الرسول جاء منا، الرسول لا ينتمي إلى عرق ولا قوم، القضية ليست قضية قومية وليست قضية عرقية كما نظر إليها بنو إسرائيل، الرسالات والرسل والكتب والأنبياء ما جاؤوا لأجل أن يؤججوا أسس الصراعات بين البشر، أبدًا، جاؤوا بعوامل الجمع لا التفرقة، جاؤوا بعوامل المحبة وإرساء المحبة لا العداوة والبغضاء، والدعوة العرقية والدعوة العنصرية لا يمكن أن تؤدي إلا إلى البغضاء وإثارة العداوات بين البشر.
وتأملوا كيف وصف الله سبحانه وتعالى كتابه الكريم (نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) لا يحتاج إلى بيان (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ) هذه ثمرات لاتباع المنهج للسير وفق منهج القرآن والوفاء بعقوده والتزاماته في واقع الحياة، سبل السلام، السلام ذلك الحلم الذي بات يراود البشرية يوما بعد يوم وأصبح أقرب ما يكون إلى الخيال منه إلى الواقع، البشرية باتت اليوم تحلم بشيء اسمه السلام! والقرآن يحدثنا عن السلام فيقول (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ) لا يهدي به البشر، يهدي به الله، الهداية من الله هداية حقيقية تتحقق حين يتعهد الله سبحانه وتعالى ويقول (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ) متى؟ حين يتّبع البشر هذا الكتاب العظيم يهدي به الله.
قال يُخرجهم، الإنسان لا يخرج بنفسه ولكن الرب سبحانه وتعالى هو الذي يُخرجه وكيف يُخرجه؟ يخرجه حين يلتزم ببنود ذلك العقد والميثاق يخرجه هو من الظلمات إلى النور وجاء بالظلمات جمعًا كعادة القرآن في حديثه عن الظلمات: ظلمات الجهل، ظلمات العداوة، ظلمات البغضاء، ظلمات التفرق، ظلمات القسوة، ظلمات الانحراف عن المنهج البشرية عرفت في تاريخها وتعرف في واقعها صنوفًا متنوعة من الظلمات لا صنفًا واحدا، البشرية أصبحت تتخبط في دياجير الظلمات على الرغم من كل أشكال الإضاءة التي أهدتها التكنولوجيا الحديثة للبشرية، كل أشكال الإضاءة لم تخلّص البشرية من دياجير الظلمات التي أصبحت اليوم تتخبط فيها، ظلمات الفقر، ظلمات المعاناة، ظلمات التهجير، ظلمات البؤس، ظلمات الشقاء، هذه الظلمات عقوبات طبيعية جدًا تتناسب مع تلك الجريمة، خالق خلقنا وأعطانا ورزقنا ووهبنا ثم بعد ذلك أعطانا ما تصلح به الحياة وتستقيم به المعيشة ولكننا تنكصنا وما أردنا أن نسير وفق ذلك المنهج الذي أعطى، تخبطنا في دياجير الظلمات، اتبعنا منهجا من هنا ومنهجا من هناكّ من الذي يُخرجنا؟
النور واحد نور القرآن نور الإيمان نور العقد الذي تدخل به مع الله سبحانه وتعالى حياة جديدة حياة تشعرك بذلك النور حياة النور الحقيقي النور الذي يبعدك عن التخبط يبعدك عن الشقاء يبعدك عن كل أشكال العقوبات المختلفة التي جاءت نتيجة لنقض ذلك الميثاق.
>>>>>>>>>>>>
الصدقة بافضل ما نمتلك
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)
موقف ربما يمر به الانسان أحيانًا دون أن ينتبه، قد لا تصل القضايا الى القتل ولكن تصل الى مستويات عالية من الحدّة. أولاد آدم كلاهما أُمر بالتزام معين: تقديم القربان طاعة لله سبحانه وتعالى، والطاعة أو الأمر الالهي لا بد أن يقوم به المؤمن وفق أكثر الأشياء التي يمكن والمستويات التي يمكن أن يقدمها من الإحسان والإتقان، وربي عز وجل قال في سورة الملك وفي سور أخرى (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) فالإنسان مطلوب منه في كل عمل يقدّمه، أن يقدمه لله سبحانه وتعالى صغيرًا كان أو كبيرًا، أن يتحرى جوانب الاحسان فيه إخلاص النية لله سبحانه وتعالى والصدق الذي هو واحد من مقاصد سورة المائدة
(هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)
ليس هناك التزام بمواثيق ووفاء بعقود دون ان يكون هناك صدق، والصدق أول ما يبدأ يبدأ في النيّة وفي القلب ثم يظهر على الأقوال والجوارح والأعمال المختلفة، فهذا الالتزام بالعقد والطاعة والاستجابة للأمر، والأمر الذي حدد ووجه لأولاد أدم عليه السلام كان يقتضي منهما الاخلاص والصدق في النية: التقوى، الأمر الذي يدفع بكل واحد منهما الى يبحث عن أفضل المستويات والإمكانيات في تقديم العمل، هذا قربان فعلى الانسان حين يقدم لله سبحانه وتعالى هذا القربان أو الأضحية أو ما شابه عليه أن يبحث عن أفضل الأشياء، وكذلك الأمر في الزكاة وكذلك في الصدقة (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)
هناك درجات في الانفاق، صحيح ربي سبحانه وتعالى ما أراد أن يكلف الانسان بشيء إلا في حدود إمكانياته وطاقته، فينفق من أوسط ماله حتى لا يصبح هناك نوع من أنواع الضرر، ولكن الايمان درجات ومنازل ومراتب والأعمال مراتب، فإذا ما حاول الانسان أن ينفق من أفضل ما عنده أفضل ممتلكاته أفضل شيء من أمواله، قطعًا هذه الدرجة لا يمكن أن تتساوى مع درجة أخرى أو تتكافئ من إنسان يبحث عن أقل شيء لأجل أن ينفقه، أقل المستويات، الفرق شاسع بينهما! ولذلك في سورة الحج ربي سبحانه وتعالى وقف بنا عند هذه القضية (يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) الأضاحي القرابين الصدقات الطاعات ربي سبحانه وتعالى لا يصله منها شيء، هو الخالق الغني الحميد، نحن الفقراء الى رحمته وقبول أعمالنا منه سبحانه أن نصل الى مرحلة القبول، هنا علينا أن نتحرى التقوى في الأعمال، وتحري التقوى يقتضي منا الصدق والاخلاص وتقديم الأفضل في كل ما نمتلك.
هذه المعادلة البسيطة ما حدثت بين أولاد آدم واحد منهما لم يقدم أفضل ما عنده والآخر تحرى الأفضل فقدمه فكانت النتيجة أن الله عز وجل تقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ذلك القربان. الطرف الذي لم يتقبل منه لم ينظر الى الإشكالية التي حصلت في فعله لم يرجع الى نفسه لم يراجع نفسه وحساباته المختلفة فيتوصل من خلال تلك المراجعة أنه قد أخطأ، والواجب من الإنسان حين يخطئ أن يتراجع ويتوب ويصحح الخطأ حتى تقبل منه التوبة، فعوضًا عن أن يتراجع ويتوب ويستغفر لذنبه ويبحث في موطن الخلل الذي جعل ذلك القربان غير مقبول عند الله سبحانه وتعالى، ترك كل هذا ونظر الى أخيه فقال
(لَأَقْتُلَنَّكَ)
وهذه قضية خطيرة جدًا تحدث في بعض الأحيان بين الناس في التنافس في مجالات العمل والأسرة والمجتمع والمجالات المختلفة. الانسان حين يرى شخصًا أفضل منه في أي مجال أو في أي ناحية من نواحي الحياة المطلوب منه لا أن يتوجه اليه بالحسد والرغبة في إسقاط ذلك الانسان والتوهم أنه يمكن أن يرتقي من خلال إسقاطه، بل عليه أن يتوجه الى نقاط الضعف في عمله ونقاط القوة في عمل الآخر فيستفيد منها
تدبروا معي نحن قلنا هنالك نماذج مختلفة للأخوّة، موسى وهارون عليهما السلام، وأولاد أدم، موسى وهارون جمع بينهما الحق والعقد، عقد الإيمان والوفاء به ولذلك اجتمعا على أي شيء؟؟
على التعاون والإيمان والبر بالمعروف والنهي عن المنكر، بينما أولاد آدم حين نقض واحد منهما العقد كان السبيل والتفرق والتمزق والصراع الموهوم المفتعل، صراع شيء يفتعله الانسان هو غير موجود في واقع الأمر، ولكن يصور للإنسان أو يهيأ له أنه سيفوز من خلال صراعه مع الآخر، الآخر الذي نجح في عمل لم ينجح هو فيه، هو فشل في ذلك القربان، فشل في الامتحان، فعوضًا ان يتعاون مع أخيه لإيجاد مواطن الخلل فيتعاون معه على البر والتقوى ولا يتعاون بطبيعة الحال على الإثم والعدوان، تصور أن قتل والتخلص من الطرف الآخر -من أخيه- سيحل الإشكالية تماماً، وهي قضية ندرك تمام خطورتها ليس فقط على الفرد كما جاء في هذه القصة وإنما خطورتها على المجتمع بأسره وعلى الأسرة، وهذه القضية الخطيرة نبهنا القرآن إليها كذلك في سورة يوسف، تدبر القرآن يعلمنا كيفية الربط بين القصص وبين الآيات وبين الأحداث وبين السور المختلفة
. سورة يوسف في قصة يوسف عليه السلام مع أخوته الموقف مشابه، الأخوة تصوروا أن إزاحة يوسف عليه السلام من الطريق سيجعل الأمور أسهل الى محبة والى طريق قلب أبيهم من أن يتعاونوا مع يوسف على أمر معين!
وهذه نقطة خطيرة جدًا نقطة عانى منها هنا ابن آدم (قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) أتخلص منك. وللأسف الشديد ونحن نتعلم من تدبرنا لكتاب الله سبحانه عدد مهول من المشاريع الناجحة اجتماعية وسياسية واقتصادية وتربوية سقطت وحطّمت من جذورها بسبب هذه القضية، القضية الخطيرة أن الإنسان يتوهم أن إزاحة الطرف الناجح من طريقه سيحقق له نجاحًا أو فوزًا أو انتصارًا، وهذا خطأ بالمئة مئة هذا لا يحقق الا مزيد من الفشل، عشرات مئات من المشاريع ومن القضايا المؤسسية في مجتمعاتنا وبلداننا تسقط بسبب عدم القدرة على التعاون وعدم القدرة على تشكيل فريق عمل، والقرآن في هذه السورة العظيمة وفي سورة يوسف ينبه الى أهمية تشكيل فرق العمل (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)
لماذا؟
التعاون على البر والتقوى ينجح المشاريع، ينجح قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينجح محاصرة الفساد والمفسدين وإقامة العدل والخير والإصلاح ولا يأتي المجتمع والفرد إلا بكل خير، التكاتف، التعاون تدبروا في واقعنا في عشرات المشاريع المختلفة التي أزاح رؤوس أو مدراء أو أشخاص أصحابهم الناجحين من طريقهم عوضًا عن أن يتعاونوا معهم خشية أن يأتي ذلك الطرف الناجح فيحل محله أو يأخذ مكانه أو يستولي على منصبه، وبذلك تضيع المؤسسة ويضيع المشروع وتنتهي القضية بأسرها لأجل ذلك التنافس، التنافس غير المشروع المذموم، القرآن يقدم لنا مصطلحًا للتنافس المشروع
(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)
ولكن التنافس الشريف المحمود الذي يدفع الى التعاون على البر والتقوى ولا يدفع الى الصراع ولا إلى الخصام ولا إلى الشقاق ولا إلى شق الصف والوحدة
تدبروا معي التصفية للطرف الآخر الناجح لا يمكن أن تأتي على الفرد بصلاح،خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين!.
وتدبروا معي كل أشكال التنافسات غير المشروعة المنافسات في واقعنا في أسرنا في مؤسساتنا لا تأتي بخير على أصحابها
(فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
خسارة وندم، والندم يقابله خطوة كان لا بد لابن آدم أن يقوم بها، الابن القاتل بدل أن يفكر بعملية القتل والتصفية: التوبة قبل فوات الأوان تصحيح الخطأ، الندم بعد أن يحدث الجرم ويفوت الأوان لأن التوبة لها أوان ووقت، ولذلك أمرنا أن نبادر بالتوبة وتصحيح الأخطاء طالما أن أنفاس الحياة تدخل وتخرج – وهذه نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى – علينا أن نبادر بالتوبة وتصحيح الأخطاء كلها ، أخطاء فردية أو مجتمعية أو على مستوى المؤسسي -كل الأخطاء- بادر بالتوبة، التوبة ليست مجرد تصحيح للعلاقة بينك وبين الله سبحانه وتعالى بل هذا جزء والجزء الآخر ما يتعلق بنفسك وحقوق الأخرين تصحيح تغيير المسار، وهذا ما فشل به ابن آدم فكانت النتيجة خسارة وندم، وهي عاقبة واضحة لكل إنسان ينقض الميثاق مع الله سبحانه وتعالى.
نحن في سفينة واحدة كما شبهها النبي صلّ الله عليه وسلم في بعض الأحاديث،
سفينة المجتمع وسفينة الإنسانية وسفينة العالم،
أخطاؤنا وسلبياتنا وسوء تصرفاتنا في بعض الأحيان إنما هي خروق في تلك السفينة، خروق نحدثها وكل خرق في تلك السفينة هو قطعًا يصب في عملية إغراقها عاجلًا أو آجلًا،
المطلوب منا في حياتنا أن نسد تلك الخروق أن نقوم بعملية الإصلاح.
تدبروا معي في الآية، آية سورة المائدة عرضت لنا أشكالًا من نقض المواثيق والعقود، وأعظم عقد بدأت به في بدايتها عقد الدين، عقد الايمان. ثم جاءت هذه القصة لتبين أن الحفاظ على النفس يأتي بالمرتبة التي تليها، حفاظ على الدين، على الايمان ثم الحفاظ على النفس البشرية. فإذا إنسان قتل إنسانًا نفسًا واحدة فكأنما قتل الناس جميعا ، لأن المسألة ليس مسألة عدد، المسالة هي مسألة اعتداء الإنسان على تلك الروح وحق الحياة الذي وهبه الله لإنسان آخر، فالذي وهب حق الحياة هو فقط سبحانه الذي يحدد كيف يؤخذ ذلك الحق، لا ينبغي لإنسان أن يعتدي عليه أبدا بغير نفس أو فساد في الأرض
ربي عز وجل في سورة البقرة – هكذا التدبر يعلمنا الربط- قال
حياة ونحن نعلم بأن القصاص أن يُقتل الانسان المجرم القاتل بسبب قتله لغيره فكيف يكون القصاص هنا حياة؟؟؟ حياة للمجتمع، حياة لعشرات الأرواح البريئة التي ستُحمى من خلال تنفيذ القصاص على المجرم القاتل الذي سفك الدم، ولذلك اليوم البشرية الأغلبية الصامتة على سفك الدماء على الاعتداء على الأرواح البريئة قتل الأطفال قتل الأبرياء قتل النساء قتل الرجال قتل المستضعفين، هذا الصمت العالمي سيدفع ثمنه جموع البشرية أجيال من البشرية
هذه الآية آية حد الحرابة لماذا جاءت هنا؟ – ولذلك تسمى الحرابة جزاء الذين يحاربون الله ورسوله – السؤال الذي يطرح نفسه على المتدبر هنا كيف يحارب الانسان الله ورسوله؟ هل يستطيع أحد أن يحارب بالله ورسوله؟!! كيف تكون محاربة الله ورسوله؟؟
تكون من خلال محاربة المنهج ومنازلته، محاربة القيم والمبادئ التي جاء بها الرسل والأنبياء ربي عز وجل شرّع، أمر، قال منذ بداية السور ة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) النفس البشرية حرمة النفس والحفاظ عليها هذا عقد بين الله وبين خلقه عليهم جميعًا أن يوفوا به بصيانته والحفاظ عليه والأخذ بقوة على كل من تطوع له نفسه أن يعتدي على تلك النفس البشرية ولذلك قال (يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا) منازلة القيم ونقض المواثيق والعقود والاعتداء على النفس البشرية هو مصب ومحط وبدايات الفساد في الأرض، هو البدايات مع الدين عقد الايمان بيننا وبين الله عز وجل وشكل من أشكاله وخطواته المتتابعة قضية قتل النفوس قتل النفس البشرية والاعتداء عليها. وقد يسأل سائل ولكن العقوبة شديدة ! أكيد، هذه العقوبة شديدة
عقوبة شديدة تتناسب تمامًا مع طبيعة الجُرم الذي أحدثوه مع طبيعة الخرق الواسع الذي أحدثوه في اغراق سفينة البشرية والمجتمع، الفساد حيت ينتشر وحين ترخص الدماء تصبح الدماء رخيصة فما الذي يعيد الأمور الى نصابها بعد ذلك؟!
المطلوب ايقاف الفساد والمفسدين وهذا عقد جديد يفرض على بقية أفراد المجتمع أفراد المجتمع الانساني الأسرة الانسانية الكبيرة، أنا لدي عدد من المفسدين عدد ممكن أن يكون محدودًا خمسة، عشرة، مئة، ألف، آلآف ولكن الاشكالية الخطيرة حين يترك هؤلاء المفسدون بالاستمرار في افسادهم في الأرض، اليوم نحن ننظر الى البشرية هل نتوقع أن معظم نفوس العالم البشر اليوم يقبلون بسفك الدماء البريئة؟! أبدًا! شعوب العالم أفراد العالم نحن وأنا وأنتم والناس أغلب الناس أيرضون بسفك الدماء؟ أيعجبهم مناظر تلك الأجساد والأشلاء المقطعة التي يرونها على شاشات التلفزة ليل نهار؟ أبدًا! أبدًا! إذن من الذي يحصل؟
الذي يحصل أن القلة المفسدة في الأرض التي تعيث في الأرض فسادًا ما أوقفت عند حدها، وهذا هو يأمر به القران. هذا عقد جديد التزام جديد أن يكون المجتمع الانساني على قدر المسؤولية، المجتمع العالمي على قدر الشعور بالمسؤولية فيوقف الفساد والمفسدين، هذه مسؤولية الجميع فاذا فشل فيها الناس كانت العقوبة عقوبة عامة كما سنأتي عليها. والعقوبة ليس بالضرورة فقط قضية قتل، لا، عقوبة المعاناة، المعاناة من شرور المفسدين، العالم اليوم كل العالم في الشرق وفي الغرب يعاني من الفساد والمفسدين، يعاني من أولئك الذين يقتلون ويسفكون ويهجّرون ويقطّعون، ولكن جزء من أسباب تلك المعاناة هو ذلك الصمت، تلك السلبية البشعة التي لا ينبغي للإنسان المؤمن الذي يدخل في عقد مع مع الله سبحانه وتعالى أن يقوم بها
ما العلاقة بين الكلام قبل قليل عن الفساد والتقوى وابتغوا اليه الوسيلة؟؟
أعظم طريق ووسيلة للتقرب الى الله عز وجل أن يكون الإنسان الصالح المؤمن عنصرًا فاعلا إيجابيا في ايقاف الفساد والمفسدين بكل ما أوتي من إمكانيات ومن قوة بحسب الإمكانيات التي بين يديه حتى ولو كانت تلك الامكانيات ممكن أن تكون في مستوى أن يرى شيئا في قارعة الطريق يؤذي الناس فيقوم بإزالتها.
لماذا اماطة الأذى عن الطريق صدقة؟
لأنها عملية، خطوة في وقف شكل من أشكال الفساد، رمي النفايات أو القاذورات في قارعة الطريق أو في طريق الناس ذلك المنظر أو المظهر غير الحضاري غير اللائق فساد في حقيقته فحتى لو كان المؤمن يفعل هذا الفعل المحدود هذا يعتبر صدقة وتقرب لله عز وجل، لأن المطلوب مني بموجب العقد والاتفاق بيني وبين الله سبحانه وتعالى أني لا أفسد في الأرض قال (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) ذكرت الملائكة من الإفساد في الأرض (يسفك الدماء) رغم أن أشكال الفساد كثيرة متنوعة لا تقف عند حد، ولكن ذكروا سفك الدماء لأنه واحد من أبشع أشكال الفساد،
مساهمة الانسان المؤمن بكلمة بقول، بفعل، بكل ما لديه من إمكانية لأجل أن يوقف الفساد إنما هو ابتغاء الوسيلة في التقرب لله سبحانه وتعالى ولذلك قال
(وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ)
جهاد بالكلمة جهاد بالتوعية جهاد بالفعل، كل الأشكال المختلفة المهم أن تسهم في إيقاف الفساد المهم أن لا تقف موقفًا سلبًيا المهم أن لا تعتقد ولو في قرارة نفسك أن الحياد أو الموقف الحيادي هو موقف إيجابي، لا عليك ان لا تقف ولا تأخذ موقف الحياد عليك أن تنكر المنكر وأن تعرف المعروف، أنكر المنكر، إنكارك للمنكر مساهمة في إيقافه مساهمة في وقفه عند حده ولكن الصمت والسكوت انما هو بطريقة أو بأخرى إسهام في نشر ذلك المنكر والفساد وهو بلاء أصيبت به البشرية في عصرنا الحاضر بلاء بشع ستعاني منه وتعاني منه هي اليوم الكثير من الأمراض والويلات
ولذلك ربي سبحانه وتعالى جاء في الآية وتدبروا معي الترابط
علينا أن نجاهد في سبيل الحفاظ على ذلك العقد والحفاظ على النفس البشرية ووقف الفساد بكل ما أوتينا من قوة بالكلمة وبالمال وبكل الأشكال، أن نبذل الكثير وأن نبذل كل ما نستطيع أن نبذل لإيقاف الفساد في الأرض
فاليوم يقبل منك القليل وغدا يوم القيامة لا يقبل من الإنسان ولو كان له ما في الأرض جميعا ، زمن الاختبار والابتلاء انتهى وهذا الربط الواضح بين الدنيا والأخرة مباشرة يوم القيامة القرآن يبين لنا هنا وواضح هذا المعنى، مستفاد منه أن عملية ووقت وزمن الاختبار في الدنيا زمن محدود، ابذل ما تستطيع قبل ان يفوت الأوان لتوقف الفساد والمفسدين.
سارق سرق مبلغا بسيطا ربع دينار أو شيء بسيط تقطع اليد، القرآن في تشريعاته والحدود التي يفرضها لا ينظر الى حجم الفعل أو حجم الفاسد ينظر الى ما يترتب عليك، قلنا قبل قليل (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) هو قتل نفس ولكن لأن الاعتداء على النفس وقع وعلى الروح البشرية الإنسانية، الحياة الانسانية التي هي مكرمة مصانة محرّمة في ذاتها فكأنما قتل كل البشرية، ولكن هو على وجه الحقيقة لم يقتل كل البشر هو قتل واحد، السارق نفس القضية المبلغ ممكن ان يكون بسيط محدود
اذا لماذا تقطه يده أنه سرق هذا المبلغ البسيط؟!
اعتداء على أموال الناس القضية هي قضية الاعتداء نقض العقد، لأن الانسان في عقد مع الله سبحانه وتعالى ان يحافظ على ماله وأموال الآخرين من أن تنتهك، أموال الاخرين لها حرمة كما أنك لا تقبل أن يعتدى على مالك عليك كذلك أن تحافظ في صيانة أموال الناس، أموال الناس محرّمة لا يجوز أن يعتدى عليها فقضية قطع اليد هنا ليس لأجل المبلغ هنا بقدر ما هي قضية الاعتداء على حرمة المال، أموال الناس وأعراض الناس وأنفس الناس مصانة،
ومرة أخرى نقول حين لا تطبق هذه الأشياء يا ترى ما الذي سوف يحدث؟
كل الانسانية تعاني من ويلات الاعتداء على الأموال الان في كل يوم لأن الفساد والمفسدين ما أوقفوا عند حدهم ولم يؤخذ على أيديهم من قبل المجتمع الإنساني، كانت النتيجة أن الإنسانية، كل الانسانية تعاني من جرائم هؤلاء حتى لو كان عددهم بسيط أو محدود، إشكالية خطيرة جدًا.
وأيضًا فتح باب التوبة عند قضية السرقة، التوبة التي تقدمها سورة المائدة هنا توبة ليست فقط توبة لأجل صلاح الفرد توبة شرعت للحفاظ على المجتمع، المجتمع يُسعَد ويتخلص من الآلام حين يكون هناك أصناف من المجرمين التائبين أجرم، أخطأ، تاب، إذن ما المطلوب من المجتمع ؟
المطلوب أن يساعد في إصلاحه ولذلك هناك مؤسسات “إصلاحيات” تعبير جميل جدا لأنه ينبغي أن تكون الاصلاحيات وأن تحاول الاسهام في إصلاح العناصر الفاسدة في المجتمع بكل الطرق، طرق التوعية طرق محاولات التأهيل من جديد إعادة التأهيل النفسي الأخلاقي الديني كل الأشكال، المجتمع بحاجة الى هذه المؤسسات ولذلك قال
التوبة مطلوبة وهذا تنبيه واضح في سورة المائدة تشريع هذا للمجتمع أن يقيم مؤسسات لأجل إصلاح المفسدين والمجرمين، لإيقاف حدود الشرور فيهم، المجتمع أنت لا تستطيع أن تتأكد أن المجتمع مئة في المئة أصبح صالحًا، لا بد أن يبقى به عناصر فاسدة مفسدة
ما المطلوب من المجتمع؟؟
المطلوب أن يسهم في إصلاح هذه العناصر حتى لا تأتي بالفساد على بقية أفراد المجتمع.
بتخليصه من كل أشكال وشوائب الانحرافات والكذب، الازدواجية والنفاق، يؤمن بشيء ويقول شيئا آخر، يدرك أن الحق في جانب معين ولكنه مع ذلك لا يلتزم تجاه ذلك الحق، إشكالية خطيرة جدًا!
تدبروا معي في أوصافهم قال
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ)
مرة ثانية والآية تنبه على خطورة الاستماع للكذب، الكذب للأسف الشديد تلك العملة التي باتت عملة رائجة الآن، هي عملة مزيفة، تدبروا معي
سورة المائدة من مقاصدها العظيمة الصدق
(هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)
ليس هناك وفاء بدون صدق، ونحن في عصرنا وزماننا هذا كم من الأكاذيب نسمعها ونمررها ونلتزم بالصمت حيال تلك الأكاذيب؟!
إشكالية خطيرة جدًا جدًا شكل من أشكال الفساد الذي ينبغي أن يوقف، وللأسف الشديد الكذب اليوم ما عاد كلمة فردية يقولها فرد لآخر وانتهى الموضوع، الكذب الآن أصبح على إشكاليات لأنه أصبح عاليما، كذبة واضحة ممكن يقولها إنسان فرد فتنتشر كانتشار النار في الهشيم، انتشار عالمي وسائل تواصل المختلفة وهناك من يسمع، هل من يسمع للكذب كذلك يشارك فيه؟
الذي يبدو أنه مشارك فيه لأنه بصمته وسكوته عن ذلك الكذب إنما هو يساهم في الترويج له بطريقة أو أخرى، إذن ما المطلوب؟
المطلوب إيقاف الكذب، توضيح الحق، بيان الحق هذا عقد هذا من الالتزامات المختلفة، الالتزامات أمام الله سبحانه وتعالى أن يكون الإنسان صادقًا مع نفسه صادقًا مع ربه صادقًا مع الاخرين ناشرًا للصدق مؤيدًا له داعيًا له وبعكسه سيكون الكذب، ونتيجة لترويج تلك العملة الزائفة عملة الكذب أصبحوا أكّالون للسحت الحرام
>>>>>>>>
انواع متعددة من اكل السحت
غالبية المسلمين إن لم نقل الغالبية العظمى من المسلمين في واقع الأمر لا يمكن أن يفكر على سبيل المثال في تناول لحم الخنزير أو الاقتراب منه مجرد اقتراب، في حين أنه رغم هذا الحرص الشديد الذي ينبغي أن يكون من عدم الاقتراب من الحرام أو لحم الخنزير أو ما شابه إلا أنه لا نجد في نفسه ذات الورع عندما يتعلق الأمر بالحرام المعنوي الأكل المعنوي اكل اموال الناس بالباطل الاختلاس رشوة، ممكن أن يكون أكل اموال اليتامى،
موارد الحرام كثيرة المال الحرام ولكن هذا الورع لا يشبه هذا!
وأحيانا نجد ورعًا شديدًا جدًا في ما يتعلق بالجانب الحسي في الحرص الشديد على تناول الطعام الحلال والتأكد من كل هذا، وهو أمر رائع ينبغي أن نحافظ عليه، يشكّل هوية الانسان المؤمن ولكن في ذات الوقت علينا أن لا يكون لدينا تلك الازدواجية التي حدثتنا سورة المائدة عن بعض أشكالها في جانب الذي أشعر أنه لا يمس أو يؤثر علي بشكل واضح أحرص أشد الحرص على الأكل الحلال، ولكن الجوانب التي يمكن أن يكون لها تأثير على مدخولي المادي لا، ممكن أن لا أوجهها بنفس الطريقة، هذه الازدواجية لا يقبل بها القرآن ولذلك الآيات الوحيدة التي جاءت في الحديث عن هذه القضية
(أكالون للسحت)
عليك أن تحذر من الوقوع في المال الحرام. وربما هناك بعض الأشياء التي قد لا ينتبه إليها بعض الناس،وهي ما يتعلق بساعات العمل
العمل أمانة والانسان حين يتقاضى أجرًا معينًا ماديًا مرتبًا تجاه أيّ عمل من الاعمال في مؤسسة في مدرسة في شركة في عمل في القطاع الخاص في العمل العام لا يفرق الأمر لا يختلف، لا بد أن نراعي جانب الأمانة بمعنى أنت تعطى هذا المال أو الأجر المادي مقابل عمل تقوم به عليك أن تقوم به وفق ما يرضى الله عز وجل وفق ما أمر الله عز وجل من أداء الأمانات والقيام بالحقوق والواجبات، ولا يغرّك أن الاخرين من حولك لا يهتمون ولا يعملون ولا يفعلون ويضيعون الوقت، نحن نحاسب أفرادًا، نحاسب على أعمالنا وتصرفاتنا نحن لا نحاسب على تصرفات الآخرين ولا على سلوكياتهم أنت تحاسب على عملك أنت وهذه إشكالية خطيرة، والبعض منا للأسف الشديد لا ينظر إلى هذا المدخول الدخل الذي يأتي إليه في كل شهر الأجر المادي المرتب مقابل هذا العمل لا ينظر إلى أنه إن لم يقم بالعمل، فالمال فيه شيء على الاقل شبهة من حرام، لا ينظر الى هذه القضية بهذا الشكل أبدًا
القرآن يعلمنا أن نتوخى الحذر الحلال يعلمنا الورع يعلمنا أن نبحث عن اللقمة الحلال فنحصل عليها لنا ولمن نعول. وفي نفس الوقت حتى في صدقاتنا ربي عز وجل لا يقبل إلا الطيب فلماذا أُدخل على نفسي وأسرتي وأولادي وأهلي شبهة من المال الحرام بتصرفات لا ينبغي أن أقوم بها
(فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ ) جاء بعض اليهود الى النبي صل الله عليه وسلم في المدينة لكي يحكم بينهم وهم عندهم الأحكام كلها كاملة في التوراة ولكن لماذا جاءوا اليه؟
جاؤوا إليه ليس لأجل أن ينفذوا الأوامر والأحكام، جاؤوا اليه لأجل أن يبحثوا عن الرخص والتسهيلات، شيء أسهل، شيء يوافق أهواء النفوس في بعض الأحيان، وهذا أيضا مدلف خطير يحذرنا منه القرآن في سؤالي عن الحكم الشرعي لأي قضية تعرض لي في حياتي علي أنا أن أتأكد من نفسي من نيتي في الصدق، أسأل عن الحكم لأجل الرخص والأسهل والأيسر أم لأجل ما يقربني الى الله أكثر؟أبحث عن شيء أخرج منه، رخصة لكي أتخلص من الحكم الشرعي أم أبحث عن ما يمكن أن يقربني الى الله سبحانه وتعالى؟
قضية في غاية الأهمية
والمطلوب في كل الأحوال سواء كان مع يهود أو مع غيرهم (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) القسط، العدل، الميزان، إعطاء كل ذي حق حقه الذي يستحق فعلًا.
ثم تدبروا معي في قوله عز وجل ليبين ويؤكد لنا حقيقة أن القرآن العظيم لا ينبغي أن ننظر اليه بنظرة تجزيئية نظرة تجزئ تأخذ منه ما يروق لها وتترك منه ما لا يروق لهواها أو ما لا يوافق هواها أو يخالف مزاجها، لا، (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ
الأحكام موجودة لماذا أعرضوا عنها؟ لأنهم يبحثون في الأحكام عن ما يوافق أهواءهم ويتركون ما يخالفها، مزلق خطير جدًا للأسف كذلك هو موجود في زماننا نبحث عن الأشياء التي تطيب لنا نرتاح إليها أما الاشياء التي تخالف هوانا وتخالف الشيء الذي نريد لا تروق لنا لأي سبب من الأسباب، في ذلك الوقت يكون الأمر مختلف تولّي أو إعراض، هذا أمر خطير! نفى صفة الإيمان قال (وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) إذن ما الايمان ؟ الايمان أن يصبح هواك تبعًا لما جاء به الله ورسوله تدبروا معي الإيمان أن يصبح هواي ومزاجي وفق ما جاء به الله سبحانه وتعالى وليس من قبيل تفسي لأن المشرّع هو الله وليس هوى النفس.
أعظم عائق يقف بين الإنسان وبين تطبيق منهج الله وشريعته في واقع الحياة الجري وراء أهواء الناس وتلبية رغباتهم وحظوظهم وما يرغبون وما يقولون.
تدبروا إعجاز لفظ القرآني
(وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا)
هل الآيات تباع وتشترى؟
هي ليست للبيع والشراء
إذن لماذا القرآن يعبر في أكثر من موضع في آياته بهذه اللفظة:
(يشترون بآيات الله ثمنا قليلا)؟ لماذا؟
إلأن الانسان حين يبيع هذه القيم والمبادئ في سبيل عرض من عرض الدنياوالزائلة الفانية إنما هو على وجه الحقيقة يبيع ويشتري، حين يخالف أمرا من أوامر الله عز وجل لإرضاء فلان من الناس أو لإرضاء شخص معين قوي أو ضعيف صاحب منصب أو ليس كذلك رئيس أو مرؤوس أو ما شابه هذا ما نسميه إلا أنه يشتري بآيات الله ثمنا قليلا؟!
يرضي الناس ولكنه يسخط الله سبحانه وتعالى، هذا بيع وشراء، الدين لا يُتاجر به، وفي الآية تحذير شديد لأولئك الذين حمِّلوا أمانة تعليم الناس العلماء علماء الدين الأحبار الربانيون علماء الدين في كل الأديان والشرائع وفي هذا الدين الاسلام، من أي شيء لا تبيع وتشتري بأحكام الله سبحانه وتعالى بمعنى آخر لا تشهد إلا بالحق، لكن أن تشهد لأجل أن تحصل على منصب أو مال أو بيت أو تحصل على أي شيء من عروض الدنيا الزائفة هذا شراء وبيع
(وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا)
تدبروا عظمة التناسب في كلمات القران!
الكلام عن الحكم ثم جاء بخشية الناس وجاء بالشراء بآيات الله ثمنًا قليلا لماذا؟
لأن هذين السببين أعظم الاسباب وراء عدم الحكم بما أنزل الله الخوف من الناس والبيع والشراء بآيات الله سبحانه وتعالى المتاجر بها لأجل عروض الدنيا الزائفة الزائلة الفانية التي لا قيمة لها، ما قيمة أن يبيع الانسان دينه حتى لو حيزت له الدنيا بأسرها؟؟ ما قيمة هذا؟ ما قيمة أن يخسر الانسان دينه؟ ما قيمة أن يخسر التزامه أمام الله عز وجل؟!
لأن الإيمان عقد ليس كلمة تقال باللسان، إنما تطبيق وتحكيم لأمر الله ومنهجه سواء خالف ما أريد أم لم يخاف سواء جاء وفق ما يرغب ويحبه الناس أو لا يرغبون فيه، أوامر الله وتشريعاته لا تخضع لأهواء وأمزجة الناس، قضية خطيرة جدًا!
ظلمٌ أن يؤمن الانسان بإله مالك الملك له ملك السماوات والأرض ولكنه لا ينفذ ما أمر به هذا الإله الخالق البارئ المصور الرحمن الرحيم لا ينفذ ما يؤمر به في واقعه ويجد له مشرّعًا آخر!!
ولن تكون هناك شريعة أخرى إلا شريعة الهوى ولذلك جاءت الآيات فتدبروا معي (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ)
بعض التفاصيل تختلف ما بين أحكام التوراة وما بين الانجيل وما بين القرآن ولكن أصول الشرائع واحدة وهذا القرآن جاء ليهيمن ويحكم وتختم بها الرسالات السماوية. قال
هناك تنافس مذموم وهناك تنافس محمود هنا سباق، سباق بأيّ شيء؟
بالخيرات، فيما آتاكم، بحسب إمكانياتك أنت لا تحاسب إلا على امكانياتك أنت فإذا كانت إمكانياتك محدودة ربي سبحانه وتعالى يحاسبك على قدر هذه الإمكانيات، فربي سبحانه وتعالى لا يحاسب على سبيل المثال الفقير على إنفاقه كما يحاسب المليونير أو الغني الذي يمتلك الاموال الطائله ؟
شريعة الهوى، اتباع الهوى أخطر شيء على النفوس البشرية، أخطر شيء على الفرد أن يتبع الإنسان شريعة هواه، هوى نفسه! ابن آدم لو أنه ما اتبع هوى نفسه فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من النادمين، نفسه سولت له زينت له الباطل حسد غيرة تصور توهم أنه إن أزاح الأخ عن الطريق هذا الأخ الصالح سيتقبل الله منه العمل وسيصبح من بعده صالحًا إلى اخره، نفس القضية التي وقع فيها كذلك إخوة يوسف نفس القضية التي يقع فيها الكثير من الذي يحكم بإزاحة الاخرين من الطريق عوضًا عن التعاون على البر والتقوى؟ من؟
هوى النفس.
أما شريعة الله سبحانه وتعالى والحكم بما أنزل الله فهو يقتضي أن نتعاون جميعًا على البر والتقوى وأن لا نتعاون على الإثم والعدوان، فارق شاسع!!