وصلنا إلى المحطة الأخيرة مع أسرار الفاتحة البديعة، التي نود لو لم ننتهي منها أبدًا ..
مع قول الله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ..} [الفاتحة: 7] فإن الإنسان إذا سلك الصراط المستقيم إلى ربِّه عزَّ وجلَّ، لابد أن يؤذى ويُعادى بسبب سلوكه طريق الحق .. ولذلك ذكر الله تعالى التواصي بالصبر لكل من سلك طريق الحق، في قوله تعالى {.. وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3] وإذا تسليت بذكر الذين أنعم الله عليهم بسلوك الصراط من قبلك، خفف ذلك عنك وحشة الطريق .. وقد علم الله تعالى أنك تحتاج إلى من يعينك على الهداية والحق، وأنك تحتاج إلى من تستأنس بهم .. فذكَّرك في الفاتحة بـــ {.. الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] .. وعلى رأسهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
فيتسلى قلبك وتهدأ نفسك ..
عندما تتذكر محن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، فيسلوا قلبك عمن يستهزأ بك بسبب تدينك وصلاتك .. وتتذكرين أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فتستأنسين بذكرهن عندما يستهزيء أحدهم بحجابك ..
————– وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتسلى بذكر الأنبيـــاء من قبله .. لذلك تجد القرآن الكريم عامرًا بقصص الأنبيــاء والمرسلين، قال تعالى {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ..} [هود: 120] .. وأمره بالاقتداء بهديهم، قال تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ..} [الأنعام: 90] وأنت أيضًا عليك أن تقتدي بالذين أنعم الله عليهم ..
فتقول في صلاتك {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (*) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ..} [الفاتحة: 6,7]
——-
وبعدها تقول {.. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] والمغضوب عليهم: هم الذين يعلمون الحق ولا يعملون به. أما الضالين: فهم الذين يعملون ولكن بلا علم.
ولن يضل ضال إلا بأحد هذين الأمرين أو اجتماعهما، فالإنسان إما أن يعلم الحق وإما أن لا يعلمه .. فإن علمه فإما أن يعمل به وإما أن لا يعمل .. وإن ابتعد عنك ذاك الضلال، ما بقي إلا أن ينعم الله عليك .. ومثال ذلك: شخص يعلم بوجوب الصلاة وكيفية أدائها، لكنه لا يصلي .. فهذا قد باء بغضب الله تعالى ..
وآخر يصلي، لكن يقع في أخطاء تُبطِل الصلاة لإنه لا يعلم الطريقة الصحيحة لأدائها .. فهذا قد ضلَّ عن الهدى .. لذا عليك أن تتعلم ظاهر الصلاة من الكيفية الصحيحة لأدائها .. وباطنها من الخشوع وأعمال القلب .. فتكمُل صلاتك وتكون من الذين أنعم الله عليهم،،
يقول النبي صلى الله عليه وسلم“إن اليهود مغضوب عليهم وإن النصارى ضُلَّال” [رواه الترمذي وحسنه الألباني] .. فهؤلاء يدخلون ضمن الآية؛ لأن اليهود يعلمون ولا يعملون بينما النصارى يعملون لكن على جهل.
———
لماذا أضاف الله سبحانه وتعالى النعمة إليه ولم يُضيف الغضب؟
أولاً: لأن النعمة هي الخير والفضل، أما الغضب فمن باب الانتقام والعدل .. فأضاف الله سبحانه وتعالى إلى نفسه أكمل الصفتين وهي صفة الرحمة؛ لأن رحمته سبقت غضبه سبحانه وتعالى. ثانيًا: أن الله سبحانه وتعالى وحده هو المُتسبب في حصول النعمة .. كما قال تعالى {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ..} [النحل: 53] .. فلا أحد يُنعم عليك سوى الله تعالى. أما إذا غَضِبَ الله عزَّ وجلَّ، فالجميع يغضب لغضبه .. فملائكته ورسله وأنبيائه وأولياؤه وأحبابه يغضبون لغضبه سبحانه.
ومن جماليـــات الفاتحـــة ..
أنها بدأت بالحمد:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .. فيقول الله تعالى: حمدني عبدي. ثم الثنــــاء:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .. فيقول الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي. والتمجيــد:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .. فيقول تعالى: مجدني عبدي. وبعد ذلك الدعـــاء:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} .. فيقول تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. وهذا من آداب الدعاء: فيُستحب للإنسان عند دعـــاء ربِّه أن يبدأ بالثنــــاء والتمجيد ثمَّ يسأل الله حاجته. فما أروع تنــــاسق آيــــــات الفاتحة ..
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ “إِذَا قَالَ الْإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ }، فَقُولُوا: آمِينَ. فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” [صحيح البخاري] وآمين تعني: اللهم استجب ..
فأنت حين تقول: آمين في الأرض، تقول الملائكة: آمين في السماء .. فإذا توافق قولك مع قول أحد الملائكة، غُفِرَت لك جميع ذنوبك .. فعليك أن تقولها وأنت مُستشعرٌ لمدى حـــاجتك .. فأنت تطلب من الله تعالى أن يهدك الصراط المستقيم، وهو أمرٌ عظيـــم وليس بهين يوم القيامة ..
ولا تقولها وأنت مُستغنٍ وغير مبالٍ هل يُستجاب لك أم لا .. فلو أن رجلٌ حُكِمَ عليه بالإعدام، ووقت تنفيذ الحُكم طُلِبَ منه أن يُكلم أوليـــاء القتيل ليعفو عنه .. فإن عفو عنه نجى، وإلا قُتِل .. هل سيكلمهم بلا مبالاة ولا يهتم إن استجابوا له أو لا؟! فما بــــالك وأنت تطلب العفو من ربِّ العالمين؟ فعليك أن تُظهر لله تعالى حاجتك، واعلم أنه لا يستجيب من قلبٍ غافلٍ لاهٍ ..
———–
ثم بعد ذلك تشرع في قراءة القرآن ..
وقد شُرِعَت قراءة القرآن في القيــام؛ لأنه أشرف الأذكار والقيـــام هو أشرف الهيئات ..
بينما قد نُهينا عن قراءته أثناء الركوع والسجود؛ عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم“ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا ..” [رواه مسلم]
يقول ابن القيم “ولما كان أشرف أذكار الصلاة: القرآن، شُرِعَ في أشرف أحوال الإنسان وهي هيئة القيام التي قد انتصب فيها قائمًا على أحسن هيئة” [شفاء العليل (24:46)]
———- والبعض يقرأ القرآن دون أن يستشعر معانيه أو يشعر بشيءٍ تجاهه، كأنه يقرأ صحيفة أو مجلة !
وهذا لا يصح مع كلام الله تعالى .. يقول ابن الجوزي “والله لو أن مؤمنًا عاقلاً قرأ سورة الحديد وآخر سورة الحشر وآية الكرسي وسورة الإخلاص بتفكير وتدبر، لتصدَّع من خشية الله قلبه وتحيَّر في عظمة الله لُبَّه” [التذكرة في الوعظ (1:73)].
يقول تعالى { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]
وأمرنا سبحانه وتعالى بترتيل القرآن .. {.. وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4]
———- وليس المهم الكم الذي تقرأه من الآيات، بل كيفية قرائتك لها ومدى تأثرك بها ..
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بآية واحدة، يظل يرددها طوال الليل .. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلمحتى أصبح بآية، والآية هي: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة: 118]. [رواه النسائي وابن ماجه وصححه الألباني]
يقول ابن القيم “إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وأَلْقِ سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه وإليه، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله” [الفوائد (1:1)]
وتذكَّر المفتـــاح السحري للخشوع في الصلاة: كَلِّم ربَّك .. خاطبه .. ناجي ربَّك .
لقد أعطانا الإمام ابن القيم القاعدة التي نستطيع استشعار آيـــات القرآن بها، حتى دون أن نقرأ التفسيـر ..
يقول “فتجذب قلبه وروحه إليه آيات المحبة والوداد، والآيات التى فيها الأَسماءُ والصفات، والآيات التى تعرَّف بها إلى عباده بآلائه وإنعامه عليهم وإِحسانه إِليهم، وتطيب له السير آيات الرجاءِ والرحمة وسعة البر والمغفرة، فتكون له بمنزلة الحادى الذى يطيب له السير ويهونه [عليه]، وتقلقه آيات الخوف والعدل والانتقام وإِحلال غضبه بالمعرضين عنه العادلين به غيره المائلين إلى سواه، فيجمعه عليه ويمنعه أن يشرد قلبه عنه” [طريق الهجرتين (23:54)].
1) فأنت تشعر بالحب .. عند مرورك بآيـــات الأسماء والصفات والتي تتحدث عن الذات الإلهية وإنعام الله عزَّ وجلَّ عليك .. فينشرح صدرك بالمحبة، لعل الله تعالى أن يحبك. 2) وتشعر بطيب القلب والسعادة والراحة .. عند مرورك بآيـــات الرحمة والمغفرة. 3) وتشعر بالخوف والقلق، وينجذب قلبك للقرآن فلا تشرد عنه .. عند مرورك بالآيات التي فيها ذكر الخوف والعدل والانتقام من الأمم السابقة. فتعيش بين الحب والخوف الرجـــــاء ..
يقول ابن القيم “فتأَمَّل هذه الثلاثة وتفقه فيها، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله” [طريق الهجرتين (23:54)] هكذا ينبغي أن تكون علاقتك بالقرآن العظيم وليس كما نرى أحيانًا أن الإمام يقرأ آيــــــات في وصف الجنة والنار، والمصلي يُفكر في الطعام والشراب!!
قال تعالى {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21] نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإيــــاكم الخشية،،
أجمل ركـــوع
إننا عندما نصلي في الأرض يرانا الله سبحـــانه وتعالى من فوق سبع سماوات، فعلينا أن نحرص على تأديـــة الصلاة على أجمل وجه أمام ربِّ العالمين؛ لأنه سبحـــانه جميــــل يُحب الجمـــال ..
وأجمل صلاة في الدنيــــا هي صلاة نبينــا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ الذي كان يحرص على جمال باطنه وظـــاهره أثنـــاء الصلاة .. فكيـــف نركع ركوعًا جميلاً كركوع النبي صلى الله عليه وسلم؟
أولاً: لا تتعجــل في إنــزال يديـــك .. بل انتظر حتى تفرُغ من القراءة ثم ترفع يديك وتُكَبِّر، وبعدها أنزِل يديــــك إلى ركبتيـــك .. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فَرُغ من القراءة سكت سكتة خفيفة وبعدها يرفع يديه للتكبيـــر. ثانيـــًا: التكبيـــر يكون في طريقك إلى الركوع .. أي أثنــاء نزولك للركوع، وليس قبله أو بعده. والتكبيـــرات بين حركـــات الصلاة بمثابـــةالتنبيــة ..
فشرع الله عزَّ وجلَّ لنا بين كل حركة من حركــات الصلاة تكبيـــر؛ لكي ننتبه ونُفيــق من الغفلة وشــرود الذهن ..
فالله أكبـــر من كل ما تُفَكِر فيــه،،
——— ثالثًا: رفع اليديـــن يكون إلى المنكبين أو إلى فروع الأذنين .. كشأن تكبيــرة الإحرام. رابعًا: وضع اليديـــن على الركبتيــن مع التفريج بين الأصابــع .. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُمكِّن يديـــه من ركبتيه كأنه قابضٌ عليهما ويُفرج بين الأصابع، فهذا أدعى لحصول الظهر على وضعه الصحيح .. ومن الخطأ أن تضع أطراف أصابعك فقط على الركبة.
———— خامسًا: المجافــاة بين المرفقين والجســد .. فتجعل مسافة بين مرفقيك وجسدك، ولا تلصقهما ببعض. سادسًا: بســط الظهر وتسويتــه أثنــاء الركوع .. حتى لو صُب الماء على ظهره لاستقر عليه. سابعًا: جعل الرأس في مستوى الظهــر .. فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع رأسه عن مستوى ظهره أثنــاء الركوع ولا يُخفِضها عنه. وعليك أن تمكث راكعًا حتى يأخذ كل عضوٍ مأخذه ولا تتعجَّل في الرفع من الركوع،، أتدري ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلمعندما رأى رجلاً لا يُتِم ركوعه ويتعجَّل في صلاته؟!
تابعوا الإجـــابة في المقالة القادمة إن شاء الله تعالى،
الكثير من النــاس يتعجلون في صلاتهم؛ يؤدونها بسرعة شديدة جدًا كأنها تمرينٌ رياضي .. يسرقون من حركاتها ولا يتمون ركوعها أو سجودهــا .. تُرى لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتهم، ماذا سيقول عنها؟! عن أبي عبد الله الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لا يتم ركوعه وينقر في سجوده وهو يصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لو مات هذا على حاله هذه مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم “، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مثل الذي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده، مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين لا تغنيان عنه شيئًا” [رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (528)] فإذا كنت تشعر بشدة الجوع، ثم أكلت تمرة أو تمرتين .. هل ستشبع حينها؟!
———–
وأنت في شدة العطش لقطرة من راحة البــال في ظل هموم الدنيـــا وضيقها .. دارٌ متى ما أضْحَكَتْ في يومِها *** أبْكَتْ غداً تبًا لهـا مـنْ دارِ طُبِعَـتْ علـى كَــدَرٍ وأنــت تريـدهـا *** صـفــواً مـــن الأقـــذاءِ والأكـــدارِ ومـكـلِّـفُ الأيَّـــامِ ضــــدَّ طـبـاعـهـا ***متطـلِّـبٌ فــي الـمــاءِ جَـــذوةَ نـــارِ وإذا رجـــوتَ المسـتـحـيـلَ فـإنَّـمــا *** تبـنـي الـرجـاءَ عـلـى شفـيـرٍ هـــارِ
————–
ولن يُخفف عنك آلام الدنيـــا إلا الصلاة .. فلماذا تسرق من ركوعك وسجودك؟! عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته”. قالوا: يا رسول الله، وكيف يسرق من صلاته؟، قال “لا يتم ركوعها ولا سجودها” [رواه أحمد وصححه الألباني، مشكاة المصابيح (885)]
————–
تخيَّل لو أنك أهديــت صلاتك لأحد البشر .. هل يقبلها منك على ما تسرقه منها؟ فما بــــالك وأنت تُقدِّم صــلاتك لربِّ البــشر ؟! أعظم من تُنـــاجي في هذا الكون بأسرِه .. فلابد أن تُقدِّم صلاة تليـــق بالله عزَّ وجلَّ ..
كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل ركوعه وقيــامه من الركوع وسجوده وجلسته بين السجدتين قريبًا من السواء .. فإذا كان قيامه يستغرق خمس دقائق أو أكثر، فإن ركوعه وسجوده يستغرق قريبًا من هذا الوقت .. فمَنْ منا يركع لمدة دقيقتين فضلاً عن خمس دقائق؟! اشبــــع من الركـــوع؛ فإن له طعمٌ وجمالٌ خــــاص،،
————
تذوَّق جمـــال الركوع
ومما يُعينك على تذوق جمـــال الركـــوع أن تتدبَّر في معانى الأذكــار الواردة فيه .. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أذكار للركوع، كان يقول كل ذكرٍ منها على حِدة ولم يكن يجمع بينهم .. منها: 1) سبحــــان ربِّي العظيــــم .. عن حذيفة رضي الله عنه: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم .. [رواه الترمذي وصححه الألباني (262)] .. يكررها ثلاث مرات، وأحيانًا يكررها أكثر من ذلك.
ومعنى التسبيــــح: التنزيــــه .. أي أن أُبعِد عن الله عزَّ وجلَّ كل ما لا ينبغي أَن يوصف به؛ ولذلك ورد التسبيح في القرآن عند ذكر ما لا يليق نسبته إلى الله جلَّ وعلا .. مثل قوله تعالى {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنعام: 100]، وقوله جلَّ وعلا {.. وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] وتقول: سُبْحَانَ رَبِّي .. بدلاً من قول: سبحــان الربِّ؛ لأن الإضافة فيها مزيدٌ من المحبة والمشاعر .. حتى يستشعر الإنسان قُربه من الله عزَّ وجلَّ بهذه الكلمات ذات المدلول العظيم. ——— 2) سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ .. عن عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ. [صحيح مسلم (752)] سُبُّوحٌ: صيغة مبالغة من سبحان، وهو تنزيه الله عزَّ وجلَّ عن كل نقص .. قُدُّوسٌ: أي طاهر، فالقداسة هي الطاهرة .. وَالرُّوحِ: قيل مَلَكٌ عظيم، وقيل يحتمل أن يكون جبريل عليه السلام، وقيل خلقٌ لا تراه الملائكة كما لا نرى نحن الملائكة والله سبحانه وتعالى أعلم. 3) سبحان ربي العظيم وبحمده .. ثلاثًا. [صححه الألباني، صفة الصلاة (1:133)] ———– 4) سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي .. كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع هذا الذكر بعد نزول سورة النصر، يتأول القرآن. والتسبيح .. دائمًا يرد في الركوع والسجود؛ لأنه تنزيهٌ وبراءةٌ لله عزَّ وجلَّ من كل نقصٍ .. أما وبحمدك .. أي: إنما سَبَحْتُكَ بتوفيقٍ منك لي، وهدايةٌ وفضلٌ عليَّ .. وإلا فأنا وحدي بدون توفيقك، ليس لي قدرة على عبادتك .. فهذا فيه شكرٌ لله تعالى على هذه النعمة، والاعتراف والتفويض لله تبــارك وتعالى. هذا بعضٌ من الجمال الظــاهر الذي في الركوع .. أما جماله الباطني ..
فتابعونا في المقالة القادمة إن شاء الله تعالى؛ لنستشعر جمال الركـــوع بقلوبنــا،،