منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   المنتدى العام والهادف (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=104)
-   -   فوائد من كتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=122068)

امانى يسرى محمد 28-02-2020 04:31 PM

فوائد من كتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم
 
من أقوى أسباب الشكر أن يرى العبد غيره في ضد حاله من الكمال والفلاح:
سبحانه اقتضت حكمته وحمده أن فاوت بين عباده أعظم تفاوتٍ وأَبْيَنَه؛ ليشكره منهم من ظهرت عليه نعمته وفضله، ويعرف أنه حُبِيَ بالإنعام وخُصَّ دون غيره بالإكرام، ولو تساووا جميعهم في النعمة والعافية، لم يعرف صاحب النعمة قدرها ولم يبذل شكرها؛ إذ لا يرى أحدًا إلا في مثل حاله.
ومن أقوى أسباب الشكر وأعظمها استخراجًا له من العبد: أن يرى غيره في ضد حاله الذي هو عليها من الكمال والفلاح.

القلب السليم:
القلب السليم الذي ينجو من عذاب الله ... هو القلب الذي قد سلِم لربه وسلَّم لأمره، ولم تبقَ فيه منازعة لأمره ولا معارضة لخبره، فهو ... لا يريد إلا الله ولا يفعل إلا ما أمره الله، فالله وحده غايته وأمره وشرعه ووسيلته وطريقته، لا تعترضه شبهةٌ تَحُولُ بينه وبين تصديق خبره، لكن لا تمر عليه إلا وهي مجتازة تعلم أنه لا قرار لها فيه، ولا شهوةٌ تحول بينه وبين متابعة رضاه.

ومتى كان القلب كذلك، فهو سليم من الشرك، وسليم من البدع، وسليم من الغي، وسليم من الباطل، وكل الأقوال التي قيلت في تفسيره فذلك ينتظمها.

تشبيه العلماء بالنجوم:
أما تشبيه العلماء بالنجوم؛ فلأن النجوم يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر وكذلك العلماء، والنجوم زينة للسماء وكذلك العلماء زينة للأرض.

وهي رجومٌ للشياطين حائلة بينهم وبين استراق السمع لئلَّا يلبسوا بما يسترقونه من الوحي الوارد إلى الرسل من الله على أيدي ملائكته، وكذلك العلماء رجوم لشياطين الإنس الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرفَ القول غرورًا، فالعلماء رجوم لهذا الصِّنف من الشياطين، ولولاهم لطُمست معالمُ الدين بتلبيس المُضلِّين، ولكن الله سبحانه أقامهم حُرَّاسًا وحفظةً لدينه ورجومًا لأعدائه وأعداء رسله.

أنواع السعادات التي تؤثِرُها النفوس:
أنواع السعادات التي تؤثرها النفوس ثلاثة:
سعادة خارجية عن ذات الإنسان، بل هي مستعارة له من غيره تزول باسترداد العارية؛ وهي: سعادة المال والجاه وتوابعهما، فبينا المرء بها سعيدًا ملحوظًا بالعناية مرموقًا بالأبصار، إذ أصبح في اليوم الواحد أذل من وتد بقاع.

ويُحكى عن بعض العلماء أنه ركِب مع تجار في مركب، فانكسرت بهم السفينة؛ فأصبحوا بعد عز الغِنى في ذلِّ الفقر، ووصل العالِم إلى البلد فأُكرم وقُصد بأنواع التحف والكرامات، فلما أرادوا الرجوع إلى بلادهم قالوا له: هل لك إلى قومك كتاب أو حاجة؟ فقال: نعم، تقولون لهم: إذا اتخذتم مالًا، فاتخذوا مالًا لا يغرق إذا انكسرت السفينة.

السعادة الثانية: سعادة في جسمه وبدنه؛ كصحته، واعتدال مِزاجه، وتناسب أعضائه، وحسن تركيبه، وصفاء لونه، وقوة أعصابه.
فهذه ألصق به من الأولى، ولكن في الحقيقة خارجة عن ذاته وحقيقته؛ فإن الإنسان إنسان بروحه وقلبه لا بجسمه وبدنه.

السعادة الثالثة: هي السعادة الحقيقية وهي سعادة نفسانية روحية قلبية؛ وهي: سعادة العلم النافع وثمرته؛ فإنها هي الباقية على تقلب الأحوال، والمصاحِبة للعبد في جميع أسفاره وفي دوره الثلاثة - أعني: دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار - وبها يترقى في معارج الفضل ودرجات الكمال.

أما الأولى فإنما تصحبه في البقعة التي فيها ماله وجاهه.
والثانية فعُرضَةٌ للزوال والتبدل بنكس الخَلْقِ والردِّ إلى الضعف.

فلا سعادة في الحقيقة إلا هذه الثالثة التي كلما طال عليها الأمد ازدادت قوةً وعلوًّا، وإذا عُدم المال والجاه فهي مال العبد وجاهه، وتظهر قوتها وأثرها بعد مفارقة البدن إذا انقطعت السعادتان الأوليتان.

وهذه السعادة لا يعرف قَدْرَها ويبعث على طلبها إلا العلم بها، فعادت السعادة كلها إلى العلم وما يقتضيه، والله يوفق من يشاء، لا مانعَ لِما أعطى ولا معطيَ لما منع.

وإنما رغب أكثرُ الخلق عن اكتساب هذه السعادة وتحصيلها؛ لِوُعُورةِ طريقِها ومرارةِ مباديها وتعبِ تحصيلها، وأنها لا تُنال إلا على جسر من التعب، فإنها لا تحصل إلا بالجد المحض بخلاف الأوليتين؛ فإنهما حظٌّ قد يحوزه غيرُ طالبه وبختٌ قد يحرزه غير جالبه من ميراث أو هبة أو غير ذلك، وأما سعادة العلم فلا يورثك إياها إلا بذل الوسع وصدق الطلب وصحة النية.

ومن طمحت همته إلى الأمور العالية، فواجب عليه أن يشد على محبة الطرق الدينية.
وهي السعادة وإن كانت في ابتدائها لا تنفك عن ضرب من المشقة ... وإنها متى أُكرهت النفس عليها، وسيقت طائعةً وكارهةً إليها، وصبرت على لأوائها وشدتها - أفضت منها إلى رياض مؤنقة، ومقاعد صدق، ومقام كريم تجد كل لذة دونها.

فالمكارم منوطة بالمكاره، والسعادة لا يُعبَر إليها إلا على جسر المشقة، فلا تُقطع مسافتها إلا في سفينة الجد والاجتهاد.

ولولا جهلُ الأكثرين بحلاوة هذه اللذة وعِظمِ قدرها، لتجالدوا عليها بالسيوف، ولكن حُفَّت بحجاب من المكاره، وحُجبوا عنها بحجاب من الجهل؛ ليختص الله بها من يشاء من عباده والله ذو الفضل العظيم.

من رحمة الله وبرِّه بعباده كسرُهم بأنواع المصائب والمحن لينالوا رضاءه ومحبته:
ومن تدبر حكمته سبحانه ولطفه وبره بعباده وأحبابه في كسره لهم، ثم جبره بعد الانكسار؛ كما يكسر العبد بالذنب ويُذلُّه به، ثم يجبره بتوبته عليه ومغفرته له، وكما يكسره بأنواع المصائب والمحن، ثم يجبره بالعافية والنعمة - انفتح له باب عظيم من أبواب معرفته ومحبته، وعلِم أنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وأن ذلك الكسر هو نفس رحمته به وبره ولطفه، وهو أعلم بمصلحة عبده منه، ولكن العبد لضعف بصيرته ومعرفته بأسماء ربه وصفاته لا يكاد يشعر بذلك، ولا ينال رضا المحبوب وقربه والابتهاج والفرح بالدنوِّ منه والزُّلفى لديه إلا على جسر من الذل والمسكنة، وعلى هذا قام أمر المحبة؛ فلا سبيل إلى الوصول إلى المحبوب إلا بذلك.

مداخل الشيطان على الإنسان وما ينجيه منها:
الله سبحانه بحكمته سلَّط على العبد عدوًّا عالمًا بطرق هلاكه وأسباب الشر الذي يلقيه فيه، متفنِّنًا فيها خبيرًا بها حريصًا عليها، لا يفتُر عنه يقظة ولا منامًا، ولا بد له من واحدة من ستٍّ ينالها منه:
أحدها: وهي غاية مراده منه: أن يحول بينه وبين العلم والإيمان فيلقيه في الكفر، فإذا ظفر بذلك فرغ منه واستراح.

فإن فاتته هذه وهُديَ للإسلام، حرص على تلوِ الكفرِ وهي: البدعة، وهي أحب إليه من المعصية؛ فإن المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتاب منها؛ لأن صاحبها يرى أنه على هدًى.

فإن أعجزته ألقاه في الثالثة وهي الكبائر، فإن أعجزته ألقاه في اللَّمَمِ وهي الرابعة وهي الصغائر.
فإن أعزَّته شغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه؛ ليرتجَّ عليه الفضل الذي بينهما وهي الخامسة.

فإن أعجزه ذلك صار إلى السادسة وهي: تسليط حزبه عليه يؤذونه ويشتمونه ويبهتونه ويرمونه بالعظائم؛ ليحزنه ويشغل قلبه عن العلم والإرادة وسائر عمله.

فكيف يمكن أن يحترز منه مَن لا علم له بهذه الأمور ولا بعدوِّه ولا بما يحصنه منه؟ فإنه لا ينجو من عدوه إلا من عرفه، وعرف طرقه التي يأتيه منها، وجيشه الذي يستعين به عليه، وعرف مداخله ومخارجه، وكيفية محاربته وبأي شيء يحاربه، وبماذا يداوي جراحته، وبأي شيء يستمد القوة لقتاله ودفعه، وهذا كله لا يحصل إلا بالعلم؛ فالجاهل في غفلة وعمى عن هذا الأمر العظيم والخطب الجسيم.

وجوه فضل العلم على المال:
فضل العلم على المال يُعلم من وجوه:
أحدها: أن العلم ميراث الأنبياء، والمال ميراث الملوك والأغنياء.

الثاني: أن العلم يحرس صاحبه، وصاحب المال يحرس ماله.

الثالث: أن المال تُذهِبه النفقات، والعلم يزكو على النفقة.

الرابع: أن صاحب المال إذا مات فارقه ماله، والعلم يدخل معه قبره.

الخامس: أن العلم يحكم على المال، والمال لا يحكم على العلم.

السادس: أن المال يحصل للمؤمن والكافر والبَرِّ والفاجر، والعلم النافع لا يحصل إلا للمؤمن.

السابع: أن العالم يحتاج إليه الملوك فمن دونهم، وصاحب المال إنما يحتاج إليه أهل العدم والفاقة.

الثامن: أن النفس تشرف وتزكو بجمع العلم وتحصيله وذلك من كمالها وشرفها، والمال لا يزكيها ولا يكملها ولا يزيدها صفةَ كمالٍ، بل النفس تنقص وتشح وتبخل بجمعه والحرص عليه، فحرصها على العلم عين كمالها، وحرصها على المال عين نقصها.

التاسع: أن المال يدعوها إلى الطغيان والفخر والخُيلاء، والعلم يدعوها إلى التواضع والقيام بالعبودية.

العاشر: ما أطاع الله أحدٌ قطُّ إلا بالعلم، وعامةُ مَن يعصيه إنما يعصيه بالمال.

الحادي عشر: أن العلم جاذب موصِّلٌ لها إلى سعادتها التي خُلقت لها، والمال حجاب عنها وبينها.

الثاني عشر: أن المال يستعبد مُحبَّه وصاحبه فيجعله عبدًا له، والعلم يستعبده لربه وخالقه.

الثالث عشر: أن قيمةَ الغنيِّ مالُه وقيمةَ العالِم علمُه، فهذا متقوم بماله فإذا عُدم عُدمت قيمته فبقي بلا قيمة، والعالم لا تزول قيمته، بل هي في تضاعف وزيادة دائمة.

الرابع عشر: أن العالم يدعو الناس إلى الله بعلمه وحاله، وجامع المال يدعوهم إلى الدنيا بحاله وماله.

الخامس عشر: أن اللذة الحاصلة من غِنى المال؛ إما لذة وهمية، وإما لذة بهيمية، فإن صاحبه إن التذَّ بنفس جمعه وتحصيله فتلك لذة وهمية خيالية، وإن التذَّ بإنفاقه في شهواته فهي لذة بهيمية، وأما لذة العلم فلذة عقلية روحانية، وهي تشبه لذة الملائكة وبهجتها، وفرقٌ بين اللَّذَّتين.

السادس عشر: أن غِنى المال مقرون بالخوف والحزن؛ فهو حزين قبل حصوله خائف بعد حصوله، وكلما كان أكثر كان الخوف أقوى، وغِنى العلم مقرون بالأمن والفرح والسرور.

السابع عشر: أن الغِنى بالمال هو عين فقر النفس، والغِنى بالعلم هو غناها الحقيقي، فغناها بعلمها هو الغِنى، وغناها بمالها هو الفقر.

الثامن عشر: أن من قُدِّم وأُكرم لماله، إذا زال ماله ذهب تقديمه وإكرامه، ومن قُدِّم وأُكرم لعلمه، فإنه لا يزداد إلا تقديمًا وإكرامًا.

التاسع عشر: أن غَنيَّ المال يُبغِض الموتَ ولقاء الله؛ فإنه لحبِّه مالَه يكره مفارقته ويحب بقاءه ... وأما العلم فإنه يُحبِّب للعبد لقاء ربه، ويزهِّده في هذه الدنيا ... الفانية.

العشرون: أن الأغنياء يموت ذكرهم بموتهم، والعلماء يموتون ويحيا ذكرهم.

مراتب العلم:
أولها: حسن السؤال، الثانية: حسن الإنصات والاستماع، الثالثة: حسن الفَهم، الرابعة: الحفظ، الخامسة: التعليم، السادسة: وهي ثمرته وهي العمل به ومراعاة حدوده.

ذَوْقُ حلاوة القرآن بتدبر قراءته:
وبالجملة فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر فإنه ... يورث المحبة والشوق، والخوف والإنابة، والتوكل والرضا، والتفويض والشكر والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يزجُرُ عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه.

فلو علِم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر، لاشتغلوا بها عن كل ما سواها ... فقراءةُ آيةٍ بتفكرٍ وتفهُّمٍ خيرٌ من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن.

فرح التائب بتوبته:
التوبة توجب للتائب آثارًا عجيبةً ... منها: أن الله سبحانه يحبه ويفرح بتوبته أعظمَ فرحٍ، وقد تقرر أن الجزاء من جنس العمل، فلا ينسى الفرحة التي يظفر بها عند التوبة النصوح.

وتأمل كيف تجد القلب يرقص فرحًا وأنت لا تدري سببَ ذلك الفرح ما هو، وهذا أمر لا يُحِسُّ به إلا حييُّ القلب، وأما ميت القلب فإنما الفرح عند ظَفَرِه بالذنب ولا يعرف فرحًا غيره.

فوازِنْ إذًا بين هذين الفرحين، وانظر ما يعقبه فرح الظفر بالذنب من أنواع الأحزان والهموم والغموم والمصائب، فمن يشتري فرحة ساعة بغمِّ الأبد؟ وانظر ما يعقبه فرح الظفر بالطاعة والتوبة النصوح من الانشراح الدائم والنعيم وطيب العيش، ووازن بين هذا وهذا، ثم اختَرْ ما يليق بك ويناسبك، وكلٌّ يعمل على شاكلته.

أهل الطاعة أهل النعمة المطلقة:
لو عرف أهل طاعة الله أنهم هم المُنعَمُ عليهم في الحقيقة، وأن لله عليهم من الشكر أضعاف ما على غيرهم وإن توسَّدوا الترابَ ومضغوا الحصى؛ فهم أهل النعمة المطلقة، وأنَّ مَن خلَّى الله بينه وبين معاصيه، فقد سقط من عينه وهان عليه، وأن ذلك ليس من كرامته على ربه، وإن وسَّع الله عليه في الدنيا ومدَّ له من أسبابها؛ فإنهم أهل الابتلاء على الحقيقة.

من آثر الراحة فاتته الراحة:
أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأن بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة والملذة، فلا فرحة لمن لا همَّ له، ولا لذةَ لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلًا استراح طويلًا، وإذا تحمل مشقة ساعةً قادته لحياة الأبد، وكلُّ ما فيه أهل النعيم المقيم فهو ثمرة صبر ساعة.

فوائد متفرقة:
المخلص لله إخلاصُه يمنع غلَّ قلبه ويُخرِجه ويزيله جملةً؛ لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبقَ فيه موضع للغلِّ والغِشِّ.

لا بد لكل نعمة من حاسد، ولكل حقٍّ من جاحد ومعاند.

الحياء ... سببه كمال حياة القلب، وتصوُّره حقيقة القبح ونفرته منه، وضدُّه الوقاحةُ والفحش، وسببه موت القلب وعدم نفرته من القبيح.

قلمٌ بلا علم حركةُ عابث.
سُئل بعض العلماء عن عشق الصور، فقال: قلوب غفلت عن ذكر الله، فابتلاها بعبودية غيره

فالقلب الغُفْلُ مأوى الشيطان ... قد التقم قلب الغافل يقرأ عليه أنواع الوساوس والخيالات الباطلة.

إذا كان القلب قاسيًا حجريًّا لا يقبل تزكيةً، ولا تؤثِّر فيه النصائح - لم ينتفع بكل علمٍ يعلمه؛ كما لا تنبت الأرض الصلبة ولو أصابها كلُّ مطر، وبُذر فيها كلُّ بَذْرٍ.

العلم طعام القلب وشرابه ودواؤه، وحياته موقوفة على ذلك، فإذا فقد القلبُ العلمَ فهو ميت، ولكن لا يشعر بموته.

التوفيق ألَّا يكِلَك الله إلى نفسك ... والخِذلان أن يخلَّيَ بينك وبين نفسك.

اللذة بالمحبوب تضعُف وتقوى بحسب قوة الحب وضعفه، فكلما كان الحب أقوى كانت اللذة أعظم؛ ولهذا تعظُم لذةُ الظمآن بشرب الماء البارد بحسب شدة طلبه للماء وكذلك الجائع، وكذلك من أحب شيئًا كانت لذته على قدر حبِّه إياه.

قيل: من عُرِض عليه حقٌّ فردَّه ولم يقبله، عُوقب بفساد قلبه وعقله ورأيه.

الرجل إما أن يكون بصيرًا، أو أعمى متمسكًا ببصير يقوده، أو أعمى يسير بلا قائد.

كلما طالت المخالطة ازدادت أسباب الشر والعداوة وقويت، وبهذا السبب كان الشر الحاصل من الأقارب والعُشراء أضعافَ الشر الحاصل من الأجانب والبعداء.

محبة العلم من علامات السعادة، وبغض العلم من علامات الشقاوة، وهذا كله إنما هو في علم الرسل الذي جاؤوا به، وورَّثوه للأمة لا في كل ما يسمَّى عِلمًا.

لا راحة للمؤمن دون لقاء ربه، والدنيا سجنه حقًّا؛ فلهذا تجد المؤمن بدنُهُ في الدنيا وروحُهُ في المحل الأعلى.

المحب الصادق إن نطق نطق لله وبالله، وإن سكت سكت لله.

العلم غِنًى بلا مال، وعزٌّ بلا عشيرة، وسلطان بلا رجال.

من قواعد الشرع والحكم أيضًا أن من كثُرت حسناته وعظمُت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر - فإنه يُحتمل له ما لا يُحتمل لغيره، ويُعفى عنه ما لا يعفى عن غيره ... وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فِطَرِهم: أن من له ألوف من الحسنات، فإنه يُسامَح بالسيئة والسيئتين ونحوها ... والله سبحانه يوازن يوم القيامة بين حسنات العبد وسيئاته، فأيهما غلب كان التأثير له.

أحسن ما أُنفقت فيه الأنفاسُ التفكر في آيات الله وعجائب صنعه، والانتقال منها إلى تعلق القلب والهمة به دون شيء من مخلوقاته.

كان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: من فارق الدليل ضلَّ السبيل، ولا دليل إلا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال سفيان الثوري: من أراد الدنيا والآخرة، فعليه بطلب العلم.

قال بشر: لو فكر الناس في عظمة الله ما عصَوه.

قيل: إذا استكمل العبد حقيقة اليقين، صار البلاء عنده نعمة والمحنة منحة.

كان الحسن إذا رأى السحاب قال: في هذا والله رزقُكم، ولكنكم تُحرمونه بخطاياكم وذنوبكم.

أزهد الناس في العالِم أهله وجيرانه، وأرغبهم فيه البعداء عنه.

حرَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم كلَّ ذي نابٍ من السباع ومِخْلَبٍ من الطير؛ لضرره وعدوانه وشره، والمغتذي شبيه بالغاذي، فلو اغتذى بها الإنسان لصار فيه من أخلاقها وعدوانها وشرها ما يشابهها به؛ فحرم على الأمة أكلها.

لو رأى العبد ما في البحر من ضروب الحيوانات والجواهر والأصناف التي لا يحصيها إلا الله، ولا يعرف الناس منها إلا الشيء القليل الذي لا نسبة له أصلًا إلى ما غاب عنهم - لرأى العجب، ولَعَلِمَ سَعةَ ملكِ الله وكثرة جنوده التي لا يعلمها إلا هو.

الجزاء من جنس العمل؛ فمن عفا عفا الله عنه، ومن سامح أخاه في إساءته سامحه الله في إساءته، ومن أغضى وتجاوز تجاوز الله عنه، ومن استقصى استقصى الله عليه ... فالله عز وجل يعامل العبدَ في ذنوبه بمثل ما يعامل به العبدُ الناسَ في ذنوبهم.
فمن أحب أن يقابل اللهُ إساءته بالإحسان، فليقابل هو إساءة الناس إليه بالإحسان.

تأمل هذا الخُلُقَ الذي خُصَّ به الإنسان دون جميع الحيوان؛ وهو خلق الحياء، الذي هو من أفضل الأخلاق وأجلِّها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا، بل هو خاصية الإنسانية؛ فمن لا حياء فيه، ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء.

إذا كان للذنوب عقوبات ولا بد، فكلما عُوقب به العبد من ذلك قبل الموت خيرٌ له مما بعده وأيسر وأسهل كثيرًا.

خُصَّ الذَّكَرُ بأن جمل وجهه باللحية وتوابعها؛ وقارًا وهيبة وجمالًا، وفصلًا عن سنِّ الصبا، وفرقًا بينه وبين الإناث.

من بُلِيَ بالآفات صار من أعرف الناس بطرقها، وأمكنه أن يسُدَّها على نفسه وعلى من استنصحه من الناس، ومَن لم يستنصحه.

من بنى أمره على ألَّا يقفَ عن ذنب، ولا يقدم خوفًا، ولا يَدَعَ لله شهوةً، وهو فرِحٌ مسرور يضحك ظهرًا لبطن إذا ظفر بالذنب - فهذا الذي يُخاف عليه أن يُحاَل بينه وبين التوبة ولا يُوفَّق لها.

الله سبحانه إذا أراد بعبده خيرًا، أنساه رؤية طاعاته ورفعها من قلبه ولسانه ... فعلامة السعادة أن تكون حسنات العبد خلف ظهره وسيئاته نَصْبَ عينيه، وعلامة الشقاوة أن يجعل حسناته نصب عينيه وسيئاته خلف ظهره.

شهود العبد ذنوبه وخطاياه توجب له ألَّا يرى لنفسه على أحد فضلًا ولا له على أحد حقًّا ... وإذا شهِد ذلك من نفسه، لم يرَ لها على الناس حقوقًا من الإكرام يتقاضاهم إياها ويذمهم على ترك القيام بها ... فيرى أن من سلَّم عليه أو لَقِيَهُ بوجه منبسط، فقد أحسن إليه وبذل له ما لا يستحقه، فاستراح هذا في نفسه، وأراح الناس من شكايته وغضبه على الوجود وأهله، فما أطيب عيشه! وما أنعم باله! وما أقر عينه!

الله تعالى لا يتكرم عليه أحد وهو أكرم الأكرمين، فمن ترك لوجهه أمرًا أو فعله لوجهه، بذل الله له أضعاف ما تركه من ذلك الأمر أضعافًا مضاعفة، وجازاه بأضعاف ما فعله لأجله أضعافًا مضاعفة.

لله سبحانه من الحِكم في ابتلائه أنبياءه ورسلَه وعبادَه المؤمنين ما تتقاصر عقول العالمين عن معرفته، وهل وصل من وصل إلى الغايات المحمودة والنهايات الفاضلة إلا على جسر المحنة والابتلاء؟

طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وويل لمن نسيَ عيبه وتفرغ لعيوب الناس، هذا من علامة الشقاوة، كما أن الأول من أمارات السعادة.

لمَّا كانت خاصة العقل النظرَ إلى العواقب والغايات، كان أعقل الناس أتركَهم لِما ترجحت مفسدته في العاقبة، وإن كانت فيه لذة ما ومنفعة يسيرة بالنسبة إلى مضرته.

كثيرًا ما يقرِن تعالى بين هذين الاسمين (العزيز الحكيم) في آيات التشريع والتكوين والجزاء؛ ليدل عباده على أن مصدر ذلك كله عن حكمة بالغة وعزة قاهرة.

الطِّيَرَةُ من الشرك وإلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، يكبُر ويعظُم شأنها على من أتبعها نفسه واشتغل بها وأكثر العناية بها، وتذهب وتضمحل عمن لم يلتفت إليها ولا ألقى إليها بالًا ولا شغل بها نفسه وفكره ... والمتطير متعب القلب، منكد الصدر، كاسف البال، سيئ الخلق، يتخيل من كل ما يراه أو يسمعه، أشد الناس خوفًا، وأنكدهم عيشًا، وأضيقهم صدرًا، وأحزنهم قلبًا.



فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
شبكة الألوكة


الساعة الآن 07:34 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام