منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   لغتنا العربية (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   سلسلة كلمات في القرآن الكريم / الدكتور عثمان قدري مكانسي​ (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=126269)

امانى يسرى محمد 04-10-2020 09:06 PM

سلسلة كلمات في القرآن الكريم / الدكتور عثمان قدري مكانسي​
 
كثيراً ما أقف معجباً ومتذوقاً – والتذوق نتيجة الإعجاب – كلمات في القرآن الكريم ، لها وقع معنوي ولفظي يأسر الألباب ويتملك العقول . إن شئت قلتَ : هي عطر يتعشق الحواس ، أو قلت : روض يأخذ بالأبصار ، أو قلتَ: موسيقا تحرك العواطف ، أو قلت : هي هذه وتلكُما وأولئك . وحق لها أن تشمل كل ما ذكرت ، فهي كلمات المليك العليم العلاّم سبحانه

ونقف في هذه السويعة في حضرة كلمات قوية الجرس سريعة الحركة :

{ اثَّاقَلْتُمْ } :
في قوله تعالى في سورة التوبة :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)}
وأصلها " تثاقل " على وزن " تفاعل " , أُدْغِمَتْ التاء فِي الثاء لِقربِهَا مِنهَا , وَاحتَاجَتْ إِلَى أَلف الْوَصْل لِتَصِل إِلَى النّطق بالسّاكِنِ .

إن الوزن " تفاعل " في الفعل " تثاقل " يفيد المشاركة والتتابع وتوسّط الحركة ، أما " اثاقل" فيفيد سرعة الهبوط إلى الأرض الدالة َعلى شدّة الخوف من الموت والرغبة في الركون إلى الدنيا، وكأن جاذبية الآرض تشدهم أن يلتصقوا بها ، وكأننا نسمع صوت ارتطام الأَعجاز بالأرض . إنه تعبير تصويري جليّ للنفوس الهالعة الخائفة من القتال ، المتمسكة بحطام الدنيا !! فكانت صورة الفعل هكذا أقوى في تصوير التصاقهم بالحياة الفانية من الفعل " تثاقل "

وَكَانَتْ تَبُوك - وَدَعَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّاس إِلَيهَا لحرب الروم - فِي حَرَارَة الْقَيْظ وَطِيب الثمَار وَبَرْد الظلال ، فَاسْتَوْلَى عَلَى النَّاس الْكَسَل ،فَتقَاعَدُوا وَتَثاقَلوا ، فَوَبَّخَهُم اللَّه بِقَوله هذا ، وَعَابَ عَلَيهِمْ الإيثار لِلدّنْيَا عَلَى الآخِرَة . مع أنه لاتُنال راحة اللآخرة إلا بنصَب الدنيا ، وما عِظَم الآخرة على الدنيا إلا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " مَا الدُّنيا فِي الآخِرَة إِلآ كَمَا يَجْعَل أَحَدكُمْ أُصْبُعه هَذِهِ فِي الْيَمّ فَلِيَنْظُر بِمَا تَرْجِع ؟ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ " .

وعَن أَبِي عثْمَان قَالَ : قُلْت يَا أَبَا هُرَيْرَة سَمِعْت مِنْ إِخوَانِي بِالْبَصْرَةِ أنك تَقُول : سَمِعْت نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقول إِنَّ اللَّه يَجْزي بِالْحَسَنَةِ أَلفَ أَلف ِحَسَنَة
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : بَلْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقول :
" إِنَّ اللَّه يَجْزِي بِالْحَسَنَة أَلْفَيْ أَلْف ِحَسَنَة " ثُمَّ تلا هَذِهِ الآية :
{ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ } فَالدنيا مَا مَضَى مِنهَا وَمَا بَقِيَ مِنْهَا عِند اللَّه قَلِيل . وَقَالَ الثوريّ عَنْ الأعمش فِي الآية : { فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ } هي كَزَادِ الرَّاكِب .

وَقَالَ عَبْد العَزِيز بْن أَبِي حَازِم عَنْ أَبِيهِ لَمَّا حَضَرَتْ عبدَ الْعَزِيز بْن مروَان الْوَفَاة قَالَ : ائتوني بِكَفنِي الَّذِي أُكفن فِيهِ أَنْظر إِلَيْهِ ، فَلَمَّا وُضِعَ بَيْن يَدَيهِ نَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ : أَمَا لِي مِنْ كَبِير مَا أُخَلِّف مِنْ الدُّنْيَا إلا هذا ؟ ثم ولّى ظَهْره فَبَكَى وهو يَقول أُفّ لَك مِنْ دَار إِنْ كَانَ كَثِيرك لَقَلِيل ، وَإِنْ كَانَ طويلُك لَقَصِير وَإِنْ كنا منكِ لفي غرور .


...........



{ ادَّارَكُوا } :
قال تعالى في سورة الأعراف :
{ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ (38)} .

فالأولون هم المتبوعون ، والآخِرون هم التابعون ، ودخل المتبوعون ـ السادة والقادة - النارَ أوّلاً لأنهم أشد جُرماً وتبعهم جنودهم وأُجراؤهم الذين كانوا يُطيعونهم ويأتمرون بأمرهم بعدهم ، وعذاب السادة أشد لقوله تعالى:
{ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ وأثقالاً مَعَ أَثْقَالهمْ ... (13)}(العنكبوت وَقَوْله سبحانه :
{ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)}(النحل)

والأصل " تداركوا " أنْ تبعَ بعضهم بعضاً " أما { ادَّارَكُوا } فقد أعطت مع التتابع السرعة في الوصول وكأن بعضهم يزحم بعضاً ، وهو تصوير بديع لسرعة دخولهم النار وانحشارهم فيها – والعياذ بالله من هذا المصير المخيف – فما إن يستقرون في العذاب حتى تظهر الشحناء والبغضاء ، وتتعالى الاتهامات وتشتد العداوة وترتفع الأصوات ويجأر الضعفاء بالشكوى والكبراء بالرد ، فإذا هم أعداء متخاصمون أشد الخصام ، متساوون في العذاب . ولا ننس أن االفعل يشير - كذلك - إلى دركات جهنم تُؤصد عليهم فيُحبسون فيها .



...........


{ادَّارَكَ } :
قال تعالى في سورة النمل الآية السادسة والستين :
{ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا ۖ بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ }

وأصل الفعل " تدارك " ثم حذفت التاء وقلبت التاء دال وأدغمت في أختها . والمعنى أنهم لم يدركوا الحقيقة إلا في الآخرة حين عاينوها ، فلم ينفعهم علمهم هذا إذ الآخرة دار حساب ، وقد كانوا في الدنيا مكذبين . وهذا الإسراع في معرفة الحقيقة لا يدل على رغبة في أن يعلموه إلا أنه أمر اضطروا إليه اضطراراً حين اصطدموا بالواقع المرير الذي وقعوا فيه فجأة ، فرأوا أنفسهم يعاينون ما كذّبوه في الدنيا ، ولا فكاك عنه أبداً .
وقيل: إن { ادَّارَكَ } هنا بمعنى ضلوا وغاب عنهم في الدنيا علم الآخرة فأنكروها . يدل على ذلك مجيء كلمة { عَمُون } بعدها .. وإنكار الكافرين حقيقة اليوم الآخر رد انفعالي سريع يدل على عدم التفكير والروية في اتخاذ القرار ، إنهم – ابتداء- يرفضون ترك آلهتهم ، فيأتي هذا الوزن للفعل يدل على عدم التفكير المنطقي وعلى الجنوح إلى الأهواء والرغبات .



,,,,,,,,,,,,,,,,,




{ فَادَّارَأْتُمْ } :
قال تعالى في سورة البقرة الآية الثانية والسبعين :
{ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّـهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ }
فقد قتل من بني إسرائيل صبي ، فاتهَمَ بعضهم بعضاً وتخاصموا . والدريئة ما يختبئ الإنسان وراءها مدافعاً عن نفسه ومهاجماً غيره . والأصل" تدارأتم ، تفاعلتم " لكن حين يتقاذف الناس الاتهامات تقلب التاء دالاً وتدغم بأختها ،وتحتاج همزةَ وصل فتصير " ادّارأتم ، ويحاول من يُشار إليه بالبنان أن ينفي عنه التهمة بالإسراع باتهام غيره دون دليل ومنازعته . فأَصِخِ السمعَ ، وارْنُ ببصرك إليهم وهم يتراشقون التهم دون جزافاً ،همّ كل منهم أن يسلم برأسه وينجو من العقاب .
كما أن الدرء : العِوَج ، وهو يوحي بأن الظلم أعوج ، وما يسلكه إلا المبطلون ، ولا بد من ظهور الحق الذي يفضح الظالمين .

ومما يوضح معنى الاختلاف والمنازعة في الفعل " ادّارأ " ما رواه السائب , قَالَ : جَاءَنِي عُثمَان وَزُهَيْر ابْنَا أُمَيَّة , فَاسْتَأْذنا لِي عَلَى رَسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ رَسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" أَنَا أَعْلَم بِهِ مِنْكُمَا , أَلَمْ تَكُنْ شَرِيكِي فِي الْجَاهِلِيَّة ؟ "
قُلْت : بلى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي , فَنِعْمَ الشَّرِيك كُنْت لا تُمَارِي ولا تُدَارِي " يَعْنِي بِقَوْلِهِ : لا تُدَارِي – بتسهيل الهمزة - : لا تُخَالِف رَفِيقك وشَرِيكك وَلا تُنَازعهُ وَلا تُشَارِهِ .

كما أن من معاني " المدارأة " المدافعة . فقد قال تعالى في سورة النور :
{ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّـهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّـهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} والمعنى : ويدفع عنها العذابَ ...



يتبع

امانى يسرى محمد 07-10-2020 08:48 PM

رد: سلسلة كلمات في القرآن الكريم / الدكتور عثمان قدري مكانسي​
 
{ اطَّيَّرْنَا } :
قال تعالى في سورة النمل ، الآية السابعة والأربعين :
{ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ ۚ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّـهِ ۖ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ }
وأصلها " تطيّر " على وزن " تفعل " فقلبت التاء طاء وأُدغمت في أختها ، وزيدت همزة الوصل .. وتفيد " اطّيّر" الشؤم بانفعال وسرعة يدلان على النزق والجهل ، ، إن من يتطير مريض النفس قليل العقل أصلاً ، فكيف إذا اطيّر " إنه يكون أكثر سفهاً وطيشاً . ولا شيْء أَضَرّ بِالرَّأْيِ ولا أَفْسَد لِلتَّدْبِير مِنْ اِعْتِقَاد الطِّيَرَة . وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ خُوَار بَقَرَة أَوْ نَعِيق غُرَاب يَرُدّ قَضَاء , أَوْ يَدْفَع مَقْدُورًا فَقَدْ جَهِلَ . وَقَالَ الشَّاعِر :


طِيرَة الدَّهْرلا تَرُدّ قَضَاء * فَاعْذُرِ الدَّهْر لا تَشُبْهُ بلَومِ
أَيّ يَوْم يَخُصّهُ بِسُـعُودٍ * وَالْمَنَايَا يَنْزِلْنَ فِي كُلّ يَوْم
لَيْسَ يَوْم إلا وَفِيهِ سُعُود * وَنُحُوس تَجْرِي لِقَوْمٍ فقَوْم


وَقَدْ كَانَتْ الْعَرَب أَكْثَر النَّاس طِيَرَة , وَكَانَتْ إِذَا أَرَادَتْ سَفَرًا نَفّرَتْ طَائِرًا , فَإِذَا طَارَ يَمْنَة سَارَتْ وَتَيَمَّنَتْ , وَإِنْ طَارَ شِمَالاً رَجَعَتْ وَتَشَاءَمَتْ , فَنَهَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ :
( أَقِرُّوا الطَّيْر عَلَى وَكْنَاتهَا )
والفرْق بَيْن الْفَأْل وَالطِّيَرَة أَنَّ الْفأْل إِنَّمَا هُوَ مِنْ طَريق حُسْن الظَّنّ بِاَللّهِ , وَالطِّيَرَة إِنَّمَا هِيَ مِنْ طَرِيق الاتكال عَلَى شيء سِوَاهُ ,
وَقَالَ الآصْمَعِيّ : سَأَلْت ابن عَون عن الْفأْل فقالَ : هُوَ أَن يَكُون مَرِيضًا فَيَسْمَع يَا سَالِم , أَوْ يَكُون بَاغِيًا فَيَسْمَع يَا وَاجد
وَفِي صَحِيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقول :
( لا طِيَرَة ، وَخَيْرهَا الْفَأْل ) ,
قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه وَمَا الْفأْل ؟
قَالَ : ( الْكَلِمَة الصَّالِحَة يَسْمَعهَا أَحَدكُمْ ) ,
و رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّردَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّمَا الْعِلْم بِالتَّعَلُّمِ وَالْحِلْم بِالتَّحَلُّمِ , وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخير يُعْطَهُ , وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرّ يُوقَهُ , وثلاثة لاينالون الدرجات العلا ; مَنْ تَكَهَّنَ أَوْ اِسْتَقْسَمَ أَوْ رَجَعَ مِنْ سفر مِنْ طِيَرَة .


>>>>>>>>


{ وَازَّيَّنَتْ } :
قال تعالى في سورة يونس الآية الرابعة والعشرين :
{ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }
والفعل" ازّيّن " من " تزيّن " حيث قلبت التاء زيناً وأدغمت في أختها واحتاج الفعل همزة وصل . وفي معنى ازّينت كثرة الزينة ووفرتها من غلة وزرع وخضرة وأزهار وخير كثير يملأ الأرض فيعجب أهلها ثم يذهب سريعاً كما جاء حين يريد الله تعالى ذلك . واقتران الزينة بالزخرف - وهو اللذي لا يدوم – دليل على تفاهتها ، إذ كل شيء مهما كثر وغلا إذا لم يستمر زخرفٌ فانٍ . وقد جاء في الحديث:
( يُؤْتَى بِأَنْعَم أَهْل الدُّنْيَا فَيُغْمَس فِي النَّار غَمْسَة فَيُقَال لَهُ هَلْ رَأَيْت خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِك نَعِيم قَطُّ ؟ فَيَقُول لا وَيُؤْتَى بِأَشَدّ النَّاس عَذَابًا فِي الدُّنْيَا فَيُغْمَس فِي النَّعِيم غَمْسَة ثُمَّ يُقَال لَهُ هَلْ رَأَيْت بُؤْسًا قَطُّ ؟ فَيَقُول لا ) .
إن النعيم الدائم هو الحيوان لو كنا نعلم :


فما من عاقل يرضى زوالاً * بباقية ! فذاك من المحـال
ومن يشري خلوداً من فناء * لعمر الله ، ذاك من الخبال​



>>>>>>>>>>


{ يَهِدّي } :
قال تعالى في سورة يونس الآية الخامسة والثلاثين :
{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّـهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }
أصلها : يهتدي " يفتعل " ثم قلبت التاء دالاً وأدغمت في إختها ، وحركت الهاء بالكسر تبعاً لحركة الداء المكسورة المشددة .

توحي إليّ هذه الكلمة { يَهِدّي } بانفلات كابح العربة في طريق نازل تكاد تهوي بمن تحمله في أعماق الوادي ، أو بالناقة التي تسير على غير هدى بعد أن فقدت صاحبها ، أو بمن يتعاطى التجارة وهو لا يحسنها فتكاد حيتان السوق تبتلعه ... يجمع هذه الصور الثلاث انفلات راعن وسفه مدمر ...... وصور أخرى لعربة متينة يقودها سائق ماهر، أو ناقة تسير في القافلة إلى الهدف المنشود آمنة ، أو تاجر صدوق عالم بأصول التجارة .. أمن وأمان وهدى ورشاد .

لا شك أن الله تعالى الذي خلق الكون فأبدعه ، وخلق الإنسان وشرع له طريق النجاة وسبيل السعادة أحق أن نلزم نهجه فهو الخالق العالم ببواطن الأمور وظواهرها فمن أسلم قياده له سبحانه نجا وأفلح ، ومن اتبع هواه ضاع وتبّر


اشـهدْ لـذات الله بالتوحيـد * واترك مقالـة فاسـق زنديـق
واعلم بأن الكون من صنع الذي * إن قال كن فالقـول في التحقيق
ولمن يؤوب الحـر إن حاقت به * محن الحياة فعـاش في تضييق
ألمثله يأوي تـرى أم يرتجـي * ربّ البريـة خالصَ التوفيـق
فمن العبيـد ترى صنوف مذلة * ومن العزيز كرامة الصدّيـق





امانى يسرى محمد 12-10-2020 11:57 AM

رد: سلسلة كلمات في القرآن الكريم / الدكتور عثمان قدري مكانسي​
 
{ الْبُشْرَىٰ }
في لسان العرب : " من أحب القرآنَ فـَلْيـَبْشَر: أي فليفرحْ ولـْيـُسَرّ . أراد أن محبة القرآن دليل على محْض الإيمان " " وبشّرَه : فرّحه " . وفي معجم الصحاح " البشارة المطلقة لا تكون إلا بالخير ، وإنما تكون بالشر إذا كانت مقيدة كقوله تعالى : فبشرهم بعذاب أليم ." وفي القاموس المحيط " البُشرى ما يناله المُبَشـِّر " .

- لا يُذكر البشير – عادة – إلا ويذكر في المقابل النذير كما في قوله تعالى في سورة الفرقان الآية 56 وفي سورة الإسراء الآية 105 باللفظ نفسه مخاطباً نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام :
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } .

- بشر الله تعالى المؤمنين في القرآن الكريم بإيمانهم وتقواهم ، وجعل رضاه سبحانه ، والجنة جزاءهم ، وصرح بوجود الأنهار والرزق الوافر المتعدد والزوجات الطاهرات مع الخلود في هذه الجنان ، فقال – سبحانه - في الآية 25 من سورة البقرة :
{ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَـٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
وهذه البشرى تكررت في القرآن الكريم عشرات المرات .

- ونجد من أنواع المؤمنين الذين نالتهم البشرى في القرآن الكريم :
أ- الصابرين على السراء والضراء :
منحهم الله تعالى الرحمة والبركات وختم لهم بالهداية ، فقال في سورة البقرة :
{ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿155﴾ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿156﴾ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴿157﴾} .

ب- المخبتين :
وهم المطمئمون إلى الله المتواضعون له فوصفهم بأنهم يهابونه ويحبونه ، ويصبرون على ما ابتلاهم به ، ويقيمون الصلاة ويكثرون الإنفاق من مال الله الذي في أيديهم . فقال في سورة الحج :
{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴿34﴾ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35)} .

ج- المحسنين :
وهم أهل التقوى الذين يعبدون الله كأنهم يرونه فقال تعالى في سورة الحج :
{ ... وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)} ، وقال سبحانه في سورة الأحقاف :
{ ... وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ (12)} كما صرح المولى تعالى في آيات كثيرة :
{ وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }
{ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
{ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }
{ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّـهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } .

د- عبادَ الله :
وهم الواعون لما يُتلى عليهم ، يفهمونه ويعملون به ، فكانوا مهتدين لأنهم أصحاب العقول والأفهام ، يقول تعالى في سورة الزمر الآية 17 :
{ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّـهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴿17﴾ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿18﴾} .
ويقول الله تعالى في أول سورة " يس " مادحاً عباده الذين يخشونه بالغيب فيعملون بما أمر مبشراً إياهم بالغفران الواسع والأجر العظيم :
{ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴿11﴾} .

هـ- المجاهدين :
وهم الذين باعوا أنفسهم لله تعلى فجاهدوا في سبيله ، وباعوا الدنيا بالآخرة ففازوا بالجنة ورضاء الله تعالى . يقول الله سبحانه في سورة التوبة :
{ إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿111﴾} .

و- الدعاة إلى الله :
وهم الذين جهروا بالدعوة ، وأعلنوها ، وأعلنوا العبودية لله وحده ، وكانوا قدوة في قولهم وعملهم ، هؤلاء لا يخافون حين يخاف الناس ، ولا يحزنون حين يحزن الناس ، فالجنة جزاؤهم ، والله تعالى وليـّهم ، والملائكة تبشرهم . كل هذا لأنهم آمنوا بالله رباً واحداً وأعلنوا دعوتهم على الملأ ، واستقاموا في حياتهم ، ودعوا إلى الله فكانوا نبراساً ونوراً ، يقول الله تعالى في سورة فصلت :


{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴿30﴾ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴿31﴾ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ﴿32﴾ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿33﴾} .





- أما الذين غضب الله تعالى عليهم لكفرهم وفسادهم ، فهؤلاء ينذرهم بالويل والثبور والعذاب الشديد ، ويستعمل القرآن كلمة البشرى مكان الإنذار لما فيها – حين تخرج عن معناها الأصلي – من تهكم وسخرية وتوبيخ . وهؤلاء الذين بشرهم القرآن بالعذاب أنواع ، منهم :

أ - الكفار :
يقول تعالى في سورة التوبة :
{ ... وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)} ،
ويقول سبحانه في سورة الانشقاق :
{ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24)}
وتصور معي البشرى بما يكره الإنسان ويخاف . إنها لسخرية ما بعدها سخرية ، واحتقار ما وراءه احتقار . ويندرج تحت هذا المسمّى أهل الكتاب ممن كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد بعثته ، ومن الذين أشركوا مع الله آلهاً غيره ، ومن الذين كفروا به وعبدوا آلهة أخرى ، أو أنكروا وجود الخالق ، أو ادّعَوُا الألوهية .

ب - المنافقون :
هؤلاء دخل الإيمان قلوبهم ثم خرج ، { آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } فطبع الله على قلوبهم . وهؤلاء في الدرك الأسفل من النار لغضب الله الشديد عليهم ، اقرأ معي قوله تعالى في سورة النساء يصور حالهم وتذبذبهم بين الإيمان والكفر ، ثم خلودهم إلى الكفر والبعد عن الهداية :
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّـهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137)} ، ثم يقرر في الآية التالية أنهم أصحاب النار وسيذوقون فيها العذاب الأليم :
{ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)}
لماذا ؟ وما سبب ذلك؟! إنهم انحازوا إلى الكفار أمثالهم ، ورغبوا عن الله والمؤمنين ظانّين أن العزة عند أولئك الكفار ، فخابوا وخسروا ، يقول سبحانه وتعالى بعد ذلك:
{ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا (139)}

ت - المستكبر :
قد تتوقع خيراً من كثير من المجرمين والمفسدين أما المستكبر فلا خير فيه لأنه يرى نفسه فوق الآخرين ، بل يجد الآخرين خدماً وخَولاً ، وجودهم لوجوده فقط وحياتهم مسخرة لخدمته . هذا الصنف لا يرى إلا نفسه ، ولا يسمع سوى ما يهواه . أما كلمة الحق فبعيدة عنه ، بل الحق في نظره ما يريده ويهواه ... فهل تراه بعد هذا يستجيب للدعوة أو يعطيها ظهره ويسد أذنيه ؟! اقرأ معي سمات المستكبر في سورة لقمان تصوره صورة واضحة تبين عجرفته وصدوده :
{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)}
ألا يستحق هذا المستكبر هذه الصفعة القوية والتهديد القوي ؟ كما نجد مثاله أيضاً في سورة الجاثية وقد زاد لؤمه في الصفتين الجديدتين فهو أفاك وأثيم ، قال سبحانه :
{ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّـهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)}
فهو يسمع كلمة الحق ويتجاهلها سخرية وترفعاً وكبرياء، فكانت العقوبة سخرية به واستهزاء بما يناسب جرمه.

ث - أما الذين يأكلون الدنيا بالدين :
فهؤلاء لصوص يدّعون الإيمان بالله ويجمعون باسمه المال ويكنزونه ،ويحاربون الدين في الوقت نفسه فلا يصرفون المال في وجوهه الصحيحة بل يسلبونه بكل طرق الباطل والدجل ، قال تعالى في سورة التوبة :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)}،
هؤلاء يعذبهم الله بالمال نفسه ، يحسبونه نعمة فإذا هو عليهم نقمة حيث يصبح ناراً تكوى بها أجسادهم وجباههم التي رفعوها تفاخراً على العباد بالغنى ، وجنوبهم التي مالوا بها عن الفقير حين سألهم فتغافلوا عنه ، ثم أدارو للفقير ظهورهم التي تًكوى يوم القيامة بالكنز نفسه والعياذ بالله ،
قال عز و جل بعدها :
{ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}.
فالعقوبة من جنس العمل . قال سبحانه في سورة إبراهيم :
{ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)}.

ج - والنوع الآخير مما نذكر قتـَلة الأنبياء والدعاة :
وهؤلاء المجرمون يريدون بقتل الأنبياء والدعاة تجفيف منابع الخير والدعوة ، ليغرق الناس في جاهلية جهلاء ويسعون لوأد النور والضياء ونشر الظلم والفساد .. قال عز وجل :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)}(آل عمران) .
إنهم موجودون في كل زمان ومكان ، وتراهم منبثين في الشوارع والنوادي ويدخلون البيوت والمخادع ويبثون سمومهم بكل أطياف الفكر المنحرف والثقافة المنحطة والأهواء البهيمية ، ويدسون السم في الدسم والردّة في العلم المادّي ، قال تعالى :
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)}(الأنفال) ،
وهذا من فضل الله علينا معشر المسلمين أن الأعداء يمكرون ، ولكن الله تعالى يبطل مكرهم .

- ومن الجدير بالذكر أن الملائكة الكرام بشرى للمسلمين :
أ - إنهم يبشرون زكريا بولده يحيى (عليهما السلام) قال سبحانه :
{ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (39)}(آل عمران)
{ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (7)}(مريم) .

ب - ويبشرون إبراهيم بولده الحليم إسماعيل عليهما السلام ، قال عز وجل في سورة الصافات :
{ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)} ،
ويبشرونه بولده العليم إسحاق عليه السلام في السورة نفسها ، قال جل ثناؤه :
{ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112)} ،
ونجد وصف العلم في سورة الذاريات ، قال عز من قائل :
{ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)}

ت - ويبشرون سارة بابنها إسحاق وحفيدها يعقوب عليهم السلام ، قال تعالى:
{ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)}(هود) .

ث - كما نجد أثر الملائكة الإيجابي في معركة بدر حين قاتلت مع المسلمين أعداءهم بأمر الله ، وقتالهم بشرى بالنصر عظيمة قال سبحانه في سورة الأنفال :
{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)} .

والملائكة نفسها شؤم على الكافرين :
أ - فالكفار يزعمون أنهم لا يؤمنون إلا إذا رأوا ربهم أو رأوا الملائكة ، فيخيب الله تعالى زعمهم حين يخبرهم أنهم لن يروا الملائكة إلا حين ينتهي الأمر ويكونون من أصحاب النار :
{ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا (23)}(الفرقان) .

ب - وكانت العرب تكره البنت وترغب بالصبي ، فقد كانوا يجدونها عبئاً ، ويرون نصرها بكاء وعويلاً وصراخاً ، أما الفتى فيحمل السلاح ويقاتل ، لقد كان المجتمع ذكورياً أدى بهم إلى وأد البنت في كثير من الأحيان ، وقد وثـّق القرآن وأدهم بقوله تعالى في سورة التكوير :
{ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9)}
كما نعى على هؤلاء أنهم يجعلون لله - سبحانه - البنات (الملائكة) على زعمهم ويرتضون لأنفسهم الذكور ، قال تعالى في سورة النحل :
{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّـهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)}،
فكيف يرتضون لربهم البنات ، ويطلبون لأنفسهم الذكور ؟! قال سبحانه في سورة الزخرف :
{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)} .



بشرى الإله على التقوى منازل لا * يرقى إليها سوى المحفوف بالنعَم
من بات يسعى إلى مرضاة خالقه * ببذل معروفه بالفعل والـكـَلـِم
يُـقال أبـشِـرْ بجـنات ومغفرة * أعظِم بعفو مليك الكـون من غُنُم
يارب إني ضعيف فاحْبـُني مدداً * وسدد الخطوَ في الناجيـن بالكرم​

امانى يسرى محمد 15-10-2020 04:44 PM

رد: سلسلة كلمات في القرآن الكريم / الدكتور عثمان قدري مكانسي​
 
:{ هَلْ أَتَاكَ }

كلما قرأت الآيات الني تتصدرها هذا الكلمة مسبوقة بالاستفهام { هَلْ أَتَاكَ } عشت التحدي القرآني العجيب في سـَوق الخبر الذي ينبئ عن الغيب الذي يحمله إلى القارئ أو السامع في حقيقته وصدقه ، واقتطاعه من الماضي السحيق صورة تثـبُت أمام العين حركة ولوناً وحَدثاً ، وتجاويف الأذن صوتاً وجلبة . وفي القلب انطباعاً وثباتاً ، والعقلِ تفكيراً وتحليلاً ودروساً وعِبَراً . فإذا بهذا النبأ الغيبي حقيقة واقعة في حواس الإنسان يعيشه وجداناً وعواطف ، وتأملاً وتدبراً .

هَلْ أَتَاكَ ... تنقل الماضي المنسيّ حاضراً حيـّاً تتلمسه لوحة ً متحركة تعرض الحدث نابضاً بالحياة ، فتتفاعل معه كأنك أحد عناصره وهذا الشعور لحظة تربوية إيجابية لا تنمحي من الذاكرة .وهذا ما يمتاز به النص القرآني الرائع

وردت هذه الكلمة { هَلْ أَتَاكَ } ست مرات في القرآن ، وهي أسلوب إنشائي استفهامي سبقته { هَلْ } الاستفهامية التي لا تحتاج جواباً ، فما بعدها الجواب الشافي بكل أبعاده . إنه أسلوب لجذب الانتباه ، فتترك كل ما في يديك لتخلـُص للحدث ، وتندمج فيه .

وترى بعد { هَلْ أَتَاكَ } كلمة { حَدِيث } خمس مرات وهي بمعنى الحدث والقصة أو قل مايراد من الحديث نفسه ، فتتهيأ لتسمع وترى وتتابع . أما في المرة السادسة فقد ذُكر كلمة { نَبَأ} فالأمر فتنة واختبار لدواوود عليه السلام كما سيمر

وبعد كلمة { حَدِيث } – وهي كلمة عامة – يُذكرالهدف الذي سيق له { هَلْ أَتَاكَ .. } موسى ، وضيف إبراهيم ، والجنود ، والخصم ، والغاشية .. ثم تبدأ القصة

تلا أربعاً منها كلمةُ { إذْ } وهي ظرف يختص بنقل الماضي إليك ، فيضعه أمامك من بدايته ، ثم يبدأ بالقصة تتوالى بدقائقها فيلماً سينمائياً يقتنص اهتمامك ، فتتابعه بشغف ورغبة . و { إذْ } نقلة سريعة للموقف ، حيث يبدأ فوراً بزخم صوره الحية

- ـ في سورة طه يقول تعالى
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ ؟ فتلتفت نحو مصدر السؤال لترى الجواب يتحدر بسلاسة قائلاً

وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ (9) إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى 10

من الآية التاسعة إلى غاية الآية الثامنة والتسعين يفصل سبحانه القول منذ أن شد موسى عليه السلام الرحال من مدين إلى مصر مع أسرته فرأى النور عند الشجرة المباركة وكلمه ربه ، فجعله من المرسلين ، إلى إشراك أخيه هارون في الرسالة مع التفاتة إلى فضل الله تعالى عليه منذ أن أرضعته أمه ، ثم ألقته في النهر ، وتبعته أخته تدل أهل فرعون على الأم ، فيعود إليها بفضل الله تعالى . ثم نجد الأخوين يحاججان فرعون ويحاورانه ، ونراهما يعظان السحرة قبل المباراة التي انتهت بإيمان السحرة . ثم انتقام فرعون المتأله من المؤمنين الجدد الذين ثبتوا على الإيمان بالله رغم التعذيب ثم الصلب والقتل . كما نرى المؤمنين بقيادة نبيهم موسى يجتازون البحر ، ثم يتبعهم فرعون فيغرق فيه ، وتنطوي صفحة الظلم فيرى اليهود أنفسهم أحراراً ، إلا أنهم سرعان ما ينتكسون فيطلبون إلهاً حين يرون بعض المشركين يسجدون للأصنام ، ويمضي الحدث مصوراً اتخاذ اليهود عجلَ السامري إلهاً على الرغم من وجود هارون بينهم – وقد استضعفوه - ، ثم تكون محاورة بين موسى والسامري تنتهي بحرق الإله المزيف وعقوبة السامري المنحرف لنصل إلى النهاية الأصيلة في عقيدة المسلم
{(إِنَّمَا إِلَـٰهُكُمُ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98 }


ـ أما في سورة " النازعات " فإننا نعيش قصة موسى نفسها مختصرة في دعوة موسى فرعون إلى التوحيد وعبادة الله الواحد الأحد
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ 20

فيأبى المجرم تلك الحقيقة ويدّعي الألوهية ، ويصرح بها كما ذكرها سبحانه وتعالى : { فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24)} فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر ، وينتهي المشهد بالقاعدة الأصيلة ، قال عز وجل
{(فَأَخَذَهُ اللَّـهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ (25) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ (2 }
فهل من معتبر؟

ـ فإذا وقفنا بتأنّ في حضرة سورة الذاريات وجدنا قصة سيدنا إبراهيم حين استقبل الملائكة الكرام ، قال تعالى

{ ...(25) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ }
وعرّج على قصص موسى وفرعون ، وقوم هود وقوم صالح وقوم نوح باختصار شديد ، وبيـّن نهاية الكفار المدبرين عن الإيمان ، ثم أمرنا بالفرار إلى الله تعالى وتوحيده سبحانه ، فهذا الأصل الذي على المؤمن أن يسعى إليه ، قال جل ثناؤه
{(فَفِرُّوا إِلَى اللَّـهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (51 }

أفر إليك منك ، وأين إلا * إليك يفر منك المستجير

ـ أما في سورة البروج فإننا لا نجد " إذْ " ونجد الهدف : فرعون وثمود ، وسبب حذف " إذْ " وهي - كما قلنا سابقاً - استحضار الصورة – ولا حاجة لاستحضارها فقد ذكرت بالتفصيل في أول السورة
.... قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) ......} فكان المعنى واضحاً والصورة جلية }


ـ كذلك رأينا في سورة الغاشية ما رأيناه في سورة البروج من الاستغناء عن " إذْ " لأن الصورة جاءت مسرعة تتجاوز التهيئة ، وانفتحت تصور حياة الكفار في نار جهنم والعياذ بالله ، فتخلع القلوب وتهز الصدور

ـ ثم نجد قوله تعالى في سورة ص
{(وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21 }

فاحتلت كلمة { نَبَأ } مكان " حديث " فالأمر خطير ، إنه اختبارٌ لجـَلـَد نبي من أنبياء الله مشهور بالإنابة والتوبة وكثرة الذكر ، تسبح الجبال والطير معه ، تكررت في قصته { إذ } مرتين ، قال تعالى
{(وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ... (22 }
لقد كان دخولهم فجأة دون إذن فخافهم ، فأخبروه بسبب دخولهم ، ولم يعرف أنهم ملائكة إلا حين اختفوا فجأة كما ظهروا فجأة . وهنا نعيش الامتحان في القضاء الذي ينبغي أن يستمع فيه القاضي لحجة الطرفين ، لا أن يحكم بمجرد أنه سمع اتهام الأول فهـُيـّئ له أنه مظلوم تجب مساعدته ، فأسرع يحكم له ، ثم أحس بخطئه الفادح فخر ساجداً يستغفر الله ويتوب إليه

بقي أن نقول : رأينا في سورة الدهر (الإنسان) قال سبحانه
{(هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1 }

فكان هذا التساؤل بمعنى ( قد أتى على الإنسان حين من الدهر ...) وهي معنى آخر غير معنى يصب في التقرير والتأكيد

نسأل الله أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا
إنه ضياء النفوس وكنز الإيمان ، وقوت القلوب



الساعة الآن 04:16 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام