منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   لغتنا العربية (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=125164)

امانى يسرى محمد 20-02-2021 01:29 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
قال تعالى : (وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ)[البقرة:109]




السؤال الأول:



قال هنا في آية البقرة: (مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ) [البقرة:109] وقال في آية البقرة: (مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ) [البقرة:56] بينما لم يذكر (من) في آية آل عمران (بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ) [آل عمران:100] فما دلالة ذلك ؟



الجواب:



بشكل عام (مِن) للابتداء . تقول مثلاً : سافرت من مكة إلى المدينة , أي ابتداء السفر من مكة . وعندما تذكر ( من ) تكون للفترة أو للمسافة القصيرة لأنها ذكرت الابتداء , وبدون

( من ) يمكن أن تكون للفترة أو للمسافة القصيرة أو الطويلة . انظر إلى قوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا ﴾ [فصلت:10] فذكرهنا ( من ) ليدل على أنّ الرواسي ملتصقة بالأرض ليس بينها وبينها فراغ , بينما قال تعالى : (أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَٰٓفَّٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ ﴾ [الملك:19] لم يذكرهنا ( من ) لأنّ بينهم وبين السماء مسافة طويلة .

1ـ في آيتي البقرة : (وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٥ ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ٥٦﴾[البقرة:55ـ56 ] معناها أنّ الله لم يتركهم مدة طويلة ميتين .

2ـ وفي آية البقرة : ﴿ وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ١٠٩﴾ [البقرة: 109] ذكر الله أنّ كثيراً من الكفار يتمنون لو أنهم ردوا المسلمين من بعد الإيمان كافرين أي بلا مهلة (حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) فهم يتمنون الإسراع في تكفيرهم، وأنْ ينقلوهم فوراً من حالة الإيمان إلى حالة الكفر.

بينما في آية آل عمران (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ) [آل عمران:100] ففيها تحذير للمسلمين من إطاعة الكافرين؛ لأنهم ينفثون فيهم أوهامهم وضلالهم شيئاً فشيئاً حتى يردوهم مع مرور الزمن كافرين, وليس معناه أنهم ينقلونهم فوراً من الإيمان إلى الكفر.

لذلك الأولى مقام تمنٍّ، والثانية مقام تحذير.

والله أعلم.



السؤال الثاني:



لم قال تعالى: (مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) [البقرة:109] ولم يقل منهم؟


الجواب:



في قوله تعالى: (مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) [البقرة:109] تأكيد على تأصيل هذا الحسد فيهم وصدوره من أنفسهم أكثر من قوله منهم.


السؤال الثالث:



ما أهم الوقفات والدروس في الآية ؟


الجواب:



1ـ قوله تعالى : ﴿ وَدَّ كَثِيرٞ) هو تعليل لمعنى الكلام في الآية السابقة رقم 108 وهو : ألا تتبدلوا الكفر بالإيمان , بعد تعليله بالضلال . وكما قال تعالى أيضاً : (مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ خَيۡرٖ مِّن رَّبِّكُمۡۚ) [البقرة:105].

2ـ قوله تعالى : ﴿ لَوۡ يَرُدُّونَكُم) أي : بأجمعكم , وليس قسماً منكم .

3ـ قوله تعالى : ﴿ مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ) جاء بـ ( من ) للتعبير أنّ تمنيهم يريدونه أن يتحقق في زمن يسير .

4ـ قوله تعالى : ﴿ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) ( حسداً ) مفعول لأجله , وسببه ما آتاكم الله من الخير الهادي إلى الجنة , والحسد قلق النفس من رؤية النعمة على الغير , وقوله تعالى : ﴿ مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم ) هو تأكيد على تأصيل هذا الحسد فيهم وصدوره من أنفسهم أكثر من قوله منهم.

5ـ قوله تعالى : ﴿ مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ ) أي من صحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم , وأنه خاتم النبيين المرسل إلى الناس جميعاً بشهادة ما طابقه من التوراة .

6 ـ قوله تعالى : ﴿ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ) الفاء في ( فاعفوا ) فاء الفصيحة .

وهنا في الآية بيّن الله للمؤمنين طريقة التعامل مع أهل الكتاب بأن لا يقابلوا الحقد بالحقد ولا السيئة بالسيئة , حتى يأتي الله بأمره , عندما أُمِرَ المسلمون بالقتال بعد أن اشتدت قوتهم وأجلي اليهود عن المدينة , ونُصروا عليهم , والله قدير لا يعجزه شيء .

وللعلم فإنّ ( العفو ) هو ترك العقوبة على الذنب , و( الصفح ) هو الإعراض عنه وعدم مواجهته باللوم ونحوه , لذا فالصفح أبلغ من العفو , ويكون معنى الآية : أيها المؤمنون اتركوا معاقبتهم وأعرضوا عنهم حتى يأذن الله لكم في الانتصار منهم بعد أن تتهيأ أسباب النصر .

والله أعلم .

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,



قال تعالى :(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة: 110]



السؤال الأول:



أداة الشرط (ما) في الآية ماذا تفيد من معنى ؟


الجواب:



(ما) : أداة شرط وهي أعم من (مَن)، وهي لغير العاقل: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) [آل عمران: ١١٥] ، ولصفات العقلاء نحو: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) [النساء:24] وهي تفيد الزمان نحو: (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ) [التوبة:7] أي: مدة استقامتهم لكم , كما تكون غير زمانية كما في هذه الآية (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ) [البقرة:110].


السؤال الثاني:



يقول تعالى في هذه الآية: (بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:110] وفي آية أخرى يقول: (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [البقرة:96] فهل للتقديم والتأخير لمسة بيانية؟


الجواب:



التقديم والتأخير يأتي لسبب، والسياق قد يكون الحاكم والموضح للأمور، فإذا كان السياق في الكلام أو الآية عن العمل يقدّم العمل على البصر, وإذا كان الكلام ليس في السياق عن العمل أو الكلام عن الله تعالى وصفاته يقدّم صفته.


شواهد قرآنية :



1ـ فمن باب تقديم العمل على البصر، قوله تعالى:



ـ (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:110] السياق عن العمل والله بهذا العمل بصير.

ـ (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:265] هذا إنفاق وهو عمل فقدّم العمل .

ـ (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:233] الرضاعة عمل فقدّم العمل .

-(وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:237] العفو عمل فقدّم العمل.

ـ (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [هود:111] توفية العمل فقدّم العمل.

ـ (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود:112] الكلام عن العمل فقدّم العمل .

ـ (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [سبأ:11] قدّم العمل.

ـ (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فُصِّلَت:40] قدّم العمل.



2ـ ومن باب تقديم البصر على العمل، قوله تعالى:



ـ (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [البقرة:96] ليس فيها عمل فقدّم صفة من صفاته تعالى .

ـ (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [المائدة:71] لا يوجد عمل فقدّم صفة من صفاته تعالى .

ـ (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحُجُرات:18] يتكلم عن الله تعالى فيقدم صفة من صفات الله تعالى.


السؤال الثالث:



ما دلالة هذه الآية ؟



الجواب:



هذه الآية دعوة للمسلمين لاصلاح شؤونهم مع الله ومع الناس , بأن يشتغلوا بإقامة الصلاة وأداء الزكاة , وأعمال البروالخير, ريثما يأذن الله بقتال الكفار ,والله لن يضيع ثواب أعمالكم , فهو سبحانه بصير بجميع أعمالكم .

والله أعلم .

,,,,,,,,,,,,,,,,,,



قال تعالى : (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: 111]



السؤال الأول:



في الآية طلب كشف مدى صدق دعواهم وهو نوع من طلب التحقيق، فما دلالة ذلك ؟ وما فرق التحقيق عن التبيين ؟


الجواب:



التحقيق هو كشف مدى صدق الدعوى، وهو يختلف عن التبيين الذي هو لمعرفة صدق الخبر، والفرق بين التبيين والتحقيق أنك في الأول تجعل صاحب الخبر يبيّن , أمّا في الآخر فإنك تجعل صاحب الدعوى يأتي بالبرهان على صحة دعواه كما في هذه الآية.


السؤال الثاني:



ما كلمات منظومة التحري والتحقيق في القرآن الكريم؟


الجواب:



كلمات منظومة التحري والإحاطة والتحقق هي:


التحري:



التحري هو أن تتناول الأمر من جانبه سراً بدون أنْ يشعر بك أحد للوصول إلى اليقين.

وهناك طريقتان للتحرّي، وهما:

أ- طريق التجارب تجربة بعد تجربة. قال تعالى:

{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن: 14]، فهم لم يعرفوا من مرة واحدة ولكنهم مروا بتجارب عديدة حتى وصلوا إلى الرشد.

وقال أيضاً: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 51].

حيث تحرّى إبراهيم عليه السلام الكوكب والقمر والشمس فأدى به التحري إلى الرشد، وهو أرقى أنواع التفكير العقلي.

ب- استعمال الشك للوصول إلى اليقين، كما في قوله تعالى:

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 260].

فالتحري يوصل إلى اليقين والذي يؤمن بالدين يتم بعد يقينه بهذا الدين وبأنه هو الدين الصحيح.


الاستخبار:



هو أنْ تكشف خطط العدو وتعرف تصرفاته من بعيد كما فعل الهدهد مع ملكة سبأ {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22] وقوله تعالى: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 94]، والخبر يكون من قريب، أمّا الاستخبار والنبأ فيكون من بعيد.


التبيّن:



هو المراقبة من بعيد أو التغلغل في صفوف الآخرين لمعرفة صدق الخبر؛ لأنه لا بدّ من التيقن من صحة الخبر أو كذبه، كما في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]، بمعنى اطلب البيان وهو التفصيل الكامل عمن الذي نقل الخبر.


التحقيق:



هو كشف مدى صدق الدعوى، وهو يختلف عن التبين الذي يكون هو كما أسلفنا لكشف صدق الخبر، والفرق بين التبيين والتحقيق أنك في الأول تجعل صاحب الخبر يبين، وأمّا في الآخر فأنت تجعل صاحب الدعوى يأتي ببرهان على صحة دعوته، قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111]، فقد طلب تعالى منهم أنْ يأتوه بالبرهان على صدق دعواهم تلك، وعلى صاحب الخبر أنْ يبين عمّا قال بالتفصيل، وعلى صاحب الدعوى أنْ يبرهن عن دعواه بالدليل.


التحسس:



هو معرفة مكان شيء أو شخص غائب أو مفقود، ولابدّ من الانطلاق بالحركة للسؤال عن هذا الغائب أو المفقود في محاولة لإيجاده، ولابدّ من استعمال كافة الحواس حتى تجعل المفقود أو الغائب مشاهداً، كما في قوله تعالى في سورة يوسف {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] .

والفرق بين التحسس والتجسس، أنّ التحسس يكون للصديق أو لمصلحتك، أمّا التجسس فهو محاولة اكتشاف غيب العدو وحركاته وخططه، ويكون ذلك عن طريق استراق السمع ونشر العيون، وهذا يكون لمصلحة الآخرين، وهو نوعان:

- إيجابي مع العدو: كما فعل الهدهد في قصة سبأ، لأنه قد يدفع شر العدو ويفشل خططه، أو قد يعين على مهاجمته.

ـ سلبي مذموم على المسلمين: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12] ونهى عنه الرسول ﷺ بقوله: «لا تحسسوا ولا تجسسوا» وهذا من خائنة الأعين، وقد تجسس عمربن الخطاب رضي الله عنه مرة على شاربي خمر فحاججوه فاعتذر منهم.


القصّ والقصص:



هذه كانت موهبة وأصبحت الآن علماً قائماً بذاته، وقد كان السابقون يقصون آثار الناس ويتعرفون على آثار شخص ما من بين آلاف الآثار، وكان هذا العلم يسمى (قصّ الأثر).

أمّا الآن فلدينا بصمة الأصابع، وبصمة الصوت، والشفرة الوراثية، وبصمة الشعر والعين وغيرها، وهذه كلها تطوير لعلم القصّ حتى إنّ الكلاب الآن تستخدم لتقصي الأثر. قال تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} القصص 11 وقال:{قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64]، أي اتبعوا آثارهم حتى وصلوا إلى المكان المراد.


التوسم:



التوسم من الفراسة وهو من اللامعقول كالقص سابقاً، فالله يعطي من يشاء من عباده بصيرة عظيمة، وهو ناجم في الغالب عن طاعة، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [ الحجر: 75].

وكما في قصة الخضر حيث كشف الله تعالى له أنّ الغلام سيكون شقياً، وكذلك في قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما نادى من فوق المنبر: (يا سارية الجبلَ الجبلَ)، ومن ضمنها أيضا الرؤيا الصالحة، وكمافي الحديث «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله».


التنقيب:



هو البحث عن الشيء الثمين في موقع معين، قال تعالى : {وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا فَنَقَّبُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ هَلۡ مِن مَّحِيصٍ} [ق: 36].

هذه جملة الأساليب التي يكتشف بها الإنسان بعض الغيب فيصبح مشاهداً، وهي أساس حركة الكون كله من البحث عن المعادن والخصب والمرض والمجرمين وكل الاكتشافات.


السؤال الثالث:



ما أهم الدلالات في هذه الآية؟


الجواب:



1ـ هذه الآية تبين زعم اليهود بأنّ الجنة خُلقت لهم وحدهم, والردُّ على ذلك .

2ـ الهود : جمع هائد , كعائذ وعُوذ , فإنْ قيل : كيف قيل : كان هوداً ؟ على توحيد الاسم وجمع الخبر ؟ والجواب : حمل الاسم على لفظ ( من ) والخبر على معناه .

3ـ إنْ قيل : قوله تعالى على لسان اليهود {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ} أمنية واحدة , وقوله تعالى :

{تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} جمع فما تفسير ذلك ؟ والجواب : أُشير إلى الأماني السابقة :أمنيتهم أن لا ينزل على المؤمنين خيرٌ من ربهم ـ أمنيتهم أن يردونهم كفاراً ـ أمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم . والمعنى : تلك الأماني الباطلة أمانيهم .

وقيل : إنّ شدة تمنيهم لهذه الأمنية بأن لا يدخل الجنّة غيرُهم وتأصلها في نفوسهم فجُمعت وتوزعت في قلوبهم فلم تترك فراغاً لغيرها .

4ـ قوله تعالى: {هَاتُوا} (هات) بمعنى أحضر . ودلتْ الآية على أنّ المدعي سواء ادعى نفياً أو إثباتاً , فلا بدّ له من الدليل والبرهان , وإلا تكون دعواه باطلة . قال الشاعر :

من ادعى شيئاً بلا شاهد =لا بدّ أن تبطل دعواه

5ـ قوله تعالى : {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} شرط وفعله , والجواب محذوف , والتقدير : فهاتوا برهانكم .

6ـ قرأ أبو جعفر ﮋ أَمَانِيُّهُمْ ﮊ بياء مدّية بعد النون ثم هاء مكسورة , وقرأ باقي القرّاء كقراءة حفص بياء مشددة بعدها هاء مضمومة .

والله أعلم .

مثنى محمد هبيان
رابطة العلماء السوريين




امانى يسرى محمد 03-03-2021 10:52 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
قال تعالى :(بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ١١٢) [البقرة: 112]





السؤال الأول:

قال تعالى في هذه الآية: (بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ) [البقرة:112] وورد الفعل (أَسۡلَمَ) فيها بالماضي , وفي آية لقمان ورد الفعل بالمضارع (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] فما الفرق بينهما؟

الجواب:

أولاً ـ استعراض الآيات :

آية البقرة (بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:112] .

آية لقمان (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22].

ثانياً ـ اختلاف الصيغ بين الآيتين :

نوجز ذلك بالجدول التالي :



https://islamsyria.com/ckeditor/kcfi...8%D9%84(4).jpg




سياق الآيتين يوضح الاستعمال من الناحية اللغوية :

1ـ أسلم، أي: انقاد واستسلم وخضع واتبع وفوّض.

آ ـ معنى (أسلم إلى الله) أي:انقاد له وفوض أمره إليه وسلم نفسه إليه كما يُسلَّم المتاعُ إلى الرجل إذا دُفع إليه، والمراد التوكل عليه والتفويض إليه، و(إلى) هنا هي للغاية.

ب ـ ومعنى: (أسلم وجهه لله) أي: جعل نفسه لله خالصاً، أي: لله فقط ، والاختصاص والوجه بمعنى النفس والذات، فاللام للملك والاختصاص، أمّا (إلى) فهي للغاية؛ لذلك (أسلم له) أعلى من (أسلم إليه).

وقد وردت في عموم القرآن الكريم متصرفات الفعل (أسلم) متعدية باللام، ولم يرد ذلك الفعل متعدياً بإلى إلا في آية لقمان( 22).

2ـ أنه إذا وقع فعل الشرط مضارعاً بعد أداة الشرط فهذا يفيد التكرار غالباً، وإذا وقع بالماضي يفيد وقوع الحدث مرة في الغالب .

المعنى العام للتعبير:

استعمال (إلى) تدل على أنّ الله هو الغاية، والغاية لا بُدّ لها من طريق للهداية يوصّل إليها.

أمّا اللام، فتعني الوصول لله مباشرة دون قطع طريق، وهذا الوصول لا يكون إلا بدرجة عالية من الإخلاص لله.

فمعنى آية لقمان: أنك على الطريق الموصل إلى الله تعالى، وأنك تؤدي ما افترضه عليك.

ومن إسلام الوجه لله قول ملكة سبأ : (وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [النمل:44] فالكلام هنا على لسان ملكة، فلم تقل: أسلمت لسليمان، لكنْ قالت: (وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [النمل:44].

وإسلام الوجه لله أو إخلاص العمل لله عملية دقيقة تحتاج من العبد إلى كثيرٍ من المجاهدة لأنّ النفس لا تخلو من هفوة.



ما سبب اختيار الفعل (أسلم) ؟

1ـ ذكرنا أنّ أهم معاني (أسلم )هو الاتباع والتفويض.

آـ معنى الاتباع :

في آية لقمان [21] قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ يَدۡعُوهُمۡ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ) [لقمان:21] فذكر فيها الاتباع للآباء بمعنى أنهم أسلموا قيادة أمرهم إلى الشيطان، فناسب هنا ذكر اتباع الله فقال: (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] .

ب ـ معنى التفويض :

ذكر في آية لقمان [22] أنّ المرء يفوض أمره إلى الله وخاصة في حالة الشدائد، فقال تعالى: (فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ ) [لقمان:22] فكأنها تعصم من الشدائد؛ لأنّ حبل الله متين مأمون انقطاعه؛ ولأنّ النتيجة هي بيد الله وإلى الله عاقبة الأمور .

لذلك ناسب اختيار (يُسلم)

مقارنة بين آية البقرة (112 ) وآية لقمان (22) :

1ـ جاءت لفظة (أَسۡلَمَ) بالماضي في سورة البقرة، وجاءت بصيغة المضارع في آية لقمان ؛ وذلك بسبب :

آ ـ في البقرة جاءت رداً على اليهود والنصارى، كما جاء في قوله تعالى: (وَقَالُواْ لَن يَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ تِلۡكَ أَمَانِيُّهُمۡۗ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ) [البقرة:111] فجاء الرد (بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ) [البقرة:112] أي: دخل في الإسلام، وهذا يحدث مرة واحدة في العمر، والباقي أعمال فجاءت في صيغة الماضي.

ب ـ أمّا في آية لقمان فجاء بصيغة المضارع؛ لأنّ معاني الاتباع متعددة والتفويض يتكرر في كل أمر عند الشدائد فناسب فعل المضارع.

2ـ يقدّم القرآن الجار والمجرور على الفعل (أسلم) في مقام التوحيد ونفي الشرك، فيقول: (فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ) [الحج:34] وفي غيره لا يقدم.



شواهد قرآنية :

آـ (وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ) [الحج:34] فقدّم الجار والمجرور (فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ) لأنه تقدمها (فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ) .

ب (وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) [الزُّمَر:54] لم يقدّم الجار والمجرور؛ لأنها ليست في مقام التوحيد.

ج ـ آية لقمان [ 22] لم يقدم الجار والمجرور؛ لأنها ليست في مقام التوحيد.

د ـ وتقديم الجار والمجرور يفيد الحصر كما في قوله تعالى : (ءَامَنَّا بِهِۦ وَعَلَيۡهِ تَوَكَّلۡنَاۖ) [المُلك:29].

وكذلك في آية الملك قدّم الجار والمجرور على الفعل (وَعَلَيۡهِ تَوَكَّلۡنَاۖ ) [المُلك:29] وقدم الفعل (ءَامَنَّا) [المُلك:29] على الجار والمجرور (ءَامَنَّا بِهِۦ) [المُلك:29] وذلك لأنّ الإيمان ليس منحصراً في الإيمان بالله فقط, بل لا بدّ معه من الإيمان بالرسل والملائكة والكتب واليوم الآخر وغيره مما يتوقف عليه صحة الإيمان عليه، بخلاف التوكل فإنه لا يكون إلا على الله وحده لتفرده بالقدرة والعلم القديمين، لذلك قدّم الجار والمجرور فيه ليؤذن باختصاص التوكل من العبد على الله دون غيره؛ لأنّ غيره لا يملك ضراً ولا نفعاً فيتوكل عليه .

لذلك لا يصح من الناحية البيانية أنْ تقول (به آمنا).

3ـ قال في لقمان: (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] بالتعدية بـ (إلى) وقال في البقرة: (أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ) [البقرة:112] والسبب كا ذُكر أعلاه؛ فمعنى (يسلم وجهه إلى الله) أي: يفوض أمره إلى الله ويتوكل عليه، ولذا كان جواب الشرط: (فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22] .

بينما معنى (أسلم وجهه لله) أي: دخل في الإسلام واستسلم لوجه الله وانقاد له وجعل نفسه خالصاً له، ولذا كان الجواب: (فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:112].

4ـ قوله تعالى: (وَهُوَ مُحۡسِنٞ) [البقرة:112] أي: يسلم وجهه إلى الله في حالة اتصافه بالإحسان

5ـ قوله تعالى: (وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22] :

آ ـ (وَإِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] قدّم الجار والمجرور لتفيد الحصر، وهي رد على الكفرة في زعمهم مرجعية آلهتهم لبعض الأمور، والآية تفيد أنّ الأمور جميعها هي صائرة إليه عزّ وجلّ لا إلى غيره، فيجازي الله سبحانه المتوكل عليه أحسن الجزاء، ويجازي ذلك المجادل بما يليق به بمقتضى الحكمة .

ب ـ وأل التعريف في قوله: (ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22] هي للاستغراق.

وبشكل عام وفي كلا الآيتين (من أسلم لله) و(أسلم إلى الله) كلاهما محسن , ولذلك قال القدامى : (أسلم لله) أعلى من (أسلمت إلى الله) كما قال الرازي: واختلف الأجر وكل أجر مناسب لكل واحد، ذاك فوض أمره إلى الله فقد استمسك بالعروة الوثقى، وذاك جعل نفسه خالصاً لله فله أجره عند ربه، وكونه مسلماً دخل في الإسلام. والله أعلم.





السؤال الثاني:

ما أهم دلالات هذه الآية ؟

الجواب:

(بَلَىٰۚ) هو حرف جواب لإثبات ما نفوه من دخول غيرهم الجنة .

2ـ بيّن سبحانه أنّ الأمر ليس كما زعم كل فريق من اليهود والنصارى, من أنّ الجنة تختص بطائفة منهم دون غيرها , وإنما يدخل الجنة كلُ من أخلص دينه لله فأسلم وجهه له , وامتثل لأوامر الله ونواهيه في كل تصرفاته ,وعمل صالحاً , وتوجه خالصاً بقلبه لله تعالى .

3ـ قوله تعالى : (وَهُوَ مُحۡسِنٞ) دلالة الإخلاص لله في عمله الصالح .

4 ـ قوله تعالى : (وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ) أي مما يصيبهم في المستقبل , وقوله تعالى : (وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) أي :على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.

5ـ الآية تشير إلى أنّ العمل المتقبّل له شرطان :

آ ـ أن يكون خالصاً لله من الرياء والشرك .

ب ـ أن يكون موافقاً للشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

6 ـ قرأ يعقوب : ( لا خوفَ عليهم) بفتح الفاء , على أنّ ( لا ) نافية للجنس تعمل عمل إنّ , وقرأ الباقون بتنوين الفاء المرفوعة (وَلَا خَوۡفٌ) على أنّ ( لا ) ملغاة نحوياً لا عمل لها , وقرأ حمزة ويعقوب بضم الهاء من ( عليهُم ) وكسرها الباقون (عَلَيۡهِمۡ) . والله أعلم .

امانى يسرى محمد 04-03-2021 12:15 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة: 113]


السؤال الأول:



متى يأتي الفعل(كانوا) أو (كنتم) مع كلمة (يختلفون) و(تختلفون)، كما في الآيات (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة:113] (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [يونس:19] ؟ ومتى لا يأتي الفعل ( كان ) كما في آية يونس 19 ؟ وما سبب ذلك ؟

الجواب:



عندما يقول القرآن: (كَانُوا) أو (كُنْتُمْ) فالكلام عن يوم القيامة، والاختلاف كان في الدنيا كما في قوله تعالى :( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة:113] فالاختلاف كان في الدنيا, علماً بأنّ (كان) هو فعل ماض ناقص، وأحياناً يأتي تاماً، وله استخدامات كثيرة.
وأمّا قوله تعالى: (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [يونس:19] فهذه الآن، وليس في يوم القيامة (فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [يونس:19] لأنها تقصد الدنيا؛ فلا حاجة للفعل (كان) .

السؤال الثاني:



لماذا أنّث الفعل (وَقَالَتِ الْيَهُودُ) [البقرة:113] (وَقَالَتِ النَّصَارَى) [البقرة:113] في الآية ؟

الجواب:



القاعدة تقول :



1ـ يجوز تذكير وتأنيث جمع التكسير.
2ـ يونث الفعل مع الكثرة ويذكر مع القلة : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ) [الحُجُرات:14] (وَقَالَتِ الْيَهُودُ) [البقرة:113] (وَقَالَتِ النَّصَارَى) [البقرة:113] ؛ لأنّ الأعراب كُثر واليهود كُثُر والنصارى كُثر كذلك فأنث , ويذّكر مع القلة كما في قوله تعالى : (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) [يوسف:30].

السؤال الثالث:



ما أهم دروس هذه الآية ؟



الجواب:



1ـ هذه الآية تفصيلٌ لما ذُكر في الآية السابقة (111) .
2 ـ روي أنّ وفد نجران من النصارى لمّا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم , فقالت اليهود : ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بعيسى عليه السلام والإنجيل , وقالت النصارى لهم نحوه وكفروا بموسى عليه السلام والتواراة .
3ـ الخلاف كان يخصّ الأمور العامة , وما يتصل بالنبوات .
4 ـ قوله تعالى : (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ) الواو للحال والكتاب للجنس , أي قالوا ذلك وهم أهل العلم والتلاوة للكتب , وحقّ لمن حمل التوراة والإنجيل أو غيرها من كتب الله أن لا يكفر بالباقي لأنّ كل واحد من الكتابين مصدّق للثاني وشاهد لصحته .
5 ـ قوله تعالى : (كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) هم كفّار العرب الذين قالوا إنّ المسلمين ليسوا على شيء , فبيّن تعالى أنه إذا كان قولُ اليهود والنصارى وهم يقرأون الكتاب لا يقبل ولا يُلتفت إليه فقول كفارالعرب أولى ألا يلتفت إليه .
6 ـ هذه الآية رقم ( 113 ) ذكرت المخالفة الرابعة والعشرين (24 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة , وهي تحمل مضمون : تكذيب كل من البهود والنصارى للآخر.والله أعلم .

السؤال الرابع:



وردت لفظة ( في ما ) في القرآن الكريم متصلة (فِيمَا) ووردت منفصلة (فِي مَا) فما تعليل ذلك ؟


الجواب:



1ـ وردت لفظة : ( في ما ) في القرآن الكريم منفصلة (فِي مَا) في ( 11) موضعاً وهي : [ البقرة240 ـ المائدة 48 ـ الأنعام 145 ـ 165 الأنبياء102 ـ النور 14 ـ الشعراء 146 ـ الروم 28 ـ الزمر 3 ـ 46 الواقعة 61 ] .

كما وردت متصلة (فِيمَا) في ( 24) موضعاً في (23) آية وهي: [ البقرة 113 ـ 213ـ 229 ـ 234 ـ 235 ـ آل عمران 55 ـ 66ـ النساء 24 ـ 95ـ المائدة 93ـ الأعراف 190ـ الأنفال68 ـ يونس 19 ـ 93 ـ النحل124 ـ الحج 69ـ المؤمنون 100ـ القصص 77 ـ السجدة 25 ـ الأحزاب 5 ـ 38 ـ الجاثية 17ـ الأحقاف 26 ].
2ـ في آية البقرة : (فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: 240] جاءت منفصلة (فِي مَا ) لأنّ لفظ ( ما ) يقع على فرد واحد من أنواع مختلفة من البدلية أو الجمع , يدل على ذلك تنكيره بالآية(مِنْ مَعْرُوفٍ ) ودخول حرف التبعيض عليه , فهو حسي يقسّم , بخلاف قوله تعالى : (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 234 ] فهذا موصول لأنّ ( ما ) واقعة على شيء واحد غير مفصّل , يدلك عليه وصفه(بِالْمَعْرُوفِ) .

3ـ وفي آية الأنبياء : ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: 102]
هو مفصول , لأنّ شهوات النفس مختلفة أو مفصّلة في الوجود , وكذلك الأمر في باقي المواضع فتدبرها .

والله أعلم .

امانى يسرى محمد 13-05-2021 07:44 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة: 114]


السؤال الأول:
ما نوع الاستفهام فى الآية؟
الجواب:
يوجد في هذه الآية استفهام بـ (وَمَنْ) وليس الغرض منه الاستفهام الحقيقي وانتظار جواب، وإنما هو استفهام إنكاري خرج إلى النفي، ومعناه : أي لا أحد أظلمُ ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه.
وللعلم فإنّ إعراب ( من ) اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ومعناه النفي .
السؤال الثاني:
ما المساجد المقصودة في الآية حتى جُمِعت؟
الجواب:
نزلت الآية في أهل مكة؛ لأنهم منعوا المسلمين دخول المسجد الحرام , ومع ذلك نرى أنّ الآية قد جُمِع فيها المسجد (مَسَاجِدَ) للتعظيم من شأن المسجد، وهذا واضح كما يقول الفرد في معرض الفخر والتعظيم لنفسه: (نحن نقول) وكذلك كلمة (المساجد) أتت جمعاً ليكون الوعيد شاملاً لكل مخرِّب لمسجد أو مانع العبادة فيه.


السؤال الثالث:
ما الفرق بين استعمال كلمتي (عقاب وعذاب) كما وردتا في القرآن الكريم؟
الجواب:
هذه الكلمات هي من لهجات مختلفة فليس بينها فروق، ويستدلون بكلمة السكين والمُدية.
وأمّا عن كلمتي (العقاب والعذاب ) في القرآن الكريم فهو أنّ :
1ـ كلمة العقاب ومشتقاتها وردت في القرآن في ـ 64ـ موضعاً.
2ـ كلمة العذاب ومشتقاتها وردت في القرآن في ـ370ـ موضعاً.
3ـ الفعل الثلاثي لكلٍ من الكلمتين (عذب) و(عقب)، والحرفان الأول والثالث مشتركان بينما الخلاف في الحرف الثاني.
وحرف الذال من أحرف الرخاوة وفيه امتداد، بينما حرف القاف من أحرف الشدة وفيه سرعة، ويسمى في الدراسات الحديثة حرفاً انفجارياً، وأمّا حرف الذال ففيه طول ورخاوة؛ ولذلك فإن امتداد الذال يكون للدنيا والآخرة.
لذلك نستنتج أنّ كلمة (العقاب) تكون للشيء السريع، والشيء السريع يكون في الدنيا، ومن هنا نجد أنّ الآيات التي تحدثت عن عقوبات الأمم السابقة في الدنيا جاء معها كلمة (العقوبة).
4ـ أي أنّ العقاب فيه شدة وسرعة واستعملها القرآن في الدنيا، بينما استعمل (العذاب) في الدنيا والآخرة.
5ـ ليس في القرآن (سريع العذاب) وإنما (سريع العقاب) كما في قوله تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام:165] والآية وصفٌ لله سبحانه وتعالى, لكنه جلّت قدرته لم يصف نفسه بأنه سريع العذاب.
6ـ العذاب: الفعل (عذّب) والعذاب قد يكون في الدنيا نحو قوله تعالى: (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ) [البقرة:114]، وقد يكون في الآخرة (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة:114]، وجاء بها بمعنى العقاب (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور:2] فهذه عقوبة سمّاها عذاباً، ما يدل على أنّ العذاب أوسع من العقاب؛ لأنه يستعمل دنيا وآخرة ويستعمل بمكان العقاب.


شواهد قرآنية على العقاب :
(إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ) [الأنعام:165].
(ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ) [الحج:60].
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [آل عمران:137] .


شواهد قرآنية على العذاب :
(لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة:114] عذاب في الدنيا والآخرة.
(وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ) [الحشر:3].


السؤال الرابع:
ما أهم دلالات هذه الآية؟
الجواب:
1ـ هذه الآية ليست مجرد شرط وجزاء , بل المُراد أنّ منْ الكفار من منع عمارة المساجد وسعى في خرابها , وبيّن الله تعالى جزاء من يعمل مثل ذلك .
2ـ قوله تعالى : (وَسَعَى) أي اجتهد وبذل جهده .
3 ـ قوله تعالى : (وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) يشمل الخراب الحسي ( الهدم والتخريب ) والخراب المعنوي ( منع الذكرين لاسم الله فيها ومنع المصلين والمتعبدين ) وهذا عام لجميع من اتصف بهذه الصفة قديماً وحديثاً .
4 ـ قوله تعالى : (خِزْيٌ) هو الذل والهوان والإذلال والفضيحة .
( مساجد ) جمع مسجِد , وهو اسم لمكان السجود , وكان من حقه أن يأتي على وزن (مفعَل) بفتح العين , لأنّ عين مضارعه مضمومة , ولكنه سُمع بالكسر شذوذاً , ومثل ذلك أيضاً : المطلِع والمشرِق والمغرِب , وفي هذه الحالة السماع أفصح , مع أنه يجوز الفتح . وللمساجد أحكام كثيرة خاصة فيها .
6 ـ هذه الآية رقم ( 114 ) ذكرت المخالفة الخامسة والعشرين (25 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة , وهي تحمل مضمون : تخريب اليهود وغيرهم مساجد الله.والله أعلم .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,


وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 115]


السؤال الأول:
قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) [البقرة:115] لِمَ خصّ الله تعالى ملكه بالمشرق والمغرب؟
الجواب:
لم تذكر الآية جهة الشمال والجنوب، وإنما ذكرت فقط المشرق والمغرب؛ لأنّ الأرض تنقسم بالنسبة لمسير الشمس إلى قسمين: قسم يبتدئ من حيث تطلع الشمس، وقسم ينتهي من حيث تغرب الشمس. وخصّ الله المشرق والمغرب بالذكر لأنهما محل الآيات العظيمة فهما مطالع الأنوار ومغاربها فإذا كان مالكاً لها كان مالكاً لكل الجهات وأي جهة توجهتم إليها في الصلاة بأمر الله فإنكم مبتغون وجهه ولم تخرجوا عن ملكه وطاعته واللام في الآية (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) هي لام الاختصاص والله أعلم.


السؤال الثاني:
ما الفرق بين (ثُمَّ) بالضم، و (فَثَمَّ) بالفتح؟
الجواب:
1ـ ثُمَّ - بالضم-: حرف عطف يفيد الترتيب والتراخي، كما في آية عبس: 21، وآية هود: 52.
2ـ ثَمَّ: ظرف بمعنى هناك، وهو للبعيد بمنزلة هنا للقريب، وقد تلحقها التاء فيقال: ثَمَّة – بالتاء-.
ولذلك من الخطأ الشائع أن يقال: ومن ثُمَّ - بالضم – والصحيح: ومن ثَمَّ - بالفتح.


السؤال الثالث:
وردت لفظة ( أينما ) في القرآن الكريم متصلة {أَيْنَمَا} ومنفصلة {أَيْنَ مَا } فما تعليل ذلك؟
الجواب:
1ـ وردت لفظة ( أينما ) متصلة { أَيْنَمَا} في أربعة مواضع وهي: [البقرة: 115ـ النساء 78 ـ النحل 76 ـ الأحزاب 61 ] ووردت منفصلة {أَيْنَ مَا } في ثمانية مواضع وهي:
[ البقرة 148 ـ آل عمران 112 ـ الأعراف 37 ـ مريم 31 ـ الشعراء 92 ـ غافر 73 ـ الحديد 4 ـ المجادلة 7 ].
2 ـ لفظة {أينما} تكون موصولة إذا كانت ( ما ) غير مختلفة الأقسام في الفعل الذي بعدها نحو: {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ} { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا} {أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا} {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} فهذه كلها لم تخرج عن ( أين ) الملكي وهو متصلٌ حساً ولم يختلف فيه الفعل الذي مع (ما ) بينما تفصل ( أين ) عن ( ما) حيث تكون ( ما ) مختلفة الأقسام والأماكن في الوصف الذي بعدها وذلك للتفصيل كما في الآيات الثمانية المبينة أرقامها أعلاه. والله أعلم.




الساعة الآن 03:54 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام