عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر» (رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة).
شهر رمضان شهر الرحمة والغفران والعتق من النار، فرضه الله تعالى على كل بالغ عاقل قادر، والأصل في الفرائض أن أحكامها تقام على الوجه المطلوب شرعا، ولما كان النقص من طبيعة البشر فقد سن الشرع الحكيم للعباد نوافل ومستحبات تجبر النقص الذي قد يعتري الفرائض للوصول بها إلى أعلى درجة الكمال. كما أن الإكثار من هذه النوافل، بالإضافة إلى دورها في جبر النقص، فهي تقرب العبد أكثر من الله تعالى وتحببه إليه، قال ، فيما يرويه عن ربه : «.. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعادني لأعيدنه» (رواه البخاري). ويعتبر صيام أيام ست من شوال دليل على شكر الصائم لربه الذي وفقه لصيام رمضان وهو دليل على حب الطاعات والقربات. وصيام الست من شوال مشروط بصيام شهر رمضان، فلا يعقل أن تؤتى النوافل وتضيع الفرائض. وصيامها اتباع لقول خير خلق الله تعالى، محمد . وصيامها اغتنام لنفحات ربانية قد لا يدركها العبد في باقي أيام السنة والعمر، من خلال هذه الورقة سنحاول التعرف على حكم صيام هذه الأيام؟ وصيغة صيامها؟ وفضائل صيامها؟من معانى الحديث: قوله : «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال» أي من صام رمضان على التمام والكمال -ليس عليه نقص في صيامه- ثم صام بعده ستة أيام من شهر شوال، وفي لفظة «أتبعه» ما يفيد التوالي: أي تقريب المدة بين صيام رمضان وصيام الست من شوال. وصيام الست من شوال ثابت بالسنة القولية لرسول الله ، وحديث أبي أيوب الأنصاري يؤكد ذلك، أما في السنة الفعلية فلم يثبت ذلك عنه، ، مما جعل الإمام مالك يقول بكراهة صيامها. وقد اختلف الفقهاء في حكم صيامها؟ وفي صيغة صومها بين من يرى صومها متتابعة، وبين من يرى صيامها متفرقة، وفيما يلبيان ذلك:
أ - حكم صيام الست من شوال:
لأهل العلم في حكم صيامها ثلاثة مذاهب نوردها كالتالي: • استحباب صيامها، وهذا مذهب الجمهور: الشافعي، وأحمد، وداود، وابن المبارك، وغيرهم. • استحباب إخفاء صيامها، أثِر ذلك عن مالك. • كراهة صيامها حتى لا يتصل ذلك بالصيام الواجب وهو رمضان، وذهب إلى ذلك مالك وأبو حنيفة. ولكل فريق أدلته على مذهبه. 1 – أدلة المستحبين لصيامها من غير قيد ولا شرط: استدل هذا الفريق بأحاديث نذكر منها: حديث أبي أيوب الأنصاري إلى النبي عند مسلم: «من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر» (رواه مسلم). وحديث سعيد بن منصور في سننه بإسناده عن ثوبان قال: قال رسول الله : «من صام رمضان، شهر بعشرة أشهر، وصام ستة أيام من الفطر وذلك تمام سنة» (مسند الإمام أحمد). وهذا القول مذهب الجمهور وهو القول الراجح الذي يؤيده الدليل. 2 – أدلة الكارهين لصيام ستة شوال: الكارهون لصيام الست من شوال، هم: مالك وأبو حنيفة ومن وافقهما: قال مالك في الموطأ: (وصوم ستة أيام من شوال لم أر أحداً من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغه ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم في وقته كانوا يكرهون ذلك ويخافون بدعته، وأن يُلحِق برمضان أهل الجفاء والجهالة ما ليس منه، لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك) فخلاصة مذهب مالك: • أنه لم ير أحداً من أهل الفقه يصومها. • أنه لم يبلغه ذلك عن أحد من السلف. وقد ذهب المالكية إلى رأي الجمهور. وعلل أبو حنيفة كراهته لصيامها مخافة التشبه بأهل الكتاب في زيادة ما أوجبه الله عليهم من الصيام، والرد عليه كالرد على مالك.
ب - صفة صيامها:
الذين استحبوا صيامها، وهم الجمهور، وقولهم هو الراجح، اختلفوا في صفة صومها متفرقة أو مجتمعة، بعد العيد مباشرة أم يؤخر ذلك على أقوال، وهي: • يستحب صيامها من أول الشهر بعد العيد متتابعة، وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه، واستدلوا بحديث فيه ضعف: «من صام ستة أيام من الفطر متتابعة، فكأنما صام السنة». • لا فرق بين تتابعها وتفرقها في الشهر كله، وهذا مذهب وكيع وأحمد. • لا تصام بعد العيد مباشرة، فإنها أيام أكل وشرب، ولكن بعد ذلك، وهذا قول عطاء. القول الراجح، والله أعلم، أن الأمر فيه سعة، فالعبد مخير بين أن يصومها مباشرة بعد العيد، ومن أخرها فله ذلك، ومن واصل صيامها فله ذلك، ومن فرَّق بينها فله ذلك، وإن كان يستحب البدء بها بعدالعيد، لأن ذلك من باب المسارعة إلى الخير. قال تعالى: سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، وقوله تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم. قال النووي: قالوا: (ويستحب أن يصومها متتابعة في أول شوال، فإن فرقها أو أخرها عن أول شوال جاز، وكان فاعلاً لأصل هذه السنة لعموم الحديث وإطلاقه، وبه قال أحمد وداود) وقال الترمذي: (واستحب ابن المبارك أن يكون ستة أيام من أول الشهر، وقد روي عن ابن المبارك أنه قال: إن صام ستة أيام من شوال متفرقة فهو جائز) وقوله : «كان كصيام الدهر»: قيل في الدهر الزمان الطويل (التحرير والتنوير) وقيل فيه الزمن والعمر (معجم المصطلحات الفقهية) وقيل فيه الأمد الممدود، وفي اللسان الدهر ألف سنة، فمدار المعنى على عمر العبد المسلم الصائم لله تعالى، ولكن كيف نفهم هذه العملية الحسابية؟ وردت أحاديث تبين وتجلي هذا المعنى من ذلك: • «من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها» (رواه ابن ماجة وصححه الألباني). • عن ثوبان مولى رسول الله : «من صام ستة من أيام بعد الفطر كان تمام السنة، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها» (رواه النسائي وابن حبان والبيهقي). فصيام شهر رمضان إذن ثلاثون يوما (30) إذا أضفنا لها ستا من شوال أصبحت ستة وثلاثين(36) والحسنة بعشر أمثالها فذاك تمام ثلاثمائة وستون(360) يوما صياما وهي أيام السنة (السنة الهجرية تقريبا 354 يوما)، فإن واظب عليها العبد المسلم كل سنة كانت كصيام عمره ودهره. فضل صيام التطوع: ولبيان فضل الصوم عموما والتطوع خصوصا نورد الأحاديث التالية: فعن أبي سعيد الخدري ، قال: قال رسول الله : «ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفا» (حديث متفق عليه واللفظ لمسلم). وعن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي ، قال: سمعت رسول الله يقول: «إن في الجنة بابا يقال له الريان، فإذا كان يوم القيامة قيل: أين الصائمون؟ فإذا دخلوا أغلق فيشربون منه، فمن شرب منه لم يظمأ أبدا» (رواه الترمذي). فهذه ما أعده الله تعالى للصائمين، نسأله سبحانه أن يوفقنا لفعل العمل الصالح الصواب، والحمد لله.
مستفادات من الحديث:
1 – صوم الست من شوال من النوافل وهذه الأخيرة تحبب العبد لربه فيصبح جل وعلا سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سأله ليعطينه، ولئن استعاذه ليعيذنه. 2 – الأصل في النوافل التيسير لا التعسير، فالله تعالى لا يمل حتى نمل. 3 – من معينات المسارعة لفعل الخيرات: الإيمان والتقوى. 4 – أجر الصوم اختص به الله تعالى ولا يعلم قدره إلا هو سبحانه، ومنه فالإكثار منه سبيل الزيادة من هذا الأجر والفوز يوم لقاء الله تعالى.
د. محمد بوزين