(1) نمط المتعصبة
ومن الأنماط المثيرة للشفقة جدًا نمط الأخ المريب أو تقدر تسميه نمط: "الأخ الذي على رأسه بطحة".. ومن الأنماط المثيرة للشفقة جدًا نمط الأخ المريب أو تقدر تسميه نمط: "الأخ الذي على رأسه بطحة".. هذا النمط لا ينفك عن الصياح كل حين: "إحنا صح.. إحنا صح"..! ولا يترك شاردةً أو واردةً تشتم منها رائحة تشكيك أو رفض أو اختلاف مع مواقف متبوعيه؛ إلا سارع للرد عليها والدفاع المستميت عما تخيل أنه نقد لفئته وكالعادة الشعار المرفوع لديه دائمًا وأبدًا "إحنا صح.. إحنا صح"..! يحاول المسكين دائمًا أن يُقنع نفسه ومن حوله أنه على صواب! وأن مواقفه وفئته سليمة ورائعة للغاية! وهو في حقيقة الأمر يحاول تغطية شك يلح على ضميره وينتهز كل إشارة أو تلميح ليقفز على سطح نفسه معكِرًا صفو حياته، وناكئًا بطحته فيضطر صاحبنا لستره وتسكينه بمزيد من الصيحات: "إحنا صح.. إحنا دايمًا صح"..! يا أخي هو حدّ كلمك ولا داس لك على طرف؟! حدّ جاب سيرتك ولا ذكر اسمك؟! إنها القاعدة.. كاد المريب أن يقول خذوني. هذا دأب كل مريب في الحقيقة وإن مثل الثقة المطلقة وادِّعاء اليقين الكامل فيما هو عليه الموقنون يا صديقي أهدأ نفسًا وأكثر اتزانًا مما تفعله.. المتسقون مع ضميرهم ومبادئهم لا يتشنجون بتلك الطريقة تجاه كل نقد ولا يرتجفون هكذا من كل تلميح، ولا يثير المخالفون حفيظتهم ويجلبون الغصة إلى حلوقهم بهذا الشكل! حين أيقن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما هو عليه لم يهزه أذى، ولم يضره تشكيك وحين دعوه مذممًا قال بكل ثبات نفسي وثقة لا تهتز: «يا عباد الله، انظروا كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَهُمْ وَلَعْنَهُمْ» -يَعْنِي قُرَيْشًا- قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ» (أخرجه ابن حِبَّان في صحيحه). هكذا بكل هدوء ويقين.. يدعون مذممًا وأنا محمد.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.. وحين قالت يهود: السام عليك يا محمد، نهى أُمُّنا عائشة رضي الله عنها عن لعنهم، وقال: «أوَ ليس قد رددتُ عليهم الذي قالوا؟ قلتُ: وعليكم» (رواه مسلم). هكذا حال الواثق بما هو عليه الموقن بقضيته، استقرار نفسي واتساق مع الضمير يظهر على جوارح لا تستخف {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم من الآية:60]. أما من كانت على رأس ضميره بطحة تؤرقه وتجلب الغصَّة إلى حلقه كلما نكأتها إشارةٌ، أو أثار شجونها تلميح؛ فعليه ببساطة أن يراجع نفسه، وأن يعالج بطحته، وبصلح أسباب ريبته التي تدفعه كل حين للصياح: خذوني! وليتذكر تلك النصيحة النبوية الجامعة على بساطتها.. نصيحة: «دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك؛ فإنَّ الصدق طمأنينة، والكذب ريبة»[1]. تأمَّل... الكذب ريبة. هيَّا دعه.. وصدقني بعدها سترتاح وتسكن نفسك وتزول بطحتك ــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1]- (رواه الترمذي: [2518]، وقال: "حسنٌ صحيح". والنسائي: [5711]، وحسَّنه النووي في المجموع: [1/181]، وصحَّحه الوادعي في الصحيح المسند: [318]).