منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   أعلام وعلماء وقادة (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=37)
-   -   صحابيات - صفية بنت حيي (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=123144)

نبيل القيسي 28-05-2020 01:42 PM

صحابيات - صفية بنت حيي
 
لسيدة "صفية بنت حييّ بن أخطب" اليهودية أصلًا والمسلمة معدنًا، كيف تزوج النبي صفية؟ ولماذا؟ ما الحكمة من هذا الزواج؟ وكيف آمنت صفية بالنبي عليه الصلاة والسلام؟ هل كرهت دين اليهودية وعادته عندما دخلت في دين الإسلام؟ حديثنا اليوم عن زوجة من زوجات النبي عليه الصلاة والسلام، جمعت بين عطفيها قرابة لثلاثة أنبياء كرام فأبوها نبي الله هارون أخو نبي الله موسى عليهما السلام، إذ ينتهي نسبها إليه وعمها إذن موسى عليه السلام وزوجها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. إنها السيدة "صفية بنت حييّ بن أخطب" اليهودية أصلًا والمسلمة معدنًا، كيف تزوج النبي صفية؟ ولماذا؟ ما الحكمة من هذا الزواج؟ وكيف آمنت صفية بالنبي عليه الصلاة والسلام؟ هل كرهت دين اليهودية وعادته عندما دخلت في دين الإسلام؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها، وكي نجيب عنها يجب علينا أن نرجع إلى الوراء إلى حين كانت صفية طفلة صغيرة في العاشرة من عمرها، عندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى يثرب الطبية والتي تنورت بقدومه وسميت بالمدينة المنورة، كان أبوها حييّ بن أخطب آنذاك زعيم قبيلة بني النضير اليهودية والتي كانت تقطن ضواحي يثرب إلى جانب سكانها العرب الأوس والخزرج، حين وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قباء في طريق هجرته إلى المدينة المنورة ذهب حييّ بن أخطب زعيم بني النضير ووالد السيدة صفية ومعه عمها أبو ياسر إلى قباء ليرياه ويسمعا منه طبعًا مرادهما أن يتأكدا من مطابقة أوصافه للأوصاف المذكورة في التوراة عن النبي المنتظر لما غربت الشمس عاد حييّ وأخوه إلى البيت مهمومين مغمومين يمشيان الهوينة والحزن بادٍ على وجهيهما، هرعت إليهما صفية فرحة ومرحبة كعادتها وكانت أحب ولد أبيها إليه وإلى عمها لكنها استغربت اللامبالاة التي استقبلها بها، وكان عهدها بهما أن يقبلاها ويحتفيا بها ويستمعا إلى ثرثرتها الحلوة رأتهما يتنحيان جانبًا الدار ويتحدثان، فلم تستطع أن تمنع نفسها من استراق السمع لتعرف الأمر الجلل الذي جعل أباها وعمها يستقبلانها بذلك الفتور الذي لم تعهده من قبل سمعتهما يتحدثان عن محمد بن عبد الله ذاك النبي الذي قدم يثرب كان عمها أبو ياسر يسأل أباها بلهجة حنقة حادة: "أهو هو يا حييّ ما ذكرته التوراة؟" قال حيي: "نعم والله"، قال: "أمتأكد أنت من ذلك؟" قال: "نعم طبعا متأكد"، قال: "فماذا تنوي أن تفعل؟" أجاب حييّ والغيظ ينبع من كلماته الحاقدة: "عداوته والله ما حييت"، دهشت صفية رغم صغر سنها من موقف أبيها وعمها من محمد بن عبد الله فلطالما كانت تسمعهما يتحدثان عن نبي اقترب زمان مبعثه وتستشف من خلال ذلك لهفتهما إلى مجيئه واستعدادهما للإيمان به، أفعندما يظهر ذلك النبي يغضبان ويصران على معاداته! لم تستطع صفية يومها أن تفسر ذلك الموقف الغريب لم تدرك أبعاده الحقيقية، ولكنها كانت تدرك في قرارة نفسها أن هناك أمر ما جعلهما ينقلبان من محبين إلى عدوين، عندما كبرت صفية أدركت السبب وراء هذه الكراهية والعداوة إنها العصبية والعنجهية واختلاف المصالح، كم هو أمر مقيت أن ينقاد المرء لأهوائه لأنه يقلب عند ذلك الحق إلى باطل، لقد كان اليهود ينتظرون مجئ النبي بفارغ الصبر وكانوا يتباهون على سكان عرب المدينة الأوس والخزرج قائلين: قد آن أوان مبعث النبي المنتظر وسنقاتلكم تحت إمرته ونخرجكم من دياركم مقهورين مذلولين، ولكنهم فوجئوا لما بعث النبي بأنه ليس من بني إسرائيل كما كانوا يظنون، فلقد أرسل الله خاتم أنبيائه من العرب ولذلك لم يؤمن به اليهود رغم قناعتهم بأن علامات النبوة موجودة تمامًا كما ذكرتها توراتهم. أدركت صفية فيما بعد كل هذا، لكن كل هذا لم يستطع أن يوقد في قلبها عداوة ذلك النبي، بل على العكس كانت تشعر بشيء من التعاطف نحو ذلك الدين الجديد والرسول المبعوث كأن شيئا ما كان يجذبها تجاهه لما استقر النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة وقع مع اليهود ميثاقًا تلخصه الجملة الآتية (لليهود ما لنا وعليهم ما علينا وهم أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم)، كانت صفية فرحة بهذا الميثاق الذي يفيض بالعدالة والرحمة السلام بين المسلمين وبين قومها اليهود وكانت تأمل أن ينتزع هذا الميثاق عداوة قومها وحقدهم ولكن أمالها خابت وذهبت هباء الريح فمسيرة اليهود مع النبي عليه الصلاة والسلام ظلت مسيرة حاقدة منذ أول يوم وطئت فيه قدماه أرض يثرب. كانت تسكن المدينة المنورة آنذآك ثلاث قبائل يهودية (بنو قينقاع، بنو قريظة، وبنو النضير)، بنو النضير كما ذكرناهم قوم السيدة صفية رضي الله عنها، كان بنو قينقاع أول من غدر من اليهود بالنبي عليه الصلاة والسلام ونقض عهده وميثاقه كان ذلك بعد سنة واحدة من قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى يثرب -أي في السنة الثانية للهجرة- فعاقب النبي عليه الصلاة والسلام بنو قينقاع بأن أجلاهم عن المدينة بسبب غدرهم وظن المسلمون أن هذه العقوبة ستكون درسًا لبني النضير وبني قريظة، ولكن ظنهم خاب فالغدر طبع عند بعض الناس وخصوصًا اليهود فقد حاول بنو النضير قتل النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى دورهم زائرًا ولكن جهودهم والحمد لله باءت بالفشل فقد حمى الله رسوله من أن يناله أذى. اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم قراره بإجلاء بني النضير عن المدينة المنورة إلى خيبر؛ خيبر هذه منطقة تبعد عن المدينة قرابة 150 كيلو متر شمالًا، فخرجوا وهم يحملون أموالهم وأمتعتهم ويحملون أيضًا حقدهم الأسود كانت صفية آنذاك متزوجة من "سلام بن مشكم" اليهودي وكانت فيمن أجلي إلى خيبر مع والدها حييّ وزوجها سلام، كان ذلك في السنة الرابعة للهجرة. يمكننا أن نتصور الحزن الشديد الذي ألم بالسيدة صفية وهي ترى مآل إليه حال قومها، ونتصور استغرابها أيضًا من العداء الشديد الذي يحمله قومها للنبي عليه الصلاة والسلام رغم تأكدهم من أنه هو النبي المنتظر. في السنة الخامسة من الهجرة -أي بعد سنة واحدة من إجلاء بني النضير عن المدينة- كانت غزوة الأحزاب وكان "حييّ بن أخطب" الذين ألبوا العرب على محاربة النبي عليه الصلاة والسلام، اتخذ "حييّ" من ديار بني قريظة مركزًا لتحركاته فبنو قريظة كانوا ما يزالون من سكان المدينة المنورة لم تؤثر خيانة بني النضير وبنو قينقاع على وضعهم، لم يخرجهم النبي عليه الصلاة والسلام كما أخرج بقية اليهود من مدينته؛ لأن الله تعالى يقول: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38] ويقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]، ولكن الغدر والجحود وعض اليد التي تمتد بالإحسان طبعًا عند بعض الناس هذا الطبع تحرك عند بني قريظة فتعاونوا مع "حييّ بن أخطب" وتجاوبوا مع حقده وعداوته للإسلام ونبي الإسلام وكان غدرهم هذا مؤلمًا ومؤذيًا، فالأحزاب تهاجم وتحاصر المسلمين من الخارج وبنو قريظة يخونون ويتآمرون من الداخل ولا نعرف أن عدو الداخل أشد ضررًا وخطرًا وقدرة على الأذى، انتهت غزوة الأحزاب وصرف الله تعالى كيد المشركين عن المسلمين وحان وقت الحساب والعقاب. توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى حصون بني قريظة وحاصرهم حتى أجهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب فاستسلموا دون قتال ماذا سيفعل النبي عليه الصلاة والسلام بهؤلاء الغادرين؟! سألهم؛ أتقبلون حكم سعد بن معاذ؟ قالوا: نعم سعد هذا كان حليفهم وصاحبهم قبل الإسلام فحكم عليهم سعد بما يرضي الله وبما يرضي رسوله لم يكن الحكم هذه المرة كما كان مع بني قينقاع وبني النضير لم يكتفي بإجلائهم عن المدينة، كان لابد من تلقين اليهود درسًا يحذرهم من التمادي في إيذاء الرسول والمسلمين وكان لابد للغادر أن يدفع ثمن غدره خاصة وأن غدره جاء في لحظات عسكرية خطيرة كان من الممكن أن تؤدي إلى نتائج خطيرة، حكم سعد بقتل المقاتلين الذين يحملون السلاح وبسبي النساء والذراري وفقًا لمنطق الحرب السائد آنذاك في العالم هكذا كأنه حكم سعد فيهم ونفذ فورا هذا الحكم فيهم فسيقت الرجال المقاتلون إلى خنادق المدينة وقتلوا هناك كان فيمن قتل مع بني قريظة والد صفية "حييّ ين أخطب" زعيم بني النضير. لاشك أن حزن صفية على مقتل والدها كان شديدًا، كان عمرها آنذاك حوالي 17 عامًا، زاد من حزنها وآلامها طلاقها من "سلام بن مشكم" الذي أمضت معه أعوامًا ولم تنجب منه أولادًا بعد فترة من طلاقها زفت إلى رجل اسمه "كنانة بن الربيع" بعد أيام من الزفاف استيقظت مبتسمة مسرورة، سألها كنانة ما الذي أبهجك يا صفية؟! أخبرته صفية برؤية رأتها فزرعت في نفسها شعورًا بالطمأنينة والأمن، رأت كأن قمر السماء قد سقط في حجرها كانت صفية تقص رؤياها تلك مسترسلة وفرحة، ولكن لطمة على وجها أطارت فرحها واستبشارها، صرخ بها زوجها "كنانة" بحدة وعيناه تقدحان بالشر والشرر، أتمنين ملك الحجاز محمدًا أن يصير زوجك يا صفية!؟ دهشت صفية من هذا الاستنتاج العجيب، نسيت ألم اللطمة وغضب الزوج وسرحت بخيالها نحو نبي الإسلام الذي كانت تتساقط أخباره وأخبار دينه ودعوته خفية عن أبيها وزجها، أيمكن أن يتحقق هذا الحلم كما فسره زوجها؟! يبدو هذا مستحيلًا وغير منطقي وغير معقول لا يوجد سبب واحد للتفكير بمثل هذا الموضوع ولكن هذا المستحيل غير المنطقي تحقق بعد بضعة أيام فقط. كان النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة يعد العدة لاستئصال قوة اليهود المتمركزة في خيبر؛ تلك القوة التي ألبت يهود بني قريظة في السابق والتي تشكل في الحاضر والمستقبل خطرًا على المسلمين فيما لو اتحدت مع الروم أو مع الفرس لقتال المسلمين، لابد من الخلاص من كل جيوب الغدر والخيانة صار النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ومعه 1600 مقاتل، فحاصر حصونها القوية وألقى الله تعالى في قلوب اليهود الرعب سقطت حصون خيبر واحدة تلو الأخرى على يد المسلمين، لم يعسر عليهم إلا حصنين "الوطيح والسلالم" فُتحا سلمًا في نهاية المطاف عندما استسلم اليهود المتحصنين فيهم ،ماذا عن صفية؟ وقعت صفية بأيدي المسلمين فيما وقع من سبايا اليهود، قتل زوجها "كنانة بن الربيع" وربما تساق هي وجميع الأسرى والسبايا ليمثلوا بين يدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم. يروي ابن إسحاق أن بلالًا كان يسوق صفية ومعها امرأة أخرى من نساء السبي إلى مكان من ناحية الجيش فمر بهما على قتلى اليهود فالمرأة التي مع صفية لم تتمالك نفسها أن ترى أهلها وقومها على هذه الحال فصكت وجهها وحفت التراب على رأسها، أما صفية لم تزد على أن ترقرقت الدموع في عينيها حزنا لما آل إليه حال قومها، وصل صوت المرأة التي تعول وتبكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بلالًا وعاتبه قائلًا: «أنزعت منك الرحمة يا بلال حتى تمر بامرأتين على قتلى رجالهما؟»، نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى صفية فلفت نظره ثباتها ورباطة جأشها ورقة تعبيرها عن حزنها ربما استشف ما بداخلها من إيمان وصفاء وإنكار لمواقف قومها، فأقبل عليها وقال لها حسب ما يروي ابن سعد في طبقاته قال لها: «لم يزل أبوك من أشد اليهود عداوة حتى قتله الله» فقالت صفية: يا رسول الله أليس دينكم يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} طبعا جواب ذكي محنك، زاد في إعجاب النبي بصفية وعقلها وشخصيتها، فقال لها: «يا صفية اختاري؛ فإن اخترتِ الإسلام أمسكتك لنفسي، وإن أخترتي اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك»فقالت: "يا رسول الله لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني ومالي في اليهودية، ومالي فيها والد ولا أخ، وقد خيرتني بين الكفر والإسلام فالله ورسوله أحب إلي من العتق وأن أرجع إلى قومي"، عند ذلك ألقى عليها النبي صلى الله عليه وسلم ردائه فكان ذلك إعلامًا بأنه قد اصطفاها لنفسه، هناك رواية أخرى أوردها الإمام مسلم في صحيحه تختلف عن روايتي ابن سعد وابن اسحاق، بعض التفصيلات لكن النتيجة هي واحدة؛ اصطفاء النبي صلى الله عليه وسلم "صفية" لنفسه واعتاقها إذا أعتقها ثم تزوجها وكان صداقها إعتاقها لم يسمع أن النبي عليه الصلاة والسلام بعد هذا ذكر أباها بحرف مما تكره، احترامًا لمشاعرها وعواطفها. دفع النبي صلى الله عليه وسلم بصفية إلى زوجته أم سلمة وكانت أم سلمة معهم في الجيش فباتت عندها صفية فجهزتها له أم سلمة وزفتها إليه بعد أن حاضت واستبرأت رحمها من زوجها "كنانة بن الربيع". يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعرس بصفية في طريق عودته فهو وعلى بعد 9 كيلو مترات من خيبر فتعللت صفية وتمنعت فلما ابتعد الجيش عن خيبر طاوعته على ما أراد فسألها عن سبب تمنعها فقالت: "يا رسول الله خشيت عليك قرب اليهود"، هنا يحلوا لنا أن نتسائل عن موقف صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من زواجه بيهودية وعن حكمة هذا الزواج؟ الواقع أن كثير من الصحابة لم يستسيغوا هذا الزواج بادئ الأمر بل ولقد أنكرته قلوبهم إلى جانب عقولهم، طبعا لما يعلمون من غدر اليهود وعداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وللإسلام والمسلمين، ما الذي يدلنا على أن كثير من الصحابة لم يستسيغوا هذا الزواج؟ لنا على هذا شواهد كثيرة: أول الشواهد أن أبا أيوب الأنصاري بات يحرس النبي صلى الله عليه وسلم طوال الليلة التي دخل فيها بأم المؤمنين صفية، ولما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في الصباح سأله: «ما لك يا أبا أيوب؟» قال: "يا رسول الله خفت عليك من هذه المرأة وقد قتلت أباها وقومها وهي حديثة عهد بكفر"، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وطمأن أبا أيوب ثم دعا له وقال: «اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني». هناك حادثة ثانية حصلت عند مشارف المدينة وهم عائدون من خيبر؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أركب صفية خلفه وهي محتجبة بحجابها كباقي أمهات المؤمنين فعثرت الناقة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبزوجته وخر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأرض وخرت معه صفية، ركض أبو طلحة نحو النبي صلى الله عليه وسلم يعنيه بينما وقف الجميع ينظرون إلى أم المؤمنين صفية وهي ملقاة على الأرض حتى قام إليها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وأعانها على النهوض، عندما قدمت نساء أهل المدينة لاستقبال الجيش ورأين صفية جعل بعضهن ينظرن إليها ويشتمنها أبعد الله تلك اليهودية. أما الحادثة الثالثة: فكانت لما استقر الركب في المدينة فقد أنزل النبي صلى الله عليه وسلم بادئ الأمر أم المؤمنين صفية في منزل للصحابي "حارثة بن النعمان" ريثما يهئ لها بيتًا بجانب المسجد كبيوت زوجاته وريثما تألف أيضًا نساؤه قدوم صفية ويتأكدن من حسن إسلامها طفق نساء الأنصار يفدن إلى بيت حارثة ينظرن إلى صفية اليهودية التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، كان من ضمن الوافدات بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم وكانت عائشة إحداهن وقد رآها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تدخل متنقبة متخفية، فلما خرجت سألها: «كيف رأيت يا شقيراء؟» قالت: "رأيت يهودية من اليهوديات" فقال عليه الصلاة والسلام: «لا تقولي هذا يا عائشة فإنها قد أسلمت وحسن إسلامها». أقول: لقد كان لكره الصحابة رضوان الله عليهم لليهود أسبابه المعروفة التي ذكرناها ولم يكن كرههم لهؤلاء اليهود المتألبين ضد الإسلام والمعادين لرسوله والمؤمنين غريبًا، ولكن الغرابة ربما تأتي في المستقبل حين ينسى المسلمون الأسباب الحقيقية لكراهية اليهود ويظنون أن النبي وصحابته كانوا يكرهون اليهود لأنهم يهود؛ الأمر الذي قد يتسبب في كرههم وإساءتهم لنبي اليهود موسى عليه السلام، لذلك أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يعلم المسلمين بطريقة عملية كيفية التعامل مع اليهود. فمن حيث المبدأ اليهود هم قوم موسى عليه السلام ونحن كمسلمين لا يمكن أن يتم إيماننا ويكمل إسلامنا إذا لم نؤمن بنبي الله موسى عليه السلام ضمن سلسلة الأنبياء جميعهم على الرغم من مطالبة القرآن لأهل الكتاب أتباع موسى وعيسى عليهما السلام أن يضموا إلى إيمانهم بأنبيائهم الإيمان بخاتم النبيين عليهم السلام، إلا أنه لا يبيح إيذائهم حتى ولو لم يؤمنوا بني الإسلام بل يوجب على المسلمين معاملتهم بالعدل والمرحمة والبر والإحسان وأن يجادلوهم بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة بشرط أن لا يعتدي هؤلاء اليهود والمسيحيون على المسلمين وأن لا يكيلوا لهم الإيذاء والعداوة في هذا يقول القرآن القرآن {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت:46] ويقول أيضًا: {لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:8-9]، كما أباح القرآن الكريم للمسلمين الزواج من المحصنات العفيفات من الكتابيات أعني بالكتابيات المسيحيات واليهوديات اللواتي لا يعادين الإسلام وأهله وفي هذا يقول القرآن: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:5]. وقد كان في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من صفية تأكيد لهذه المعاني السامية فأصهاره صاروا من يهود أهل الكتاب وحسن معاملة الأصهار كما تعلمون ولذلك كانت أم المؤمنين صفية رغم إسلامها تصل أرحامها اليهود وتبرهم وتحسن إليهم وعلى مرأى من النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ورضى منه. هنالك اليوم من يجهل هذه المعاني السامية ويقف على المنبر فيقول: اللهم عليك باليهود فإنهم لا يعجزونك، ولهؤلاء أقول: يجب أن نميز بين اليهود المقيمين مع المسلمين في أوطانهم والذين لا يعادونهم ولا يقاتلونهم وبين اليهود الإسرائيليين الصهاينة المعتدين الذين اغتصبوا فلسطين وانتهبوا المقدسات الإسلامية، وهؤلاء اليهود الصهاينة هم أعداؤنا ويجب علينا قتالهم إلى أن نرفع الظلم عنا وعن أهلنا وحرماتنا ومقدساتنا، أما المواطنون اليهود المسالمون الذين يقطنون في بلاد المسلمين فإن على المسلمين أن يحسنوا معاملتهم ويحذروا من الإساءة إليهم لئلا يكونوا من أولئك الذين سيخاصمهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حيث يقول عليه الصلاة والسلام «ألا من ظلم معاهدا» ، والمعاهد غير المسلم من أهل الكتاب المسيحي أو اليهودي «ألا من ظلم معاهدا» والذي بيننا وبينه معاهدة أمان «ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» (سنن أبي داود[3052]). نعود إلى أم المؤمنين صفية وهي في بيت النبي عليه الصلاة والسلام لنرى هل فهم الصحابة بشكل عام وزوجات النبي عليه الصلاة والسلام بشكل خاص هذا الدرس الذي أراد عليه السلام إفهامهم إياه؟ الواقع تغيير القناعات المتجذرة ليس بالأمر السهل أبدا؛ بل يحتاج إلى إرادة ومران ومراقبة ومتابعة لذلك نرى أم المؤمنين صفية ظلت تعاني من نظرات التعيير في حياة النبي وبعد وفاته ولكن على درجات متفاوتة. لنا أن نتساءل؟! كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج هذا الظلم الواقع على صفية بسبب هذه النظرات الاتهامية والتعيرية؟ عندما نتمعن في الحادثة التالية ندرك حكمته صلى الله عليه وسلم في معالجة الأمور فقد كان صلى الله عليه وسلم يدرك عامل الزمن في اجتثاث هذه الأفكار، فكان توجيهه آنذاك بشكل مباشر من خلال مداراته لصفية وتلطفه معها وتطييبه لخاطرها ومن خلال أيضًا تلقينها لحجتها. من هذا ما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على زوجته صفية فوجدها تبكي فسألها فأخبرته بكلام بلغها عن ضرائرها عائشة وحفصة يعيرانها فيه بأصلها اليهودي فقال لها عليه الصلاة والسلام: «هلا قلت لهما وكيف تكونا خيرا مني وزوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى» (سنن الترمذي[3892])، وظل النبي صلى الله عليه وسلم يُقوم تلك النظرة التعيرية التي كان ينظرها الصحابة وزوجات النبي إلى صفية ظل يقومها برفق ولين إلى أن جاءت حجة الوداع. عاشت صفية في بيت النبي ثلاث سنوات زوجة كباقي زوجاته الكريمات فكان يقسم لها كما يقسم لهم ويعاملها كما يعاملهن بالرفق واللين والحب والرعاية، ولما مرض النبي عليه الصلاة والسلام مرض الموت اجتمعت حول فراشه عليه السلام جميع زوجاته فبكت صفية رضي الله عنها حبيبها وحاميها ورسولها وقالت: إني والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي فتغامزت نساء النبي عليه السلام على مقالتها فقال صلى الله عليه وسلم: «مضمضن، فقلن: من أي شيء؟ فقال: من تغامزكن بها وإنها والله لصادقة» (الإصابة[4/347]). لم تسلم أمنا صفية من أذى المبغضين لليهود حتى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يروى أن جارية لها أتت أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" تقول له: "يا أمير المؤمنين إن صفية تحب السبت وتصل اليهود فبعث عمر إلى أم المؤمنين صفية فأجابت أما السبت فإني لم أحببه منذ أن أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحمًا فأنا أصلهم"، ولما سألت أم المؤمنين صفية جاريتها عن ما حملها على ذلك أجابتها الشيطان يا أمنا -الشيطان- فما كان من أمنا صفية إلا أن قالت لها: اذهبي فأنت حرة لوجه الله. عاشت صفية بعد النبي صلى الله عليه وسلم عابدة متبتلة، يروى أن بعض الصحابيات اجتمعن في دارها مرة يقرأن القرآن ويتبتلن لله تعالى فقالت رضي الله عنها: "هذا السجود فإن البكاء من خشية الله". روت أم المؤمنين "صفية" عشرة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفيت حوالي سنة 50 في خلافة معاوية عن عمر يناهز الستين عامًا، فسلام لك يا أم المؤمنين يا بنت هارون وقريبة موسى وزوجة محمد عليه وعلى أنبياء الله أحسن صلاة وأتم تسليم.
لينا الحمصي. المصدر: موقع قناة الرسالة الفضائيه


الساعة الآن 12:00 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام