سياق آيات سورة البقرة هو في تعداد النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل, بينما سياق آيات سورة الأعراف هو في مقام تقريع وتأنيب لما فعله بنو إسرائيل بعد أنْ أنجاهم الله من البحر وأغرق فرعون .
وإليك أهم الفروق التعبيرية بين السورتين :
فما سر هذا الاختلاف ؟
البيان هو حسب التسلسل المذكور أعلاه :
1ـ قال في البقرة (وَإِذۡ قُلۡنَا) [البقرة:58] وفي الأعراف (وَإِذۡ قِيلَ) [الأعراف:161] ببناء الفعل للمجهول , والقرآن الكريم يسند الفعل إلى الله سبحانه في مقام التشريف والتكريم ومقام الخير العام والتفضل، بخلاف الشر والسوء، فإنه لا يذكر فيه نفسه تنزيهاً له عن فعل الشر وإرادة السوء.
البقرة [ 101، 145] ـ آل عمران [ 19، 23، 100، 187] النساء [44، 47، 51 ] المائدة [ 57 ] التوبة [ 29 ] الحديد [16].
ـ شواهد قرآنية على (أَوۡرَثۡنَا ) :
فاطر [32 ] غافر [53]
ـ شواهد قرآنية على (أُورِثُواْ) :
الشورى [14].
وليس معنى هذا أنّ الله سبحانه لا ينسب إلى نفسه عقوبة، بل إنه يفعل ذلك لأنه من الخير العام , ولكنه لا ينسب إلى نفسه سوءاً، فإنه من أكبر الخير أنْ يهلك الطغاة الظالمين (لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ) [إبراهيم:13] (ثُمَّ أَخَذۡتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ) [فاطر:26] .
2 و3 ـ قال في البقرة: (ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ) [البقرة:58] وقال في الأعراف : (ٱسۡكُنُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ وَكُلُواْ) [الأعراف:161] .
في البقرة المطلوب الدخول ثم الأكل مباشرة (فَكُلُواْ) [البقرة:58] بالفاء.
بينما المطلوب في الأعراف : السكن والاستقرار ثم الأكل (وَكُلُواْ) بالواو.
والدخول غير السكن؛ لأنّ السكن لا يكون إلا بعد الدخول، فجعل الطعام في البقرة مهيأ قبل السكن والاستقرار, وفي الأعراف مع السكن بلا تعقيب فقد يطول الزمن وقد يقصر، فكان الموقف في البقرة أكرم وأفضل .
4ـ قال في البقرة : (رَغَدٗا) [البقرة:58] ولم يقل ذلك في الأعراف تناسباً لتعداد النعم في البقرة ، مع ملاحظة أن كلمة (رَغَدٗا) تكررت مرتين في سورة البقرة مع قصتي آدم وموسى عليهما السلام؛ لأنّ جو البقرة جو تكريم لآدم وتكريم لذريته من بني إسرائيل, ولم تذكر الكلمة في الأعراف في القصتين؛ لأنّ جو السورة جو عقوبات وتأنيب.
ثم انظر كيف قدّم (رَغَدٗا) في الجنة وأخّرها في الدنيا، فقال في الجنة: (وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا) [البقرة:35] وقال في الدنيا : (فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا) [البقرة:58]؛ لأنّ الرغد في الدنيا قليل.
5 ـ في البقرة قدّم السجود على القول (وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ) [البقرة:58] وذلك لسببين:
آ ـ السجود أشرف من القول .
ب ـ السياق يقتضي ذلك، فقد جاءت هذه القصة في عقب الأمر بالصلاة، انظر آيات سورة البقرة( 43- 47 ) فناسب تقديم السجود لاتصاله بالصلاة والركوع , وكلا الأمرين مرفوع في سورة الأعراف فأخّر السجود.
6 ـ في البقرة قال: (نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ) [البقرة:58] بجمع الكثرة وهو مناسب لمقام تعداد النعم , وقال في الأعراف : (خَطِيٓـَٰٔتِكُمۡۚ) [الأعراف:161] بجمع القلة وهو مناسب لمقام التقريع والتأنيب.
7ـ قال في البقرة: (وَسَنَزِيدُ) [البقرة:58] فجاء بالواو الدالة على الاهتمام والتنويع ولم يجىء بها في سورة الأعراف.
8 ـ قال في سورة البقرة : (ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ) وقال في سورة الأعراف (ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ) وذلك لأنه سبق هذا القول في سورة الأعراف قوله تعالى : (وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ) [الأعراف:159] أي : ليسواجميعاً على هذه الشاكلة من السوء , فناسب هذا التبعيض في الآية. وجاء في ( التفسير الكبير ) أنّ سبب زيادة كلمة ( منهم ) في الأعراف أنّ أول القصة مبني على التخصيص بلفظ ( من ) كما في الآية (159 ) فذكر أنّ منهم من يفعل ذلك , ثم عدّد صنوف إنعامه عليهم وأوامره لهم , فلمّا انتهت القصة قال تعالى : (ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ) فذكر لفظة ( منهم ) في آخر القصة كما ذكرها في أول القصة ليكون آخر الكلام مطابقاً لأوله .
9ـ الفرق بين قوله تعالى في البقرة: (فَأَنزَلۡنَا) وبين قوله في الأعراف : (فَأَرۡسَلۡنَا ) أنّ الإنزال لا يشعر بالكثرة، والإرسال يشعر بها،والإرسال أشد في العقوبة من الإنزال , قال تعالى في أصحاب الفيل : (وَأَرۡسَلَ عَلَيۡهِمۡ طَيۡرًا أَبَابِيلَ٣ تَرۡمِيهِم بِحِجَارَةٖ مِّن سِجِّيلٖ٤ فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفٖ مَّأۡكُولِۢ٥) فكأنه تعالى بدأ بإنزال العذاب القليل ثم جعله كثيراً, والسبب أنّ سياق آيات سورة البقرة هو في تعداد النعم التي أنعم الله على بني إسرائيل, بينما مقام آيات سورة الأعراف هو مقام تقريع وتأنيب لما فعله بنو إسرائيل.
وللعلم فقد ورد لفظ ( الإرسال ) ومشتقاته في الأعراف حوالي ثلاثين مرة , وفي البقرة سبع عشرة مرة , فوضع كل لفظ في المكان الذي هو أليق بها .
10 ـ قال في البقرة: (عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٥٩) وقال في الأعراف: (عَلَيۡهِمۡ ١٦٢) وهو أعم من الأول , أي أنّ العقوبة أعم وأشمل وهو المناسب لمقام التقريع .
11ـ قال في البقرة: (يَفۡسُقُونَ ٥٩) وقال في الأعراف: (يَظۡلِمُونَ ١٦٢) والظلم أشد من الفسق، وهو المناسب لـ ( إرسال ) العذاب فذكر في كل سيلق ما يناسبه . وقد يظلم الإنسان نفسه وقد يظلم غيره، ولكنّ الفاسق هو الذي يظلم نفسه بخروجه عن طاعة الله وليس شرطاً أنْ يظلم غيره، وجاء في الحديث القدسي «ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا» . والله أعلم.
تتمة النقاط وتفصيلات أخرى تجدها فيما يلي :
السؤال الثاني:
ما الفرق من الناحية البيانية بين (فَٱنفَجَرَتۡ) [البقرة:60] في سورة البقرة ، و(فَٱنۢبَجَسَتۡ) [الأعراف:160] في سورة الأعراف في قصة موسى عليه السلام؟
والسؤال ماذا حدث فعلاً هل انفجرت أو انبجست؟ والجواب كلاهما، وحسب ما يقوله المفسرون: إنها انفجرت أولاً بالماء الكثير، ثم قلّ الماء بمعاصيهم.
في سياق الآيات في سورة البقرة الذي يذكر الثناء والمدح والتفضّل على بني إسرائيل جاء بالكلمة التي تدل على الكثير، فجاءت كلمة (فَٱنفَجَرَتۡ) [البقرة:60]، أمّا في سورة الأعراف فالسياق في ذمّ بني إسرائيل فذكر معها الانبجاس (فَٱنۢبَجَسَتۡ) وهو أقلّ من الانفجار, وهذا أمرٌ مشاهد فالعيون والآبار لا تبقى على حالة واحدة، فقد تجفّ العيون والآبار، فذكر الانفجار في موطن والانبجاس في موطن آخر، وكلا المشهدين حصل بالفعل.
2 ـ سياق الآيات في البقرة هو في التكريم لبني إسرائيل، فذكر أموراً كثيرة في مقام التفضيل والتكرّم والتفضّل: (وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٤٩ وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٠) [البقرة: 49 ،50] و (يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ) [البقرة:47] .
أمّا السياق في الأعراف فهو في ذكر ذنوبهم ومعاصيهم، والمقام مقام تقريع وتأنيب لبني إسرائيل: (وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتَوۡاْ عَلَىٰ قَوۡمٖ يَعۡكُفُونَ عَلَىٰٓ أَصۡنَامٖ لَّهُمۡۚ قَالُواْ يَٰمُوسَى ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞۚ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ) [الأعراف:138] والفاء (فَأَتَوۡاْ) [الأعراف:138] هنا تفيد المباشرة، أي: بمجرد أنْ أنجاهم الله تعالى من الغرق أتوا على قوم يعبدون الأصنام فسألوا موسى أنْ يجعل لهم إلهاً مثل هؤلاء القوم.
3ـ قوم موسى استسقوه، فأوحى إليه ربه بضرب الحجر (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ) [البقرة:60] وفيها تكريم لنبيّ الله موسى عليه السلام واستجابة الله لدعائه. والإيحاء أنّ الضرب المباشر كان من الله تعالى, وفي الأعراف موسى عليه السلام هو الذي استسقى لقومه (إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ) [الأعراف:160].
4ـ قال في البقرة: (كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ) [البقرة:60] والشرب يحتاج إلى ماء أكثر، لذا انفجر الماء من الحجر في السياق الذي يتطلب الماء الكثير, بينما قال في الأعراف:( كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ)[الأعراف:160] لم يذكر الشرب فجاء باللفظ الذي يدل على الماء الأقلّ (فَٱنۢبَجَسَتۡ) [الأعراف:160] .
5ـ في البقرة جعل الأكل عقب الدخول، وهذا من مقام النعمة والتكريم (ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ) [البقرة:58] والفاء تفيد الترتيب والتعقيب، بينما في الأعراف لم يرد ذكر الأكل بعد دخول القرية مباشرة، وإنما أمرهم بالسكن أولاً ثم الأكل (ٱسۡكُنُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ وَكُلُواْ) [الأعراف:161] .
6ـ (رَغَدٗا) تذكير بالنعم وهم يستحقون رغد العيش كما يدلّ سياق الآيات، وفي الأعراف لم يذكر (رغداً)؛ لأنهم لا يستحقون رغد العيش مع ذكر معاصيهم .
7ـ في البقرة قال: (وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ) [البقرة:58] بُدئ به في مقام التكريم وتقديم السجود أمر مناسب للأمر بالصلاة الذي جاء في سياق السورة (وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ) [البقرة:43] والسجود هو من أشرف العبادات، بينما قال في الأعراف:
( وَقُولُواْ حِطَّةٞ وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا) [الأعراف:161] لم يبدأ بالسجود هنا؛ لأنّ السجود من أقرب ما يكون العبد لربه ، وهم في السياق هنا مبعدون عن ربهم لمعاصيهم .
8ـ قال في البقرة: (نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ) [البقرة:58] (الخطايا) جمع كثرة, وإذا غفر الخطايا فقد غفر الخطيئات قطعاً, وهذا يتناسب مع مقام التكريم الذي جاء في السورة، بينما قال في الأعراف: (نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطِيٓـَٰٔتِكُمۡۚ) [الأعراف:161] وخطيئات جمع قلّة، وجاء هنا في مقام التأنيب، وهو يتناسب مع مقام التأنيب والذّم في السورة .
9ـ (وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) [البقرة:58] إضافة الواو هنا تدل على الاهتمام والتنويع، ولذلك تأتي الواو في موطن التفضّل وذكر النعم، وفي الأعراف (سَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) [الأعراف:161] لم ترد الواو هنا؛ لأنّ المقام ليس فيه تكريم ونعم وتفضّل.
10ـ في البقرة قال: (فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ) [البقرة:59] وفي الأعراف (فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ) [الأعراف:162] هم بعض ممن جاء ذكرهم في أول الآيات.
11ـ في البقرة قال:( فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ)[البقرة:59] وفي الأعراف قال: (فَأَرۡسَلۡنَا) [الأعراف:162] (أرسلنا) في العقوبة أشدّ من (أنزلنا)، وقد تردد الإرسال في السورة 30 مرة، أما في البقرة فتكرر 17 مرة .
12ـ في البقرة قال: (بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ) [البقرة:59] وفي الأعراف (بِمَا كَانُواْ يَظۡلِمُونَ) [الأعراف:162] والظلم أشدّ؛ لأنه يتعلّق بالنفس وبالغير.
لذلك (فَٱنفَجَرَتۡ) [البقرة:60] جاءت هنا في مقام التكريم والتفضّل، وهي دلالة على أنّ الماء بدأ بالانفجار بالماء الشديد فجاء بحالة الكثرة مع التنعيم، وجاءت (فَٱنۢبَجَسَتۡ) [الأعراف:160] في مقام التقريع؛ قلّ الماء بمعاصيهم، فناسب ذكر حالة قلّة الماء مع تقريعهم .
وخروج الماء كان كثيراً في البداية لكنه قلّ بسبب معاصيهم، وليس هذا تعارضاً كما يظن بعضهم، لكن ذكر الحالة بحسب الموقف الذي هم فيه، فلمّا كان فيهم صلاح قال: انفجرت، ولمّا كثرت معاصيهم قال: انبجست.
13ـ في الآية (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ) [البقرة:60] موسى ضرب الحجر، لكنه لم يقل (فضرب) إذن الكلام فيه حذف، وهو مفهوم ولكن لم يذكره .
السؤال الثالث:
قال تعالى: (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ) [البقرة:60] ولم يقل مثلاً : (وإذ استسقى موسى ربّه) ؟ أليس موسى أحد أفراد القوم ؟
الجواب:
في هذا السؤال دلالة على عناية الله تعالى بعباده الصالحين، فهذا الدعاء والاستسقاء يدلك على أنّ موسى عليه السلام لم يصبه العطش؛ لأنّ الله تعالى وقاه الجوع والظمأ، كما قال رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم : «إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني».
وانظر كيف كان الاستسقاء لموسى عليه السلام وحده دون قومه، فلم يقل ربنا سبحانه وتعالى مثلاً : (وإذا استسقى موسى وقومه ربهم)، وذلك ليظهر لنا ربنا كرامة موسىِ عليه السلام وحده، ولئلا يظن القوم أنّ الله تعالى أجاب دعاءهم.
السؤال الرابع:
ما نوع الفاء في كلمة (فَقُلۡنَا) [البقرة:60] في الآية ؟
الجواب:
الفاء هي الفاء الفصيحة، وهي الفاء التي تبين وتفصح عن :
1 – محذوف وتدل على ما نشأ عنه مثل قوله تعالى: (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ) [البقرة:60] وتقدير الكلام ( ... فقلنا اضرب بعصاك الحجر فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) .
2ـ أو تفصح عن جواب شرط محذوف، مثل قوله تعالى: (قَالَتۡ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ) [يوسف:32] و تقدير الكلام : إنْ كنتن لا تدرين فذلكن الذى لمتنني فيه .
السؤال الأول:
ما الفرق في استعمالات الفعل (كاد) في قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ) [البقرة:71] و (إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ) [النور:40] و (وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ) [القلم:51]؟ وما الفرق بين كاد وعسى؟
الجواب:
( كاد )
(كاد) من أفعال المقاربة، أي: قارب الحصول ولم يحصل بينما (عسى) هو لمقاربة الأمر على سبيل الرجاء.
ـ خبر كاد فعل مضارع غير مقترن بأنْ على الغالب، وذلك لقربها من الوقوع.
ـ خبر عسى فعل مضارع مقترن بأنْ على الغالب؛ لأنّ (أنْ) تدل على الاستقبال.
وقيل: إنَّ (كاد) إثباتها نفي ونفيها إثبات، فإن قلت: كاد يفعل , فمعناه لم يفعل, وإنْ قلت: ما كاد يفعل, فمعناه أنه فعله بعد جهد، بدليل قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ) [البقرة:71].
ومعنى قوله تعالى: (إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ) [النور:40] أي: مبالغة في (لم يرها) , أي: لم يقرب أنْ يراها فضلاً عن أنْ يراها, والأصح أنّ المعنى أنه يراها بعد اجتهاد ويأس من رؤيتها.
ومعنى قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ) [البقرة:71]أي: ذبحوها بعد الجهد، وبعد أنْ كان بعيداً في الظن أن يذبحوها.
ومعنى قوله تعالى: (وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) [الزُّخرُف:52] هذا الكلام عن لسان فرعون في موسى عليه السلام، ولا شك أنّ موسى كان يبين بدلالة المحاجات المتعددة التي ذكرها القرآن مع فرعون والمعنى أنه كان يبين لكنْ بصعوبة.
ومعنى قوله تعالى: (لَّا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ قَوۡلٗا) [الكهف:93] هذه المحاورة تدل على أنهم يفقهون ولكنْ بصعوبة, ولا تدل على أنهم لا يفقهون وإلا فما هذه المحاورة بينهما؟
ومعنى قوله تعالى: (وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ) [القلم:51] دلالة على شدة تحديق المشركين ونظرهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حالة قراءة النبي للقرآن، وهو قوله: (لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ) [القلم:51] غيظاً وسخطاً بحيث لو أمكنهم أنْ يصرعوه لصرعوه.
السؤال الثاني:
قوله تعالى في الآية: (يَفۡعَلُونَ) ما الفرق بين (يعملون) و(يفعلون) وما الفرق بين الفعل والعمل والصنع؟
الجواب:
1ـ العمل هو إيجاد الأثر في الشيء وعلى الأغلب فيه قصد ويحتاج إلى امتداد زمن، يقال: فلان يعمل من الطين خزفاً، وهو مختص بالإنسان من المخلوقات، كما ينسب العمل إلى الله سبحانه نحو: (مِّمَّا عَمِلَتۡ أَيۡدِينَآ أَنۡعَٰمٗا) [يس:71].
2ـ الفعل عام، وقد يكون بقصد أو بغير قصد، ويصلح أنْ يقع من الحيوان أو الجماد، كما تقول: فعل الرياح.
3ـ الصنع: أخص من الاثنين، وهو إجادة العمل ويحتاج إلى دقة ولا ينسب إلى حيوان أو جماد.
4ـ الفعل عام، والعمل أخصّ من الفعل، والصنع أخص.
ونستطيع أن ننظر في معاني الآيات، فالتي فيها زمن يقول: (يعملون) وما ليس فيه امتداد زمن وهو مفاجئ يقول: (يفعلون).
شواهد قرآنية: العمل:
ـ قوله تعالى عن الجان: (يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ) [سبأ:13]، وهذا العمل يقتضي منهم وقتاً.
ـ قوله تعالى: (مِّمَّا عَمِلَتۡ أَيۡدِينَآ أَنۡعَٰمٗا) [يس:71] ما قال: فعلت؛ لأنّ خلق الأنعام والثمار يحتاج لوقت، فالله تعالى عندما يخلق التفاحة لا يخلقها فجأة، فقال: عملت أيدينا، يعني هذا النظام معمول بهذا الشكل؛ لأنّ فيه امتداد زمن.
قوله تعالى:( وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96] أي: في الحياة؛ لأنّ العمل عادة فيه مدة.
شواهد قرآنية: الفعل:
ـ قوله تعالى عن الملائكة: (وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ) [النحل:50]؛ لأنّ فعل الملائكة يتم برمش العين.
ـ قوله تعالى (أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ) [الفيل:1] باللحظة أرسل عليهم حجارة.
ـ قوله تعالى (أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ) [الفجر:6] خسف بهم.
ـ قوله تعالى (وَتَبَيَّنَ لَكُمۡ كَيۡفَ فَعَلۡنَا بِهِمۡ) [إبراهيم:45] أي: العقوبات، وغضب الله سبحانه وتعالى لمّا ينزل على الضالين والظالمين أنفسهم ينزل فوراً ولا يحتاج لامتداد زمن.
ـ قوله تعالى (وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ) [البقرة:71] أي: كادوا لا يفعلون والذبح سريع فهو فعل.
شواهد قرآنية: الصنع:
ـ قوله تعالى: (صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ) [النمل:88].
ـ قوله تعالى: (وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ) [المائدة:14] أي: ما يخططون ويدبرون بدقة ضد المسلمين.
والله أعلم.
التعديل الأخير تم بواسطة امانى يسرى محمد ; 15-08-2020 الساعة 04:07 PM
قوله تعالى في هذه الآية: (وَإِذۡ قَتَلۡتُمۡ نَفۡسٗا) [البقرة:72] جاء بعد الأمر بذبح البقرة في الآية 67، فما فائدة تقديم الذبح في البيان؟ وما دلالة هاتين الآيتين بشكل عام؟
الجواب:
بشكل عام آيات البقرة هي في بيان النعم على بني إسرائيل، فناسب تقديم ذكر النعمة على ذكر الذنب. وجاء قوله تعالى: (وَٱللَّهُ مُخۡرِجٞ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ) [البقرة:72] بالصيغة الاسمية (مخرج ) لتدل أنه لا بدّ وأن يفعل ذلك , وأنه تعالى عالم بجميع المعلومات وإلا لما قدر على إظهار ما كتموه.
من جهة أخرى , قوله تعالى: (فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ) [البقرة:73] من المفيد أن نذكر هنا أنّ الله قادر على إحياء الميت دون ضربه ببعض البقرة , لكنّ الله تعالى اقتضت حكمته ترتيب الأشياء على أسبابها , ولجبر اليتيم صاحب البقرة بما حصل له من ثمنها , إضافة إلى بيان قدرة الله على إحياء الموتى أمام بني إسرائيل (لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ٧٣) [البقرة:73] أي: حتى تتفكروا بعقولكم , فتمتنعوا عن معاصيه. والله أعلم.
والله أعلم.
السؤال الثاني:
ما معنى قوله تعالى في هذه الآية: (فَٱدَّٰرَٰٔتُمۡ فِيهَاۖ) ؟
الجواب:
أي تدافعتم لأنّ المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضاَ أي يدفعه , والمعنى: اتهم بعضكم بعضاً وتدافعتم لطمس معالم الجريمة ودرء الشبهة.والله أعلم.
تكرر الضمير ( منها ) و ( منه ) في الآية مرتين لكل منهما , إلى أين تعود هذه الضمائر؟وما إعراب قوله: (وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ)؟
الجواب:
الضمير ( منها ) في الموضعين يعودان إلى كلمة:(الحِجَارة) و ( مِن ) هنا للتبعيض , أي: من بعض الحجارة , بينما يعود الضمير ( منه ) في قوله تعالى: ( يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ) إلى مكان التفجّر, وهو التفتح بسعة وكثرة , ويعود في قوله تعالى: ( لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ) إلى مكان التشقق أو التصدع الذي يخرج الماء منه , وهو دون النهر.
وأمّا الإعراب فهو كالتالي:
وإنّ: الواو حرف إستئناف , و ( إنّ) حرف توكيد ونصب.
من الحجارة: جار ومجرور , وشبه الجملة في محل رفع خبر إنّ مقدم.
لما: اللام للتوكيد , و ( ما ) إسم موصول مبني على السكون في محل نصب إسم ( إنّ).
يتفجّر: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
منه: جار ومجرور.
الأنهارُ: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة , والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
والله أعلم.
السؤال الثاني:
ما دلالة حكم الإظهار في التلاوة في قوله تعالى في الآية: (وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ)؟
الجواب:
وردت جملة: (وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ) ست مرات في القرآن الكريم في الآيات: [ البقرة 74 ـ 85 ـ 140 ـ144 ـ 149 ـ آل عمران 99] ووردت جملة: (وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ) ثلاث مرات في القرآن الكريم في الآيات: [ الأنعام 132 ـ هود 123 ـ النمل 93 ] , ونلاحظ وجود إظهار بين كلمتي (بِغَٰفِلٍ عَمَّا) وبذلك لا توجد غنة وإنما نون ظاهرة توحي بقطعية هذا الخبر , وأنّ الله ليس بغافل عما تعملون ولو للحظة واحدة.
أمّا في حالة نسبة (الغفلة) إلى البشر فقد وردت في القرآن , وبعدها كلمات لا تبدأ بحروف الحلق , كما في قوله تعالى:
أي توجد غنة حسب أحكام علم التجويد في: (غَفۡلَةٖ وَهُمۡ) (غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ ) (غَفۡلَةٖ مِّنۡ) , أي أنّ البشر غافلون لمدة طويلة , وليس لمدة قصيرة فقط.
السؤال الأول:
قوله تعالى: (إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا) [البقرة:70] لِمَ قالوا هذه الجملة في هذه الآية، مع أنهم لم يقولوها في المرات السابقة؟ الجواب:
في الأصل طلب الله منهم أنْ يذبجوا (بَقَرَةٞ) بالتنكير المطلوب، أي: أنْ يمسكوا أي بقرة فيذبحوها، فشددوا فشدد الله سبحانه وتعالى عليهم.
طلب بنو إسرائيل صفات البقرة على ثلاث مراحل:
﴿ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ٦٨ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّٰظِرِينَ٦٩﴾ [البقرة: 68-69]
آ ـ طلبوا تحديد ماهيتها في البداية (قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ) [البقرة:68].
ب ـ و طلبوا تحديد لونها (قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ) [البقرة:69] ولم يعللوا سبب طلبهم.
ج ـ في المرة الثالثة قالوا: (قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ٧٠) [البقرة:70] ولجأوا للتعليل؛ لأنّ فعل الشيء ثلاث مرات يكون له وقع في النفس من الضجر؛ فلا بدّ من إضافة تعليل في المرة الثالثة.
السؤال الثاني:
قوله تعالى في الآية: (وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ) [البقرة:70] ما الفرق في الاستعمال بين: ( إن شاء الله ) وبين: ( بإذن الله ) في القرآن الكريم؟ الجواب:
1 ـ وردت جملة (إِن شَآءَ ٱللَّهُ) في القرآن الكريم (6) مرات في الآيات: [ البقرة 70 ـ يوسف 99 ـ الكهف 69 ـ القصص 27 ـ الصافات 102 ـ الفتح 27]. ووردت جملة (بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ) في ( 18 ) موضعاً في ( 17 ) آية , ووردت كلمة (بِإِذۡنِهِۦ) في ( 9 ) مواضع.
2ـ الفرق في الاستعمال بين ( إنْ شاء الله ) وبين ( بإذن الله ) في القرآن الكريم, هناك أقوال عدة منها:
القول الأول:
آ ـ أنّ استخدام جملة (إِن شَآءَ ٱللَّهُ) يكون عندما أقوم بنفسي بالعمل أو الحاجة أو أتدخل بها بالأمر بشكل شخصي فردي أو جماعي: شواهد قرآنية:
ـ (إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ٧٠) [البقرة:70] هم سيقومون بذبح البقرة بأنفسهم بدليل قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ٧١) [البقرة:71].
ـ (وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ٩٩) [يوسف:99] هم سيدخلون.
ـ (قَالَ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِرٗا وَلَآ أَعۡصِي لَكَ أَمۡرٗا٦٩) [الكهف:69] هو سيصبر.
ـ (قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ١٠٢) [الصافات:102] هو سيصبر.
ب ـ وأمّا (بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ) فالعمل ليس لي أي دخل به , بل هو بتدبيرٍ خارج إرادتي. شواهد قرآنية:
ـ (قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ ) [البقرة:97] فنزول القرآن الكريم على النبي عليه السلام ليس له دخل فيه بل هو من عند الله.
ـ (كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ ﱽ) [البقرة:249] فنصر القلة يكون بتدبير إلهي , وإلا فالمنطقُ يقول إنهم يهزمون , بدليل قوله تعالى: (فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ) [البقرة:251] فالنصرُ كان من عند الله تعالى.
ـ (وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ) [البقرة:102] فالسحر لا يضر الآخرين إلا بقضاء الله وإذنه. والله أعلم.
القول الثاني:
لا فرق في الاستثناء بقولك: ( إنْ شاءَ الله ) وقولك: ( بإذن الله ) وذلك لأسباب عدّة منها:
آ ـ أنّ معنى كلٍ من الاستعمالين متقارب , فالتعليق على مشيئة الله يشابهُ التعليق على إذنه سبحانه.
ب ـ الاستعمال القرآني لكلٍ من هذين اللفظين أيضاً متقارب , وفي القرآن هناك بعض الآيات التي ورد فيه اللفظان على معنى واحد متقارب في آية واحدة , كما في قوله تعالى:
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ٥١ ﱠ [الشورى:51]
وَكَم مِّن مَّلَكٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لَا تُغۡنِي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيًۡٔا إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ أَن يَأۡذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرۡضَىٰٓ٢٦ ﱠ [النجم:26]
ج ـ معظم المفسرين لم يفرقْ بين الاستعمالين , وهناك منهم من يفسر المشيئة بإذن الله سبحانه.
د ـ وعند الفقهاء كذلك , فقد جاء في ( الموسوعة الفقهية ) في باب ( الاستثناء ) عن الأَيمَان والنذور والطلاق وغيرها: أنّ كلَ تعليقٍ على مشيئة الله ونحوه هومما يبطل الحكم , وقالوا: إنّ قولك: ( بإذن الله ) استثاء , كقولك: ( إن شاء الله ).
القول الثالث:
جملة ( إنْ شاء الله ) جملة فعلية , وجملة ( بإذن الله ) جملة إسمية , والجملة الفعلية تدل على الحدث , وربما يشير ذلك إلى ما ذهب به أصحاب القول الأول من أنّ ( إنْ شاء الله ) تأتي مع عملٍ أنت ستقوم به أي: ( حدث ) , بينما الجملة الاسمية تدل على الثبوت والاستمرار, لتشير إلى أنّ مشيئة الله هي السائدة المستمرة لكل الأزمنة قبل زمن الأفعال والأحداث , وخلالها وبعدها في الزمن السرمدي, وهي الأصل في كل خلق الله تعالى.
ولذلك من الأفضل أن نعلق كلَ شيء مستقبلي بالمشيئة كما قال تعالى: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا٢٣ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ ٢٤ ﱠ[الكهف: 23ـ24 ] , أمّا الشيء الماضي فلا يُعلق بالمشيئة إلا إذا قُصِدَ بذلك التعليل , فمثلاً لوقال لك شخص حين صلى:صليتُ إنْ شاء الله , فإنْ قَصَدَ فِعلَ الصلاة فإنّ الاستثناء هنا لا ينبغي , وإنْ قصَدَ الصلاة المقبولة فهذا يصح معه أنْ يقول: ( إنْ شاء الله ) لأنه لا يعلم أقبلتْ أم لم تقبل. والله أعلم.