رد: ستون قاعدة ربانية في الحياة الزوجية … د . ناصر بن سليمان العمر
القاعدة الرابعة والخمسون: خيرُ متاعِ الدنيا المرأةُ الصالحةُ
إنَّ كلَّ العقلاءِ منَ البشرِ يبحثونَ عنِ السعادةِ والمتعةِ في حياتِهم، وهذا الحديثُ العظيمُ يقرِّرُ حقيقةً يغفُل عنها كثيرٌ من الناس! فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدنيا متاعٌ وخيرُ متاعِ الدنيا المرأةُ الصالحةُ"، إذا أرادَ الإنسانُ أنْ يسافرَ فإنهُ يأخذُ معه متاعًا حتى يبلغَ غايتَه، فهو يَحْرِصُ على وسيلةِ انتقالٍ مناسبةٍ ليصلَ إلى هدفِه، ويختارُ المتاعَ المناسبَ في سفرِه، والحديثُ يقول: الدنيا كلُّها متاعٌ، كمَا تكررَ في القرآنِ كثيرًا، {مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس:23]، {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185]، {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} [الرعد:26]، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [القصص:60]، {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:39].
فالدنيا في حقيقتها دار سفر ينبغي أن تجعل متاعًا فيتزود منها بما يستعان به على قطع الطريق فيها، وليحرصِ المرءُ على خيرِ متاعِ الدنيا ألَا وَهوَ المرأةُ الصالحةُ، فليُحْسنِ اختيارَ المتاعِ، كما في الأحاديثِ الأخرى "فاظفرْ بذاتِ الدينِ تَرِبَتْ يداكَ".
وكما يحرِصُ الإنسانُ على الحفاظِ على متاعِه أنْ يصيبَه شيءٌ فَتَتَعَطَّلَ مصالحه، فتجدُه يُحافظُ على ما معهُ منْ طعامٍ وشرابٍ حرصًا علَى أنْ يَصِلَ إلى مُبْتَغَاهُ، وكذلكَ يَحرصُ على وسيلة الاتصال التي معه خوفًا مِنْ أنْ تُصابَ بِعَطَبٍ أو خللٍ بسببِ إهمالِه أو تقصيرِه فتتعطلَ أو تَتَنَكَّدَ حياةُ السَّفَرِ، ويفقده أحوج ما يكون إليه، وقد يكون ذلك سببًا لهلاكه وسط البرِّيَة، فكذلكَ يجبُ الحفاظُ علَى المرأةِ، بعد الحرصُ على الظَفَرِ بالصالحةِ، فغير الصالحة قد تعيقه في سفره أو تؤخره.
وكذلك الرجلُ متاعٌ للمرأةِ، فعلَى المرأةِ ووليِّها أنْ يُحسِنَا اختيارَ زوجِها، كما مرَّ معنا قريبًا، والله أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
القاعدة الخامسة والخمسون: مَنْ لَمْ يَشْكَرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكَرِ اللهَ
في الحديثِ عنْ عبدِ اللهِ بنِ عمرو رضي الله عنه قال: قالَ: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى امْرَأَةٍ لَا تَشْكَرُ لِزَوْجِهَا، وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ"، ما أعظمَ هذا الحديثَ! فَشُكْرُ الناسِ منْ شكرِ اللهِ تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا يشكرُ اللهَ منْ لا يشكرُ الناسَ"، وفي روايةٍ: "مَنْ لمْ يشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يشْكُرِ الله".
إنَّ كثيرًا منْ مشكلاتِ البيوتِ تقعُ بسببِ عدمِ الإقرارِ بالإحسانِ، ونكرانه! فمعَ إحسانِ كثيرٍ منَ الأزواجِ فهيَ لا تشكرُه ولا تُشعِره بفضلِه، وإذا كانَ على الزوجِ ألا يَمُنَّ فيما يُعطيهِ زوجتَه كمَا مرَ معنا عندَ قولِه تعالى: { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6]، ففي المقابلِ على المرأةِ أنْ تشكرَ زوجَها، وأنْ تُبادِرَ بشكرِهِ فلا تَضْطّرَهُ إلى أنْ يتحدثَ عما فعلَ، وكذلكَ على الرجلِ أنْ يشكرَ زوجتَه إذا أحسنتْ، فلا الرجلُ يستغنِي عنِ المرأةِ، ولا المرأةُ تستغني عنِ الرجلِ {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:187].
منَ الأزواجِ مَنْ لا يُمكنُ أنْ تُقدِّمَ زوجتَه الطعامَ ويَنتهِي منْهُ، إِلَّا أَقْدَمَ على شكرِها والثناءِ عليها، وهيَ تبادِلُهُ نفسَ الشعورِ بشكرِهِ والثناءِ عليهِ لبذلِه ونفقتِه، فالرجلُ يُبادِرُ بشكرِها، وهيَ تُبادِرُ بشكرِهِ، ولكنْ الواجب أن يقوم كل منهما بواجبه، بل يصنع المعروف وإن لم يكن واجبًا عليه ثم عليه ألا ينتظرُ الثناءَ منَ الآخَرِ، بل ليكن شعاره: {لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} [الإنسان:9]، وهذا فيما نبذله ونصنعه ليكتب لنا الأجر موفورًا.
وأما فيما نأخذه فليكنْ شعارَنا الشكرُ بيننا وبينَ الآخرينَ منْ أهلٍ وولدٍ، ثمَّ لمنْ أحسنَ إلينا أيَّ إحسانٍ كان فإن من لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجل، والعاقبة: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، ونعوذ بالله من الأخرى: {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].
فهذا الحديثُ يبيِّنُ فيهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم طبيعةَ كثيرٍ منَ النساءِ، وإذا كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُوصِي الرجالَ فيقولُ: "لا يَفْرَكُ مؤمنٌ مؤمنةً إذا كرِهَ منها خُلقَا، رضِي منها خُلقًا آخرَ"، فهوَ هنا يُنبِّه النساءَ بالتحذيرِ من الخُلقِ السيئِ، يقولُ: لو أحسنتَ إلى إحداهُن الدهرَ ثمَّ رأتْ منكَ شيئًا، معناه أنهُ عاشَ معَها سنواتٍ طويلةً فَلا يُمكنُ أن يُحسنَ الرجلُ إلى زوجتِه الدهرَ إلا أن يكونَ عاشَ معَها طويلًا، فهو يُحْسِنُ إليها بدونِ كدَرٍ وبدونِ مَنٍّ ثم إذا رأتْ شيئًا يسيرًا مزعجًا، قالتْ: ما رأيتُ منكَ خيرًا قطْ!
وفي هذا الحديث تنبيه على خطر كفران العشير، وهو وإن كان في النساء كثير لكن كثيرًا منهن فاضلات شاكرات، وإذا قلنا شاكرات فلا نعني بالشكر كلمة تخرج من طرف اللسان، لكن شاكرات شكرًا باللسان وبالأفعال أيضًا، كما قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34].
ولئن كان كفران العشير في النساء خصلة ذميمة فهو في الرجال موجود وهو أشد قبحًا، فليحذره الجميع.
فليكنْ المنهجُ هو الشكر لا الكفر! والعفوَ والصفحَ والإعراضَ عن الإساءةِ لا المؤاخذة بها لتَعُمَّ السعادةُ بيوتنا