بين أيدينا اليوم سورة الإسراء تلك السورة التي نزلت على النبي صلّ الله عليه وسلم في مكة قبيل هجرته إلى المدينة بعام وبضعة أشهر. نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام بعد وقوع معجزة الإسراء تلك المعجزة التي حدثت له وهو يمر بظروف عصيبة. فبعد سنوات من الدعوة المتواصلة لقومه وعشيرته لم يلقَ فيها سوى صنوف من العذاب والتنكيل والسخرية والإستهزاء والتكذيب من قبل قومه وعشيرته وما آمن معه سوى فئة قليلة كان الغالب عليها من المستضعفين والعبيد.
تلك الظروف التي مرت به عليه الصلاة والسلام إضافة إلى ما وقع إليه من قضية فقدانه لزوجته تلك السند والمعين له في دعوته السيدة خديجة رضي الله عنها إضافة إلى فقده لعمه أبي طالب الذي كان يدافع عنه أمام عدوان قريش وصدّهم وتكذيبهم، فقد كل هؤلاء واستمر في دعوته عليه الصلاة والسلام، ولكن في تلك الأثناء شعر بأن الأبواب قد غلِّقت أمامه وأن أهل الأرض قد ضاقوا عليه وضيقوا الخناق عليه فإذا بمعجزة الإسراء تحدث تسلية له عليه الصلاة والسلام تؤكد وتبين له أن يا محمد إن كانت أبواب الأرض قد غلِّقت دونك فإن أبواب السماء مفتوحة مشرعة أمامك وإن كان أهل الأرض قد صدّوا وكذّبوا وعنّفوا فإن أهل السماء يعرفون قدرك ولذا هم يحتفون بك أشدّ الحفاوة وأشدّ التكريم. وهنا تأتي معجزة الإسراء التي جاءت في هذه السورة في آية واحدة فقط بقوله سبحانه مفتتحاً السورة بأسرها بالتسبيح والتمجيد والتقديس لمن قام بهذا الحدث العظيم، لمن أدّى هذه المعجزة سبحانه وتعالى حيث يقول
كانت قريش تدرك وتعرف المسافة الواقعة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، كانت قوافلهم تمر بذلك الطريق ولكن هذه المرة روى لهم وحدثهم النبي صلّ الله عليه وسلم حتى بما كانت تمر به القافلة التي كانت قد أرسلوها في تلك الأثناء، حدثهم عن طريق واصفاً إياه بكل ذرّة فيه وبكل نقطة بل واصفاً كذلك المسجد الأقصى الذي لم يكن قد رأه النبي عليه الصلاة والسلام واصفاً إياه وكأنه ينظر إليه عياناً، وتلك كانت فعلاً معجزة ولا تزال هذه المعجزة، وجاءت المعجزة وحدثت في الليل لكي يؤمن بها من كان في قلبه ذرة من يقين وإيمان بالغيب ويبتعد عنها ويكذب بها من كان يحتاج أن يرى تلك المعجزة حسياً وعياناً ولذا إرتد الكثير من الناس بعد معجزة الإسراء ولكن في ذات الوقت ثبت في تلك المعجزة كأبي بكر الصديق من ثبت الذي قال قولته المشهورة حين جاءته قريش تقول له (أما سمعت بصاحبك ماذا يقول ويحدث الناس اليوم؟ قال وماذا يقول؟ قالوا: يقول أنه قد أُسريََ به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليلاً، فإذا بالصديق يقول إن كان قال فقد صدق لقد صدقته في خبره عن السماء فكيف لا أصدقه في هذا؟!)
وسمّي من ذلك الوقت بالصديق.
معجزة الإسراء كان الغرض الأساسى منها تسلية قلب النبي صلّ الله عليه وسلم صاحب الرسالة، صاحب الهمّ العظيم على دعوته ورسالته، أثّر في نفسه عليه الصلاة والسلام كثيراً وآلمه ألماً شديداً أن لا يؤمن به من قومه إلا القليل بعد سنوات من دعوة متواصلة، دعوة تحمل تلك الرسالة العظيمة بكل ما فيها من قيم.
ولم تكن تلك فقط الهدف الذي يأتي في قضية الأسراء وفي معجزة الإسراء، كانت من ورائه مقاصد. واحدة من أهم تلك المقاصد أن الإمامة قد إنتقلت من الأنبياء إلى النبي عليه الصلاة والسلام متمثلة في إمامته بالأنبياء بالمسجد الأقصى فقد صلّى بهم إماماً، صلّى بإبراهيم عليه السلام صلّى بموسى وعيسى وأخبر ذلك عن ما حدث ليبين لأمته من بعده أن الإمامة قد إنتقلت من كل أولئك الأنبياء لتكمل الرسالة مع هذه الأمة، أمة النبي صلى الله عليه وسلم. وكلنا يعلم أن الإمامة قد أوكلت في فترات من الزمن وعلى مدى أعوام وقرون طويلة لبني إسرائيل ولذا جاءت الآية التي تليها
كانت الإمامة والإصطفاء والإختيار في بني إسرائيل الذين آمنوا بموسى عليه السلام وآمنوا بكتابه الذي أُنزل عليه التوراة وآمنوا بما فيه من تعاليم وكان بنو إسرائيل هم الأمة الوحيدة الموحِّدة في العالم بأسره آنذاك. إختارهم الله عز وجل واصطفاهم على العالمين إختارهم تكليفاً وتشريفاً ولكن أمة بني إسرائيل لم تحمل تلك الأمانة كما كان ينبغي لها أن تحمل، لم تقف من تلك التعاليم الواردة في التوراة والتي أوضحتها سورة الإسراء “هدى ونور وبيان” لم تقف منها ذلك الموقف الصلب القوي الثابت وإنما وقفت مواقف متباينة فتارة تحرّف الكلم عن مواضعه وتارة تشترى بآيات الله ثمناً قليلاً وأخرى تبيع كلمات هذا الكتاب ولا تقف عنده سلوكاً ولا تطبيقاً في واقع حياتها وقد حكى القرآن في سور كثيرة العديد من تلك المواقف المتباينة لبني إسرائيل مع هذا الكتاب العظيم التوراة، وحكى عنهم كذلك المواقف التي كانوا يقفونها من أنبيائهم قتلاً وتكذيباً وتزويراً وتحريفاً.
.......................
التحذير من الفساد والمفسدين
تأتي الآيات وخاصة في مقدمة سورة الإسراء بقول الله عز وجل
(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) الإسراء) إذاً هو الإفساد الإفساد المادي والمعنوي الذي تتحدث عنه الآيات في سورة الإسراء. الإفساد والعلو والإستكبار الذي وقع في بني إسرائيل حين أعرضت وصدّت عن كتابها وعن تعاليم موسى عليه السلام التي أنزلت في التوراة.
هذا التحذير الشديد وهذا التأكيد في أكثر من موضع على الإفساد المادي والمعنوي وعلى العلو والإستكبار الأمراض القاضية الأمراض المستعصية التي حدثت في بني إسرائيل جاءت في سياق التحذير لهذه الأمة الأمة الجديدة من أن تقع في نفس الأمراض التي وقعت وانتشرت في بني إسرائيل.
إهتم كثير من المفسرين في القديم والحديث وخاصة في الحديث بالآيات التي تلي هذه الآية وهي
إهتم المفسرون بهؤلاء العباد من هم؟ ما هى مواصفاتهم؟ هل هذا الرد والصد والهزيمة لبني إسرائيل أمر قد وقع في الماضى قبل البعثة أم بعد البعثة؟ وما هو الصد الأول؟ وما هو الصد الثاني؟ ولكن في واقع الأمر عندما نقف عند الآيات ونتدبر سورة الإسراء بكل آياتها التي تزيد على المائة آية نجد أن القرآن لم يحفل كثيراً بتحديد هذه المسائل وهذه الجزئيات إنما الإهتمام الأكبر كان ينصرف إلى تحديد أهمية موقف الأمة الإسلامية من كتابها. إلى تحديد المواصفات التي جاءت ووردت في كتابها العظيم القرآن.
ففي سورة الإسراء تحديداً وردت صفات وخصائص للقرآن لم ترد في أي سورة أخرى سوى الإسراء. وردت لفظة القرآن أكثر من مرة في أكثر من سور القرآن بمعنى أنه إذا قمنا بجمع سور القرآن كافة لوجدنا أن لفظة القرآن لم ترد بنفس التكرار الذي وردت فيه في سورة الإسراء وفي هذا دلالة واضحة على أن العناية الكبرى ينبغي أن تنصرف لمقصد الإهتمام بالقرآن، خصائص القرآن، الموقف الذي ينبغي أن يكون عليه المسلمون اليوم وكل يوم اتجاه هذا الكتاب العظيم.
فبقدر ما تقترب الأمة الإسلامية من القرآن تطبيقاً وإيماناً وفهماً وتدبراً وتنفيذاً في واقعها بقدر ما تكون قد تحققت بالشهادة على الأمم، وبقدر ما تكون قد ابتعدت عن الإفساد المعنوي والمادي والعلو والإستكبار الذي وقع في بني إسرائيل. وبقد ما تبتعد الأمة عن كتابها وبقدر ما تبتعد وتُعرِض عن فهمه وتدبره وتركيز وتطبيق معانيه في واقعها كأفراد وكمجتمعات بقدر ما تكون قد بدأت بالفعل تُعرِض وتدخل في مرحلة الإفساد المعنوي والمادي وبقدر ما تبدأ في الدخول في رحلة الإفساد بشقيه الإفساد المعنوي والمادي بقدر ما تكون قد حقت عليها القوانين التي وقعت وطبقت في بني إسرائيل قوانين الهزيمة قوانين الإبعاد عن الريادة والشهادة على الأمة قوانين الهبوط والإنحدار والتردي والتدهور.
هذه هي أهم مقاصد سورة الإسراء
ولذا قام القانون الأول مؤكداً في بني إسرائيل وغير بني إسرائيل
إذاً هو الإحسان أوالإساءة هو العمل الحقيقي والتطبيق في واقع الحياة.
الأمة التي تتخذ الإحسان لها نهجاً وسلوكاً وتطبيقاً في حياتها هي الأمة الكفيلة بأن تشهد على الأمم. والأمة التي تتخذ من الإساءة بكل أنواعها إساءة مادية إساءة معنوية إساءة في الأخلاق إساءة في العمل إساءة في الكسب إساءة في عالم المادة، بقدر ما تسير على الإساءة في حياتها لن تلقى سوى عوامل الهزيمة والإنحدار كما وقع وحدث في بني إسرائيل.
يهدي للتي هي أقوم، يهدي للتي هي أكمل يهدي للتي هي أقرب للصواب أقرب إلى الإحسان أقرب إلى الكمال وجاءت أقوم مطلقة لم تأتي أقوم في أي مجال لم يقل الله عز وجل أقوم في الإقتصاد أو أقوم في السياسة أو أقوم في الاخرة أو أقوم في الحياة الدنيا أو أقوم في أي شيء أقوم هكذا مطلقة أقوم بكل إطلاقياتها أقوم في كل ميادين الحياة، ويبشر المؤمنين
يؤكد القرآن في كل مواضعه أن الأيمان ليس مجرد إدعاء ليس مجرد قول باللسان ليس مجرد إعتقاد بالقلب لا، لا بد أن يصاحبه عمل للصالحات لا بد أن يصاحب هذا الإيمان إصلاح مناقضاً للإفساد لا بد أن يصاحب هذا الإيمان عمل صالح متواصل تنعكس فيه معاني الإيمان ومعاني التوحيد بكل ما تأتي به من ثمار عظيمة .
إذاً هو القرآن في أول خصائصه تقدمه لنا سورة الإسراء مؤكدة أنه هو الهادي للتي هى أقوم هو الذي يدل على الطريق هو الذي يبين للأمم وللمجتمعات وللأفراد يبين لهم الطريق الأقوم الطريق الأحسن الطريق الأفضل حين تختلط الرؤى والمفاهيم حين تختلط الأسئلة والأجوبة حين تختلط الإشكاليات في قلب الفرد الإنسان وفي قلب المجتمع والعالم والأمة. من الذي يفصل في تلك الأثناء؟ القرآن هو الهادي هو القويم هو المبين هو المرشد هو الدال على الصواب.
...........
وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
تنتقل الأيات آية بعد آية تبين طبيعة الإنسان تعالج خصائص الإنسان. فواحدة على سبيل المثال من تلك القضايا التي تعالجها سورة الإسراء هى قضية المسؤولية الفردية مسؤولية الإنسان عن سلوكه وتصرفاته بقول الله عز وجل (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) الإسراء) مسؤولية الواحد منا عن أعماله عن أقواله عن خواطره عن تصرفاته. هذه الحياة هي محك هي إختبار هي دار عمل وليست بدار جزاء ولكنها أعمال أحصاها الله علينا وكتبها ووضعها في كتاب سيلقاه وينظر إليه ويقرأه الإنسان حين يلقى الجزاء في الآخرة. ثم تقرر من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه، قضية الهداية والضلال سواء كانت في الفرد أو المجتمع الفرد منا حين يبتغي ويقرر أن يسلك طريق الهداية هو لا يسلكه لأجل أحد هو لا يسلكه لأجل زيادة العدد في أمة الإسلام أو في تعداد المسلمين الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم كما حدث مع قريش أو في المدينة،لا، هذا محض إختيار يختاره الإنسان وهو مسؤول عن ذلك الإختيار، يختار الهداية طريقاً له فهي الهداية الحقيقية التي ستأتي ثمار هذه الهداية في حياته هو وفي آخرته.
وكذا الأمر إذا إختار الضلال فهو مسؤول عن هذا الإختيار مسؤول مسؤولية لا يمكن أن تقع إلا على نفسه ولذا جاءت في الآية
لا أحد يتحمل عنك كما كان يظن قريش ويستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم بقولهم أنهم سيحملون أوزارهم وأوزاراً مع أوزارهم سيتعاونون على حمل الأوزار والذنوب يوم القيامة!
تقرر الآيات ألا تزر وازرة وزر أخرى، أنت يا إنسان مسؤول عن القرار الذي ستتخذه في حياتك إن اتخذت الهداية أو إن اتخذت الضلالة
تنتقل الآيات في سورة الإسراء من قضية المسؤولية الفردية إلى قضية أخرى وهي مسؤولية الفرد تجاه مجتمعه، صحيح أنه لا تزر وازرة وزر أخرى صحيح أن الإنسان مساءل عن أعماله هو عن تصرفاته عن إختياره هو ولكن في ذات الوقت ثمة مسؤولية تقع على عاتقه وهي ضمن مسؤوليته الفردية اتجاه المجتمع الذي يعيش فيه.
هو لا يعيش في سفينة المجتمع ويبحر فيها فرداً لا يشعر بما يشعر به الآخرون ولا يهمه ما يراه أمامه في واقع الحياة من إنحرافات أو من أخطاء أو من أشياء ينبغى أن تصحح، أبداً، الفرد المسلم الذي اختار القرآن واختار الإسلام طريقاً ونهجاً لحياته لا بد أن يشعر بمسؤوليته إتجاه مجتمعه إتجاه من حوله فيقوم تصحيحاً وتعزيزاً وتغييراً وتبديلاً لكل ما حوله من أخطاء لكل ما يراه من حوله من إنحرافات أو سلوكيات، وفي هذا الموقف الذي تقرره سورة الإسراء بقول الله عز وجل
كانت أمة بني إسرائيل أمة لا تستشعر المسؤولية الجماعية لا تستشعر مسؤولية الفرد إتجاه المجتمع الفرد يعيش في واد والمجتمع يعيش في وادٍ آخر، قد يكون الفرد صالحاً في نفسه أو ذاته ولكنه لا يحقق توجهات المسؤولية الإجتماعية في المجتمع الذي يحيا فيه، لا يشعر بأن لديه مسؤولية إتجاه هذا المجتمع لا يشعر بأنه ينبغي أن يتحرك ليغير منكراً يراه أمام عينيه يعرف المعروف وينكر المنكر. يعزز الصواب والحق وفي نفس الوقت لا يناصر باطلاً ولا إنحرافاً بل على العكس يحاول التصحيح يحاول التغيير يحاول التبديل. وفي ذلك كما لا يخفى علينا جميعاً تحذير لأمة الإسلام تحذير لهذه الأمة التي إنتقلت إليها الزعامة والريادة والشهادة على الأمم أن يا مسلمين عندما ترون أمام أعينكم منكراً أخطاء إنحرافات لا ينبغي أن تقفوا أمامها مكتوفي الأيدي، لا، فالقرآن الذي ارتضيتموه منهجاً لحياتكم يأمركم أن تأمروا بالمعروف وأن تنهوا عن المنكر سالكين أعظم الوسائل وأحسن الوسائل والطرق بالحكمة والموعظة الحسنة ولكن لا بد أن تقع على عاتقنا مسؤولية التغيير والتصحيح والتبديل، لا بد أن تكون لك يد في المجتمع الذي تعيش فيه تصحيحاً لقول أو فعل أوعمل تقوم به ولكن لا تقف أبداً مكتوف الأيدي وأنت ترى سفينة المجتمع وهي تشق طريقها نحو التردي والغرق والإنحراف والتدهور.
>>>>>>>>>>>>>>>
عليك السعي وليس عليك النتيجه
لا بد أن تفعل شيئاً لا بد أن تصحح لا بد أن تقوم بعمل حتى ولو كان كل من حولك لا يشعرون بقيمة هذا العمل الذي تقوم به فالعمل كما جاء في الآيات الأولى ستجازى عليه وسعيك مشكور حتى وإن لم يأتي بثمار ولا بننتائج مرجوة أو معنية.
ولذا ما أعظم الإنتقال والإعجاز السلس الذي تسير بنا فيه سورة الإسراء حين تأتى الآية فتقول
(وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُومُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) الإسراء)
سعيك مشكور حتى وإن لم تأتي الثمار ولا النتائج، أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر إلتزامك ومدافعتك عن الحق مشكور ومحفوظ عند الله عز وجل وستلقاها غداً في كتابك منشوراً حتى ولو لم تأتي بنتائج مرجوة ولا بثمار إيجابية. وفي هذا قد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم في مكة على وجه التحديد أروع الأمثلة قدوة لنا أسوة لنا في كل شيء إستمر في دعوته ما يزيد عن العشر سنوات دعوة متواصلة أين النتائج؟ أين نتائج النجاح التي حققها؟ لم تكن تلك النتائج التي لم تحقق بشكل كما كان ينبغي أن تحقق لم تكن مانعاً ولا حاجزاً للنبي عليه الصلاة والسلام عن مواصلة دعوته عن تقديم رسالته، وهكذا ينبغي أن يكون الواحد منا. أنت تعيش في مجتمع سعيك مشكور تصحيحك للخطأ وإنكارك للمنكر مشكور ومحفوظ لا تخشى شيئاً لا تقل لا قيمة له لا تقل أن ما تقوم به سيذهب هباءاً منثوراً، أبداً، عليك أن تقوم به والجزاء على السعي والعمل ليس على النتيجة أبداً. صحيح ينبغي أن نتطلع إلى النتائج وأن نراجع أنفسنا وأن نأخذ بالأسباب ولكن في ذات الوقت لا ينبغي أن تكون النتائج إن لم تأتي مانعاً لنا عن مواصلة السعي مانعاً لنا وحاجزاً عن مواصلة الدعوة عن حمل الرسالة حمل الأمانة فلا تقاعص في هذا الدين ولا تكاسل ولا إحباط ولا يأس طالما أن هذا الإنسان يسير في طريقه في الحياة .
<<<<<<<<<<<
المعنى الحقيقي للتوحيد
تأتي الآن في سورة الإسراء لتقدم نماذج للتي هي أقوم كيف أصبح وكيف أسير وكيف أحقق التي هي أقوم في حياتي؟
بدأت أول ما بدأت بالعنصر الأساسى الحقيقي الذي تدور عليه كل الأعمال الصالحة عنصر التوحيد بقول الله عز وجل
(لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ (22) الإسراء)
التي هي أقوم وأكمل حين تحققها في شعورك في حياتك في داخلك في قلبك أن تنفض عنك كل الأنداد أن تنفض عنك كل الأرباب أن تكفر بكل الأصنام ليس هناك من قوة حقيقية تفعل وتتصرف في هذا العالم سوى قوة الله عز وجل.
التوحيد ليس بالمعنى الذي فقط يتحول إلى كلمة أو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإن كان هذا جزءاً رئيسياً من كلمة التوحيد، ولكن التوحيد الفعال التوحيد الذي يبدأ يدخل مع الإنسان في حتى خواطره في المشاعر التي تدور في نفسه وعقله وقلبه يحرر الإنسان من العبودية لأي صنم إلا العبودية لله الواحد الأحد يحرر الإنسان فيجعل منه عبداً حقيقياً
وتدبروا معى كيف وردت كلمة عبد في الآية الأولى حين قال الله عز وجل
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً(1)الإسراء)
العبد هنا ليس العبد فقط بمعنى العبيد فكلنا عبيد لله عز وجل المؤمن والكافر شاء أم أبى هم عبيد لله الواحد الأحد للملك نحن عبيدفي مملكة الله عز وجل في ملكوته لا نملك لأمر أنفسنا لا نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً
أعتى العتاة أعتى الفراعنة فرعون لم يكن يملك لنفسه موتاً ولا حياةً ولا نشوراً لم يكن يدرك إعتقد في لحظات القوة والمنعة والسيطرة أنه يملك بالفعل أن يمتد به العمر وأن تمتد به الحياة ولكنه أدرك بعد فوات الأوان أن لا ملك على وجه الحقيقة سوى الله عز وجل.
هذا الطاغية الذي وصلت به الحالة من الشعور بالعلو والإستكبار والإفساد أن يقول أنا ربكم الأعلى أدرك حقيقة التوحيد حين واجهه الموت.
ولكن سورة الإسراء تريد أن تصنع منا جميعاً عباداً أولي بأس شديد، أيّ عباد؟
عباد من درجة خاصة عبودية إختيارية هنا كعبودية إجبارية وهي التي نشترك فيها جميعاً المؤمن والكافر لا نستطيع أنن خرج عن هذه العبودية كلنا عبيد لله يتصرف فينا كيف ما يشاء موتاً وحياةًونشوراً، صحةً ومرضاً وإعطاءً ومنعاً هذه عبودية إجبارية وليست عبوديةإختيارية.
أما العبودية الإختيارية فهي عبودية النبي صلّ الله عليه وسلم عبودية العباد أولي بأس شديد الذين أشارت إليهم الآية الأولى في تصحيح الخطأ وتصحيح أخطاء بني إسرائيل والصد الذي وقع لبني إسرائيل وهزيمة بني إسرائيل كأمة والتي أشارت إليهم سورة الإسراء في بداياتها.
إذاً العبودية التي تريدني سورة الإسراء أن أكون فيها هي عبودية إختيارية باختياري أنا، أنا أختار أن أكون عبداً لله، وحين أختار أن أكون عبداً لله فأكون في نفس الوقت قد قررت أن أختار الحرية والتحرر من كل الأرباب التحرر من كل العبوديات الزائفة التحرر من كل الأصنام الواهية الأصنام التي قد أظن لبعض اللحظات أنها تملك لي ضراً أو نفعاً.
أتحرر من سلطان المال أتحرر من العبودية للدرهم والدينار، أتحرر من العبودية للسلطة بكل أبجدياتها أتحرر من العبودية لأي سلطة أخرى سوى سلطة الله سبحانه وتعالى الواحد الأحد.
حين أتحقق بتحقيق هذا المنهج في قلبي في شعوري في سلوكي لا بد أن ينعكس هذا التوحيد الكامل الأكمل على حياتي على سلوكي على تصرفاتي على طريقة تعاملي مع كل الدوائر المحيطة بي وأول دائرة تأتىي عليها سورة الإسراء دائرة الوالدين الأم والأب تأتي الأمثلة والنماذج،الأم والأب لم تعد العلاقة عندما تركز التوحيد في قلبي وأصبحت عبداًإختيارياً لم تعد العلاقة بيني وبينهم علاقة عادية وإنما أصبحت علاقة إنسانية راقية سماها الله عز وجل وأعطاها بقوله
(وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء)
علاقة إحسان علاقة إصلاح علاقة تفاني في سبيلإرضاء الأم والأب وخاصة حين يبدأ الأم والأب بالدخول في مرحلة الشيخوخة تلك المرحلة التي يبدأ الإنسان يشعر فيها بالتردي من موقع القوة إلى موقع الضعف بالشعور والإحساس بالحاجة إلى الأبناء بالحاجة إلى وقوفهم بجانبهم، فذلك الأب أو الأم الذي كان يقف على قدميه قد يصبح في مرحلة الشيخوخة لا يستطيع ولا يقوى الوقوف على قدميه يحتاج لكرسي متحرك يحتاج لأيدي تحمله يحتاج لقلب يضمه لحنان لأبوة لبنوة لشعور بالإحسان لشعور بأنما قمت به في حياتي لم يذهب سدى لم يذهب هباءاً منثوراً، هناك أبناء هناك بنات قمت بتربيتهم جاء دورهم الآن هذا الإحساس هذه العلاقة الرائعة من الذي يقدمها؟
القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم في كل حياتنا.
<<<<<<<<<<
مقوله خاطئه (الأقارب عقارب)
تنتقل الدائرة إلى القربى إلى الإحسان إلى الأقارب لا كما نشهد في مجتمعاتنا الحالية حتى للدرجة التي سرت فيها بعض الأمثلة الشعبية الممقوتة كالقول على سبيل المثال (الأقارب عقارب) أي مصدر للسموم مصدر للأذى كيف يسيغ لمجتمع إرتضى بالقرآن منهجاً أن يبرر تحت أيّ ظرف من الظروف أن تكون العلاقات بين أولى القربى بين الأسرة الواحدة من أعمام وخالات وأولاد عمو أولاد خالة مهما كانت المبررات أن تتحول إلى علاقة سُمِّية، علاقة يحكمهاالبغضاء والشحناء والتنافر والبعد والصد والنفور من بين بعضنا البعض؟ كيف يمكن أن يبرر هذا؟!
القرآن يصحح هذه العلاقات ويؤكد أن الإنسان الذي اختار القرآن منهجاً لحياته لا يمكن أن يسلك مع أقاربه هذا المسلك لايمكن أن يسلك سوى ما أمر به القرآن
(وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ(26)الإسراء)
هو حق للأقارب إن لم أقم به فأنا مقصِّرة في جنب الله
(وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا(26)الإسراء)
<<<<<<<<<<<<<
كيف عالج القرآن الأمراض الإقتصادية؟
تنتقل الآيات بتسلسل عجيب من مجال الإجتماع ومن مجال الأسرة إلى مجال الإقتصاد لتضع لي حتى في عالم الإقتصاد قواعدحقيقية قواعد صاغها القرآن لم يصغها البشر ولنا أن نتأمل الواقع المعاصر الذي نعيش فيه الذي تحكمهالقوانين الوضعية القوانين التي وضعها البشر لأنفسهم أين وصلت بهم؟! أين وصل بنا الحال من أوضاع إقتصادية؟! أين وصل بنا الحال؟! دعونا نتأمل لأن هذا هو سبيل القرآن، القرآن لم ينزل لأجل أن أعيش به طالباً للبركة والأجر والثواب فقط وأعيش في وادٍ والعالم والمجتمع المعاصر حولي في وادٍ آخر،أبداً، القرآن فيه بركة صحيح أكيد فيه أجر فيه ثواب ولكن المطلوب مني اليوم حين أقرأ القرآن أن أقرأه بعين تنظر الواقع تنظر الواقع المحيط بيمن كل جانب تحاول أن تقف على أمراضه على أدوائه على عيوبه فتأتي إلى القرآن بأسئلة بإشكاليات بأمراض مختلفة تطلب من القرآن شفاء لأمراضها وسنأتي على الشفاء في سورة الإسراء. تطلب من القرآن علاجاً لأدوائها لأمراضها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية وكافة أنواع الأمراض ولنا أن نتساءل ونحن نقرأ الآيات في سورة الإسراء كيف عالج القرآن الأمراض الإقتصادية؟ وهل هناك فعلاً أمراض إقتصادية في مجتمعاتنا؟ واحدةمن أبرز الأمراض الإقتصادية في مجتمعاتنا كأفراد وكلنا يعاني منها قضية الموازنة بين الإستهلاك وبين ما أملك، بين التملك الشيء الذي أنا أملكه في حدود طاقاتي المالية والمادية وبين إنفاقي وبين إستهلاكي، ذلك التباين العجيب في مجتمعاتنا ذلك الإستهلاك الذي وصل بنا إلى جعل الكماليات والتحسينات في حياتنا تقع في موقع الحاجيات والضروريات. يعيد القرآن ويعالج الأمور ويعيدها إلى نصابها بقوله عز وجل (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29) الإسراء) إنه التوازن إنه التعادل في كل شيء وهذا التوازن الذي تؤكده سورة الإسراء كنموذج من نماذج معالجة القرآن للأمراض وللأدواء المستعصية ينبغي أن يطبق ليس فقط على سبيل حياة الأفراد وإنما على المجتمعات على الدول التي أصبحت تنفق أكثر من مدخولاتها فوقعت فيأزمات ديون على مدى سنوات طويلة هذه أمراض هذه أسقام هذه أدواء حقيقيةيعاني منها العالم المعاصر الذي نعيش فيه على الرغم من كل النظريات الإقتصادية المعاصرة الحديثة التي حاولت عبثاً أن تعالج تلك الأمراض. اليوم كلنا يعلم أن كبريات الدول تعاني من أمراض الديون تعاني من عجز في الميزانيات. لنا أن نتساءل هل يستطيع القرآن الذي أنزل قبل قرون متعاقبة أنيعالج هذه الأمراض؟ أن يصحح هذه الأخطاء؟ أن يساعدني في حل هذه الإشكاليات؟ بكل تأكيد، يقدم القرآن العلاج في آية واحدة (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْط (29) الإسراء) تأمل معي أنظر معي تدبر معي في هذا القرآن العظيم وكيف يعالج لأنه ليس من عند البشر ليس من كلام البشر كلام رب البشر الذي خلق وصنع وأعطى ورزق، الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر العالم بكل شيء (أَلَايَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُواللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك) الرب الذي خلق الرب الذي رزق هو الوحيد الواحد الذي يعلم ما يصلح للبشر ما يصلح مجتمعاتهم مايصلح ميزانياتهم ما يصلح دولهم ما يصلح معاشهم ما يصلح أخراهم. هذا الرب هو الذي أنزل على القرآن ليعالج ليشفي ليبرئ من الأمراض التي نعاني منها ليس فقط في العصور الماضية بل في كل عصر وزمان .
تنتقل الآيات بإعجاز عظيم واضح تماماً من دائرة إلى دائرة، من دائرة الإجتماع إلدائرة الإقتصاد إلى دائرة الأمة محرمة سلسلة من الجرائم الخُلُقية والإنحرافات التي ينبغي للمجتمع أن يهتم بمعالجتها ينبغي للفرد وللمجتمعأن يحاصر تلك
الأمراض وأن يقتلها وهي في مهدها فتأتي الآية الأولى (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا {31} وَلاَتَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {32} الإسراء)
وأنظر معي كيف يعالج القرآن القضيتين في آن واحد. ما العلاقةبين قتل الأولاد والزنا؟
اليوم تعاني المجتمعات المتخمة بالأمراض والأدواء المجتمعات المعاصرة وكثير من المجتمعات الغربية من مشكلة حقيقيةالأطفال غير الشرعيين الأطفال الذين جاؤوا إلى الدولة عن طريق علاقات غيرمشروعة علاقات الزنا، حرّم الإسلام وحرّم القرآن وحرّمت سورة الإسراء هذه العلاقات فقتلت المشكلة وهي في مهدها، عالجتها وهي في مهدها، ليس هناكعلاقة غير مشروعة في الإسلام أنظر معي إلى قول الله عز وجل (وَلاَتَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {32} الإسراء)
بعض المجتمعات والدول المعاصرة اليوم تعالج قضية الأولاد غيرالشرعيين الذين يشكلون عبئاً حقيقياً على ميزانيات الدول هذه القضيةيعالجونها بطريقة مختلفة يحاول أن يجد الحلول لحضانة هؤلاء الأولاد غيرالشرعيين دون أن يعالج المرض ويجتث المرض من أساسه. ما هو الأساس لإشكالية وجود أولاد غير شرعيين؟
ما هو الأساس؟
علاقات غير مشروعة علاقات الزنا. ألا يهدي القرآن للتي هي أقوم؟
ألا يقدم القرآن المنهج الأقوم والأصوب حين يعالج المرض
ويجتث المرض من جذوره؟
هذا هو القرآن هذا هو نهج القرآن.
>>>>>>>>
بعض النواهي الربانية
(وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ (33) الإسراء)
(وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (34) الإسراء
يقيم القرآن للإنسان في نفسه محكمة حقيقية رقابة ذاتية يجعل الإنسان الفرد هو الوازع الحقيقى لصده ولردعه عن إرتكاب أي جريمة من الجرائم وهذه أعظم وسيلة لمعالجة الجرائم المختلفة من اختلاس من سرقة من نهب من قتل من إغتصاب أن تحيي الوازع والضمير عند الإنسان وهي قضية يعاني منها العالم المعاصر الذي نعيش فيه أشد المعاناة.
حين غاب الضمير عن مسرح الحياة حين غاب الضمير البشري الضمير الإنساني عن واقع الحياة التي نعيش فأصبح واقعنا أقرب إلى واقع الغاب منه إلى واقع الإنسان، واقع الإنسان الذي أراد القرآن أن يحييه في الناس من جديد أن يعيده إلى البشرية من جديد.
تستمر الآيات في معالجة الفرد والمجتمع في وقت واحد لتصل إلى حتى معالجة قضية العلو والإستكبار والإستخفاف بالآخرين مانعة الإنسان حتى من أن يظهر نوعاً من الإستكبار على أخيه الإنسان ولو في طريقة مشيه،وتأملوا معي أيها الأخوة والأخوات قول الله عز وجل
(وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَالْجِبَالَ طُولاً (37) الإسراء)
عجيب!
حتى طريقة السير والمشي يحددهاالقرآن ينزل فيها آيات؟!
نعم، وفي ذلك بيان واضح إلى معالجة قضية التكبر والإستكبار والإستخفاف بالآخرين، القرآن يعلم الإنسان الفرد ألا يستكبرعلى غيره يجتث مشكلة الإستعلاء والإستخفاف والإستهانة بالآخرين حتى في أبسط صورها حتى في طريقة المشي، لا تمشي في الأرض وتحاول أن تبين أو تظهرأنك متعالي على الآخرين حتى وإن كنت قد أوتيت من وسائل الوسائل المادية وسائل الإستعلاء الوسائل التي يهيأ لك أنها تبرر لك أن تكون بالفعل مستعلياً على الآخرين متكبراً عليهم إياك وهذه الصفة لماذا؟
لأن هذه الصفة من أشد الأمراض خطورة في المجتمع تفصل بين الإنسان وأخيه الإنسان تحقق أو تعدم تماماً عنصر المسؤولية والتكافل الإجتماعى تجعل الإنسان متعالياً على أخيه الإنسان ولمَ هذا التعالي؟! لمَ هذا الإستكبار؟!
لنا أن نتخيل كيف يمكن أن يعيش المجتمع وهو يعيش بعض الأفراد في حالة إستعلاءعلى الآخرين في حالة العيش بعيداً عن آلآم وأحزان وفقر وحاجة إخوانه مالبشر، إخوانهم الآخرين شيء فعلاً يجعل الإنسان ينتبه إلى أمور ربما لم يكن حتى ينتبه إليها هذه الآية تعالج إشكالية الطبقية في المجتمع إشكالية أن يصبح الناس طبقات هناك أناس مترفين يعيشون حالة غنى فاحش وتعالي وإستكبار وأناس آخرين بسطاء متواضعين فقراء ربما لا يمتلكون من سبل العيش الكريم ما يجعلهم حتى يستطيعوا أن يقوموا بقوت يومهم، هل موقف الإنسان الغني هذا الغني الذي يمتلك من أسباب القوة وأسباب المنعة وأسباب المال وجاءت الآية لا ننسى التي قبلها تقول
(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ (37) الإسراء)
هل المطلوب منه أن يعيش بعيداًعن المحتاجين أم يعيش وسط آلآمهم أم يعيش مستعملاً الأدوات والوسائل والمال الذي رزقه الله سبحانه وتعالى إياه يعيش ليمسح به معاناة هؤلاء ليكفف بها دموعهم ليمسح بها آلآمهم ليعالج بها أحزانهم ليداوي بها حاجاتهم المادية؟ هذا النوع من العلاج الأخلاقي الرائع إنما يأتي في الحقيقةعلى الأمراض التي يعاني منها المجتمع المعاصر المجتمع الرأسمالي أو غيرهمن مجتمعات عاثت فيها الطبقية فساداً وإفساداً وبعداً عن المنهج الأقوم الذي ينبغي أن يعيش عليه البشر.
<<<<<<<<<<<
الاعراض عن القرآن
(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا (41) الإسراء) (وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا(41)الإسراء) هكذا أمة الإسلام اليوم عندما تُعرِض عن كتابها القرآن عندما تعتقد أنها يمكن أن تجد العلاج الأمثل في مجالات الحياة المختلفة من يمين أو شمال من غرب أو شرق بعيداً عن القرآن وليس ثمة علاج إلا في هذا القرآن العظيم .
ثم تأتي الآيات وتؤكد مرةأخرى آية بعد آية على الموقف الذي ينبغي أن يقفه الإنسان حيال هذا القرآن العظيم يقول الله عز وجل مخاطباً نبيه (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا {45} وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا {46} نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا {47} الإسراء) هذا الموقف العجيب الذي وقفه المشركون اتجاه القرآن العظيم موقف الصد موقف الإعراض موقف عدم الرغبة في الإستماع لآيات القرآن
هذا الموقف العجيب ماذا كانت النتيجة المترتبة عليه؟ كانت النتيجة أنه فعلاً وقع بينهم وبين القرآن حاجزاً هذا الحاجز لم يتمكن المشركون من الإنفكاك منه لم يتمكنوا من رؤية الحق الموجود في القرآن العظيم لم يتمكنوا من رؤية النور الذي جاء في هذا القرآن وهو أمر محسوس
أنا حين أضع على عيني ستراً أو غطاءاً أو غشاوة هل أتمكن من رؤية نورالشمس مهما كان ذلك النور واضحاً ظاهراً جلياً؟! أبداً، لماذا؟ لأني أنا أنا الإنسان من قمت بوضع ذلك الغطاء وذلك الستر حاجزاً بيني وبين نورالشمس.
وهكذا القرآن ولله المثل الأعلى في تعاليمه نور في أحكامه شفاء ولكن يا ترى لمن؟ لمن لم يضع حاجزاً بينه وبين هذا القرآن العظيم .