1ـ الحلال هو المباح وهو نقيض الحرام، والحرام قد يكون حراماً لخبثه كالخمر، وقد يكون حراماً لا لخبثه كمُلك الغير إذا لم يأذن في أكله، والحلال هو الخالي من القيدين.
2ـ الطيبُ في اللغة قد يكون بمعنى الطاهر، والحلال قد يوصف بالطيب؛ لأنّ الحرام يوصف بأنه خبيث، والطيبُ في الأصل هو ما يُستَلَذُّ به ويستطاب.
3ـ قوله تعالى: ﴿حَلَٰلٗا طَيِّبٗا﴾ [البقرة:168] نُصِبَ على الحال مما في الأرض أو مفعول به.
4ـ قوله ﴿خُطُوَٰتِ﴾ [البقرة:168] بضم الخاء والطاء، أو بسكون الطاء ـ والخُطوة من الأسماء لا من الصفات فيُجمع بتحريك العين، وأمّا من خفف العين فأبقاه على الأصل وطلب الخفة فلا بأس.
السؤال الثاني:
ما الأمور التي ذكرها الله في القرآن حول عداوة الشيطان المبينة الظاهرة؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ﴾ [البقرة:168] بيّن العلة في هذا التحذير ؛ وهي كونه عدواً مبيناً.
2ـ يلاحظ أن الشيطان التزم أموراً سبعة في العداوة، وهي:
آـ أربعة منها في قوله تعالى: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ﴾ [النساء:119].
ب ـ وثلاثة في قوله تعالى: ﴿لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ١٦ ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ﴾ [الأعراف:16-17].
فلمّا التزم الشيطان هذه الأمور كان عدواً متظاهراً بالعداوة.
السؤال الثالث:
ما دلالات هذه الآية؟
الجواب:
1 ـ لمّا بيّن تعالى في الآيات السابقة التوحيد ودلائله، وما للموحدين من الثواب، وأتبعه بذكر الشرك ومن يتخذ من دون الله أنداداً ويتبع رؤساء الكفر، أتبع ذلك بذكر إنعامه على الفريقين وإحسانه إليهم، وأنّ معصية من عصاه وكفر من كفر به لم تؤثر في قطع إحسانه ونعمه عنهم، فقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾.
2 ـ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ﴾ تدل أنّ الشيطان يدعو إلى الصغائر والكبائر والكفر والجهل بالله، ويتم ذلك عن طرق مختلفة منها: الوسوسة والخواطر والتصورات، وتزيين التدرج في خطوات المعاصي، وتزيين المصالح الدنيوية على حساب المصالح الأخروية.
3 ـ قوله تعالى: ﴿حَلَٰلٗا طَيِّبٗا﴾ يمثل القاعدة السادسة من قواعد الإيمان وهي: التحليل والتحريم حق الله وحده، وللفائدة نعيد بيان هذه القواعد كتلخيص لها:
ما الفرق بين كلمتي ﴿أَلۡفَيۡنَا﴾ في آية البقرة [170] ﴿بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ ﴾ و﴿وَجَدۡنَا﴾ في آية المائدة [104] ﴿حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ ﴾ وآية لقمان [21] ﴿مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ ﴾؟
الجواب:
1ـ الفعل (ألفى) في اللغة يستعمل في الأمور المادية فقط، وقسمٌ من النحاة يقولون: إنه لا يأتي في أفعال القلوب، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمۡ أَلۡفَوۡاْ ءَابَآءَهُمۡ ضَآلِّينَ﴾ [الصافات:69] وقوله: ﴿وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِۚ﴾ [يوسف:25].
2ـ أمّا كلمة ﴿وَجَدۡنَا﴾ فهي تأتي مع أفعال القلوب، كما في قوله تعالى ﴿لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا﴾ [النساء:64] وقد تأتي أحياناً في الأشياء الحسّية.
3ـ وعندما يذكر القرآن كلمة ﴿أَلۡفَيۡنَا﴾ يريد أنْ يذمّهم أكثر وينفي عنهم العقل، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡٔٗا وَلَايَهۡتَدُونَ﴾ [البقرة:170].
ولو لاحظنا آية سورة المائدة [103] ﴿مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِيرَةٖ وَلَا سَآئِبَةٖ وَلَا وَصِيلَةٖ وَلَا حَامٖ وَلَٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ فالذي يُشرّع ليس عنده علم ولكن عنده عقل.
4ـ وعندما يذكر كلمة (وجدنا ) ينفي عنهم العلم ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ﴾ [المائدة:104] وكذلك في سورة لقمان ﴿أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةٗ وَبَاطِنَةٗۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ٢٠ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ يَدۡعُوهُمۡ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ﴾ [لقمان: 20، 21].
5ـ وقد تنفي العلم عن أحدهم ولكنه يبقى عاقلاً، لكن إذا نفى عنهم العقل أصبحوا كالبهائم، فكلمة (ألفينا ) تأتي إذن في باب الذمّ.
السؤال الثاني:
ما الفرق بين ﴿لَا يَعۡقِلُونَ﴾ في آية البقرة[170] وبين ﴿لَا يَعۡلَمُونَ ﴾ في آية المائدة [104]؟
الجواب:
﴿يَعۡقِلُونَ﴾ تعني ما ينشأ عن الفكر والتدبر، وليس كل الناس يستطيعون هذا ؛ ولذلك يأخذون القضايا مسلماً بها من غيرهم الذي عقل.
والذي يعلم أقل منزلة من الذي يعقل؛ لأنّ الذي عقل هو إنسان قد استنبط، وأمّا الذي علم فقد أخذ علمه من غيره لكنه لم يتعقله، لذلك نفيُ العلم عن شخص أبلغُ من نفي التعقل؛ لأنّ معنى (لا يعلم) أي: ليس لديه شيء من علم غيره أو علمه هو، أي: لا يعلم ولا يعقل كالحيوانات تماماً، بينما عندما يقول الحق: ﴿لَا يَعۡقِلُونَ﴾ فمعنى ذلك أنه من المحتمل أن يعلموا.
السؤال الثالث:
هل يختلف نوع المخاطب في آية البقرة [170] وآية المائدة [104] حتى اختلف الأسلوب في الآيتين؟
الجواب:
آية البقرة 170.
تتحدث عن قوم بسطاء غُفْلٍ يمكن أنْ يتغيروا وأنْ يتعلموا وأنْ يهتدوا إذا وجدوا الرعاية والعناية، أي: أنّ الآية تتحدث عن الناس في أول الدعوة والذين اتبعوا ما صادفوا آباءهم عليه دون أن يكون لهم رأي أو تصميم سابق أو عقيدة سابقة، بل إنّ آباءهم أيضاً لا يعقلون.
وهذه الآية من سورة البقرة التي هي متقدمة في النزول على سورة المائدة، وهي آخر سور القرآن نزولاً.
آية المائدة 104.
تتحدث عن رؤوس الكفر وهم قساة الناس، وهؤلاء قولهم عن إصرار وعقيدة، وأنهم يعتقدون أنّ آباءهم قد اختاروا هذا الطريق عن علم ومعرفة.
الملاحظات:
1ـ في آية البقرة أنت أمام قوم في أول الطريق لم يعتقدوا رأياً بعد، فيُقال لهم: اتبعوا ما أنزل الله، بينما في آية المائدة فهم في موقع اختاروه ورضوا به وتمسكوا فيقال لهم: دعوا ما أنتم عليه وتعالوا إلى ما أنزل الله.
2ـ في الرد في آية البقرة نجد كلمة ﴿أَلۡفَيۡنَا﴾ أي: أننا وجدنا رأياً سابقاً وليس لنا رأي محدد فاتبعنا ما وجدنا عليه آباءنا.
أمّا في آية المائدة فكلمة ﴿حَسۡبُنَا﴾ تعني: يكفينا، وهذا يدل على أنهم يعرفون ما هم فيه وما يدعون إليه وهم مقتنعون به؛ من أجل هذا قالوا: ﴿حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا﴾ [المائدة:104] أي: أنّ الأمر قائم ومستتب من قبل ولم يكن مفاجأة لهم.
3ـ في آية البقرة استخدم ﴿لَا يَعۡقِلُونَ﴾ وفي آية المائدة استخدم ﴿لَا يَعۡلَمُونَ﴾ والذي لا يعقل يتعلم، أمّا الذي يعلم فقد عَلِمَ ودرس وفهم وتعلم وتمسك بما تعلمه.
4ـ قوله تعالى: ﴿أَوَلَوۡ﴾ في الآيتين هي واو العطف دخلت عليها همزة الاستفهام فنقلتها إلى معنى التوبيخ والتقريع، وإنما جُعلت همزة الاستفهام للتوبيخ؛ لأنها تقتضي الإقرار بشيء يكون الإقرار به فضيحة.
والله أعلم.
السؤال الرابع:
ما دلالة الفرق في رسم كلمتي ﴿ءَابَآؤُهُمۡ﴾ ﴿وَالِدٖ﴾ بالألف الصريحة، ورسم كلمتي﴿ أُمَّهَٰتُكُمۡ ﴾ ﴿وَٰلِدَةُۢ ﴾ بدون ألف وسطية؟
الجواب:
1ـ كلمة ﴿ ءَابَآؤُهُمۡ ﴾ ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم حوالي(64) مرة، وكلها بالألف الصريحة.
2ـ كلمة ﴿ أُمَّهَٰتُكُمۡ ﴾ ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم حوالي(11) مرة، وكلها بدون الألف الصريحة.
ويوحي عدم وجود ألف صريحة في كلمة ﴿ أُمَّهَٰتُكُمۡ ﴾ بالرغم من وجودها في كلمة﴿ ءَابَآؤُهُمۡ ﴾ بأنّ الأمهات أكثر التصاقاً بأولادهن، وخاصة في مرحلة الحمل والرضاعة ؛ وهو التصاق مادي وروحي.
3ـ كلمة ﴿ وَالِدٖ ﴾ ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم (3) مرات، وكلها بالألف الصريحة، وذلك في الآيات:[ لقمان 33(مرتان) ـ البلد3 ].
4ـ كلمة ﴿ وَٰلِدَةُۢ ﴾ ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم (3) مرات، وكلها بالألف غير الصريحة، وذلك في الآيات:[ البقرة 233ـ المائدة 110 ـ مريم 32 ].
ويوحي عدم وجود ألف صريحة في كلمة ﴿ وَٰلِدَةُۢ ﴾ بالرغم من وجودها في كلمة ﴿ وَالِدٖ﴾ بأنّ الأمهات أكثر التصاقاً بأولادهن. والله أعلم.
1 ـ انظر في بديع التطبيق القرآني وعظيم بلاغة القرآن، وكيف أنّ آياته تصلح ألفاظها لمعانٍ كثيرة، فهذه الآية تحمل صورتين في وصف حال المشركين:
آـ صورة المشركين والنبي ﷺ يدعوهم للإيمان بالله تعالى، فحالتهم كحالة الأغنام التي لا تفقه دليلاً من صوت من يناديها ولا تدرك من كلامه معنى، إلا أنها تسمع أصواتاً لا مدلول لها عندها، فالكلام عندها أصوات مجرّدة عن المعاني.
ب ـ والصورة الثانية صورة المشركين وهم يدعون آلهتهم كمن يدعو أغناماً لا تفقه شيئاً ولا تُجيب داعياً.
2 ـ الآية تمثل صورة بلاغية مؤثرة للكافر وهو في كفره وغيه لا يستمع إلى صوت الحق أبداً وما يُقال. لا يتأملُ فيما يُقال له ولا ما يُتلى عليه، ولا ينتبه إليه ولا للأمر كأنه لا يعنيه أصلاً، فهو كالبهيمة ينعق عليها فهي تسمع جرس النغمة لكن لا تفقه.
السؤال الثاني:
ما دلالة الاختلاف في الترتيب بين آيتي البقرة [18] و [171] ﴿صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ﴾ و آية الإسراء [97] ﴿عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ﴾؟
الجواب:
لِمَ قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ﴾ ولم يقل: (واشكروني) أو (واشكروا لي) باستخدام الضمير؟
الجواب:
ذكر اسم الله تعالى ظاهراً يوحي أنّ في الاسم الظاهر إشعاراً بالألوهية التي قد لا يؤديها الضمير، فكأنما يومئ أنّ الإله الحق هو المستحق للعبادة دون غيره من أوثان ومعبودات باطلة؛ لأنه هو الذي يخلق ويُنعِم فهو وحده سبحانه الذي يستحق الشكر على نعمائه.
السؤال الثاني:
في الآية قدّم المفعول به ﴿إِيَّاهُ﴾ على فعل العبادة ﴿تَعۡبُدُونَ﴾ فما دلالة ذلك؟
الجواب:
السبب أنّ العبادة مختصة بالله تعالى فلا يُعبد أحد غيره ولا يُستعان بغيره، كقوله تعالى في سورة الفاتحة: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ وقوله في آية الزمر 66 ﴿بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ﴾.
السؤال الثالث:
قال الله في هذه الآية: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ﴾ وقال في آية النحل: 114 ﴿وَٱشۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ﴾ فما دلالة الفرق بين التعبيرين؟
الجواب:
1ـ سياق آية البقرة هو الكلام عن الله تعالى، انظر الآيات: (165ـ 171) فناسب الأمر بشكر الله.
2ـ وأمّا سياق آية النحل فهو في الكلام عن النعم، انظر الآية 112، حيث ذكر فيها القرية التي كفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف، فناسب الأمر بشكر النعمة لئلا يصيبهم ما أصاب مَنْ قبلهم.
3ـ إضافة إلى أنه وردت كلمة (النعمة) في سورة البقرة ست مرات، بينما وردت في سورة النحل تسع مرات، فناسب كل تعبير مكانه.
السؤال الرابع:
ما دلالة هذه الآية؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى: ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ﴾ أي كلوا من لذائذ ما أحللناه لكم، والأمر هنا للإباحة.
2ـ قوله تعالى: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ﴾ هذا للأمر وليس للإباحة، والشكر يكون باللسان أو القلب أو الجوارح أو بالجميع.
3 ـ تأملوا كيف أنّ الله لم يطالب الله العباد بترك المتلذَذات، وإنما طالبهم بالشكر عليها إذا تناولوها.
4ـ قوله تعالى: ﴿إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ﴾ معناه:
ـ إنْ كنتم عارفين بالله ونعمه.
ـ إنْ كنتم تريدون أن تعبدوا الله فاشكروه لأنّ الشكر رأس العبادات.
5 ـ في حديث أنس رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمده عليها ) رواه مسلم.
6ـ لمّا ذكر الله في هذه الآية أنه أباح الطيبات، أتبعه بتحريم الخبائث في الآية التالية.
والله أعلم.
السؤال الأول:
قوله تعالى في آية البقرة [173]: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ﴾ وقوله تعالى في آية المائدة[3]: ﴿حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ﴾ [المائدة:3] ما دلالة التقديم والتأخير لـ (به) بين الآيتين؟ الجواب:
1ـ لو لاحظنا السياق في المائدة نجد أنّ الكلام عن التحليل والتحريم ومن بيده ذلك، ورفض أي جهة تحلل وتحرم غير الله، انظر آيات المائدة:
ـ قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِيمَةُ ٱلۡأَنۡعَٰمِ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ غَيۡرَ مُحِلِّي ٱلصَّيۡدِ وَأَنتُمۡ حُرُمٌۗ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة:1] والمعنى أنه ليس لكم أن تُحِلّوا، والذي يُحِلّ هو الله تعالى فقط.
ـ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَٰٓئِدَ﴾ [المائدة:2] أي: الذي يُحِلّ هو ربنا سبحانه وتعالى.
ـ ﴿يَسَۡٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾ [المائدة:4] إذن هو سبحانه يجعل التحليل والتحريم بيده حصراً.
فالسياق أنه ليس هنالك أي جهة تقوم بذلك غير الله تعالى، ولذلك قدّم ﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ﴾ [المائدة:3].
ولفظة ﴿أُهِلَّ﴾ يعني رُفِع الصوت بذبحه، أُهِلّ يعني أنْ تقول عند الذبح: باسم الله والله أكبر، هذا لفلان.
2ـ إذن في آية المائدة قدّم ﴿لِغَيۡرِ ٱللَّهِ﴾ ؛ لأنّ ربنا هو الجهة الأولى والأخيرة التي بيدها التحليل والتحريم، وليس لأحد آخر هذا الحق.
3ـ أمّا في آية البقرة فالمقام هو فيما رزق الله تعالى عباده من الطيبات، وليس فيها تحليل وتحريم، قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا ﴾ [البقرة:168] ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ١٧٢ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٧٣﴾ [البقرة:172-173].
فقوله تعالى ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ﴾ [البقرة:172] هذا طعام، ﴿كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا﴾ [البقرة:168] هذا طعام، ﴿وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ﴾ [البقرة:173] هذه الذبيحة، ﴿وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ﴾ [البقرة:173] يعني ما رُفِع الصوت بذبحه فقدّم ﴿بِهِ﴾ [البقرة:173] لأنّ هذا طعام متناسب مع الطعام ومتناسب مع طيبات ما رزقهم.
4ـ إذن في سياق التحريم قال: ﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ﴾ [المائدة:3] فقدّم ﴿لِغَيۡرِ ٱللَّهِ﴾ [المائدة:3] لأنها الجهة الوحيدة التي تُحلل وتُحرم، والكلام في التحليل والتحريم، وهو سبحانه الذي يحلل ويحرم.
ولمّا كان السياق في الأطعمة قدّم الطعام ومنها الذبيحة، فقال: ﴿وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ ﴾ [البقرة:173] يعني الذبيحة.
5ـ ومسألة الذبح في الآيتين متعلقة بالله تعالى أو بغير الله سبحانه وتعالى، لكنّ التقديم والتأخير متعلق في سياق التحليل والتحريم أو في سياق الطعام.
6 ـ بيّنت الآية أربعة أصناف من المحرمات من المآكل وهي:
آ ـ الميتة.
ب ـ الدم المسفوح.
ج ـ الخنزير.
د ـ ما ذُبح على اسم غير الله كالأنصاب والأزلام.
ويمكن الاطلاع على التفاصيل من كتب الفقه. السؤال الثاني:
فاصلة هذه الآية في البقرة 173، وفي المائدة 3، وفي النحل 115، هي ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾ بينما فاصلة آية الأنعام 145 هي ﴿فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾فما السبب؟ الجواب:
1ـ إن آيات البقرة والمائدة والنحل هي خطاب من الله للناس، فناسب ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾
بينما آية الأنعام 145وهي قوله تعالى: ﴿قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ بدأت بلفظة (قل) وهي خطاب للرسول ﷺ فناسب ختمها بقوله: ﴿فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ١٤٥﴾.
2ـ ومن أسباب هذا الاختيار - والله أعلم - أنّ لفظ (الله) تردد في البقرة أكثر مما تردد في الأنعام، وأنّ لفظ (الرب) تردد في الأنعام أكثر مماتردد في البقرة ـ وإليك البيان:
اللفظ عدد التكرار في البقرة عدد التكرار في الأنعام
الله 282 مرة 87 مرة
رب 47 مرة 53 مرة
فناسب أنْ يضع كلمة (الله) في البقرة، وكلمة (رب) في الأنعام.
3ـ إضافة إلى ذلك، فإنّ آية البقرة في سياق العبادة، ولفظ (الله) أولى في هذا السياق؛ لأنه من الألوهية، والألوهية هي العبادة، قال تعالى: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ١٧٢﴾ [البقرة:172] ولمّا قال في سورة النحل: ﴿ وَٱشۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ١١٤﴾ [النحل:114] قال بعدها: ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ١١٥﴾ [النحل:115].
وأمّا سياق آية الأنعام ففي الأطعمة، ولفظ (الرب) ألصق بهذا السياق؛ لأنّ الرب من التربية والتنشئة. السؤال الثالث:
ما علاقة أول الآية بخاتمتها ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٧٣﴾؟ والمغفرة والرحمة تقتضيان ذنوباً، وما سبَق في الآية هو تشريع بإباحة الميتة عند الضرورة فلا ذنب. الجواب:
إذا كان الله يغفر مع الذنب، أفلا يغفر مع الضرورة التي شرع لها الحكم؟!!!.
الله سبحانه وتعالى غفورٌ في الأصل أفلا يغفر لمن أعطاه رخصة؟ إذن هو غفورٌ رحيمٌ ولن يكتب على المضطر ذنباً من جراء اضطراره، ورحمة الله هي التي تغفر للعاصي، هو سبحانه الذي كتب المغفرة لمن اضطر وكسر قاعدة التحريم عند الاضطرار.
وللعلم فإنّ المغفرة والرحمة في القرآن الكريم إذا اقترنتا، تكون المغفرة لما مضى من الذنوب، والرحمة للسلامة من الذنوب فهي للمستقبل. والله أعلم. السؤال الرابع:
لماذا قدّم المغفرة على الرحمة في آية البقرة 173، وآية النساء 100، وقدمت الرحمة على المغفرة في آية سبأ 2؟ الجواب:
تقدمت المغفرة على الرحمة في آيات كثيرة في القرآن الكريم، وسبب ذلك - والله أعلم- أنّ المغفرة سلامة والرحمة غنيمة، والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة.
في آية سبأ 2، وهي قوله تعالى: ﴿يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۚ وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلۡغَفُورُ٢﴾ فقد تأخرت المغفرة عن الرحمة؛ وذلك أنّ جميع الخلائق من الإنس والجن والحيوان وغيرهم محتاجون إلى رحمته، فهي برحمته تعيش وتحيا وبرحمته تتراحم، وأمّا المغفرة فتخص المكلفين؛ فالرحمة أعم. السؤال الخامس:
في الآيات التالية [البقرة 173ـ البقرة 182ـ البقرة 191ـ آل عمران 89ـ المائدة 3] قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾ مؤكَّدة بإنّ، بينما قال في آية النحل 18 ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ١٨﴾ فأكدها بإنّ واللام، فلماذا؟ الجواب:
القاعدة اللغويـــة:
يستعمل القرآن الكريم تخفيف التوكيد أو زيادته حسب مقتضى الحال، فيقول: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٧٣﴾ [البقرة:173] مع التخفيف و﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ١٨﴾ [النحل:18] مع زيادة التوكيد بزيادة اللام. البيــــان:
في آيات البقرة وآل عمران والمائدة والأنعام، قال: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٧٣﴾ فأكّدها كلها بإنّ وحدها، في حين قال في سورة النحل: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ١٨﴾ فأكّدها بإنّ واللام.
وسبب ذلك أنّ سياق آيات النحل هو في تعداد نعم الله على الإنسان ورحمته به ولطفه بخلقه، فقد ذكر خلق الأنعام وما فيها من منافع للإنسان، وذكر منافع الزروع وذكر نعمته عليه في البر والبحر وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى من النعم، فناسب ذلك تأكيد المغفرة، وليس السياق في الآيات الأخرى كذلك. والله أعلم.
قوله تعالى: ﴿ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡعَذَابَ بِٱلۡمَغۡفِرَةِۚ﴾ ما الذي أخذوه؟ وما الذي تركوه؟ الجواب:
القاعدة تقول: إنّ الباء مع الذاهب، كأنْ تقول: اشتريت الكتاب بألف، فالذاهب هو المال والمشترى هو الكتاب.
وفي الآية اشتروا الضلالة وخسروا الهدى، واشتروا العذاب وخسروا المغفرة، نسأل الله العافية.
السؤال الثاني:
ما نوع الاستفهام في الآية: ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ١٧٥﴾؟ الجواب:
1ـ قوله تعالى: ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ١٧٥﴾ هو استفهام للتعجب بقصد التوبيخ، والمعنى: ما الذي أصبرهم على النار حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل.
2ـ للتعجب صيغتان: ما أفعَلَه، وأَفعِل به.
ما إعراب ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ﴾ وإعراب ﴿أَسۡمِعۡ بِهِمۡ﴾؟ الجواب:
1ـ إعراب ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ﴾:
ما: اسم نكرة للتعجب بمعنى: شيء عظيم، في محل رفع مبتدأ.
أصبرَ: فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: هم، والهاء مفعول به، والجملة: خبر (ما).
2ـ إعراب ﴿أَسۡمِعۡ بِهِمۡ﴾:
أسمِع: فعل ماض جامد، جاء على صورة الأمر، مبنيٌّ على الفتح المقدر.
بهم: الباء حرف جر زائد، والهاء ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
السؤال الرابع:
ما أهم دلالات هاتين الآيتين؟ الجواب:
1ـ مضمون الآية (174) أنّ هناك وعيد شديد لمن كتم ما أنزل الله على رسله، لا سيّما خاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، ابتغاء عرض دنيوي.
2ـ الآية وردت في رؤساء اليهود كانوا يأخذون من اتباعهم الهدايا على سبيل الرشوة، فلمّا بُعث النبي عليه السلام خافوا انقطاع تلك المنافع، فكتموا أمر وصف محمد عليه السلام في التوراة والإنجيل، وكتموا أمر شرائعه، عن طريق التحريف والتأويلات الباطلة.
3 ـ سماه: ﴿ثَمَنٗا قَلِيلًا﴾ إمّا أنه في نفسه قليل، أو هو فعلاً قليل مهما كثر مقابل ما سيصيبهم من الضرر العظيم والعذاب.
4ـ قوله تعالى: ﴿فِي بُطُونِهِمۡ﴾ أي ملء بطونهم، وهم وإنْ كان أكلهم لها في الدنيا كان طيباً في الحال، لكنّ عاقبته في النار في المآل.
5 ـ توعّدهم الله تعالى بثلاثة أشياء:
آ ـ غضب الله عليهم فلا يكلمهم يوم القيامة.
ب ـ عدم تزكية نفوسهم وعدم طهارتهم من دنس ذنوبهم.
ج ـ العذاب الأخروي الأليم.
6ـ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالآية وإنْ نزلت في اليهود لكنها عامة في حق كل من كتم شيئاً من أمر الدين يجب إظهاره.
7 ـ الآية (175) يعجب الله من إقدامهم على هذا المصير المؤلم، فما أجرأهم على النار!!!وما أشد احتمالهم لها!!! وهذا التعجب هو من باب الاستهانة والاستخفاف بهم. والله أعلم.
ما دلالة الوصف بالبعيد في هذه الآية؟ الجواب:
تأمل كيف وصف الله تعالى الشقاق بأنه بعيد ولم يصفه بـــ (كبير أو عظيم)، أو ما شابه ذلك من أوصاف، وفي ذلك مجاز عقلي يعطينا عمقاً آخر وتصوراً لبُعد صاحبه عن الوفاق، وبياناً للهوّة الواسعة التي يسقط فيها أولئك المختلفون في الكتاب، فالشقاق في القيم المنهجية السماوية هو هوّة كبيرة، وإذا ما وقع فيه البشر فلن يستطيعوا أن يُصلحوا فيما بينهم، ومن هنا كانت شقة الخلاف واسعة لا يقدر على حلها إلا الله سبحانه وتعالى، وهذا ما عبّرت عنه الآية بوصف الشقاق بأنه بعيد.
السؤال الثاني:
ما دلالة هذه الآية؟ الجواب:
1ـ إنّ كتاباً مثل القرآن الكريم أنزله الله بالحق لهو جديرٌ أن يلجأ العبد إلى ربه لجوء المضطر أن يهديه إلى أن يفني عمره في تدبره والعمل به.
2 ـ هذه الآية تشير إلى العذاب الذي استحقوه بسبب أنّ الله نزّل كتبه على رسله مشتملة على الحق المبين فكفروا به، وإنّ الذين اختلفوا في الكتاب في الإيمان ببعضه والكفر ببعضه، واختلفوا أيضاً في كيفية تحريف كتابهم ليخفوا ما في مصلحتهم أن يخفوه لفي شقاق ومنازعة، وكلٌ يكذّب صاحبه.
3 ـ وقد وصف الله تعالى الشقاق بأنه بعيد ولم يصفه بكبير أو عظيم، ليصوّر لنا أنّ الشقاق في القيم المنهجية السماوية هو هوّة كبيرة، وإذا ما سقط فيه أولئك المختلفون في الكتاب فلن يستطيعوا أن يُصلحوا فيما بينهم لأنّ شقة الخلاف واسعة لا يقدر على حلها إلا الله سبحانه وتعالى. والله أعلم.
قوله تعالى في آية البقرة: ﴿ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ ﴾ [البقرة:177] بالنصب، وقوله تعالى في آية البقرة: ﴿ وَلَيۡسَ ٱلۡبِرُّ ﴾ [البقرة:189] بالرفع، فما دلالة الرفع ودلالة النصب؟ وما الفرق بينهما نحوياً؟
الجواب:
1ـ التعبير أصلاً مختلف ﴿ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ ﴾ [البقرة:177]: البِرَّ: خبر (ليس) منصوب مقدَّم؛ لأنَّ خبر (ليس) يجوزُ تقديمه، و﴿ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ ﴾ [البقرة:177] مصدر مُؤَوَّلٌ بمعنى التوليةِ في محل رفع اسم (ليس)، وخارج القرآن معناهاليست توليتُكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب البِرَّ).
2ـ الثانية: ﴿ وَلَيۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ ﴾ [البقرة:189] لا يصح لغةً في الآية الثانية أنْ يقولليسَ البِرَّ بأنْ).
هذه الباءُ تدخل على الخبرِ مثل (خبرِ ليس، وما، لا، وكان المنفية) ولا تدخل على الاسم، كما في الآيات: ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّامٖ لِّلۡعَبِيدِ١٨٢﴾ [آل عمران:182] ﴿ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَٰكِمِينَ٨﴾ [التين:8] و﴿ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ٨﴾ [البقرة:8] والباء لا تدخل على الاسم أصلاً.
3ـ الآية الأولى يمكن أنْ يقال فيها: ليس البرُّ أو ليس البرَّ؛ لأنه يمكن أنْ يكون هناك تقديم وتأخيرٌ، لكنّ الآية الثانية لا يمكِنُ؛ لأنَّه ما دام عندنا (الباءُ)، والباءُ تدخلُ على الخبرِ حتماً مزيدةً للتأكيد ولا تزادُ في الاسمِ، فإذن لا يمكِنُ أنْ ننصبَ (البِرَّ) بسببِ دخولِ الباءِ؛ فاقتضى أنْ تكون الباءُ داخلةً على خبرِ (ليس)، ولا يمكِنُ غيرُ ذلك.
4ـ بشكلٍ عامٍّ يصح أنْ نجعلَ الخبرَ مبتدأً، إذا كنا نجهَلُ الاسمَ ونعرِفُ الوصفَ فنُلحِقُ الاسمَ بالوصفِ ونقولُ: (المجتهد زيدٌ).
السؤال الثاني:
ما الفرق البلاغي بين الصيغتين في الآيتين 177 و 189 ﴿ أَن تُوَلُّواْ ﴾ [البقرة:177] و ﴿ بِأَن تَأۡتُواْ ﴾ [البقرة:189]؟
الجواب:
1ـ استعملت العربُ الباءَ لتأكيدِ النفيِ، كما استعملت اللامَ في تأكيدِ الإثباتِ نحو: (ما زيد بمنطلق) و (لست بذاهبٍ)، حيث نفي الانطلاق والذهاب، وتستعمل (الباء) عادة لتوكيد النفي، وخاصة عندما يكون النفي له قيمته.
2ـ جاء في سبب نزول الآية 189: أنّ أهل الجاهلية إذا أحرم أحدُهم نَقَبَ خلف بيته أو خيمته نقباً يدخل منه ويخرج، أو يتخذ سلماً يصعد منه سطح داره ثم ينحدر، فقيل لهم: ليس البر بتحرُّجِكُم عن دخول الباب، ولكنّ البر من اتقى، أي أعلمهم أنّ تشديدهم في أمر الإحرام ليس بِبِرٍّ ولكن البِرَّ من اتقى مخالفة أوامر الله، وأمرهم بترك سنة الجاهلية، فقال: ﴿ وَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِنۡ أَبۡوَٰبِهَاۚ﴾ [البقرة:189].
لذلك جاءت الباء في قوله: ﴿ بِأَن تَأۡتُواْ ﴾ [البقرة:189] لتأكيد النفي في هذه المسألة، حيث كانت هذه المسألة تشدداً منهم ولم يرد الله أنْ يُشرِّعَ ذلك فأكَّد النفي بالباءِ، لأنَّ ترك المألوفاتِ أشقُّ شيءٍ على النفس.
وجاءت هذه المسألة في سياقِ الآياتِ التي تتكلَّمُ عن الحج ومناسكه بعد هذه الآية، بينما لم يأتِ مثلُ ذلك في الآية 177، فلم يتطلب الأمر التأكيد بالباء، والله أعلم.
3ـ وكأنّ معنى الآية 189، أي: لا تجعلوا المسائل شكلية؛ لأنّ الله يريد أصل البر وهو الشيء الحسن النافع.
السؤال الثالث:
لِمَ قال سبحانه: ﴿ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ﴾ [البقرة:177] ولم يقل: وهو يحبه، في قوله تعالى: ﴿ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ ﴾ [البقرة:177]؟
الجواب:
تأمل كيف قال سبحانه: ﴿ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ﴾ ولم يقل: وهو يحبه؛ لأنّ (على) أفادت التمكن من حب المال وشدة التعلق به، فنبّه بها على أبعد أحوال التعلق بالمال، فإذا كنت في حالة شدة حبك للمال تنفقه في سبيل الله وأنت مرتاح النفس، فكيف بك في أحوالك الأخرى؟
السؤال الرابع:
ما دلالة نصب ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ في هذه الآية في قوله تعالى: ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ ﴾؟
الجواب:
هذا يُسمّى القطع، والقطع يكون في الصفات أو العطف.
وإذا كان من باب الصفات فالقطع يكون للأمر المهم، ويكون القطع في الصفات مع المرفوع للمنصوب ومع المنصوب للمرفوع ومع المجرور للمرفوع، والآية موضع السؤال هي من القطع من العطف لأهمية المقطوع.
والمقطوع يكون مفعولاً به بمعنى أخُصُّ أو أمدَحُ ويسمى مقطوعاً على المدحِ أو الذَّمِّ، وفي الآية ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ مقطوعةٌ وهي تعني: أخُصُّ أو أمدَحُ الصابرين، وكأننا نسلِّطُ الضَّوءَ على المقطوعِ، فالكلمةُ التي نريد أنْ نركِّزَ عليها أو نسلِّطُ عليها الضوءَ نقطَعُها.
لذلك (الصابرين): منصوبة ركّز عليها وقطع، ولم يقل: (الصابرون) بحيث تكون معطوفة على (الموفون) بل عطف على خبر (لكنَّ)؛ لأنّ الصابرين يكونون في الحرب والسلم وفي البأساء وهي عموم الشدة، والإصابة في الأموال والضرّاء في البدن والدين كله صبر، فقطع الصابرين لأهميتها.
والصبر هنا له منزلة عالية في البأساء والضراء، فنصبها إشارة إلى تخصص الصابرين وتمييزهم بين المذكورين، وتقديرا لفعل محذوف (أخصُّ الصابرين).
السؤال الخامس:
ما الفرق بين البأساء والضراء في الآية: ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ ﴾؟
الجواب:
1ـ البأساء: هي البؤس والفقر والشدة والحرب والمشقة.
2ـ الضراء: هي المرض والأوجاع في الأبدان وما يصيب الأموال أيضاً، والإصابة في الأبدان من مرض وأوجاع، والإصابة في الأموال هي من الضراء.
وهما اسمان على وزن فعلاء، ولا أفعل لهما لأنهما ليسا بِنَعتَينِ.
السؤال السادس:
ما تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ﴾ في الآية؟ و لمَ لمْ يقل: لكن البر أنْ تؤمنوا، باعتبار أنّ البر هو الإيمان وليناسب الجزء الأول من الآية الذي أتى بالخبر مصدراً؟
الجواب:
جاء في آية البقرة 177 بالمصدر المؤول (أنْ تولوا = التولية) فافترض بعضهم أنّ يستعمل المصدر في الجزء الثاني من الآية أيضاً ليتناسب مع المصدر في بدايتها، فيقول: ولكن البر أنْ تؤمنوا، وكذلك في الآية الثانية.
وفي لغة العرب يمكن أنْ يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه، كما في قوله تعالى: ﴿ وَسَۡٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ ﴾ [يوسف:82]، ففيها مضاف محذوف تقديره: (واسأل أهل القرية) فحذف كلمةَ (أهل) وجعل كلمة (قرية) مكانها، وأخذت موقعها الإعرابيَّ.
فعندما يقول القرآن: ﴿ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ ﴾ [البقرة:189] كأن هذا المتقي صار هو البِرُّ بعينه. فالبِرُّ الحقيقيُّ هو هذا الذي وصفناه بهذه الكلمة، البرُّ هو هذا الذي اتقى أو هذا الذي توفرت فيه هذه الصفات.
السؤال السابع:
ما هدف هذه الآية؟
الجواب:
آـ أصل الكلام في الآيتين (177 و 189) هو عن القبلة التي هي أولى بالاتجاه نحوها؟ وفي أيِّ اتجاه يكون البِرُّ؟
والقرآن يريد أنْ يبين لمن يسمعه سواء أكان من المسلمين أم من غيرهم ما البِرُّ الحقيقي؛ فقال: ﴿ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ ﴾ [البقرة:177].
ب ـ نلحظ أنه استعمل الفعل المضارع ﴿ تُوَلُّواْ ﴾ بمعنى التحول والتحرك، أي: تولية الوجه، ووصف البر بأنه من تتمثل فيه هذه الصفات، وهي من الآيات الجامعة التي تبين لنا أنّ البر يكون ممثلاً كاملاً في هذا الانسان المتصف بهذه الصفات.
ج ـ وتمضي الآية تعدد صفاته:
- الإيمان بالله بكل ما يقتضيه من تطبيق ومن اعتقاد.
- ثم انتقل إلى الغيبيات من الإيمان باليوم الآخر والملائكة.
- والكتاب: ونلحظ استعمال الجنس (الكتاب) أي: جنس الكتاب.
- والنبيين: استعمل (النبيين) دون المرسلين؛ لأنّ عدد الأنبياء أكثر من عدد الرسل، فكل رسول نبي، وليس كلّ نبيٍّ رسولاً.
_ ثم انتقل إلى المعاملات: ﴿ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ﴾.
_ ثم بين نوع الإيتاء، فهو ليس من الفرض والزكاة.
_ وبيّن الفئات التي يصلها العطاء وتستحقه، فبدأ بذوي القربى من باب حرصه على الأرحام، وثنّى باليتامى، ثم بالمساكين الذين يحتاج المرء إلى البحث عنهم ليعرفهم، وهذا من التوجيهات الاجتماعية القرآنية في الرعاية المالية، ثم ذكر (ابن السبيل) ليطمئن المسلم على نفسه أنّى كان، فإذا انقطع به المال في سفر فإنّ له حقا في هذا المال، وذكر السائلين «من سأل بالله فأعطوه» فلا يبحث المرء أمحتاج هذا السائل أم لا؟ ما دام يسأل فعليَّ أنْ أعطي إنْ كنت قادراً. والسائلون ليسوا هم المساكين، ثم ختم بالرقاب.
وهذه الكلمة يثيرها بعض من لم يطلعوا على حقيقة الإسلام شبهةً ضده فيقولون: إنّ الإسلام يقر الرق ويدعو إلى العبودية، والحقيقة هي أنّ الإسلام أبقى منفذاً واحداً للرق وهو (رقيق الحرب) ثم فتح أبواباً لإخراج العبد من حالة عبوديته بالصدقات والكفارات والترغيب في العتق، وباباً آخر وهو (المكاتبة) فيحق لكل فرد من الرقيق أنْ يذهب إلى القاضي ويطلب مكاتبة سيده، فيرغمه القاضي على المكاتبة إلى أنْ يتخلص العبد من الرق، وهو من مصارف الإنفاق الطوعي ﴿ وَفِي ٱلرِّقَابِ ﴾.
ـ ﴿ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ انتقل بعد ذلك إلى تهذيب النفس وصلتها بالله.
ـ ﴿ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ ﴾ وهذا تأكيد على أنّ الإنفاق المالي المتقدم ليس من الفرض والزكاة، فالزكاة مال تجمعه الدولة وتتولى إنفاقه في مصارفه، أمّا المذكور سابقاً فإنفاق شخصيٌّ يختلف عن هذا، وفي أيامنا تركت دول كثيرة جمع الزكاة إلى الناس أنفسهم وهذا امتحان لهم.
د ـ الحق تبارك وتعالى اعتبر في تحقيق ماهية البر خمسة أمور؛ وهي: الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والرسل، وقد خصّ الإيمان بهذه الأمور الخمسة؛ لأنه دخل تحتها كل ما يلزم أن نصَّدق به.والله أعلم.
السؤال الثامن:
لِمَ قدَّمَ الملائكةَ والكتبَ في الذكر على الرسل؟
الجواب:
بالطبع لا علم لنا بوجود الملائكة وصدق الكتب إلاّ من خلال صدق الرسل، فكانت الرسل كالأصل في معرفة الملائكة والكتب، كما أنّ هذا الترتيب هو ترتيب الوجود الخارجي لا ترتيب الاعتبار الذهني، فقد وجدت الملائكة، أولاً ثم حصل بواسطتهم تبليغ الكتب إلى الرسل عليهم السلام.
السؤال التاسع:
لم قدّم الإيمان على أفعال الجوارح مثل إيتاء المال والصلاة والزكاة؟ الجواب:
للتنبيه على أنّ أعمال القلوب أشرف عند الله من أعمال الجوارح.
السؤال العاشر:
ماذا تفيد (الواوات) من معنى في الآية؟
الجواب:
هذه الواوات في الآية للجمع، لذلك من شرائط تمام البر أنْ تجتمع هذه الأوصاف معاً.
ولذلك قال بعضهم هذه الصفة خاصة للأنبياء عليهم السلام؛ لأنّ غيرهم لا تجتمع فيه هذه الصفات كلها. وقال آخرون: هذه عامة في جميع المؤمنين.
السؤال الحادي عشر:
ما دلالة انتقال الحديث من الإفراد إلى الجمع في الآية؟
الجواب:
نلحظ انتقال الحديث إلى الجمع، فالكلام المتقدم فردي، وقد تقدمت (مَن) وهي تحتمل الجمع والإفراد، فبدأ بالإفراد (الإيمان ـ الإنفاق الفردي من رعاية ذوي القربى واليتامى والإنفاق على المساكين، والصلاة والزكاة).
ثم انتقل إلى العمل الجماعي لأنّ (مَن) تجمع الاثنين: الإفراد والجمع، وفي العمل الجماعي ذكر:
1ـ الوفاء بالعهد، ويجوز أنْ نقول: (نحترم من يفي بعهده ـ ومن يوفون بعهدهم)؛ لأنها تصدق على الواحد والكثرة.
وقد جعل الوفاء بالعهد عاماً ليشمل وفاء المجتمع بالعهد، والفرد جزء من المجتمع، فأي فرد من المسلمين يمكن أنْ يعاهد عن بقية المسلمين، وهم جميعا ملزمون بالوفاء بعهده (يسعى بذمتهم أدناهم).
والوفاء بالعهد ليس سهلاً على المرء في مواطن كثيرة، إذ يصعب على النفس، وقد تشعر أن فيه هضماً لحقها، ونتذكر جميعا كيف كان المسلمون يأتون من مكة إلى الرسول ﷺ فيردهم وفاء لعهده مع المشركين في صلح الحديبية.
2ـ قوله تعالى: ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ﴾ جاء باسم الإشارة ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ﴾ للبعيد ليقول: إنّ على المسلم أنْ يسعى ليكون مثلهم ويصل إليهم وإلى هذه الصفات.
﴿ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ﴾ والسؤال هنا لم جاء بالضمير ﴿ هُمُ ﴾ ؟
والجواب أنّ ﴿ هُمُ ﴾ [البقرة:177] ضمير فصل يؤتى به ليميز بين الخبر والصفة، وفيه أيضاً معنى التوكيد، ونفي الوصفية التي قد تفهم إنْ حُذف الضمير، فأثبت لهم الخبرية توكيداً وتخصيصاً.
3ـ جاء بعد كل الصفات المتقدمة بوصف المتقين، لأنّ ما ذكره الله عزوجل في هذه الآية من العقائد والأعمال الحسنة،هي برهان الإيمان ونوره، والمتصفون بها هم ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ﴾. والله أعلم.
السؤال الثاني عشر:
ما دلالة هذه الآية بشكل عام؟
الجواب:
1 ـ هذه الآية لخّصت الدينَ كله، فالحق سبحانه قال في بدايتها:
﴿ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ ﴾:
ثم جاء التفصيل على النحو التالي:
أولاً: من آمن:
1ـ بالله.
2ـ واليوم الآخر.
3ـ والملائكة.
4ـ والكتاب.
5 ـ والنبين.
ثانياً: وآتى المال على حبه:
1ـ ذوي القربى.
2ـ واليتامى.
3ـ والمساكين.
4ـ وابن السبيل.
5ـ والسائلين.
6ـ وفي الرقاب.
ثالثاً: وكذلك:
1ـ وأقام الصلاة.
2 ـ وآتى الزكاة.
3ـ والموفون بعهدهم إذا عاهدوا.
4 ـ والصابرين:
آ ـ في البأساء.
ب ـ والضرّاء.
ج ـ وحين البأس.
ثم تختم الآية بقوله تعالى:
﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ﴾.
2ـ كانت اليهود تتوجه للمغرب كقِبلة لهم، والنصارى تتوجه للمشرق كقبلة لهم،ويعتبرون ذلك هو البِر، فأنزل الله هذه الآية، فبيّن أنّ البرّ ليس هو أمر القبلة حتى يحدث فيه الخلاف والشقاق، لأنّ التوجه للقبلة هو من الوسائل وليس من المقاصد، وإنما البرّ المطلوب هو الخصال العشر التي تضمنتها الآية، خمس منها في أصول الإيمان والعقيدة وهي:
ـ الإيمان بالله تعالى.
ـ الإيمان باليوم الآخر.
ـ الإيمان بالملائكة.
ـ الإيمان بجميع كتب الله المنزّلة.
ـ الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله.
وهذا في قوله تعالى: ﴿ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّۧنَ ﴾.
وأمّا الإيمان بالقضاء والقدر فقد جاء في آية القمر: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ٤٩﴾ [القمر:49].
وأمّا الخمس الأخرى فتتعلق بالأعمال الصالحة في التعامل مع الناس وهي:
ـ بذل المال قليلاً أو كثيراً لـ: ﴿ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ ﴾.
ـ أقام الصلاة.
ـ آتى الزكاة.
ـ الوفاء بالعهد والمواثيق.
ـ الصبر في البأساء والضراء وحين البأس.
3 ـ النتيجة: ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ١٧٧ ﴾.
والله أعلم.