د ـ قال في المنافقين: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[الأنفال:71] هذه أمور قلبية .
هـ ـ قوله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:110] من الذي يطلع على القلوب؟ الله، فقدّم العليم.
شواهد قرآنية في تقديم الحكمة :
الجزاء حكمة وحُكم , و من الذي يجازي ويعاقب؟ هو الحاكم،و تقدير الجزاء حكمة .
آـ قوله تعالى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:128] هذا جزاء، هذا حاكم يحكم ويقدر الجزاء والحكم, فقدّم الحكمة، وليس بالضرورة أنْ يكون العالم حاكماً، وليس كل عالم حاكماً.
ب ـ قوله تعالى:{وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:139] هذا تشريع والتشريع حاكم فمن الذي يشرع ويجازي؟ الله تعالى هو الذي يجازي وهو الذي يشرع .
ب ـ الحال:( ثُمَّ صُبُّواْ فَوۡقَ رَأۡسِهِۦ مِنۡ عَذَابِ ٱلۡحَمِيمِ * ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ) [الدخان: 48 ، 49] فـ (ذق) من الذوق مصاحب لصب الحميم .
ج ـ الأمر الحاصل في الماضي، فقوله :( ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ) [يوسف:99] كان بعد دخولهم إياها فهو أمر يفيد الماضي. وكذلك قوله تعالى: (إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ٤٥ ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٍ ءَامِنِينَ٤٦﴾) [الحِجر:45-46] فقوله: (ٱدۡخُلُوهَا) كان بعد دخولهم الجنة، وكذلك قوله: (وَلَقَدۡ صَبَّحَهُم بُكۡرَةً عَذَابٞ مُّسۡتَقِرّٞ٣٨ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ٣٩) [القمر:38-39] فقوله: (فَذُوقُواْ) كان بعد تصبيحهم بالعذاب.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «افعل ولا حرج» فهذا من باب إقرار ما حصل في الماضي.
د ـ الأمر المستمر (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا) [البقرة:83] .
فإذا كان الكلام عن المؤمنين يقول: {مِنْ تَحْتِهِمُ} [الكهف:31] وإذا كان الكلام عن الجنة يقول: {مِنْ تَحْتِهَا} [البقرة:25] .
وقد يقول بعض المستشرقين : إنّ في القرآن تعارضاً، مرةً تجري من تحتها، ومرةً من تحتهم لكنا نقول: إنّ الأنهار تجري من تحت الجنة ومن تحت المؤمنين فليس فيها إشكال ولا تعارض، ولكنّ الأمر مرتبط بالسياق.
السؤال الثاني:
قال تعالى في سورة النساء: [بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا] [النساء:138] وفي سورة البقرة: [وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] [البقرة:25] ذكر الباء في الآية الأولى: {بِأّنَّ} [النساء:138] وحذفها في الثانية: {أَنَّ} [البقرة:25] مع أنّ التقدير هو: {بأنّ} فلماذا؟
الجواب:
1ـ لفظة {بأنّ} [النساء:138] أكثر من {أَنَّ} [البقرة:25] فالباء الزائدة تناسب الزيادة في ذكر المنافقين وجزائهم.
2ـ إنّ تبشير المنافقين في سورة النساء آكد من تبشير المؤمنين في سورة البقرة، ففي سورة النساء أكّد وفصّل في عذاب المنافقين في عشر آيات ابتداء من قوله في الآية [136] [وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ] [النساء:136] وحتى ما بعد الآية[ 145].
أمّا في آية البقرة فهي الآية الوحيدة في تلك السورة التي ذكر فيها كلاماً عن الجزاء وصفات المؤمنين.
3ـ وكذلك جاء بـ (بأنّ) في قوله تعالى في سورة الأحزاب: [وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلًا كَبِيرًا] [الأحزاب:47]؛ لأنه تعالى فصّل في السورة جزاء المؤمنين وصفاتهم.
السؤال الثالث:
ما دلالة (المطهّرون )و (المتطهرون )؟
الجواب:
1ـ الذي يبدو ـ والله أعلم ـ أنّ (المطهّرون) هم الملائكة؛ لأنه لم ترد في القرآن كلمة المطهّرين لغير الملائكة، والمُطهَّر اسم مفعول وهي تعني مُطهَّر من قِبَل الله تعالى.
2ـ وبالنسبة للمسلمين يقال لهم: متطهرين أو مطّهِّرين، كما في قوله تعالى: [إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ ] [البقرة:222] و: [وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ] [التوبة:108] و(متطهرين) أو (مطّهّرين) هي بفعل أنفسهم، أي: هم يطهرون أنفسهم.
3ـ ولمّا وصف الله تعالى نساء الجنة وصفهم بقوله تعالى: [وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] [البقرة:25] وكذلك وصفت صحف القرآن الكريم بالمطهّرة: [رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً] [البينة:2] فلم ترد إذن كلمة (مطهّرون) إلا للملائكة .
ولذلك فإن هذا المعنى يقوّي القول بأنّ المقصود في الآية: [فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ] [الواقعة:78] هو الذي في اللوح المحفوظ ، وليس القرآن الذي بين أيدينا لأكثر من سبب والله أعلم.
السؤال الرابع:
ما دلالة البناء للمجهول فى قوله تعالى: {رُزِقُواْ} [البقرة:25] ؟
الجواب:
الله تعالى ينسب النعمة والخير إلى نفسه ولا ينسب الشر لنفسه: [وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا] [الإسراء:83]، أمّا في الجنة فإنه لا حساب ولا عقاب يقول تعالى: [وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] [البقرة:25] .
السؤال الخامس:
لماذا لم تذكر الحور العين في هذه الآية مع نعيم الجنة ؟
الجواب:
كثير من السور لم يذكر فيها الحور العين بالرغم من ذكر الجنات، وللعلم فقد وردت الكلمات التالية في القرآن الكريم :
ـ الحور : أربع مرات في الآيات : الدخان[ 54] الطور [20] الواقعة [22] الرحمن [72].
ـ عين : أربع مرات في الآيات : الدخان [54] الطور [20] الواقعة[ 22] الصافات[ 48]
- {الجَنَّةَ} 66 مرة.
- {جَنَّاتٌ} 69 مرة.
- {جَنَّتَكَ} مرتان.
- {جَنَّتَهُ} مرة واحدة.
- {جَنَّتيِ} مرة واحدة.
- {جَنَّتَانِ} 3 مرات.
- {جَنَّتَيِنِ} 4 مرات
ونلاحظ أنه عندما يذكر القرآن الكريم أزواج أهل الجنة لا يذكر معها الحور العين مراعاة لنفسية المرأة , كما في قوله تعالى: [وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ] [البقرة:25] كما في الآيات : البقرة [25] آل عمران [15] النساء [ 57] فلم يذكر الحور العين مع الأزواج.
السؤال السادس:
لماذا جاء الظرف: {مِن قَبْلُ} في الآية مبنياً على الضم ؟ الجواب:
هناك ظروف يسميها النحويون ( الظروف المقصودة ) منها : قبل , بعد, فوق , تحت, أمام , خلف ويذكر النحاة أنّ لها أربعة أحوال :
1ـ ألاّ تضاف وهي في ذلك نكرات كقول الشاعر :
فساغ لي الشراب وكنت قبلاً أكاد أغص بالماء الفرات
فمعنى ( قبلاً ) : فيما مضى من الزمان.
2ـ أنْ تضاف نحو قوله تعالى : [مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ] [النور:58] و [قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ] [آل عمران:144] .
3ـ أنْ يحذف المضاف إليه ويُنوى لفظه , وهذا قليل كقوله :
ومن قبلِ نادى كلُ مولى قرابة فما عطفت مولى عليه العواطف
أي : ومن قبل ذلك , ويعامل المضاف كأنّ المضاف إليه مذكور .
4ـ أنْ يحذف المضاف ويُنوى معناه , وتكون عند ذاك مبنية على الضم , وتكون في هذه الحالة معرفة من دون معرّف لفظي, وإنما هي معرفة بمعرّف معنوي , وهو القصد إليها , فبنيت على الضم لمخالفة حالاتها الإعرابية الأخرى التي تكون فيه نكرة أو معرّفة بالإضافة .
شواهد قرآنية :
[للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ] [الرُّوم:4]
[وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ] [يوسف:80].
[وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا] [مريم:9] .
[إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ] [يوسف:77] .
[أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ] [القصص:48] .
وقد ورد التعبير {مِن قَبْلُ} كثيراً في القرآن الكريم . وإعراب {مِن قَبْلُ}
من : حرف جر . و { قَبْلُ } ظرف مبني على الضم في محل جر .
قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ} هذه اللام كأنها للمِلك, فالله سبحانه وتعالى يخاطب هذا الإنسان حتى يرى كيف أكرمه الله عز وجل، وأنه خلق من أجله كل ما في الكون.
علماؤنا يقولون: إنّ هناك شيئين في الكون هما لأجلك؛ أحدهما لتنتفع به مباشرة كالماء والنبات والحيوان، والآخر للاعتبار: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [الروم:8] فهذا أيضاً لك حتى يحوزك إلى الإيمان، فإذن {خَلَقَ لَكُمْ} أي: لأجلكم للانتفاع أو للاعتبار.
لذلك يكون المعنى {خَلَقَ لَكُمْ} أي: من أجلكم للانتفاع والاعتبار.
السؤال الثاني:
ما دلالة قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة:29] ؟
الجواب:
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة:29] المفسرون يقولون : استوى، أي: عمد إلى خلقها, أي: ثم عمد إلى خلق السماء بإرادته سبحانه وتعالى، و(الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب)، وقول المفسرين( عمد إلى خلقها) نوع من التأويل المقبول الآن، نحن بحاجة إليه لكي نترجم التفسير القرآني إلى الآخرين.
السؤال الثالث:
هل السماء تدل على المفرد أو الجمع ؟
الجواب:
السماء لفظها لفظ الواحد وكل ما علاك فهو سماء, لكنّ معناها معنى الجمع، ولذلك قال: {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} [البقرة:29] إشارة إلى تفصيلاتها.
والسماء الدنيا بكل مليارات نجومها هي كحلقة في فلاة قياساً إلى السماء الثانية.
السؤال الرابع:
لِمَ قال تعالى: {فَسَوَّاهُنَّ } [البقرة:29] ولم يقل: خلقهنّ ؟ الجواب:
لأنّ التسوية خلقٌ وبناءٌ وتزيين, أمّا كلمة (خلق)، فهي تدل على الإيجاد والبناء، ولو تأملت السموات لرأيت بدعة الخلق ودقّته ونظاماً لا يختلُّ ولا يغيب.
السؤال الخامس:
الظاهر من الآية تقدم خلق الأقوات، وظاهر آية النازعات: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات:30] تأخره، فما القول في ذلك ؟
الجواب:
لفظة (ثم) في آية البقرة لترتيب الإخبار لا لترتيب الوقوع، ولا يلزم من ترتيب الإخبار ترتيب الوقوع, كما في آية الأنعام (153ـ154) في قوله تعالى : {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(153) ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ } [الأنعام:154] ولا ريب في تقديم إيتاء الكتاب على وصيته للأمة .
السؤال السادس:
ما حكمة الرقم (7) في عدد السماوات؟ الجواب:
عدد السماوات هو اختيار الله تعالى لذلك , والحكمة من هذا العدد لا يعلمها إلا الله سبحانه , لكنّ اللافت للنظر هو تكرار العدد (7) في أمور كثيرة منها :
1ـ عدد طبقات السماء .
2ـ عدد أيام الأسبوع .
3ـ عدد أشواط الطواف حول الكعبة .
4ـ عدد أشواط السعي بين الصفا والمروة .
5ـ عدد أبواب جهنم .
6ـ عدد عجائب الدنيا .
7ـ عدد آيات سورة الفاتحة .
8ـ عدد ألوان ما يسمى (قوس القزح ) .
9ـ عدد كلمات شهادة التوحيد ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ).
10ـ عدد المستويات المدارية للإلكترون .
11ـ عدد حصى الجمرات التي يرمي بها الحاج في منى خلال الحج .
12ـ يأمر الله تعالى تعليم الصلاة للطفل عند بلوغه سن السابعة .
13ـ للضوء المرئي سبعة ألوان , وهناك سبعة إشعاعات للضوء غير المرئي .
14ـ تهاجر الطيور بسرب على شكل سبعة .
15ـ سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
اللهم اجعلنا منهم . والله أعلم .
وإيصال هذا المال أو المبلغ لمستحقه في حال قيام الإنسان بجريمة أو ما شابه لأهل المرتكب عليه الجريمة أو الشخص نفسه، هذا الإيصال له أسلوبان:
1ـ الأول أنْ يرسل وفدَ صُلحٍ وشفاعة حتى يقبلوا ما يقدِّمه لهم فيبدؤوا أولاً بإرسال الوفد ثم يذهب بالفدية أو المقابل.
2ـ والصورة الأخرى أنْ يذهب ابتداء فيقدم ما عنده، فإذا رفض يذهب ويأتي بوسطاء يشفعون له.
والآيتان كل واحدة منهما نظرت إلى صورة, فنفى الصورتين عن القبول فيما يتعلق بالأمم التي آمنت قبل اليهود بشكل خاص حتى يؤمنوا بالله تعالى ورسوله محمد وبكتابه:
آ ـ الآية الأولى (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48] هذه الصورة الأولى تقدمون الشفاعة، و الشفاعة لا تقبل، والفدية لا تؤخذ.
ب ـ الآية (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ١٢٣) [البقرة:123] هذه الصورة الثانية.
والجمع بين الآيتين على بُعد ما بينهما أنه كل آية نظرت في صورة , فالأولى نظرت في صورة والثانية نظرت في صورة , ومع ذلك انتفت كلتا الصورتين, وهذا يعني أنه لا يمكن أنْ يقبل منكم إلا أنْ تتبعوا هذا النبي الكريم محمداً ﷺ, وبدون ذلك لا تقدموا الشفاعة ابتداء ولا تأتوا بالشفاعة لأنً هذا كله لا يُقبل , والذي يقبل منكم هو الإيمان بالرسول محمد عليه السلام والقرآن الكريم .
وكأنّ ذلك نوع من التيئيس؛ لأنّ الإنسان إذا ارتكب جرماً إمّا أن يذهب بالعدل ،أي: المال المقابل للجرم إلى القبيلة، فإذا رُفِض يذهب ويأتي بالشفعاء، أو العكس يأتي بالشفعاء أولاً حتى يقبلوا العدل منه.
والقرآن الكريم يأَّس بني إسرائيل من الحالتين: لا يقبل منكم عدل ابتداء وبعده شفاعة, ولا شفاعة ابتداء ثم يأتي العدل بعد ذلك , ولا ينفعكم إلا أنْ تتبعوا محمداً ﷺ.
ملخص الجواب للشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى :
1ـ المعنى العام :
بشكل عام الخطاب للكفار والآية نازلة فيهم , أمّا المؤمنون فلهم الشفاعة رزقنا الله تعالى إياها وحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة .
والعربي الذي يقع في كريهة يحاول أعوانه الدفاع عنه بمقتضى الحمية، فإنْ لم يستطيعوا حاولوا بالملاينة بدل المخاشنة، فإنْ لم تغن عنه الحالتان لم يبق عنده إلا فداء الشيء بالمال, فإنْ تعذر ذلك تعلل بما يرجوه من شفاعة الأخلاء والإخوان .
ومن كان ميله إلى حب المال أشد من ميله إلى علو النفس فإنه يقدم التمسك بالشافعين على إعطاء الفدية، ومن كان بالعكس يقدم الفدية على الشفاعة.
فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغني شيء من هذه الأمور عن المجرمين في الآخرة.
2ـ المعاني اللغوية :
آـ (يَوۡمٗا) [البقرة:48] : هو يوم القيامة وهو بذاته لا يُتَّقى فلا بد منه, وإنما المقصود اتقاء ما يحصل في ذلك اليوم من الشدائد والعقاب.
ب ـ الشفاعة: ضم غيره إلى وسيلته, والشفع ضد الوتر؛ لأنّ الشفيع ينضم إلى الطالب في تحصيل ما يطلب فيصبح شفعاً بعد أنْ كان وتراً .
ج ـ العَدل : هو الفدية، وأصله ما يساوي الشيء قيمة وقدراً وإنْ لم يكن من جنسه.
والعِدل والعديل : هو المِثلُ أو هو المساوي للشيءِ في الجنسِ والجرمِ، تقول : عندي عِدلُ شاتِكَ أو عِدلُ غلامِكَ إذا كان شاة تعدل شاة، وغلاماً يعدل غلاماً , فإن أردت قيمَتَه من غير جنسه فتحتَ العَين.
والعَدلُ ضِدُّ الجورِ، والعديلُ الذي يعادِلُك في القدر والوزن.
د ـ (وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) : أي ليس لهم من يمنعهم وينجّيهم من عذاب الله.
هـ ـ جزى : بمعنى قضى، وقضاء الحقوق يوم القيامة إنما يقع في الحسنات.
سؤال :
هل الفائدة من قوله تعالى (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡٔٗا) [البقرة:48] هي نفس الفائدة من قوله: (وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨﴾ [البقرة:48] ؟
جواب :
معنى القسم الأول من الآية (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡٔٗا) [البقرة:48] أنه لا يتحمل عنه غيره ما يلزمه من الجزاء , وأمّا النصرة فهي أنْ يحاول تخليصه من حكم المعاقِب.
سؤال :
قدّم المولى عز وجل (الشفاعة ) على ( العدل ) في الآية ( 48 )، بينما قدّم (العدل ) على ( الشفاعة ) في الآية (123 )، فما الحكمة من التقديم والتأخير؟
والمقصود بـ (وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ) أي: على عالمي زمانكم , وهو من باب عطف الخاص على العام؛ لأنّ النعمة اندرج تحتها التفضيل المذكور على عالمي زمانهم بما أعطوا من الملك والرسل والكتب في زمانهم ؛ فإن لكل زمان عالماً .
ج ـ والحق أن أمة الرسول ﷺ هي أفضل منهم؛ لأنّ الله أشهد بني إسرائيل فضل أنفسهم فقال: (وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ) وأشهد المسلمين فضل نفسه؛ قال تعالى: (قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ٥٨) [يونس:58] وشتان مَن مشهوده فضل ربه، ومن مشهوده فضل نفسه .
قال رسول الله ﷺ : «أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله» .
والله يقول : (كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ ١١٠) [آل عمران:110] .
فالحمد لله الذي فضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً.
د ـ سياق الآيات التي قبلها :
لقد سبق الآية 48 الآيات من [48:40] وهي قوله تعالى :
وهذه الآيات تؤكد كمال غفلة بني إسرائيل عن القيام بحقوق النعم التي أنعم الله عليهم بها وليربط بما بعده من الوعيد الشديد بالترغيب والترهيب , فذكّرهم بنعمه أولاً ثم عطف على تحذيرهم من طول نقمه بهم يوم القيامة إنْ لم يؤمنوا برسوله ﷺ ويتابعوه على ما بعثه به , فإنه لا تنفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه ولا يقبل منهم فداء ولو بملء الأرض ذهباً، كما قال تعالى: ( مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ ٢٥٤) [البقرة:254] .
أمّا الآية الآية[122] المذكورة سابقا؛ ففيها تكرير التذكير لبني إسرائيل وحثهم على اتباع الرسول الأمي ﷺ الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه، وأنْ لا يحملهم الحسد للعرب على مخالفته وتكذيبه .
هـ ـ نعود الآن إلى أصل السؤال :
1ـ نلاحظ في قوله تعالى (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡٔٗا) [البقرة:48] أي: هناك نفسان نفس جازية، والثانية مجزي عنها .
2ـ ففي الآية [48] المعنى العام لها أنه سيأتي إنسان صالح ـ حتى تقبل شفاعته عند الله ـ فيقول: يا رب أنا سأشفع لفلان أو أقضي حق فلان .
فنفس الإنسان الصالح جازية والأخرى مجزي عنها, لكن لا تقبل شفاعته؛ لأنه يشفع لكافر وبالتالي لا يؤخذ منه عدل، أي: فدية، ولا يسمح بأي مساومة أخرى .
ففي هذه الآية بدأ عجزها بالشفاعة، وهي تعود على النفس الأولى في الآية .
3ـ أما الآية الثانية [123] فيتحدث الله تبارك وتعالى عن النفس المجزي عنها قبل أنْ تستشفع بغيرها وتطلب منه أنْ يشفع لها, بعد أنْ يكون قد ضاق بالكافر الحيل وهذا اعتراف بعجزه فيقول يارب : ماذا أفعل حتى أكّفر عن ذنوبي، فلا يقبل منه , كما في قوله تعالى في سورة السجدة الآية [12]: (وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَآ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢) [السجدة:12] فيكون رد الحق سبحانه كما في الآية [14] (فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ إِنَّا نَسِينَٰكُمۡۖ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ١٤) [السجدة:14] .
فهم عرضوا على ربهم أن يكّفروا عن سيئاتهم بأنْ يعودوا إلى الدنيا ليعملوا صالحاً فلم يقبل الله منهم هذا العرض, وكما في قوله تعالى في سورة الأعراف: ( فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشۡفَعُواْ لَنَآ أَوۡ نُرَدُّ فَنَعۡمَلَ غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ قَدۡ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ٥٣) [الأعراف:53] حيث خرج الاستفهام إلى النفي، أي: ما لنا من شفعاء .
وجاء بـ (قد) والفعل الماضي (قَدۡ خَسِرُوٓاْ) لتأكيد النتيجة النهائية، وهي الخسران.
لذلك هنا النفس المجزي عنها هي التي تطلب التكفير والفداء فبدأ عجزها بـ(عَدۡلٞ) .
4ـ الملخص:
النفس الأولى: الجازية يناسبها الآية الأولى؛ لأنها بدأت بطلب الشفاعة ,أمّا النفس الثانية: المجزي عنها, فيناسبها الآية الثانية؛ لأنها بدأت بتقديـم الفداء .
5ـ والمعنى العام للآيتين أنّ الله تعالى لا يقبل ممن كفر به فدية ولا شفاعة ولا ينقذ أحداً من عذابه منقذ ولا يخلّص منه أحد ولا يجير منه أحد , وصار الحكم إلى الجبار العدل الذي لا ينفع لديه للكافرين الشفعاء والنصراء فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها , وكما قال تعالى في القران الكريم :
ماذا عن تذكير وتأنيث لفظة (شَفَٰعَةٞ) في القرآن الكريم ؟
الجواب:
1ـ في آية البقرة [48] قوله تعالى (وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ) [البقرة:48].
آ ـ ذكّر الفعل (يُقۡبَلُ) مع الشفاعة؛ لأنّ الشفاعة هنا لمن سيشفع، أي: للشافع وهو مذكر .
ب ـ الشفاعة ليست مؤنثة حتى تكون الشفاعة مطلقة .
ج ـ إذا فصلت بين المؤنث الحقيقي والمؤنث المجازي يجوز التذكير والتأنيث، تقول : ذهب إلى الجامعة فاطمة, وذهبت إلى الجامعة فاطمة، هكذا إذا كان هناك فصل، لكنْ : ذهبت فاطمة لا يجوز غير هذا: ذهبت فاطمة.
قال تعالى فى سورة لقمان: ( وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ ٣٣) [لقمان:33] وفي البقرة قال: (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡٔٗا) [البقرة:48] . فما الفرق بين الوالد والولد والنفس؟
الجواب:
1ـ لا ننسى أنه في سورة لقمان ذكر الوالدين والوصية بهما ( وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ ١٥) [لقمان:15] والسورة تحمل اسم لقمان (وَالِدٌ) وهي مأخوذة من موقف لقمان وموعظته لابنه وكيف أوصاه, ووصية ربنا بالوالدين ، وقد وردت ضمن وصية لقمان لابنه، إذن هذه أنسب أولاً مع اسم السورة ومع ما ورد في السورة من الإحسان إلى الوالدين والبر بهما ومصاحبتهما في الدنيا معروفاً .
2ـ في البقرة لم يذكر هذا، وإنما جاءت كلمة (نفس) عامة تقع على الروح وعلى الذات .
3ـ وذكر الوالد والولد في آية لقمان مناسب لما ورد في السورة من الإحسان إلى الوالدين والبر، مع ملاحظة أن قوله تعالى: ( وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ) [لقمان:15] خاص بالدنيا، بينما في هذه الآية (لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ) [لقمان:33] الأمر متعلق بالآخرة الآخرة, لذلك يتبين أنّ المصاحبة بالمعروف والإحسان إليهما وما وصّى به في السورة لا يمتد إلى الآخرة, وأنّ هذه المصاحبة ستنقطع في الدنيا، وهي ليست في أمور الآخرة .
إذن هذه مناسبة لقطع أطماع الوالدين المشركين في الحصول على نفع ولدهما إن كان مؤمنا أو دفعه شيئا عنهما في الآخرة, إضافة إلى أنها مناسبة لما ورد في السورة من ذكر الوالدين والأمر بالمصاحبة لهما ونحوه.
السؤال الرابع:
ما دلالة حذف العائد المقدر (فيه) مع الآيات عندما يستعمل الفعل (يجزي) كما في آية البقرة[ 48] (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ) [البقرة:48] وآية لقمان (وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ ٣٣ ) [لقمان:33] وآية البقرة [123] (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ) [البقرة:123] بينما ذُكرت (فيه) مع آيات أخرى، كما في آية البقرة (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١ ) [البقرة:281] وآية النور (يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ٣٧) [النور:37] فما الفرق ؟
الجواب:
آ ـ جملة الصفة عادة يكون فيها عائد أي (ضمير) يعود على الموصوف قد يكون مذكوراً وقد يكون مقدّراً، وهنا مقدر, أي: أن النحاة يقدرون : لا يجزي فيه, هذا من حيث التقدير، وهو جائز الذكر وجائز التقدير؛لأنه ذكرها في مواطن أخرى: (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ) [البقرة:281] فالأمران جائزان، وقد ذكرا في مواطن.
ب ـ يبقى لماذا اختار عدم الذكر؟ والجواب أنّ الحذف عادة يفيد الإطلاق عموماً، فعندما تقول : فلان يسمعك أو فلان يسمع، (يسمع) أعم، يقول الحق أو يقول، (يقول): أعم، يعطي المال أو يعطي، يعطي أعمّ. وعدم ذكر المتعلقات يفيد الإطلاق، إذن هو الآن أظهر التعبير بمظهر الإطلاق ولم يذكر (فيه)؛ لأنه أظهره بمظهر الإطلاق.
ج ـ يبقى السؤال لماذا لم يذكر هنا و ذكر في مواطن أخرى؟
والجواب: لو (جزى فيه) والد عن ولده , أي لو دفع ( في ) يوم القيامة هل هذا الجزاء يختص بهذا اليوم أو بما بعده؟ والجواب: هو بذلك اليوم.
ولو (جزى) والد عن ولده بدون( فيه) لو جزى عنه يعني لو قضى عنه ما عليه، هذا الجزاء سيكون الجنة , والجزاء ليس في ذلك الوقت وإنما أثر الجزاء سيمتد، أي أنّ الجزاء سيكون في هذا اليوم ولكنّ الأثر هو باق، ولذلك حيث قال: (لَّا يَجۡزِي) لم يقل : ( فيه ) في كل القرآن.
(وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١) [البقرة:281] أي تُوَفَّى في ذلك اليوم ؛ فإمّا يذهب للجنة وإمّا إلى النار.
(يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ٣٧) [النور:37] في ذلك اليوم وبعدها ليس فيه تقلب؛ لأنه يذهب للجنة، وذِكر (فيه) خصصها باليوم فقط .
ولمّا قال: (ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ) [البقرة:281] هذا في يوم القيامة وليس مستمراً يومياً، والذي في الجنة تُوُفِّيَ عمله والذي في النار تُوُفِّيَ عمله، والتَّوفِّي هو في يوم القيامة وأثر التَّوفيةِ إمّا يذهب إلى الجنة وإمّا إلى النار، وتقلُّبُ القلوب والأبصار هو في يوم القيامة ثم يذهب أصحاب الجنة إلى الجنة وأصحاب النارإلى النار، ولا يعود هناك تقلب قلوب ولا أبصار.
ولو جزى والدٌ عن ولده لكان أثر الجزاء ليس خاصاً في ذلك اليوم، وإنما يمتد إلى الخلود إلى الأبد، ولذلك لم يذكر (فيه) وأخرجه مخرج الإطلاق، لذلك حيث قال: (لا تجزي) ولم يقل (فيه) يكون لنفي المتعلق وإطلاق الأمر.والله أعلم .