وتأملوا معي هذا هو السبب، ليس السبب أنك غير مقتنع بالمنهج الرباني، ليس السبب في مخالفة بني إسرائيل للمنهج الرباني الذي جاء به موسى عليه السلام أنهم لم يكونوا على قناعة أو دراية بذلك المنهج، أبداً.
السبب أنه قد جاء بما لا تهوى أنفسكم!
هوى النفس، أخطر الأمراض في التعامل مع المنهج الرباني هوى النفس ولذلك القرآن يحدثني في آيات عديدة فيقول (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ (23) الجاثية) الهوى قد يصبح إلهًا يُعبَد من دون الله!
والمطلوب من الدين أن تتحرر من هواك، أن تتحرر من أي سلطان إلا الخضوع والانقياد لأمر الله عز وجل،
وهم في الأصل كانوا يستفتحون على الناس في المدينة، على العرب ويتباهون ويتفاخرون أنه قد أظلّنا زمان سيظهر فيه لنا نبي جديد من أنبياء بني إسرائيل، كيف كان موقفهم؟ .
عرفوا بأنه هذا هو الكتاب الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم حقاً
عرفوا بذلك ولكنهم تجاهلوا تلك المعرفة، لماذا؟
لأن تلك المعرفة قد تناقض ما تهواه أنفسهم وتتشوف إليه ولذا القرآن قال
هذه هي الحقيقة، هذه هي النتائج التي ترتبت على ذلك التعامل الأعوج مع المنهج الرباني من قِبَل بني إسرائيل، المتاجرة بالدين لا يمكن أن تكون لها نتيجة أخرى ولذلك عادت الآيات من جديد في الآية 92 تقول (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ) تذكّرهم (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ) إن كنتم لا تريدون اتباع النبي صلّ الله عليه وسلم لأنه ليس من بني إسرائيل فما تقولون على النبي موسى عليه السلام الذي أرسله الله إليكم؟ وعلى الرغم من ذلك اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون! كيف تفسّرون ذلك؟! وكيف تفسّرون أن الله قد أخذ الميثاق عليكم (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ) ولكن لم تكن النتيجة هي الاتّباع بل كانت النتيجة (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ (93)).
إن كان الإيمان لا يولّد لديك قوة دافعة للاتباع والطاعة والأخذ بقوة بذلك المنهج فما قيمة ذلك الإيمان؟!
ما قيمة أن تقول أنا مؤمن باللسان ولكن الفعل في الواقع يخالف ذلك القول؟!
ما قيمة ذلك كله؟
إن كان ذلك النوع من الإيمان الذي تدّعون يأمركم بقتل الأنبياء ومخالفة المنهج الرباني فبئس به من إيمان، هذا ادّعاء، هذا ليس إيمانًا، الإيمان التزام، الإيمان لا يمكن أن يبرر تلك الازدواجية بين الفعل والقول، الإيمان لا يبرر ذلك، الإيمان لا يجعلك تعيش في تناقض مميت بين ما تؤمن به في قلبك وبين ما تمارسه في حياتك وسلوكك.
حب الدنيا والركون إليها وكراهية الموت طبيعة واضحة تمامًا في أولئك القوم الذين تاجروا بالدين لأن الموت بالنسبة لهم يشكّل العالم الآخر الذي باعوه بثمن بخس هم اشتروا الدنيا ولكنهم باعوا الآخرة فشيء طبيعي أن يكره هذا النوع من البشر الموت تمامًا
لا يريد لحياته على الأرض أن تنتهي ولكن يُهيأ لهذا البشر أنه سيزحزح بذلك عن العذاب لأنه لا يزال لا يدرك حقيقة (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ (8) الجمعة) وأن الرب الذي كفرتهم به ستأتون إليه وتعودون إليه وسيوفيكم أعمالكم يوم القيامة ولذلك جاءت ختام الآيات فقال الله عز وجل (وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) ويأتي هذا النوع من التعامل بمختلف العداوات، الإنسان الذي يعيش هذه الازدواجية يعادي كل أحد يعادي الملائكة ويعادي الأنبياء ويعادي الكتب ويعادي الرسل لأنه ببساطه عادى نفسه، عادى المنهج الرباني الذي جاء به الله سبحانه وتعالى ولذلك جاءت الآية بقوله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ) يا محمد صلى الله عليه وسلم (آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) واضحات (وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ) لا يكفر بهذه الآيات الواضحة وبذلك المنهج العظيم الذي أنزله الله عليك إلا من خرج عن أوامر ربه سبحانه وتعالى.
ولذلك لما جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم مصدّق لما معهم
تأملوا المثل الرائع الذي تقدمه الآيات (نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ) وضعوه خلف ظهورهم، أرادوا أن يخفوا المنهج الرباني أرادوا أن يخفوا ما كُتب في التوراة ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم، التوراة جاءت تبشّر بالنبي صلوات الله وسلامه عليه، أرادوا أن يخفوا تلك المعلومات التي جاءت فيها فنبذوه وراء ظهورهم. أنت حين تتبع وتخالف المنهج الرباني لا بد أنك تتبع منهجًا آخر، لا يمكن أن تمشي في الدنيا دون اتّباع، مستحيل، إما أن تتبع المنهج الرباني وإما أن تتبع منهجًا آخر
إذن هم خالفوا المنهج الرباني لأجل أن يتبعوا الشياطين وتأتي الآيات في سياق الحديث عن أنبياء بني إسرائيل، موسى عليه السلام لم يكن هو النبي الوحيد الذي كذّب به بنو إسرائيل، كان من قبله أنبياء كان سليمان وكان داوود، لكن الموقف من كل هؤلاء الأنبياء كان لا يتغير، الموقف هو
يتاجرون بالدين، تعلّموا الأشياء المخالفة المناقضة للمنهج الرباني بما فيها السحر، تعلموا كيف يفرقون بين المرء وزوجه مخالفة للأمر الرباني، اتّبعوا السحر واتبعوا الشعوذة واتبعوا الأوامر الشيطانية
(وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ)
بئس بها من تجارة!
الساحر والمخالف للمنهج الرباني المنهج الذي أمر الله به عز وجل مهما درّ ذلك عليه من مكاسب دنيوية وقتية فهي خسائر في حقيقة الأمر وليست مكاسب على الإطلاق، خسر نفسه خسر آخرته خسر دنياه خسر كل شيء ولذلك تأملوا المعادلة الرائعة
لو كانوا يعلمون المعنى الحقيقي للتجارة الرابحة عبارة من أعظم التوجيهات في المنهج الرباين العبارة ليست موجهة لبني إسرائيل فحسب العبارة موجهة لنا جميعًا عليك أن تدرك المعنى الحقيقي للربح والخسارة من حيث تعتقد أنك تعتقد أنها ربحًا ولا تضيع على نفسك الفرصة وتخسر وأنت يُهيأ لك أنك تربح، اتباع المنهج الرباني في الحياة والسلوك كسب حقيقي ربح حقيقي في الدنيا وفي الآخرة
تأملوا في دقة النص القرآني وعدالته وإنصافه قال (كثير) قطعًا ليس الكل، هناك فئة من أهل الكتاب فئة اتبعت النبي صلّ الله عليه وسلم فئة كانت منصفة ولكنهم ليس بكثر لأن الكثير ودوا (لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً) يا ترى لماذا؟ لماذا أرادوا زعزعة وبلبلة الإيمان في نفوس أتباعه؟ لماذا أرادوا زعزعة المسلمين في إيمانهم واعتقادهم؟
(حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم)
حسد، ومرض الحسد لا يكون إلا بناء على هوى النفس، لا يحسد المؤمن إلا وقد امتلأ قلبه بالله والثقة واليقين بعطائه وقسمته للأرزاق بين خلقه، لا يمكن ولذلك القرآن يقول (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ الفلق) التعوذ من شر الحاسد لأن الحاسد يقع في إشكالية كبيرة، يقع في إشكالية اعتقادية حين يعتقد أن الرب الذي قسم الأرزاق ليس بمنصف حاشاه سبحانه، أعطى لفلان ولم يعطني أنا وأنا مستحق للعطاء أكثر من فلان، من الذي يقسم الأرزاق بين الخلق؟ الخالق أم المخلوق؟!
الحسد إشكالية خطيرة على الإنسان أن يتخلص منها وقد وقع فيها بنو إسرائيل حين توقعوا وتصوروا أن الأمة الإسلامية وأن الكتاب الذي أُنزل عليها وهو القرآن وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا يستحق أن يكون النبي الخاتم وأن الأمة الإسلامية لا تستحق أن تكون الأمة الخاتمة، من الذي يقسم الأرزاق؟ الله أم هم؟! ولذلك جاءت الآية (حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) هم يعرفون الحق، لا تقلق ولكن ليست الإشكالية في معرفة الحق فحسب الإشكالية الكبرى والمهمة أن تعرف الحق وتتبعه وتسير عليه (فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)).
إشكالية خطيرة بعض الأشخاص يقع في هذه الإشكالية فيقول فلان يدخل الجنة وفلان يدخل النار، إشكالية خطيرة تناقض ما جاء في كتاب الله عز وجل، لا تقل هذا القول أبدًا، لا يجوز، من يملك الجنة والنار هو الذي يحدد من يدخل ومن يخرج، نحن بشر، نحن دعاة لسنا بقضاة على أحد.
من الذي يحكم؟
(فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113))
لا تدخل في معارك خاسرة، هذه المعارك خاسرة، من الذي يحكم؟
الله سبحانه وتعالى، ما هو دورك؟
دورك أن تبين الحقيقة دورك أن تعرض الرسالة دورك أن تقدم المنهج الرباني وتسير عليه في حياتك أما الحكم على الناس وعلى الآخرين فليس من اختصاصك في شيء
التعديل الأخير تم بواسطة امانى يسرى محمد ; 08-05-2020 الساعة 07:49 PM
بدأ الجزء الثاني بتحديد أمر في غاية الأهمية ألا وهو القبلة، القبلة ذلك المكان الذي يتوجه إليه المسلمون في كل يوم على الأقل خمس مرات على مدار الـأربع وعشرين ساعة يتوجه المسلمون بقلوبهم وأبدانهم باتجاه القبلة وقد كان المسلمون في مكة يتوجهون حين فرضت الصلاة إلى بيت المقدس، في ذلك الوقت الذي كان العرب في الجاهلية يقدّسون البيت الحرام ويعظّمونه وهنا جاءت مسألة تحول القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام وبدأ الكلام في سورة البقرة في جزئها الثاني بقوله عز وجل (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ) السفهاء من اليهود، (مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)) معالم الهداية التي أذن الله بها لهذه الأمة في أدق تفاصيل حياتها وشعائرها وعباداتها.
ورب العالمين سبحانه وتعالى في الآية الثانية يبين الحقيقة الواضحة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)
هذه الأمة المسلمة التي بني اعتقادها في الجزء الأول من سورة البقرة هذه الأمة التي أبان الله لها معالم الهداية في سورة البقرة العظيمة وفي كتابه الكريم معالم المنهج أراد الله لها أن تكون أمة وسطا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)
إذاً هي الوسطية فلا إفراط ولا تفريط، لا غلو ولا تفريط في شيء من الأشياء، أمة وسط في اعتقادها أمة وسط في شعورها أمة وسط في معالم مناهجها أمة وسط في أخلاقياتها وتوجهاتها الوسطية هي الصبغة التي أراد الله لهذه الأمة أن تكون فيها والوسطية ليست شعارًا الوسطية في هذه الأمة ليست إدعاء وإنما هي لب تشريعاتها ولب قدرتها على التفاهم في المنهج الرباني وتنفيذه في واقع الحياة، إذن هي الوسطية.
وأراد الله لهذه الأمة وحدد في الجزء الثاني ومنذ بدايته أن هذه الأمة يقع على عاتقها مهمة عظيمة مهمة الشهادة على الأمم (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) والشهادة هنا تكليف وتشريف.
الشهادة على الأمم هنا مرحلة تحضير لهذه الأمة أن تكون بمستوى التكليف الذي أراد الله لها عز وجل أن يكون لها التكاليف والتشريعات الشهادة على الأمم تقتضي من هذه الأمة الجديدة الأمة المسلمة الفتية التي بنيت دعائمها في المجتمع المدني ومع بدايات نزول سورة البقرة إلى نهاياتها. هذه الأمة لها خصائص من أعظم خصائصها ومنذ البداية أن تستشعر بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقها وهذا ما حدث في بداية هذا الجزء.
أما تحول القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام ففيه وقفات عديدة جداً:
واحدة من أهم هذه الوقفات أن تحول وتوجه المسلمين في مكة من البيت الحرام إلى بيت المقدس إنما كان لنزع فتيل القومية والتعصب إلى نعرة مهما كانت تلك النعرة، العرب في الجاهلية كانوا يرون عظمتهم ومجدهم في البيت الحرام وفي ذلك الوقت كان توجه المسلمين في الصلاة نحو بيت المقدس لماذا؟
لينتزع فتيل النعرات والتعصبات القومية، ليجعل التعصب الوحيد والولاء والانتماء الوحيد للدين وليس لقوم ولا لجنس ولا لأرض فانتزع ذلك من هذه الأمة وهي لا تزال مجرد مجموعة من الأفراد المستضعفين في مكة ولنا أن نتخيل حجم التحدي الذي واجهه المسلمون المستشعفون في مكة وهم يديرون وجوههم في اتجاه بيت المقدس في الوقت الذي هم فيه في مكة وبين ظهراني قريش. ولكن هذه الأمة أريد لها ومنذ أول كلمة أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم أن تكون متميزة في كل شيء أن تكون قوية ومختلفة في كل تصوراتها واعتقاداتها ليست لأجل الاختلاف والتميز في حد ذاته ولكن لكي تصلح وتوضح ما قد فسد في الأمة السابقة.
موضوع تحول القبلة كان موضوعًا في غاية الأهمية بالنسبة للمسلمين وبالنسبة لتعاملهم مع اليهود ومع غيرهم (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) لماذا هي ليست كبيرة على الذين هدى الله؟
لأن من هداه الله سبحانه وتعالى هو يتبين معالم المنهج الرباني، هو منقاد، هو خاضع في كل جزئيات حياته واعتقاده وتصوره باتجاه المنهج الرباني، لا يكبر عليه شيء ولا يعظُم عليه شيء ولا يقف أمامه تحدي لأنه يبتغي الهداية ويرى الهداية في ذلك المنهج الرباني فكل ما يأتي من الله سبحانه وتعالى هو يرى فيه الهداية، تستسلم نفسه وروحه تنقاد إلى ذلك المنهج الرباني بمنتهى رحابة الصدر.
هم يعلمون أن الحق في المنهج الذي قد أتيتَ به، هم يعلمون تماماً أن الحق في هذا القرآن العظيم فقد أوتوا الكتاب أوتوا التوراة من قبلك ويعلمون أين الحق وأين الباطل ولكن الفارق كبير بين من يعلم الحق فيتبعه وبين من يعلم الحق ولكنه ينكره لأنه يخالف هوى نفسه!
ولذلك جاءت القاعدة الحاسمة مبينة للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين
أنت يا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة المسلمة الجديدة أنتم أمة متميزة أنتم أمة أصبحت في موقع القيادة لغيرها من الأمم، عليك أن تشعر بهذا في أعماق نفسك عليك أن تكون مؤمناً بأنك فعلاً على الحق وأن المنهج الذي أُنزل في هذا القرآن هو الحق ولا حق سواه، وأن ما حدث من تحريف في الديانات السابقة من يهودية ونصرانية أتت على تلك الديانات وجعلت تلك الديانات والتعاليم المحرّفة مجرد أهواء شخصية ومصالح شخصية ما عادت أديانًا!
ولذلك قال ربي (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) إذاً ما عادت ديانة يهودية ولا نصرانية عادت أهواء ومصالح شخصية (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) اشعُر بالتميز وبالنعمة التي أنعم الله بها عليك وفي هذا شيء عظيم جداً أن هذه الأمة المسلمة التي أنزل الله سبحانه وتعالى عليها القرآن لا بد أن يكون لديها قناعة بالحق الذي نزل عليها، اِعلم أن كل تلك المعارك المصطنعة ليست معارك دينية، ترفع باسم الدين ولكنها معارك أهواء ومطامع ومصالح شخصية.
القائد الحق لا يقول للناس أنا قائد وعليكم أن تتبعوني وتسيروا خلفي،
القائد الحق يقود الأمم ويقود الآخرين بتصرفاته بأفعاله بسلوكياته التي تقول للناس فعلاً لا قولًا
أن الاتباع والسير على هذا المنهج فيه الخير وفيه الصلاح.
فقيادة الأمة المسلمة في اتباع المنهج وتشريعاته وحين لا تسير على ذلك المنهج الرباني في تفاصيل الحياة لا تصبح مؤهلة لتلك القيادة ولا للشهادة على الأمم والأمم الأخرى مطلوب منها أن تسير وراء تلك القيادة ليس لأنها مجرد سائرة هكذا فالسير هنا ليس مجرد تقليد أعمى وإنما هو سير على الحق الذي يظهر نور الهداية فيه في كل تعاليم وتشريعات المنهج الذي جاء لتلك الأمة، إذاً
وهنا تواصل الآيات العظيمة لتبين للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة باسرها أن الحق في المنهج الرباني وأن من آتيناهم الكتاب من اليهود والنصارى يعرفون ذلك الحق تماماً فلا تذهب نفسك حسرات ولا يذهب وقتك وجهدك عبثاً هكذا في معارك مصطنعة لكي تحاول أن تدخل معهم في نقاشات لتقنعهم بأن هذا هو الحق وذاك هو الباطل فهم يعرفون أين الحق وأين الباطل فالمسألة ليست معرفة،
فالمشكلة في النفوس التي ارتضت أن تكتم الحق حين لا يكون في جانبها حين لا يكون لا في صالحها حين لا يكون في صف مصالحها وأطماعها الشخصية الذاتية الحق يُكتم في مثل تلك الأحوال
سياق الآيات هنا ليحذر الأمة الإسلامية من خطر عظيم خطر كتمان الحق فالحق لا بد أن يظهر سواء كان يتماشى مع المصالح الشخصية للأفراد أو كان على عكس توجهاتهم ومصالحهم وأطماعهم الحق أحق أن يتبع والباطل أحق أن يزهق ويدمغ حتى ولو كان ذاك الباطل يسير وفق أهواء شخصية أو مصالح ذاتية. الحق جاء ليحق الحق بتعاليمه في الواقع ولم يأتِ لكي يخضع لأهواء الناس ومصالحهم
القضية ليست في مكان القضية ليست في زمان القبلة ما أريد لها لمجرد أن تكون مكان يتوجه إليه المسلمين وهنا وقفة عظيمة من الوقفات التي نحتاج وتحتاج الأمة المسلمة أن تستذكرها وتستحضرها في الوقت الحاضر: التوجه للقبلة من أعظم الأشياء التي تجمع قلوب المسلمين، التوجه نحو القبلة، أنتم تتوجهون باتجاه قبلة واحدة وبالتالي عليكم أن تلتفتوا إلى توجه القلوب باتجاه واحد نحو هدف واحد ولذا جاءت الآية (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) وحدة القبلة تحيي في قلوبنا وحدة الهدف ووحدة العمل الصالح مهما اختلفتم ومهما تباينت أماكن وجود هذه الأمة وأفراد الأمة على الأرض الهدف واحد العمل الصالح واستباق الخيرات أما فيما عدا ذلك