يكون به شيء من القاذورات مثلاً.
ومعنى {لِلطَّآئِفِينَ..} [الحج: 26] الذين يطوفون بالبيت: {والقآئمين..} [الحج: 26] المقيمين المعتكفين فيه للعبادة {والركع السجود} [الحج: 26] الذين يذهبون إليه في أوقات الصلوات لأداء الصلاة، عبَّر عن الصلاة بالركوع والسجود؛ لأنهما أظهر أعمال الصلاة.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَأَذِّن فِي الناس بالحج يَأْتُوكَ رِجَالاً..}
- "ألا تشرك بي شيئا"
صنما كان هذا الشيء .. أم ملكا .. أم عادات .. أم قبيلة .. أم أسرة .. أم فكرة :
لا تشرك بالله شيئا / علي الفيفي
(وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود)
هؤلاء هم من يستحقون الإحتفاء والإكرام ..وهنا قدم عبادة الطواف لأنها عبادة لاتؤدى إلا في بيت الله الحرام .. و خص الله الركوع والسجود لأنها أعظم أركان الصلاة و لكونها تتضمن مظهر التعظيم والتذلل ..
( وطهر بيتي)
تأمل كيف نسب الله تعالى البيت إلى نفسه فازداد هذا البيت عظمة وشرفا ... ولو استشعر المسلم ذلك وهو يدخل المسجد الحرام لازداد خشوعا وتعظيما وذلا لله .. فهل يعقل أن يدنس العبد هذا المكان بالظلم والفسق والخصال السيئة؟! ..
اللهم ارزقنا زيارة بيتك بحج وعمرة ...