منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   لغتنا العربية (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   تدبر سورة آل عمران د. رقية العلواني (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=123065)

امانى يسرى محمد 24-05-2020 06:17 AM

تدبر سورة آل عمران د. رقية العلواني
 

اليوم نبدأ بثاني الزهراوين، اليوم نبدأ بالسورة التي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بتعلّمها فقال: "تعلّموا القرآن فإنه شافعٌ يوم القيامة، تعلّموا البقرة وآل عمران، تعلّموا الزهراوين فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صوافّ يحاجّان عن صاحبهما.
اليوم حديثنا عن سورة آل عمران، حديثنا عن السورة التي فيها آية قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم "ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكّر فيها (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ )".

سورة آل عمران. هذه السورة العظيمة المقصد الأساس منها أن تثبتني على منهج الحق، على منهج الهداية ولذلك ليس هناك معنى كبير أن يهديني الله سبحانه وتعالى ثم -والعياذ بالله- أنتكس وأزيغ عن طريق الهداية ولكن الخير العظيم أن يهديني ربي سبحانه فأثبت على ذلك الطريق، طريق الحق، طريق الهداية. ولذا هذه السورة العظيمة حوت العديد من الأدعية التي تبيّن معنى التضرع لله عز وجل كما في بدايتها حين يقول المؤمن
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب)
هذه الأدعية وتلك الابتهالات لله عز وجل تعكس خوف المؤمن والقلق الذي يصيبه من الزيغ، من الفتن، من الانتكاس والإنحراف عن طريق الهداية ومنهج الحق الذي ثبتته سورة البقرة في قلب المؤمن ولذلك كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم "يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك" الثبات، المحور الأساس الذي تدور حوله سورة آل عمران، السورة التي تدافع عن صاحبها بقدر ما يثبت في قلب صاحبها الإيمان بما جاء فيها وتطبيق ذلك المنهج والإيمان.

أوضحت السورة في بداياتها كيفية مواجهة التحديات المتنوعة، داخلية، خارجية، عقائدية، فكرية، نفسية، كل أنواع التحديات أوجزتها في الآيات الأول من السورة ثم فصّلتها في منتصف السورة جاءت بأشكال، جاءت بمواقف بعض هذه المواقف وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه وأوضحت كيفية التعامل مع تلك التحديات، واقع، تاريخ، ولكن هذا التاريخ الذي تعرضه سورة آل عمران أنا بحاجة إليه اليوم وأنا أقف مواقف متعددة متنوعة وأربط من خلالها ما يقع لي بأنواع تلك التحديات التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هذا في منتصف السورة، أشكال من التحديات وكيفية مواجهة التحديات ولم تكن السورة – كما سنأتي عليها في عرضها - تروح بالمؤمن إلى جو من المثالية بعيدًا عن الواقع، إطلاقاً، القرآن يعالج خلجات النفس البشرية الإنسانية بواقعية وليس بمثالية، يواجه الخلل، يواجه الضعف ويعلّم الإنسان كيف يتغلب على نقاط الضعف الموجودة عنده،

ثم جاءت خواتيم السورة بعد ذلك لتبين الخلاصة، الوصفة الموجزة لكيفية مواجهة التحديات وما بين البداية وما بين النهاية تأتي بنماذج من الأنبياء والصديقين والمؤمنين الذين ثبتوا على المنهج رغم كل التحديات التي واجهتهم في حياتهم. تأتي بنموذج مريم عليها السلام، تأتي بنموذج عيسى عليه السلام، تأتي بنموذج النبي صلى الله عليه وسلم والأصحاب الذين ثبتوا في المعارك والشدائد والصعوبات، تأتي بنماذج متعددة لتبين للمؤمن، المؤمن الذي يريد أن يتعلم سورة آل عمران ويجعلها في حياته، في واقعه نبراسًا نورًا يضيء له الطريق ولذلك سميت البقرة وآل عمران الزهراوين تنير، تضيء الطريق للمؤمن، كيف تضيء الطريق؟


................................



السورة بدأت كما بدأت سورة البقرة (الم) وبدأت كما بدأت سورة البقرة بالدعامة الأساس في قلب المؤمن "ثبات وهداية" عن طريق أيّ شيء؟
التوحيد.

قضية المؤمن الأساسية هي التوحيد، السورة تثبت التوحيد. وسورة آل عمران لم تقف عند قضية التوحيد فحسب بل عرضت للمؤمن العديد من الأمور والوسائل والتحديات التي يمكن أن تعرض له في طريق الحياة، تحديات فكرية، تحديات منطقية، تحديات متعلقة بالعقيدة والدين والتوحيد، تحديات نفسية، تحديات داخلية، تحديات خارجية، صراع مع فئات معينة في المجتمع وفي واقع الحياة

والسورة بعظمة الآيات التي جاءت فيها أوضحت للمؤمن السلاح الحقيقي الذي يمكن له أن يواجه بالتسلح به كل تلك التحديات والصعوبات،
القرآن يعالج خلجات النفس البشرية الإنسانية بواقعية وليس بمثالية، يواجه الخلل، يواجه الضعف ويعلّم الإنسان كيف يتغلب على نقاط الضعف الموجودة عنده، يعترف بوجود الضعف البشري الذي لا يمكن أن لا يعترف به الإنسان ولكن في نفس الوقت يعلم المؤمن المتبني لنهجه وآياته كيف يتعامل مع ذلك الضعف، كيف يترفع على الدنايا، كيف يترقي بنفسه، كيف يسمو بأخلاقياته لأجل أن يثبت على منهج الحق ومنهج الهداية.

(الم اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)
وتأملوا الربط بين هذه الآية وآية الكرسي التي هي أعظم آية في كتاب الله
(اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّ)
من هو ربك الذي تعبده؟
من هو الرب الذي تدين له قلباً وقالبًا في حياتك؟
من هو الرب الذي أسلمتَ له كل شيء في حياتك؟ من هو الربّ؟
(اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)
قائم على كل شيء سبحانه. ولذلك أول آيات السورة تعرّف المؤمن بربه عز وجل من خلال عرض صفاته وهذا الرب القائم على كل شيء في مملكته ومنهم البشر والناس ما تركهم دون منهج (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) هذا الكتاب، القرآن الذي بين يديك، المنهج، القرآن شافع لأصحابه الذين يتعلمونه ويعملون به، الذين يتلون آياته آناء الليل وأطراف النهار ويطبقونها ويسيرون عليها في حياتهم.

(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)
المنهج وهذا المنهج ما جاء هكذا من فراغ جاء
(مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ
هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ)
الآيات في بداية سورة آل عمران تعترف وتقدم للبشرية الكتب السماوية السابقة التي أنزلها الله على عباده، التوراة والإنجيل، كلها ما نزلت إلا لتكون هداية للبشرية، ما نزلت لأجل أن تفرّق، نزلت لأجل أن توحّد، نزلت لأجل أن تعلم الناس كيف يعيشون وكيف يتعاونون وكيف يصلون بالحق إلى المسار الذي ينبغي أن يصلوا إليه. وتأملوا الربط والصفة هنا للقرآن (وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ) والفرقان ومنذ تسميته هذه يعني أنه يفرق بين أمرين متضادين، يفرق بين الحق والباطل، يفرق بين الضلال والهدى، يفرق بين النور والظلام، فرقان وصفه ربي بأنه فرقان.


................................


(إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ )
ليس ثمة شيء تخفيه على الله عز وجل يعلم كل شيء، لا يخفى عليه شيء وبالتالي عليك أن تراقب الله في السر كما تراقبه في العلن لأنه لا يخفى عليه شيء. وبالتالي الثبات الذي نتكلم عنه الذي هو محور سورة آل عمران الأساس قضية قلبية قضية تبدأ بالقلب أولًا فعليّ أن أثبت الإيمان والتوحيد في قلبي وأتأكد من ذلك وأراقب الله عز وجل في ذلك الثبات.

(مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)
كتاب مُحكم مُتقن، متقن في صياغته، متقن في أحكامه، متقن في تشريعاته، كله على السواء ولكن منه آيات متشابهات هذه الآيات المتشابهات نزلت لأجل أن تكون اختبار ابتلاء للمؤمن التمسك بهذا الكتاب العظيم ماذا يفعل تجاه تلك الآيات التي قد لا يتضح المراد منها، ماذا يفعل الإنسان؟
يرد المتشابه إلى المحكم هذا حين يكون الثبات والهدى منهج متمرس متكرس في قلبه وهنا صفة رائعة وخلق ينبغي أن نضعه دائماً نصب أعيننا ونحن نأتي إلى القرآن: لا تأتي إلى القرآن وفي قلبك غاية سوى أنك تريد أن يهديك هذا القرآن إلى سواء السبيل لا تأتي للقرآن بغاية أخرى، إذا جئت للقرآن بغايات مختلفة تثبت رأياً شخصيًا أنت تدين به، تحاول أن تقوي وجهة نظرة معينة، كل هذه الأنواع من الغايات غايات فيها زيغ فيها انحراف لا بد أن يتخلص الإنسان منها. هذا القرآن من الشروط التي ينبغي أن تضعها أمامك لكي تهتدي به ولكي تطلق لقلبك العنان أن يهتدي بنوره أن تأتي إليه وأنت راغبٌ متضرعٌ إلى الله عز وجل أن يهديك به تقتبس منه الهداية تقتبس منه الشفاء.

(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)
أما أولئك الذين يأتون إلى القرآن بأفكار منحرفة، بغايات منحرفة فهؤلاء لا يمكن أبدًا أن يتنبهوا إلى هذه الحكمة الإلهية وإلى الاختبار الذي جعل في القرآن محكم ومتشابه بل يبدأون بمحاولات التأويل الفاسد، المحاولات الفاسدة التي لا يمكن أن تزيد الضالين إلا ضلالًا، أما المؤمن فلا تزيده تلك الآيات إلا هدى وثباتًا ورسوخًا.
ولذلك ختمت الآية السابعة في الحديث عن المحكم والمتشابه في القرآن
(وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ )

أولو الألباب حاضرون بشكل واضح في سورة آل عمران ولنا أن نتساءل لماذا؟ محور السورة الثبات على الحق والهدى لا يمكن أن يحدث ثبات على منهج الحق والهدى دون تبصر، دون تفكر دون تذكر، دون القيام بمستوى العمليات العقلية التي تؤكد للإنسان أن عليك أن تثبت على الحق الذي تؤمن به مهما بلغت التحديات الموجودة أمامك، مهما كان حجم التحديات لأن عادة الحق وأهل الحق أن يُبتلوا في الدنيا بشتى الابتلاءات بالخير بالشر هذه طبيعة الحياة، هنا تأتي أهمية الثبات.

كيف تثبت أمام كل تلك التحديات إن لم يكن لديك عقل وتكون من أصحاب الألباب والعقول الكبيرة التي تنظر إلى الأمام تنظر إلى العواقب تحاول أن تستحضر النتائج قبل أن تضع أقدامها على هذا الطريق أو ذاك، تفكّر، تدرس، تنظر إلى الأمور من جوانب وزوايا مختلفة نظرة استراتيجية،سورة آل عمران تعيد صياغة الإنسان المؤمن الثابت، تعطيه مواصفات، تعلّمه كيف يكون ثابتًا، كيف يكون راسخًا، لا يمكن أن يكون هناك ثبات ورسوخ دون أن يكون هناك تبصّر وتعقّل وتفكّر.


ولذا من أبرز وأهم مواصفات هؤلاء أولو الألباب الدعاء والتضرع والتوجه لله عز وجل فكيف يكون ذلك؟
أول الآيات بدأت بالتوجه لله (ربنا)
وهذا كلام أولو الألباب، كلام أصحاب العقول الكبيرة
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)
الزيغ أي الانحراف عن الحق الميل عن الحق وهو مرض يقع في القلب أولًا ثم ينعكس على تصرفات الإنسان وسلوكه وسورة آل عمران تعالج مرض الزيغ، لماذا سورة آل عمران تعالج الزيغ؟ لأن الزيغ نقيض الثبات


فأول سلاح يتسلح به أولو الألباب سلاح الدعاء التضرع لله عز وجل. علينا أن نستحضر وندرك أنت مهما كنت ومهما بلغت درجة الإيمان في قلبك والتوحيد إياك أن تتصور أنك تؤمن وتثبت على الحق دون رحمة الله عز وجل ومشيئته ولذلك أنت أولى بالضرع إليه أن يحفظ قلبك، أن يحفظ عليك إيمانك، توحيدك ولذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من هذا الدعاء
"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"


................................



الدنيا كبرت أو صغرت زادت ابتلاءاتها أو قلّت هي في النهاية ستنتهي أنا أؤمن أنها مجرد مرحلة وقتية وبالتالي لا أعطيها أكبر من حجمها فلا يذهب قلبي فرحًا ولا حزنا يبقى قلبي ثابتًا لأني مؤمن أن ربي جامع الناس ليوم لا ريب فيه، عليّ أن أعدّ العدة.

ثم تنتقل الآيات بعد ذلك لشيء آخر لنموذج من أناس لم يدركوا حقيقة الدنيا وحقيقة تحدياتها زاغوا فأزاغ الله قلوبهم نموذج آل فرعون، فرعون إنسان أُعطي من القوة وهذا تحدي من القوة والسلطان والجاه والمال والمنعة ما جعله يطغى ويستعلي على الآخرين فكيف كانت عاقبة هذا الفرعون؟
أولو الألباب أصحاب العقول الكبيرة تعطيهم سورة آل عمران وسيلة أخرى لمواجهة التحديات وكيفية الثبات على المنهج والهداية:
النظر في أحوال الأمم السابقة ولنا أن نفهم وأن نستحضر السورة نزلت على الجيل الأول جيل التلقي من المسلمين كانوا يرون أمام أعينهم كفار قريش اليهود النصارى وفد نجران الذين جاؤوا للنبي صلى الله عليه وسلم كانوا يروا قوى الباطل من حولهم وهذا تحدي كبير لأن المؤمن في حياته معرّض لأن يرى الباطل وهو منتشي يرى الباطل في قوة يرى الباطل فيه مال فيه جاه فيه سلطان فيه أناس يعززونه ويتحالفون معه هذا تحدي كبير كيف يثبت أمام هذا التحدي؟

تأتي الآيات في سورة آل عمران فتثبته
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)
كل الذين كفروا في صف واحد في خانة واحدة سبقهم ولاحقهم أولهم وآخرهم ميتهم وحيّهم كلهم في خانة واحدة
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ )
لا يزيغ قلبك أمام ما تراه من أموال ولا من قوة ولا من جاه ولا من منعة ولا من سلطان ولا من تحالفات لقوى الباطل الفاسدة لأنها لن تغني عنهم شيئًا،ويعطيك المثال الأول
(كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ)
هذا مثل واحد ولكن المؤمن يربط المؤمن ينتقل من شيء إلى آخر هكذا يعلمني لقرآن، آل فرعون كانوا نموذجًا وربما النماذج اللاحقة التي لحقت بآل فرعون ربما لم تبلغ ما بلغه الفرعون من قوة ومنعة ولكن النتيجة واحدة ولذلك جاء الكلام
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)
إذن أنت يا محمد صلى الله عليه وسلم وأنت تواجه تحديات الكفار والمشركين وقريش واليهود وغيرهم قل لهم
(سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ)
من أين جاءك هذا اليقين وهذا الثبات من الذي أخبرك بهذا؟
الرب الذي علمك في القرآن أن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا فقس اللاحق على السابق والحاضر على الغئب وكل قوى الباطل مهما تتابعت ومهما تغيرت صورها ومهما تغيرت أشكالها النتيجة التي ستلحق بهم واحدة طالما أنك حققت الشرط الإلهي شرط التوحيد والإيمان في قلبك وعدم الزيغ والثبات واليقين بالله سبحانه وتعالى.


يتبع



امانى يسرى محمد 26-05-2020 07:21 PM

رد: تدبر سورة آل عمران د. رقية العلواني
 
(قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا)
حصلت أمام أعينكم
(فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ)
ماذا كانت النتيجة؟
(وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ)


كن على ثقة، هذه المعاني التي تقدمها لي سورة آل عمران تحقق الثبات في قلبي تجعل قلبي يثبت على الإيمان يثبت على التوحيد يعلم أن الله ناصره يعلم أنه لا بد بعد الليل الحالك في ظلمته سيأتي الفجر، سيأتي النور، سيأتي النصر، لا يحفل بطول ساعات الليل لأنه يقضي تلك الساعات بالإيمان والتوحيد والتقرّب لله، ثابت، متأكد تمامًا لأن من وعده الله


(وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ )

أصحاب الأبصار الذين ينظرون في الواقع ويقرأون واقعهم من خلال آيات القرآن العظيم، أبصار ترى الشيء بعينك، كيف تراه بعينك؟




أنا لا أرى سوى أحداث تحصل أمامي اليوم في الواقع، أحداث، مجريات، أمور كيف أقرأها؟ القرآن يعلمني كيف أقرأها، أقرأها من خلال تلك الآيات التي أمامي في قلبي تعلمني أن الإنسان الذي كفر بربي فردًا كان أو جماعة مهما بلغت قوته مثل قوة فرعون أو أكثر لن تغني عنه لا أمواله ولا أولاده ولا حلفاؤه ولا أي شيء مما يرتكز عليه وأن النصر حليف المؤمنين ولكن لا ينبغي أنا أن أتكئ أن النصر حليف المؤمنين فأنا أعطي لنفسي شهادة بأني مؤمن أنا عليّ كإنسان أن أتأدب وأن أمارس التوحيد والإيمان في حياتي





ثم تنتقل آيات سورة آل عمران إلى الوسيلة التي تليها، وسائل الثبات التي أوجزتها في البداية. ما هي وسائل الثبات؟ إدراك حقيقة الدنيا كما هي لا تجعل الحقيقة مختلفة عن الواقع. ما هي حقيقة الدنيا؟
تأملوا دقة القرآن للفظ


(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ)
إذن هي زُينت ولكن هذا لا يعني أنها هي في الحقيقة هكذا، لا،
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ )


مغريات الدنيا لو لم تكن جميلة وحلوة وخضرة لَما اغترّ بها الناس ولَما أقبلوا عليها ولكن الزينة الموجودة فيها جزء من الاختبار والابتلاء، جميلة! تستهويني، تستهوي قلبي، تستهوي فكري، تستهوي حياتي، أميل إليها لأن شيء فعلًا يمكن أن يميل إليه الإنسان ولكن تأملوا كيف يأتي العلاج


(ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ)
عليك أن توازن. بعض الناس قد يقول أترك الدنيا؟ ومتاع الدنيا؟
الآية لا تقول هذا ولكن الآية حددت لك حجم هذه المغريات ووضعتها في الإطار الصحيح (ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ومن الذي عنده حسن المآب؟ ا


لله سبحانه وتعالى فلا يأخذك متاع الحياة الدنيا بعيدًا عن الله عز وجل، وازن بين الأمور، خذ من الدنيا ما أمر الله به أن تأخذ، لا تنسَ نصيبك من الدنيا وأحسِن كما أحسن الله إليك واستحضر دائمًا أن الله عنده حسن المآب.


..............................


من أكثر الأشياء التي تجعل الإنسان يستسلم ولا يثبت على الدين ولا يثبت على الحق ولا يثبت على الطاعة مغريات الدنيا. وإذا أردت مثالًا لذلك تأمل أحوالنا نحن البشر، في رمضان على سبيل المثال نكون في غاية الطاعة والإقبال على الله عز وجل وتلاوة القرآن وعمل الخيروالصدقات وكل شيء من الأعمال، ينقضي رمضان تعود النفس البشرية في كثير من الأحيان إلى سالف عهدها، البعد، النسيان، الغفلة، هذه الحالة الموسمية سورة آل عمران تعالجها. كيف تعالجها؟
إياك أن تتصور أن هذا المتاع الذي أنت الآن تنشغل عنه هو كل شيء، لا،
(قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَير مِنْ ذَلِكُمْ)
خير من المغريات التي تراها أمام عينيك في الدنيا، التي تلهيك، التي تشغلك عن خالقك سبحانه وتعالى التي تأخذك بعيدًا عنه ولا ينبغي أن تكون بعيدًا عنه.
ما هو الخير يا رب؟
(لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ)
ولم تأتي الأوصاف الكثيرة التي جاءت في الآية الأولى في وصف متاع الدنيا يكفيك أن الله قد وعددك بها يكفيك أن تدرك أن ما عند الله خير وأبقى يكفيك أن تدرك هذه المعاني يكفيك أن تستحضر الآخرة في قلبك لتثبت كثيرون اليوم يعانون من مشكلة عدم الثبات على الطاعة، يقوم بالطاعة يمكن يكون قد بدأ في رمضان برنامج قيام الليل وتلاوة القرآن وحفظه ربما، المشكلة الاستمرارية، ينقطع عن العمل، لا يثبت على هذا العمل، لماذا لا يثبت؟
مغريات، التي تكلمت عنها سورة آل عمران وحددت لي العلاج وهو أن أُعطي الدنيا حجمها الطبيعي ويبقى نظري دائماً معلقاً بالآخرة ومعلقًا بما عند الله عز وجل
من أعظم وسائل الثبات على الحق والهداية الدعاء
(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )
انظر إلى تطلع المؤمن المغفرة (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) أعظم شيء يلحّ على قلب المؤمن وعقله ليس طلب الدنيا ولكن طلب المغفرة، لماذا؟
من شغله طلب الآخرة عن طلب الدنيا أعطاه الله من خيري الدنيا والآخرة هكذا عطاء الله عز وجل ولذلك ينبغي أن أتقرب لله عز وجل بقولي ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
هذه الوسيلة جعلت ذاك المؤمن مؤمن بمواصفات خاصة الناس الثابتين في هذه الدنيا في هذه الحياة لهم مواصفات
(الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ )
وبدأ بالصابرين لأن الثبات يحتاج إلى صبر، صبر على الطاعة،
هب أنك بدأت جدولا زمنيا في رمضان للطاعة، لحفظ القرآن ثم انتهى رمضان وتوقفت وانقطع العمل، ماذا عليك أن تفعل؟
أن تعاود وتجاهد نفسك وتصبر على الطاعة
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) الكهف)
اصبر نفسك على الطاعة اصبر نفسك حتى حين تجلس على سبيل المثال للصلاة اصبر نفسك بعد الصلاة أن تعطي لنفس الفرصة أن تذكر الله أن تستغفره أن تدعوه أن تتقرب إليه نفسك ستنازعك تقول لك انتهت الصلاة، قُم بسرعة، اِلْحق بالدنيا لا تفوتك! لكن الصبر يعلمك أن تصبر أن تتوقف أن تعطي لقلبك الفرصة أن يذكر ربه عز وجل ذكرًا كثيرًا، الصبر على الطاعة من أشد وأعلى مراتب الصبر، الصبر على الطاعة. لا ثبات بدون صبر والصبر يتكرر في سورة آل عمران وصية من الله عز وجل في السورة وآخر وصية هي الصبر، الثبات يحتاج إلى صبر، لا يمكن أن يكون ثبات بدون صبر


......................



(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)
قضية حتمية ألغت كل أنواع وأشكال وصور الجهل.
الجهل أنواع:
الجهل البسيط أن لا تعرف الشيء والجهل المركب أن تعرف الشيء الخطأ
فلكي يعالج الجهل المركب عليك أن تزيل الخطأ أولًا ثم تأتي بالصواب ليحل محل ذاك الخطأ.
فأول كلمة عالجتها سورة آل عمران لتخلص الإنسان من السبب الأول للزيغ إنهاء الجهل (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) شهادة من الرب سبحانه لنفسه فإذا شهد الله عز وجل فمن بقي بعد ذلك ليشهدّ (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) التوحيد الذي جاءت به كل الشرائع السماوية، موسى عليه السلام جاء به، اليهودية جاءت به، النصرانية جاءت به على لسان عيسى عليه السلام.
إذن لماذا زاغ بعض الناصرى وبعض أهل الكتاب عن ذلك التوحيد؟
الآية تعالجه ولكن الحقيقة الراسخة التي ينبغي أن تستقر في قلبك وفي وجدانك وعقلك أن لا إله إلا الله. ثم تعود الآية، نفس الآية
(لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

التوحيد ذكر مرتين في آية واحدة، قضية التوحيد هي القضية الأساس فأيّ انحراف عن ذلك التوحيد باي شكل زيغ، ضلال

قد يسأل سائل لم الدمج بين آل عمروان والبقرة
وسميت البقرة وآل عمران بالزهراوين؟
لأنهما يتحدثان عن قضية واحدة،
سورة البقرة تتحدث عن الهداية وسورة آل عمران تتحدث عن الثبات على الهداية، كلاهما يكمّل الآخر، كلاهما يدافعان عن صاحبهما، بأيّ شيء؟
بما ركز في قلبك من الإيمان والعمل بما جاء فيهما.

(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)

هذا التوحيد وهذا الاستسلام وهذا الانقياد والخضوع لله عز وجل ولما جاء به الأنبياء من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وانتهاء به وهذا الكتاب الذي نزل الفرقان الذي جاء مصدقًا للتوراة والإنجيل هذا هو الحق الذي ينبغي اتباعه.
إذن لماذا حدث الزيغ؟
(وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) ظلم! المسألة في الزيغ قد تكون جهلًا وقد تكون ظلمًا وفي كلتا الحالتين فإن الله سريع الحساب. ما موقفك يا نبي صلى الله عليه وسلم ويا كل إنسان مؤمن أمام هذا التحدي؟ أن يأتيك الباطل وهو في حالة انتفاش، يأتيك الباطل وهو مُنتفش مغترّ، ما هو موقفك؟
(فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ)
القضية واضحة عندي أنا لا يهمني من يتبعني ومن يخالفني القضية واحدة أنا ثابت على إيماني وتوحيدي ولذلك الآيات ختمت
(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ)
المهمة التي ينبغي لك أنت كإنسان مؤمن بهذه الآيات وهذه السورة العظيمة أن تبلّغ أن توضّح أن تبين أن توصل الرسالة تقوم بإيصال الرسالة وتثبت على الحق وتؤمن بأن ما حدث من زيغ وانحراف في بعض الأمم إنما جاء من قبيل انحراف بعض أهلها وليس من قبيل تلك الكتب حاشا لله ولا من قبيل الرسل

(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ)

لماذا الحديث عن المُلك في وسط الآيات؟
الباطل والزيغ والإنحراف قد يمتلك الكثير، قد يصبح الملك والسلطة والجاه في يديه، ما هو موقفك أنت كمؤمن كثابت؟ هل تتزعزع أمام ذاك التحدي؟ أم أنك تُدرك أن الله هو مالك الملك وأنه يؤتي الملك من يشاء وتنزع الملك ممن يشاء وأن عاقبة الأمور إليه سبحانه وأنه على كل شيء قدير وأن إليه المرجع وإليه المآب وإليه المصير وأن كل ما يحدث أمامك من تحديات ومن وقائع ومن مجريات أمور إنما هو من قبيل الابتلاء والاخبتار فاحذر.
ولذلك في ضمن هذه الآيات جاء الحديث عن
(لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)
لأن الولاء في قلب المؤمن كل الولاء لله، للإيمان، لا يمكن قلب المؤمن أن يميل لأحد إلا لله عز وجل ولأهل الإيمان الذين يشاركونه إيمانه وتوحيده لخالقه سبحانه وتعالى والمسألة هنا ليست مسألة أشخاص وفئات ومجتمعات ودول، لا، المسألة متعلقة بالإيمان، بالإحساس، بالميل، قلبك يميل لمن؟
لأهل الإيمان أم لأهل الكفر؟!
القضية في غاية الأهمية




امانى يسرى محمد 27-05-2020 08:23 PM

رد: تدبر سورة آل عمران د. رقية العلواني
 


(قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ)


طهّر قلبك لأن الزيغ أول ما يبدأ يبدأ بالقلوب


"يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك"


إذن انتبه لنفسك واعلم أن الله مراقِبك فاجعل قلبك يميل ويكون هواه لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكن قلبك تبعًا لأهواء وشهوات غير ما جاء به الحق. نقطة في غاية الأهمية والمسألة ليست مجرد مشاعر قلبية وإنما مسألة اتّباع ومسألة منهج ولذلك جاءت الآيات بعد ذلك بقوله


(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)


حب والميل والأمور القلبية ليست ادعاء وإنما اتّباع، منهج أسير عليه في حياتي، أتحبب إلى الله بمتابعة أمره وأتجنب أن يبغضني الله عز وجل والعياذ بالله من خلال تجنبي لما نهاني عنه. لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك أن تكون. المؤمن وقّاف عند أمر الله عز وجل ونواهيه، يترك محابّه هو إلى ما يحبه الله ورسوله، يترك ما يحب لأنه يؤمن تماماً ويثق أنه إذا ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا، مؤمن. قد يحبّ أشياء معينة من أشياء الدنيا ولكن الله سبحانه وتعالى نهى على سبيل المثال عنها أو أمر بأشياء أخرى مختلفة عنها،


كيف يكون الموقف في هذه الحالة؟


أترك ما أحب لما يحبه الله ورسوله اِجعل أول رقم في حياتك وأولوياتك من المحبة والولاء ما يحبه الله، هل هذا الشيء يحبه الله؟ أم لا يحبه؟


. هذا سبيل من سبل التخلص من الزيغ والانحراف وخداع النفس، نهى النفس عن الهوى ولذلك أمر ربي سبحانه وتعالى أمر داوود عليه السلام فقال (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ (26) ص) (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) القصص)




أعظم ظلم يرتكبه الإنسان في حق نفسه أن يتبع هواه، أعظم ظلم اتباع الهوى! اخرج من هواك، اترُك هواك، دع ما تهواه لما يريده الله، قاعدة من أعظم القواعد. ولذلك هذا المقطع من السورة ختم بقول الله عز وجل


(قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ (32))


الطاعة، تريد أن تثبت على الحق انظر فيما أمرك الله فقف عند أمره ونهيه، هذا سبيل الثبات، هذا سبيل الطاعة




يقول ابن تيمية في كلمة جميلة:


"صلاح العبد في أن يعلم الحق ويعمل به فمن لم يعلم الحق فهو ضال عنه ومن علمه فخالفه واتبع هواه فهو هاو ومن عمله أي الحق وعمل به كان من أولي الأيدي عملًا ومن أولي الأبصار علماً"


أعظم نعمة على الإنسان أن تعلم الحق وتثبت عليه



(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ )
السورة في أول نموذج تعرضه للثابتين على الحق تعرضه في سورة امرأة، امرأة عادية امرأة عمران امرأة سمت وارتقت بآمالها وأهدافها وطموحاتها. امرأة حملت بجنين فجعلت ذلك الجنين مشروع رسالة بالنسبة لها هذه العملية الطبيعية عملية الحمل حمّلتها تلك المرأة معاني وقيم جديدة، هذه المرأة امرأة عمران توجهت بكلّها لله متضرعة إليه أن يجعل ما في بطنها الذي نذرت به أن يكون محررا من كل التكاليف ومن كل الأعباء ليتفرّغ لخدمة بيت المقدس وعبادة الله وحده، مشروع. ولنا أن نتوقف ونحن نتحدث عن مناهج التربية وعوامل التربية ومؤسسات التربية وكيف يتربى الناس على الثبات وكيف يتربى الطفل من صغره على أن يكون إنسانًا صاحب مشروع، صاحب رسالة، صاحب شعور بالمسؤولية تجاه نفسه وتجاه الآخرين وتجاه المجتمع الذي يعيش فيه، كيف يتربى على تلك المعاني؟

امرأة عمران منذ أن حملت بمريم جنينًا في بطنها غرست تلك المعاني، توجهت لله سبحانه، دعته سبحانه والدعاء حاضر في سورة آل عمران في كل المواقف ليبين لي أن من أعظم وسائل الثبات الدعاء لله سبحانه وتعالى ولذلك هذه المرأة العظيمة دعت ربها قالت
(فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
هذه المرأة وُجهت بتحدي باختبار صعب أنها وضعتها أنثى وكان المتعارف عليه في مجتمعها أن من يتفرغ لخدمة بيت المقدس ولعبادة الله يكون ذكرًا ولا يكون أنثى ولكن هذه المرأة العظيمة ما تخلّت عن حلمها ما تخلت عن هدفها ما تخلت عن مشروعها توجهت من جديد لخالقها، بعد أن وضعتها أنثى

والمسألة ليست مسألة تمييز بين ذكر وأنثى المسألة مسألة ظرفية تاريخية اجتماعية كانت تعيشها تلك المرأة توجهت من جديد لله سبحانه وقالت
(وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ )

فماذا كان جزاء ذلك الثبات الذي كان في قلب امرأة آل عمران؟ ماذا كان جزاء ذاك اليقين؟ ماذا كان جزاء ذاك التوجه والسمو والرقي في الآمال والطموحات؟
مشروع الولادة الذي أصبح معتادًا وهو معتاد جدًا في كل أنثى وفي كل امرأة، مشروع طبيعي جدًا، كيف استطاعت تلك المرأة أن تحوله إلى مشروع قيَمي، مشروع هادف، مشروع حياة، مشروع رسالة من خلال إيمانها وثباتها ويقينها بالله عز وجل؟ ماذا كان الجزاء؟

(فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا)
هذا القبول كان جزاء للثبات فالجزاء من جنس العمل.
كلما ازددت ثباتًا على أوامر الله كلما ازداد في قلبك الرسوخ واليقين بأمر الله بما أمرك الله سبحانه وتعالى كلما ازددت اقبالاً وصدقًا عليه سبحانه كلما ازددت إخلاصاً وتيقنًا بما عنده سبحانه كلما زادك الخالق وأقبل عليك بالنعم والمنح والعطايا كلما فتح عليك الأبواب وأمامك الأبواب من حيث لا تحتسب
هذا قانون من القوانين الذي تضعه سورة آل عمران


.............................



زكريا عليه السلام كان يقوم برعاية مريم وهذه همسة في أذن الآباء والأمهات وأولياء الأمور: التربية ليست مجرد تزويد بالحاجات المادية من طعام وشراب وملبس وإرسال إلى المدارس، التربية متابعة، التربية مراقبة، التربية شيء متواصل رعاية متواصلة لا تنقطع عن ذاك الطفل لا يمكن أن تنقطع بحال، فزكريا لاحظ أنه كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقًا من فواكه وأشياء ما كانت موجودة في ذلك الموسم في ذاك المكان وفي ذاك الزمان، وحُقّ له أن يتساءل عن مصدر ذلك الرزق وهذه أيضاً وقفة تربوية لا بد لولي الأمر أن يتابع أبناءه، لا بد لولي الأمر أن يعرف من أين (قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا) لا بد، مهما كانت الثقة، المسألة ليست مسألة ثقة المسألة مسألة متابعة، المسألة مسألة شعور بالمسؤولية، المسألة مسألة تكفّل، كلمة كفالة كلمة شاملة كلمة تشمل كل أونواع الرعاية الوجدانية والعاطفية والشعورية كل أنواع الرعاية وأشكالها، وقد قام بها زكريا عليه السلام. ولكن هذه الفتاة أجابت إجابة أيقظت أمنية قديمة مرّ عليها وقت طويل في قلب ذلك النبي زكريا عليه السلام (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )

زكريا كان قد حُرم من نعمة الولد وكانت زوجته عاقر ووقف وثبت أمام الابتلاء ولكن زكريا النبي يعرف تمامًا أن الله هو مسبب الأسباب يدرك تمامًا أن الأسباب حين تنقطع يبقى مسبب الأسباب سبحانه لا ينقطع الأمل ولا الرجاء فيه.

زكريا يدرك تماما أن الله هو مسبب الأسباب، يدرك تمامًا أن بيده الأمور كلها، يدرك تماماً أن بيده مقاليد كل شيء وأنه يقول للشيء كن فيكون وحين تتوق نفسه لشيء لا بد أن يسمو في ذلك الطموح وفي ذلك الأمل
ولذلك تذكر الآيات في سورة مريم أن طموح زكريا في الولد ورغبته في الولد ما كانت مجرد رغبة مادية أن أجد من يحمل اسمي .البشر يرغبون بالولد لأجل أن يكون امتدادًا لهم ولاسمهم، لأجل أن يكون عونًا لهم حين يحتاجون إليه، نصرة، تأييد، ولكن زكريا عليه السلام يضرب مثلًا جديدًأ كذاك المثل الذي ضربته امرأة عمران في الطموح والآمال حيث يقول
(يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا )
وراثة الأمانة، حمل أمانة التوحيد والرسالة، أن يكون ذاك الولد امتدادًا لأبيه فيحمل تلك الأمانة أمانة الدعوة لله سبحنه والتفرغ لعبادته. تلك الأمنية العظيمة التي تتسامى وترقى فوق آمال وأمنيات البشر الذين حوّلوا مسألة إنجاب الأولاد إلى شيء طبيعي جدًأ

ولذلك زكريا عليه السلام توجه فقال
(هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ) وكما كانت الإجابة في موقف امرأة عمران كانت الإجابة في موقف زكريا عليه السلام الله سبحانه أرسل إليه البشرى، الرب الذي أحسن الظن به وتيقن بقدرته، الرب الذي تضرع إليه، الرب الذي لجأ إليه الرب الذي افتقر إليه أعطاه، من أقبل بقلبه لله مستغنيًا به عن كل أحد وعن كل سبب أغناه الله بلا سبب.
(كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ).

والتوجّه في كل الأحوال بذاك القلب المؤمن لله ذكرًا ودعاءً وتسبيحًا
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ).
المؤمن الذي يريد الثبات عليه أن يديم ذكر الله عز وجل بقلبه ولسانه وجوارحه. أنا أريد الثبات، كيف أثبت إلا على شيء قد اتصلت به وتعلقت به. أريد أن أثبت على أوامر الله عليّ أن أصل صلتي وأقويها بالله سبحانه وتعالى وأعظم صلة ذكر الله سبحانه (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) الأنفال) (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) البقرة) أدِم ذكر الله عز وجل



امانى يسرى محمد 29-05-2020 05:33 PM

رد: تدبر سورة آل عمران د. رقية العلواني
 
مريم تعرضت لامتحان وابتلاء شديد صعب وكذلك أصحاب الرسالات، ما من صاحب قيمة ولا رسالة ولا مشروع إلا وكان سنة الله في خلقه أن يتعرض للابتلاء والامتحان.

والثبات يعلّم الإنسان المؤمن كيف يثبت في وجوه الخطوب والمحن يثبت فلا تحدي ولا تزيغ به التحديات والخطوب ولا تميل به الصعوبات والشدائد، ثابت، راسخ.

هذه المرأة كانت تتولى نفسها وقلبها بالذكر والابتهال والقنوت والركوع والسجود لله سبحانه فأراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل وأن يبشرها بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريمï»؟. والآيات في سورة مريم تصف موقف مريم، تصف حالة مريم الإنسانة وما أصابها من الخوف والهلع والقلق والشدة والضيق إلى الدرجة التي قالت

(يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا )

هذه مريم الإنسانة، طبيعي جدًا أن الإنسان حين يتعرض لمحنة تبدأ عوامل القلق والخوف في نفسه، عوامل الضعف البشري الإنساني المعتاد الذي لا شيء فيه ولكن الثبات يأتي هنا تمامًا ربي سبحانه وتعالى أمر أمرًا فتلك الفتاة التي كانت تديم الركوع والسجود بين يديه عليها أن تديم الامتثال لأمره وطاعته حين يبتلي وحين يأمر بأمر فكان ذاك.

(قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)

ترسّخت تلك الحقيقة في قلب مريم فما كان منها إلا ما يكون من المؤمن الثابت التفويض وتسليم الأمر لله الواحد الأحد ألا له الأمر من قبل ومن بعد سبحانه. سلّمت أمرها لله وجاءت قومها وهي تحمله وتحمل معه الثبات في قلبها واليقين وتدرك تمامًأ ما ستواجَه به من قبل قومها من اتهامات ومن افتراءات وتطاول عليها وهي الطاهرة العفيفة المبرّأة من كل سوء، امتحان صعب!

ولكن اليقين الذي كان في قلبها والإيمان جعلها تثبت، جعلها تقف صامدة أمام كل تلك التحديات فجاءت به بمنتهى الشجاعة. جاءت لتواجه المجتمع، جاءت لتواجه الأهل والناس والأقارب والعشيرة وما كان ذلك سهلاً عليها! ولكن الثبات واليقين بالله سبحانه وتعالى سهّله عليها.

كلما كان الإنسان مليء القلب بالثبات والرسوخ لأمر الله واليقين به وحسن الظن به كلما فتح الله أمامه الأبواب المغلقة كلما سهّل عليه الشدائد والصعاب كلما جعل تلك المحن تنزل على قلبه وكأنها منح وعطايا وكان ذلك الأمر في مريم.

وكان ذاك الجزاء أن جعلها الله وابنها آية للعالمين وأنزل فيها القرآن الذي يُتلى وأنزل فيها كل تلك الآيات البينات جزاء الثبات، جزاء اليقين، جزاء الامتثال لأوامر الله. والوقفة رائعة، العبادة والقنوت والركوع والسجود والتفرغ لعبادة الله لا بد أن يكون لها ما يصدّقها في الواقع من الثبات حين تشتد الخطوب وتتوالى على الإنسان الابتلاءات. الإنسان معرّض والركوع والسجود وذكر الله زاد المؤمن في المحن، زاد المؤمن الذي يمدّه بطاقة إيجابية، زاد المؤمن الذي يمده بقوة لا يفهمها الكثير من البشر يتعجبون لحاله كيف يثبت والمحن تتوالى عليه كيف يثبت؟!

إنما يثبته الله

(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (27) إبراهيم)

وكذلك في الآخرة.


.......................




(إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )

الكلمة التي جاء بها كل الأنبياء، الكلمة التي ثبت عليها كل الأنبياء الكلمة التي جاء بها الأنبياء للناس ليجعلوا من الحق والعدل قيمة عليا والحق لا يمكن أن يترفع بأناس لا يثبتون عليه.

الله قادر على أن يرفعه بقول كن فيكون لكن الله سن للبشر سنن وقوانين ومن تلك السنن أن يكون للحق وللعدل وللقيم وللصدق آل وأناس يدافعون عنه، أناس على استعداد لبذل المال والنفس في سبيله، في سبيل أن يرتفع عاليًا وقد أدرك عيسى تلك المعاني ولذلك سورة آل عمران تعرض نماذج من البشر العاديين ليسوا من الأنبياء ولكنهم ثبتوا ولذلك يأتي لاحقًا

(فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )

ثبات أمام التحديات والشدائد والمحن والكروب، هذا الثبات كيف يُصنع؟

توجه عيسى عليه السلام لما أحس من قومه المكائد والكفر

(قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ)

عيسى عليه السلام يدرك أن الله ناصره لكنه أراد أن يؤسس أن الحق لا بد أن يكون له من أناس ينصرونه بأرواحهم

(قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)

هذه الفئة من البشر نصرت الحق،

دافعت عنه لماذا أراد عيسى أن يؤكد هذه المعاني؟

الإنسان في الحياة مهما امتد به العمر سينقطع فكل نفس ذائقة الموت ولكن الحق ممتد وباقي، أمر الله وتعاليمه باقية ولا بد أن يكون لذلك امتداد ولا بد للنبي وأتباع الأنبياء وأصحاب الحق أن يحمِّلوا من بعدهم الرسالة، رسالة الأمانة، رسالة التوحيد والقيم والحق والعدل، لا بد أن يعلموا هؤلاء من يحملوا بعدهم ذاك الهمّ أن الحق غالي، أن الحق يدافع عنه بالأرواح أن الحق تبذل في سبيله التضحيات ليحق الله الحق بكلماته ويقطع بعد ذلك دابر الكافرين والظالمين المناهضين للحق وقيم العدل.

ولذلك عيسى عليه السلام الذي أحيط بكمّ من الكروب والمحن ما هزته الشدائد ولا غيّرته الدسائس ولا المكر ولا الكيد ولا المحن ولا الصعوبات، فالله يمكر له (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ).

كانت النتيجة أن الله سبحانه وتعالى رفعه إليه، أن الله سبحانه وتعالى جعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا، جعل أنصار الحق والعدل والقيم الذين ثبتوا على ذلك فوق الذين كفروا وهذه قاعدة وقانون:

من يثبت على الحق والعدل لا بد أن الله يرفعه لا بد أن الله ينصره. وليس النصر فقط في الدنيا وإنما في الآخرة ويوم القيامة.

أما أولئك الكفرة، أولئك الذين يبيعون ويشترون بالحقّ وبالعدل وبالقيم فأولئك لا خلاق لهم لا في الدنيا ولا في الآخرة وما لهم من ناصرين.

(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ )

ليس المطلوب من المؤمن أن يحمل الناس أو يُكرههم على الحق وإنما المطلوب منه أن يُظهر ذلك الحق بالحوار والحكمة والموعظة الحسنة ثم يترك للناس حرية الاختيار في اتخاذ القرار وفي كل الأحوال يضرب المثل الأعلى والأسمى في الثبات على ذاك الحق مهما كلفه الثمن.


............................




الولاء والانتماء لا يكون لأفراد ولا لأشخاص ولو كان هؤلاء الأشخاص صفوة الخلق من الأنبياء، الولاء والانتماء يكون للدين، الولاء والانتماء يكون للتوحيد، الولاء والانتماء يكون للشريع الذي جاء به الله سبحانه وتعالى والأنبياء ومن بعدهم رجال الدين، هؤلاء جميعًا إنما يحملون أمانة توصيل الرسالة ولكن الانتماء لا يكون لهم كأشخاص، ألغت سورة آل عمران تلك الفوارق والحواجز لتقطع دابر العنصرية والتعصّب.

(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُون)

لا تجادل بأشياء باطلة

ابراهيم عليه السلام كان سابقًا على اليهودية والنصرانية من الناحية التاريخية ومن الناحية الزمنية فلِمَ تحاجّون، لِمَ تريدون أن تخضعوا كل شيء لأهوائكم، لِمَ تأتون إلى الحق بأفكار مُسبقة تريدون أن تُخضعوا الحق لها؟

الحق لا ينبغي أن يُخضع لآراء مسبقة، الحق يُخضَع له ولا يخضه هو لشيء،

(وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ (69))

ليس كل أهل الكتاب على حد سواء، أنت مهما كان انحرافات البعض منهم لا ينبغي لك أن يدفع بك الهوى والتعصّب والعنصرية لأن تنظر إلى كل الفئة أو الطائفة أو أصحاب الدين بمنظار واحد. لا يحق لك ذلك، لا ينبغي لك، أنت تؤمن بالله أنت تؤمن بمبادئ القرآن والقرآن حرّم الظلم وحرّم التعميم حرّم أن تعمم الأحكام على شعوب أو على طوائف فيقال الشعب الفلاني كذا، النصارى كذا، اليهود كذا، أبداً، طائفة فريق أمة فرقة ولكن لا تعمم لأن التعميم ظلم والظلم قد حرّمه القرآن بشتى صوره وأشكاله وأنواعه.

https://akhawat.islamway.net/forum/a...0f46ac98a39a99




(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا (75)).

لا تنظر ولا تجحِف في النظرة إليهم على حد سواء لا بد أن يكون هناك تفرقة، لا بد أن تعامل الناس بمعيار العدل والحق ولا تعاملهم بمعيار التعميم ولا تعاملهم وكأنهم بشر على طائفة وعلى قلب واحد، منهم الأشرار ومنهم الأخيار، منهم الصالحون ومنهم دون ذلك كانوا طرائق، الناس طرائق، الناس مشارب مختلفة حتى وإن انتموا لدين واحد، حتى وإن كانوا يدينون بدين واحد أو ينتمون إلى حزب واحد أو إلى طائفة أو ما شابه مما تعارف عليه الناس.

القرآن يعلمني الإنصاف

القرآن يعلمني العدل حتى في الكلمة التي أقولها،

لا تعمم.

ولذلك جاء بعد ذلك في نهاية الآيات لتعيب على بعض أهل الكتاب ما قالوه وخاصة اليهود

(لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)

لا يهمنا من خالفنا، نسرق منهم، ننهب منهم، نصادر أموالهم وحياتهم لا يهم

(لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)

ولكن هذا المبدأ مبدأ مرفوض في القرآن، لماذا؟

لأن القرآن يعلمني أن أكون أميناً مع من ائتمنني ومن أمَّنَنِي سواء أكان خائناً أم كان أميناً، هذا ما يعلمني عليه القرآن. القرآن يعلمني أن أمارس الأمانة بمطلقيتها، القرآن يعلمني أن أمارس الأمانة بإطلاق لا أفرق بين الناس، أنا أمين سواء أكان ذاك الذي أتعامل معه أمين أم خائن لا يهم ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم

"أدِّ الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك".







الساعة الآن 04:28 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام