نبه الله بقوله: {..َإِلَيْهِ النُّشُورُ} .. على أنَّا في هذا المسكن غير مستوطنين ولا مقيمين، بل دخلناه عابري سبيل .. فلا يحسن أن نتخذه وطنًا ومستقرًّا، وإنما دخلناه لنتزوَّد منه إلى دار القرار ..فهو منزل عبور لا مستقر حبور، ومعبر وممر لا وطن ومستقر.
فأمرهم بالصبر: وهو حال الصابر في نفسه، والمصابرة: وهي حاله في الصبر مع خصمه، والمرابطة: وهي الثبات واللزوم والاقامة على الصبر والمصابرة.
فقد يصبر العبد ولا يصابر، وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبُّد بالتقوى .. فأخبر سبحانه أن ملاك ذلك كله التقوى، وأن الفلاح موقوف عليها فقال تعالى {.. وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
فالمرابطة كما أنها لزوم الثغر الذي يُخاف هجوم العدو منه في الظاهر، فهي لزوم ثغر القلب لئلا يدخل منه الهوى والشيطان فيزيله عن مملكته.
قال ابن القيم زاد المعاد (3/477) : " واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولاً مرارة الهزيمة والكسرة مع كثرة عَدَدِهم وعُدَدِهم وقوة شوكتهم ليضع رؤوسا رفعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله واضعا رأسه منحنيا على فرسه حتى إن ذقنه تكاد تمس سرجه تواضعا لربه وخضوعا لعظمته واستكانة لعزته " انتهى .
وقال الله تعالى : ( وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ) آل عمران/141
قالبلاء درسٌ من دروس التوحيد والإيمان والتوكل
يطلعك عمليّاً على حقيقة نفسك لتعلم أنك عبد ضعيف، لا حول لك ولا قوة إلا بربك، فتتوكل عليه حق التوكل، وتلجأ إليه حق اللجوء، حينها يسقط الجاه والتيه والخيلاء، والعجب والغرور والغفلة، وتفهم أنك مسكين يلوذ بمولاه، وضعيف يلجأ إلى القوي العزيز سبحانه.
قال ابن القيم : " فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا ، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله ، يستفرغ به من الأدواء المهلكة ، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه : أهَّله لأشرف مراتب الدنيا ، وهي عبوديته ، وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه " انتهى .
فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سُبُل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد.
قال الجنيد: "والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة، لنهدينهم سبل الإخلاص" .. ولا يتمكن من جهاد عدوه في الظاهر إلا من جاهد هذه الأعداء باطنًا ..
فمن نُصِرَ عليها نُصِرَ على عدوه، ومن نُصِرَت عليه نُصِرَ عليه عدوه.
أن الذنوب إذا تكاثرت، طُبِعَ على قلب صاحبها فكان من الغافلين ..
يقول تعالى {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]
قال بعض السلف: هو الذنب بعد الذنب.
وقال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب.
وقال غيره: لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم أحاطت بقلوبهم.
وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية .. فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصير رانًا، ثم يغلب حتى يصير طبعًا وقفلاً وختمًا فيصير القلب في غشاوة وغلاف .. فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة، انتكس فصار أعلاه أسفله فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث أراد.
قوله تعالى عن يوسف نبيه، أنه قال: {.. أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101]
جمعت هذه الدعوة الإقرار بالتوحيد والاستسلام للربِّ، وإظهار الافتقار إليه والبراءة من موالاة غيره سبحانه .. وكون الوفاة على الإسلام أجلُّ غايات العبد وأن ذلك بيد الله لا بيد العبد، والاعتراف بالمعاد وطلب مرافقة السعداء .
جمع في هذا الدعاء بين حقيقة التوحيد وإظهار الفقر والفاقة إلى ربِّه ووجود طعم المحبة في التملق له، والإقرار له بصفة الرحمة وأنه أرحم الراحمين والتوسل إليه بصفاته سبحانه وشدة حاجته هو وفقره، ومتى وجد المبتلى هذا كشفت عنه بلواه.
متضمن لكنز عظيم .. وهو أن كل مراد إن لم يرد لأجله ويتصل به فهو مضمحل منقطع ..
فإنه ليس إليه المنتهى وليس المنتهى إلا إلى الذي انتهت إليه الأمور كلها فانتهت إلى خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه،
فهو غاية كل مطلوب ..
وكل محبوب لا يحب لأجله، فمحبته عناء وعذاب .. وكل عمل لا يراد لأجله فهو ضائع وباطل .. وكل قلب لا إليه، فهو شقي محجوب عن سعادته وفلاحه ..
فاجتمع ما يراد منه كله في قوله: { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ ..} .. واجتمع ما يراد له كله في قوله: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} فليس وراءه سبحانه غاية تطلب وليس دونه غاية إليها المنتهى.
فقاس من حمَّله سبحانه كتابه ليؤمن به ويتدبَّره ويعمل به ويدعو إليه، ثم خالف ذلك ولم يحمله إلا على ظهر قلب .. فقراءته بغير تدبُّر ولا تفهُّم ولا اتباع له ولا تحكيم له وعمل بموجبه، كحمار على ظهره زاملة أسفار لا يدري ما فيها وحظه منها حمله على ظهره ليس إلا.
فحظه من كتاب الله كحظ هذا الحمار من الكتب التي على ظهره .. فهذا المثل وإن كان قد ضُرِبَ لليهود فهو متناول من حيث المعنى لمن حمل القرآن فترك العمل به ولم يؤد حقه ولم يرعه حق رعايته.
"وقد اشتملت هذه الكلمات الثلاث (الإعطاء، والتقوى، والتصديق بالحسنى) على الدين الذي يدور على ثلاث قواعد (فعل لمأمور وترك لمحظور وتصديق الخبر)
في الأزمات
"ما أعجلَك!
في كل شوكة بلاء تُشاك بها ترجو الفرَج أن يلازمه !
تستبطِئه، فلا تفطن أنهُ -سبحانه- يريد لك خيرًا عظيمًا وأنت تريد خيرًا مؤقتًا.."
( وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا )
(لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ ۖ إِنَّا مُنَجُّوكَ﴾
عندما تربتُ على قلبكَ آية
في الحياة ••
نحن لانختار بأي طريقة نموت
ولكننا نختار بأي طريقة نعيش
أبو بكر مات على فراشه
وعمر وعلي مطعونين في صلاة الفجر ..
وعثمان مذبوحًا على المصحف وأبو عبيدة بالطاعون ..
كل واحدِ منهم مات بطريقة ولكنهم جميعاً عاشوا لله..
الإنسان عبد ولا بد:
فإما أن يكون عبداً لله الواحد القهار بامتثال أمره واجتناب نهيه، وفي ذلك عزه وشرفه وسعادته في الدنيا والآخرة.
وإما أن يكون عبداً لغير الله؛ من الشياطين والأهواء والشبهات والشهوات والأرباب المتفرقة فيكون مع المنافقين والكفار والمشركين، (بِئْسَ للظالمين بَدَلاً)
د,حسين الفيفى
{ فأوجس في نفسه خيفة موسى }
إذا أوجست خيفة في نفسك فهو اعتراف بضعفك ، فاستمسك بقوة ربك
{ قلنا لاتخف إنك أنت الأعلى }
مخرج طوارىء :
"فَفِرُّوا إِلَى اللَّه"
{ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع}
{فأذاقها الله لباس الجوع والخوف}
في آية البقرة قدم {الخوف}
لأن الحديث عن الابتلاء {ولنبلونّكم} وفي آية النحل قدم {الجوع} لأن الحديث فيها عن الرزق والنعم وشكرهما لله تعالى، ألا ترى بعدها قوله تعالى {واشكروا نعمة الله}