من الأشياء التي علمها لنا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يهادن فيها، بل جعلها الأساس الذي يؤسس به المسلم شكله الخارجي وهيئته التي يدعو الناس بها للإسلام، هي النظافة، فالمجتمع المسلم مجتمع نظيف.
وهذه النظافة ليست ذوقًا شخصيًا في المجتمع المسلم، بل هي سلوك إسلامي، وعبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه، وقُربةٌ من القُرَبِ؛ فهي عند المسلم شطر الإيمان؛ فعن أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ…” رواه مسلم.
وقد جعل الإسلام النظافة والطهارة من خلال ركن الوضوء شرط لصحة الصلاة، فلا تصح صلاة بلا وضوء. كما أن الوضوء يضفي على المسلم بهاء في الدنيا والآخرة؛ ففي الحديث الصحيح أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ” رواه البخاري.
وقد اهتم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكون المسلم نظيفا، وجعل ذلك وةشدد عليه في نظافة خمسة أشياء، تصد عن المسلم الوباء والمرض، وتحافظ على صحته وهيئته، وتجعل منه إنسانا صحيح البدن والعقل، وهذه الأشياء هي:
نظافة البدن:
اعتنى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنظافة بدنِ المسلم، فندب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غسل اليدين عند الاستيقاظ من النوم، وكذلك عند الذهاب إلى النوم؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْرِغْ عَلَى يَدِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي إِنَائِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِيمَ بَاتَتْ يَدُهُ” رواه مسلم.
كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى المضمضمة بعد الطعام الدسم، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ، وَقَالَ: “إِنَّ لَهُ دَسَمًا” رواه البخاري.
وجعل النبي نظافة البدن مستمرة من خلال الوضوء خمس مرات يوميا في خمس صلوات، وإذا كان الوضوء يغسل الأعضاء الظاهرة من جسد الإنسان فإنَّ باقي جسد الإنسان له حظ أيضا من النظافة في الإسلام؛ فهناك أغسال واجبة لتطهير بدن المسلم من الحدث الأكبر، كما هناك أغسال مسنونة ومستحبة، وعن الغسل الواجب جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ” رواه البخاري.
وأرشد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته بوجوب الاغتسال عند حصول الجنابة، كما يجب الغسل أيضًا عند الاحتلام إذا صاحب هذا خروج المني؛ فعنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ الْغَسْلُ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: “نَعَمْ. إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ” فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَة،َ فَقَالَتْ: تَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “فَبِمَ يُشْبِهُ الْوَلَدُ؟!” رواه البخاري.
و يجب على المرأة أن تغتسل إذا هي طهُرت من الحيض أو النفاس؛ فعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ، قَالَ: “خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ، فَتَطَهَّرِي بِهَا” قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ؟ قَالَ: “تَطَهَّرِي بِهَا” قَالَتْ: كَيْفَ؟ قَالَ: “سُبْحَانَ اللهِ! تَطَهَّرِي”. فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ، فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ” رواه البخاري.
وهناك غسل مسنونة مثل غسل الجمعة؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ” رواه البخاري.
وهناك السواك والطيب أيضا، ممَّا يجعل المسلم يغدو إلى بيت الله نظيفا متطيبا؛ فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَسِوَاكٌ، وَيَمَسُّ مِنْ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ” رواه مسلم.
وحثَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عناية المسلم بسنن الفطرة، وهي لونٌ من ألوان النظافة العامة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْآبَاطِ” رواه البخاري.وحثَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عناية المسلم بسنن الفطرة، وهي لونٌ من ألوان النظافة العامة
وحثَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عناية المسلم بسنن الفطرة، وهي لونٌ من ألوان النظافة العامة
نظافة الثياب:
يجب على المسلم أن يكون نظيف الثياب حتى تتم الوقاية لجسده، فثوب المسلم طاهر، حتى يستطيع أن يؤدي ما عليه من عبادات؛ فعَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: “تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ” رواه البخاري.
اهتم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنظافة المكان الذي يعيش فيه المسلم؛ فعن سَعِيدِ بْنَ الْمُسَيَّبِ رضي الله عنه يَقُولُ: “إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، فَنَظِّفُوا -أُرَاهُ قَالَ- أَفْنِيَتَكُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ” قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِيهِ عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: “نَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ”.
نظافة البيئة:
أرشد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته إلى نظافة الجسد والثوب والمكان أرشدهم إلى نظافة البيئة المحيطة بهم؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنْ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ” رواه مسلم.
وجعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إماطة الأذى عن الطريق شعبةٌ من شُعب الإيمان؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ” رواه مسلم.
كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى المحافظة على بيئتهم وعدم إفسادها، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم من التبول في أي مكان يرتاده الناس؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ” رواه مسلم.
نظافة الغذاء:
هناك أحاديث أتت لتعلم الأمة قيمة نظافة الطعام حديث مسلم الذي نهى فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أكل الصيد الذي ينتن؛ فعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ، فَغَابَ عَنْكَ فَأَدْرَكْتَهُ، فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ” رواه مسلم.
كما نهى الشارب أن يتنفس في الإناء حتى لا يلوثه؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ..” رواه البخاري.
وأمر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمحافظة على الطعام نظيفا بعيدا عمَّا يلوثه فأرشد أمته إلى تغطية الأواني التي تشتمل على الطعام، وقد سبق أمر النبي بتغطية الطعام والشراب عند النوم، وهذا الأمر غير مقصور على حال النوم فقط، بل يعم جميع الأحوال؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: جَاءَ أَبُو حُمَيْدٍ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ مِنْ النَّقِيعِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَلَّا خَمَّرْتَهُ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضَ عَلَيْهِ عُودًا” رواه البخاري.
كما وضع الرسول للمسلمين جملةً من الآداب المصاحبة للطعام، من ذلك ذكر اسم الله على الطعام؛ فعَنْ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَا غُلَامُ سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ” رواه البخاري.
وأن يتناول الآكل الطعام معتدلا لا متكئا؛ فعَنْ أبي جُحَيْفَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا آكُلُ مُتَّكِئًا” رواه البخاري.
وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى غسل اليدين قبل الطعام، ليتفادى ما قد يكون عليهما من الأوساخ، لما جاء في سنن النسائي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ غَسَلَ يَدَيْهِ” رواه النسائي.