قال أهل العربية :إن النّكرة هي الأصل، والمعرفة فرع عنها، كما عند سيبويه والجمهور، ومثله التذكير أصل والتأنيث فرع. وإنما كانت النكرة أصلا والمعرفة فرعا لدخول كل معرفة تحت نكرة، من غير عكس، ولأن النكرة لا تحتاج لقرينة بخلاف المعرفة
{ كَذِبًا / الْكَذِب }
بالتنكير { كذبًا } تعني أي كذب عام دون تخصيص أو تقييد :
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ... (93)} [الأنعام]
{ كَذِبًا } نكرة في سياق النفي أفادت العموم
{ ... وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ... (61)} [طه] ، نكرة في سياق النفي أفادت أي كذب، فهو جرم وظلم في حق الله تبارك وتعالى.
بالتعريف { الْكَذِب } يدل على التخصيص والتعيين لمسألة تناولها السياق القرآني واحتفل بها النظم الرباني :
{ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَـٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103)} [المائدة] ، الكذب في هذه المسائل التي ساقتها الآية الكريمة وذكرتها.
ونظيره قوله تعالى :
{ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... (60)} [يونس]]
جاء اللفظ معرفًا { الْكَذِب } ؛ لأنه يتناول مسألة مخصوصة ألا وهي مسألة الافتراء على الله في التحريم والتحليل :
{ ... فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا ... (59)} [يونس]
إذًا المعرفة لها دلالة التعيين والتحديد.
{ مَّعْرُوف / الْمَعْرُوف }
بالتنكير { مَّعْرُوف } تعمّ أي معروف دون تخصيص أو تقييد : { فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ ... (240)} [البقرة] أي معروف بدلالة دخول { مِن } البيانية عليها، وقد ذكر المفسرون جملة من هذا المعروف منها الطيب والخروج و... والآية منسوخة حكمًا.
ونظيره قوله تعالى :
{ ... إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ ... (114)} [النساء] فجاء لفظ { مَعْرُوف } نكرة ليدل دلالة واضحة على العموم والشمول لأي معروف في ظل الإصلاح فأي معروف يؤدي للإصلاح فهو داخل في عموم الخير.
بالتعريف { الْمَعْرُوفِ } دخول أل التعريف قيّد الكلمة وحددها، ففي قوله تعالى { ... فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... (234)} [البقرة] ، دخول الباء على الكلمة أفاد الإلصاق، وألصق شيء بالمطلقة هو الزواج كما جاء عن مجاهد عند ابن جرير رحم الله الجميع إذًا ثمة فرق بين التنكير والتعريف.
ونظير ما سلف ذكره قوله تعالى { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... (19)} [النساء] ، فلفظ { الْمَعْرُوفِ } عرّف؛ لأنه معلوم بين الزوجين واتفقوا عليه قال السمعاني: الإجمال في المبيت والنفقة وقال الراغب: ما يعرفه العقل وقال الحسن: هو : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً (4)} [النساء] ، إذًا المعرفة معهودة في التعبير
{ فَاحِشَة / الْفَاحِشَة }
بالتنكير { فَاحِشَة } قد تعني العموم الشمول، وهذا من أغراض التنكير كما قال تعالى :
{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ... (135)} [آل عِمران] ،
تعمّ أي فاحشة دون تخصيص، وهذه رحمة ورأفة بنا من الله تعالى أن أي فاحشة يمحوها الذكر الاستغفار وعدم الإصرار عليها
ونظيره: { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ... (30)} [الأحزاب] ، فجاء اللفظ منكّرًا لعمّ أي فاحشة مهما صغرت وقلّت وهذا تحذير من الله تعالى لنساء النبي عليه السلام أن يقترفن شيئا من الفاحشة، وحاشاهن ذلك كل ذلك تطهير لمقام ومنزلة النبي عليه السلام أن تندس أو تمس بسوء.
وبالتعريف { الْفَاحِشَةَ } دخلت أل على اللفظ ليبلغ هذا اللفظ منتهاه وأقصاه وشناعته في معناه، وهذا نلمسه من قوله تعالى في خطاب لوط عليه السلام لقومه : { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ } فهم بهذا الفعل بلغوا أقصى درجات الفحش ومنتهاه، بل إنهم خرجوا عن الفطرة البشرية بذلك. ومثل ذلك قوله تعالى :
{ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)} [النور] ، وهذا تعقيب على قصة الأفك، وما رماه المنافقون بحرم النبي عليه السلام عائشة رضي الله تعالى عنها وأشاعوه في المدينة فهو اتهام لعائشة رضي الله عنها وتعدٍ على بيت النبوة فليس بعد هذه الفاحشة من فاحشة
{ جَبَل / الْجَبَل }
بالتنكير { جَبَل } تعني العموم والشمول، وهذا نلحظه من قوله تعالى : { قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ... (43)} [هود] فمع خضم الطوفان الهائل الذي أعدم وسحق طغيان قوم نوح وأهلكهم، نادي نوح عليه السلام ابنه ليركب معه في الفلك، فرد الابن أنه سيعتصم بأدنى جبل، ظنًا منه أنه سينجو
ونظير ما سلف قوله تعالى: { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ... (21)} [الحشر] ، هذه الآية تبين عظمة القرآن جاء لفظ { جَبَل } نكرة لتعمّ الجبال قاطبة، فلو نزل هذا القرآن على جبل لخشع وتصدّع من هيبة القرآن وتأثيره، هل أدركنا هذه الهيبة لكلام ربنا ؟ أجل ما بال قلوبنا أقسى من الجبل !
وبالتعريف { الْجَبَل } تدل على العهد الذهني، كما في قوله تعالى :
{ ... قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِ ... (143)} [الأعراف] ،
وهذا معهود لدى موسى عليه السلام وتدل أيضا على منتهى عظمة الجبل فإذا كان هذا الجبل الأشم الأعظم انهار لنور الله ودكّ، فكيف لبشر من لحم ودم أن يتحمل ذلك !
ومثله : { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ... (171)} [الأعراف] ، والجبل هنا هو الطور بدلالة : { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ (154)} [النساء] ، فالتعريف هنا للعهد الذهني، فهو معلوم لدى بني إسرائيل فالتعريف للجبل حدد الكلمة وعينها وهذا من دلالة التعريف في العربية وصفوة هذا الكلام أنه شتان بين التنكير والتعريف
{ قَرْيَة / الْقَرْيَةَ }
بالتنكير { قَرْيَةٍ } تدل عل العموم ، كما قال تعالى : { وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } ،فأفادت العموم بتنكير اللفظ، ومما زاد في استغراقها في العموم لفظ { مِن } الاستغراقية التي سبقت بالنفي ليدل المعنى على التحذير والإنذار فلا قرية خارج هذا الوعيد الشديد
ونظير ما سبق قوله تعالى { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ ... (8)} [الطلاق] ، فجاء لفظ { قَرْيَة } منكّرًا ليعطي بهذا التنكير إفادة الشمول في دلالته وهو بذلك يهدد زيغ أهل القرى عامة عن شرع الله وهداه وتعليمه ويخص بهذا التهديد أئمة الكفر بمكة فلا أحد خارج هذا الوعيد
بالتعريف { الْقَرْيَةَ } قد تدل على التعيين والتحديد، كقوله تعالى { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ... (82)} [يوسف] ، فهذا التعريف للفظ { الْقَرْيَةَ } دلّ على التعيين، فأخوة يوسف يخاطبون أباهم وهو يعلم ما يقصدون، ولا جرم أن في هذا اختصارًا لمرادهم وإيجازًا لكلامهم.
ونظير هذا قوله تعالى { وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ ... (163)} [الأعراف] ، فجاء اللفظ بالتعريف : { الْقَرْيَةَ } للعلم بها، قال جمع من المفسرين: هي أيلة ، وقيل هي مقنا فاليهود تعلم ما حلّ بهذه القرية ولا خلاف بينهم فالتعريف أفاد العهد الذهني وهي في نفس الوقت تهديد لهم
{ نَار / النَّار }
{ نَار } : من دلالة التنكير في هذا اللفظ هو التهويل والتخويف والترتيب ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ... (6)} [التحريم] ، فالله جل شأنه يحذر عباده ويخوفهم من فظاعة وعظمة ناره، وذلك بأسلوب التنكير، وهذا أحد أغراض التنكير في العربية
ومثل ما ذكرت قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ... (10)} [النساء] ، فورد في الآية الكريمة لفظ : { نَارًا } بالتنكير للتهويل والتخويف وعاقبة من يأكل مال اليتيم ظلمًا والتجرؤ عليه واستحلاله فهنالك طائفة من الناس لا يرتدعون إلا بمثل هذا التهديد وهذا من أغراض التنكير
وبالتعريف : { النَّار } للعلم بها وعدم جهلها من قبل المتكلم والسامع، كقوله تعالى : { وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ... (80)} [البقرة] ، فهم يعلمون علم اليقين هول النار وعذابها، وأنّى لهم أن يجهلوها فالتعريف للفظ أفاد مزية العلم بها من قبل المتكلم والسامع.
ونظيره قوله تعالى : { وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)} [آل عِمران] ، فالتعريف للفظ للعلم به من جراء السماع بها والتحذير منها، وهذا خطاب للمسيئين المذنبين في جنب الله تعالى ومن تجرأ على حدوده وتعدى على حق الله وهو يعلم أن هذا سيفضي به للنار فأمر الله باتقاء النار
{ ضُر / الضُرُّ }
بالتنكير { ضُر } عام، يدل على الشمول، وهذا عين دلالة النكرة يقول الحق جل وعلا : { وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ ... (8)} [الزُمَر] ، أي ضر، مهما كان حجمه وقوته وضعفه! عندها يبادر الإنسان لربه مباشرة { ... دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ... (8)} [الزُمَر] في هذه الحالة يتبين حجم الإنسان وضعفه سبحان الله!
ونظيره قوله تعالى : { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ ... (75)} [المؤمنون] ، فجاء اللفظ { ضُرٍّ } نكرة مجرورًا بمن الاستغراقية ليعمّ أي ضر واقع بهم مهما كان حجمه، ومع هذا كله لرجعوا في طغيانهم واستمروا في غيهم إذًا النكرة لها دلالة واضحة إذ هي ترسم صورة بيانية، لا تؤديها المعرفة
وبالتعريف : { الضُرًُ } هو المرض حينًا ، كما قال تعالى في شأن أيوب عليه السلام بعد أن أنهكه شدة المرض وطوله زمنه : { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)} [الأنبياء] ، فالتعريف له دلالة التعيين، فنادر ما يخرج التعريف في لفظ الضر عن شدة المرض كما قال تعالى في سورة يوسف { ... مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ... (88)} وهو العمى
ومثله قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا ... (12)} [يُونس] ، قال السدي رحمه الله هو المرض، وهو قول قتادة أيضا. فالتعريف للكلمة يحجر من معناه ولا يرخي لها العنان في عموم المعاني وهذا التعبير القرآني الفريد جاء على سنن اللغة العربية وطرائقها
{ بَلَدًا / الْبَلَد }
بالتنكير : { بَلَدًا } الأصل فيها تعني العموم، كما نلحظ هذا من دعوة أبينا إبراهيم عليه السلام لما زار مكة لأول مرة، ولم تكن تأهلت بالسكان بعد ولم يستوطنها أحد، فدعا لها بالأمن والرزق والخيرات : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا ... (126)} [البقرة] ، وهذا من دلالة النكرة في هذه الآية
ومثله قوله تعالى : { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ ... (7)} [النحل] ، وهذه إحدى النعم العظيمة التي منحها الله تعالى للإنسان، أن سخر المركوبات من الإنعام تحمل متاعه إلى عموم البلدان، وهذا ما نستقيه من دلالة النكرة { بَلَدٍ } التي أطلقت العموم في وظيفتها
وبالتعريف : { الْبَلَد } لا نجد إطلاق المعنى لهذا التعريف كما هو في حال النكرة، ففي قوله تعالى: { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا الْبَلَدِ (2)} [البلد] ، المعرفة قيّدت المعنى، فلفظ { الْبَلَد } المراد به مكة دون غيرها كما جاء عند ابن جرير رحمه الله، إذًا التعريف له شخصيته كما هو للتنكير أيضًا ونظيره قوله تعالى : { وَهَـٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)} [التين] ،وهو مكة ولا ريب، فالتعريف عني به مكة في هذه الآية تحديدًا، والشرف كل الشرف لهذا التعريف الذي أريد به مكة البلد الأمين، ومثله قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا ... (35)} [إبراهيم] وهذه الدعوة بعد أن تأهلت مكة وخرج ماؤها
{ حَيَاة / الْحَيَاة }
بالتنكير: { حيَاَة } لفظ أريد به إطلاق وعموم، فقد يراد به حتى حياة مهينة ذليلة، كقوله تعالى : { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ ... (96)} [البقرة] ، هكذا حال اليهود، فغاية مرادهم أن يبقوا في هذه الحياة حتى لو بلغت حياة ذلّ واضطهاد، وعيشة ضيق ونكد ، وجاء التنكير مرة أخرى ليدل على نقيض ما ذكرت آنفًا، فقد يدل التنكير على حياة شرف وعزّ وكرامة وحفظ للإنسان ونسله وهذا ما تضفيه لفظ حياة في قوله تعالى : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (176)} [البقرة] ، فالقصاص عندما يقام في الأرض فإن الإنسان يعيش حياة مطلقة من العز والكرامة
وبالتعريف جاء لفظ: { الْحَيَاة } على ما يربو ستين مرة في القرآن كلها تعني هذه الدنيا، لم يشذّ عنها لفظ واحد كقوله تعالى: { ... وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } ، وقوله تعالى: { أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)} [التوبة] ، وأما الآخرة فلم توصف بالحياة إنما وصفت بالدار
ولفظ { الْحَيَاة } قد نراه موصوفًا تارة بلفظ { الدُّنْيَا } وتارة أخرى يُستعاض بالصفة { الدُّنْيَا } عن الموصوف فالأول كقوله سبحانه : { وَمَا هَـٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)} [العنكبوت] ، وهذا في ذمها لمن قدّمها واستغرق فيها وحرص عليها والثاني قوله عزّ وجلّ : { ... ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة] ، في سياق الذل والخزي
{ رَّسُول / الرَّسُول }
بالتنكير : { رَّسُول } لفظ عام مطلق، كقوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ } فدخل أي رسول أرسل من لدن الله تعالى تحت هذا اللفظ { رَّسُول } لأنه اللفظ غير معين لأحد وهذا مفاد النكرة في هذا السياق ومما زادها إغراقًا في التنكير دخول { مِنْ } الاستغراقية عليها ، ومثل ذلك كقوله تعالى : { ... رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ ... } ، { رَسُولاً } لفظ عام نكرة يعني أي رسول، وهذا من حجج الكفار الكاذبة عند حلول المصائب بهم كما قال تعالى : { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } فالحاصل أن دلالة النكرة في تعبير القرآن الكريم تفيد الإطلاق والعموم والشمول
وبالتعريف : { الرَّسُولُ } تعني التخصيص والتعيين كما يظهر هذا المعنى من قوله تعالى : { وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ... (153)} [آل عِمران] ، ولا ريب أن المراد بهذا التعريف هو النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا يوم أُحد، وإظهار التعريف هنا أضاف إفادة التوبيخ لمن خالف أمر الرسول في أحد ومثله قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ... (41)} [المائدة] ، ولا ريب أن التعريف مقصود به النبي محمد عليه السلام وهذا مع طائفة من المنافقين كما جاء عند الواحدي رحمه الله وهذا التعريف له نظائر كثيرة، منها قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ... (67)} [المائدة]
{ عَدُوٌّ / الْعَدُوُّ }
بالتنكير : { عَدُوٌّ } قد تعني تهويل وتعظيم الشيء، لأخذ الحذر منه، كما نرى في قوله تعالى : { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ... (6)} [فاطر] ، فالله جلّ شأنه يحذر عباده من عدوهم الأكبر اللدود إبليس الذي أخذ على نفسه غواية بني آدم هذا من ما تعطية الكلمة { عَدُوٌّ } من دلالة ، ومثله قوله تعالى : { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ ... (112)} [الأنعام] ، فلفظ { عَدُوًا } عام لا يتخصص، بدلالة ما بعدها : { شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ } وهذا التنكير للفظ أوجب الحذر من هاتين الطائفتين، فكلتاهما قد يكون منها عدو هذا من دلالة التنكير العموم والشمول والأحاطة
وبالتعريف : { الْعَدُوُّ } جاءت مرة واحدة في القرآن الكريم معرفة بأل ورود اللفظ بالتعريف جاء ليعين ويحدد عدوًا من أخطر أعداء الأمة الإسلامية ألا وهم المنافقون ، قال تعالى : { هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4)} [المنافقون] ، هذا التعريف يسلط الضوء على العدو الحقيقي الخفيّ فهل أدركنا حقيقة التعريف!
كما أسلفت لم ترد { الْعَدُوُّ } معرّفة بأل إلا في واحدة في سورة المنافقون، َوالإضافة إحدى أنواع المعارف فقوله تعالى : { ... لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ... (1)} [الممتحنة] ، { عَدُوِّي } إضافة وهي معرفة، والإضافة حددت لنا اللفظ ، جاء عند جمهور المفسرين: هم مشركو مكة ، والآية نزلت في حاطب بن بلتعة
رد: سلسلة النكرة والمعرفة في القرآن الكريم / الشيخ صالح التركي
{ ظُلُمَات / الظُّلُمَات }
بالتنكير : { ظُلُمَات } له دلالة الإطلاق والعموم، قوله تعالى في حال المنافقين { ... وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ (17)} [البقرة] ، ظلمة الكفر والحيرة والشك والليل وعدم الاهتداء بنور الله، وقال السمعاني: في شدائد . إذًا التنكير للفظ { ظُلُمَات } أعطى صورة مطلقة للمعنى.
ومثل ما سلف ذكره، قوله تعالى { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ... (40)} [النور] ، فورد اللفظ { ظُلُمَات } نكرةً في دلالة التهويل، وهذه حال مخيفة لتلك الظلمات في أعماق البحار فهي تظهر عظمة الخالق الذي أبدع كل شيء وتعطي صورة لظلمات حالكة لا يعلم خفاياها إلا الله جلّ شأنه
وبالتعريف : { الظُّلُمَات } تتعين وتتحدد شخصية الكلمة، فقوله تعالى في شأن يونس عليه السلام : { ... فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} [الأنبياء] ، جاء عند ابن جرير رحمه الله عن قتادة: ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت، إذًا التعريف يعطي صورة مقيدة حاضرة لمعنى الكلمة في ذهن السامع .
ونظيره قوله تعالى : { لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } ، فالظلمات جاءت معرفة ، جاء عند القرطبي رحمه الله وغيره: الكفر وقال ابن جرير رحمه الله :الضلالة ولا فرق بينهما. هذه صورة التعريف في اللغة العربية جاءت لتعطي معنى غير مطلق أو عام بخلاف النكرة
,,,,,,,,,,,,,,
{ صَخْرَة / الصَّخْرَة }
بالتنكير : { صَخْرَة } تعني أي صخرة فالكلمة تدل على العموم، وهذا أحد أغراض التنكير، وهذا نلمسه من قوله تعالى : { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ ... (16)} [لقمان] ، فإن حبة الخردل معلوم مكانها عند الله تعالى حتى لو اختفت في أي صخرة في الأرض، فالتنكير أظهر سعة علم الله تعالى
وبالتعريف : { الصَّخْرَة } أل المعرّفة للكلمة هي للعهد الذهني في قوله سبحانه : { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ ... (63)} [الكهف] ، هذه الصخرة معهودة لدى موسى عليه السلام وفتاه وهي معلومة لديهم ولا يمكن أن يطرأ عليها الجهل فالتعريف يرسم لنا صورة حضور الشيء أحيانًا، وهذا أحد معالمه
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
{ بَيْت / الْبَيْت }
بالتنكير : { بَيْت } يدل على العموم، وهذا نلحظه من دعاء امرأة فرعون لمّا اشتدّ عليها أذى فرعون، فدعت الله تعالى : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)} [التحريم] ، فنكرت اللفظ ليشمل أي بيت وحسبك ببيت في الجنة فالعموم ظاهر من سياق الدعاء وهو أحد أغراض التنكير
ونظيره قوله سبحانه في وصف بيت العنكبوت : { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)} [العنكبوت] ، هذا البيت الذي كله ضعف ووهن، لا من حيث الشكل الخارجي أو الضعف الداخلي فالتنكير يرسم لنا صورة الضعف والوهن وهو يتحدث عن بيت العنكبوت فالنكرة من أغراضها تحقير الاسم والتقليل من شأنه
وبالتعريف : { الْبَيْت } أكثر وروده في على معنى البيت العتيق والحرم المكي الشريف، ومنه قوله سبحانه : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)} [البقرة] ، وقوله عز وجلّ : { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَـٰذَا الْبَيْتِ (3)} [قريش] ، فتعريف البيت لا يذهب بالذهن بعيدًا عن مراد الحرم المكي الشريف وهذا التعريف قيد لنا المعنى ووثقه بهذا المدلول القرآن الكريم
ومثله بالتعريف، قوله جلّ وعلا : { ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب] ، والسياق في شأن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فمراد التعريف هنا { الْبَيْت } هو بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء النبي عليه السلام من أهل البيت كما نص على ذلك ابن كثير رحمه الله تعالى
,,,,,,,,,,,,,
{ عَظِيم / العظيمُ }
{ الْعَظِيم } : هو الذي ليس وراءه عظمة، فالعظمة تنتهي عنده
بالتنكير : { عَظِيم } تعني جزءًا من العظمة، هذا ما نلمسه من وصف الهدهد لعرش المرأة : { ... وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)} [النمل] نعم هو عظيم لكن لا تنتهي عنده العظمة، فهو من جملة عروش ملوك الدنيا،وهو من أعظمها
ومثله قوله تعالى : { ... وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } وهذا في وصف بطش فرعون ببني إسرائيل وُصِف بقوله تعالى : { عَظِيم } وهو قتل الأبناء واستحياء النساء، ولا ريب أنه عظيم، لكن التنكير للكلمة لم يعطه ذروة العظمة، إذ ثمة عظمة فوقه وبعده !
وأما بالتعريف : { الْعَظِيمُ } فهو استغراق هذه العظمة فلا شيء فوقها وهذا ما يفيضه علينا التعبير في قوله تعالى في آية الكرسي : { ... وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)} [البقرة] ، وقول الهدهد في وصف عرش الله تعالى : { اللَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)} [النمل] ، فلا عظمة تفوق هذا العرش وفي قوله سبحانه : { ... وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
ونظيره قوله عز وجلّ في سورة الصافات : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60)} هذا هو أعظم فوز جاء في القرآن الكريم، إذ أن هذا الفوز أفضى بصاحبه للجنة ، فهل ثمة عظمة بعد هذا ! فالتعريف لكلمة { الْعَظِيم } استغرق المعنى كله وقصره في هذا التعبير، وهذا من دلالة التعريف
,,,,,,,,,,,,,,,,,,
{ يَوْم / الْيَوْم }*
بالتنكير : { يَوْم } جاء في سياق التهويل والتخويف، هذا ما تضفيه دلالة التنكير في قوله تعالى : { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ... (281)} [البقرة] ، وقوله جلّ وعلا : { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} [المطففين] فالتنكير أعطى مهابة لهذا اليوم العظيم الذي جعله الله ميقاتا وفصلا للخلائق أجمعين، وهذا أحد أغراض التنكير
ونظير ما سبق قوله سبحانه : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا ... } فجاء اللفظ نكرة : { يَوْمًا } للترهيب ولتهويل ذلك اليوم الموعود، فحذّر الله جلّ شأنه من عاقبته وهيبته، كل ذلك تحفيزًا للاستعداد لذلك اليوم والعمل من أجل والنجاة من أهواله، وهذا كله ظاهر من التنكير
وبالتعريف : { الْيَوْم } لدلالة التعيين والتحديد، وهذا ظاهر من قوله عز وجلّ : { ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ... (39)} [النبأ] ، وهو يوم القيامة الذي هو حق في وقوعه وقيامه وتحققه، والذي لا مجال لإنكاره أو التشكيك فيه فالتعريف لليوم إبرز صورة التحقيق له والتعظيم في شأنه وتعيينه
ومثله قوله تقدست أسماؤه : { الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)} [غافر] ، فجاء اللفظ معرفًا { الْيَوْم } وهو يوم الحساب، ليكون موعدًا محددًا لجزاء الظالمين والقصاص منهم للمظلومين المضطهدين فالتعريف أضفى التحديد للكلمة
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
{ خَاطِئِين / الْخَاطِئُونَ }*
كلتا الكلمتين جمع مذكر سالم
بالتنكير : { خَاطِئِين } كما في شأن إخوة يوسف لما وقع منهم الخطأ في شأن أبيهم وأخيهم، قال تعالى : { قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) [يوسف] ، فالكلمة جاءت نكرة لتصور حالة الخطأ التي وقعت منهم غير أن هذا الخطأ المقصود لم يبلغ منتهاه فهو من جملة الأخطاء التي تقع لذا نكّر
بالتعريف : { الْخَاطِئُون } هم من بلغ بخطئهم قمة الخطئ، فلا شيء بعده وهؤلاء بخطئهم أودى بهم للنار عياذًا بالله، فلا ريب أنه منتهى الخطئ كقوله سبحانه : { لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (35)} [الحاقة] ، والتعريف أضفى على الكلمة الاستغراق في الصفة، وهذا من أغراض التعريف
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
{ سَلَام / السَّلَامُ }
بالتنكير : { سَلَام } قد ترد على معنى التقليل ، هذا ما نلمسه من قوله تعالى { وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)} [مريم] هذا القليل من الله، لكنه عند الناس كثير وفي نظرهم، كما قيل: قليل منك يكفيني ولكن قليلك لا يقال له قليل فالحاصل أن التنكير قد يدل على التقليل
و بالتعريف : { السَّلَامُ } أفادت الاستغراق كله، وهذا نراه في سلام عيسى عليه السلام على نفسه : { وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)} [مريم] ومهما كان هذا الاستغراق الذي جلبه التعريف في السلام فإنه لا يساوي سلام الله تعالى على عبده يحيى عليه السلام فالتعريف دلّ على الاستغراق في الآية
,,,,,,,,,,,,,,,,,,
{ مُّهْتَدٍ / الْمُهْتَدِي }
بالتنكير : { مُّهْتَدٍ } تعني أي مهتدٍ، فالعموم يتلبس بالكلمة، هذا من تصوره آية وحيدة بالقرآن وهي في سورة الحديد : { ... فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ ... (26)} فالتنكير والتنوين بالكلمة أوسعها عمومًا فالكلمة لا تخصّ أحدًا بعينه إنما وسعت كل مهتدٍ وهذا من أغراض التنكير .
وبالتعريف : { الْمُهْتَدِي } هو من سلك طريق الاهتداء حق السلوك فالتعريف أعطى الكلمة كامل المعنى هذا نلمسه في سورة الإعراف : { مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ... (178)} ، وهي الوحيدة بالقرآن بهذا الرسم { الْمُهْتَدِي } لأنها جاءت على خلفية الحديث عن من آثر لذة الدنيا على لذة الآخرة .
,,,,,,,,,,,,,,,
{ لَغْو / اللَّغْوِ }
بالتنكير : { لَغْو } وردت عامة لم يخصصها شيء، هذا نراه في قوله تعالى : { لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا } ، فهي نكرة في سياق النفي أفادت العموم والشمول، وهذا من نعيم أهل الجنة نسأل الله من فضله، فلا يسمعون فيها لغطًا ولا فحشًا من القول، بل جلّ كلامهم التسبيح.
وبالتعريف : { اللَّغْوِ } جاء تفسيره عند ابن جرير وغيره هو: الشتم والأذى وقيل غير ذلك، وهذا في قوله تعالى { ... وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)} [الفرقان] وهذه الآية تبين علو وسمو أخلاق المؤمنين والتعريف حصر معنى الكلمة فلم يجعلها مطلقة، وهذا من أغراض التعريف
رد: سلسلة النكرة والمعرفة في القرآن الكريم / الشيخ صالح التركي
{ مُفْتَرٍ / الْمُفْتَرِي }
بالتنكير : { مُفْتَرٍ } دلّت الكلمة العموم في قوله تعالى : { ... قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ... (101)} [النحل] ، أي من جملة من افتروا على الله، فأنت تتقول على الله وليس ما جئت به وحيًا ، هذا الاتهام من الكفار للنبي عليه السلام يضمن لهم تشتيت الحجة وصرف الناس عن الإسلام.
وبالتعريف : { الْمُفْتَرِي } جاءت بصيغة الجمع في سورة الأعراف { ... وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)} في شأن عبّاد العجل من بني إسرائيل، فالكلمة تخصهم وتدور في راحاهم، ولم تخرج عنهم، فالتعريف للكلمة قصر المعنى على شذاذ بني إسرائيل من عبدة العجل، فشتان بين دلالة النكرة والمعرفة
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
{ قَوْل / الْقَوْلُ }
بالتنكير : { قَوْل } أفادت العموم، كقوله تعالى : { ... فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا (28)} [الإسراء] ، في سياق إرضاء الوالدين، فقد يرضيها أي قول ميسور لين يمسح عناء تعبهما في هذه الحياة، فالتنكير للكلمة أعطى سعة كبيرة ومساحة واسعة من المعنى والاختيار، فأي لغة هذه
وبالتعريف : { الْقَوْلُ } لمعنى يحدده السياق والتعريف، هذا ما تعطيه كلمة القول في قوله تعالى : { ... وَلَـٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي ... (13)} [السجدة] ، جاء عند ابن جرير رحمه الله : العذاب، علاوة على هذا نجد أن التعريف يعطي قوة التهديد والوعيد فلا جرم أن للتعريف دلالة تختص به
,,,,,,,,,,,,,,
{ قَرِين / الْقَرِين }
بالتنكير : { قَرِين } تعني العموم، كما قال تعالى : { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)} [الصافات] والمراد من ذكر هذا القرين بصورة التنكير خطورة أولئك القرناء المجاهيل الذين يحملون ضلالات ربما تؤدي بمن يغتر بهم خسارة الدنيا والآخرة فالتنكير يرسم صورة الإبهام والعموم
والتعريف في { الْقَرِين } يدل دلالة واضحة على التعيين، هذا ما نراه في قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)} [الزُخرف] ، فهذا يخاطب قرينه يوم العرض الأكبر ويعاتبه ويلومه فالتعريف قيّد الكلمة ولم يعطها حرية الإطلاق في المعنى
,,,,,,,,,,,,,,
{ نَهَار / النَّهَار }
بالتنكير : { نَهَار } تعني العموم ، ولم يخصص، هذا ما تؤديه الآية في سورة يونس من معنى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا ... (50)} أي نهار، وهذا فيه تهديد للمخاطبين المجرمين في الآية فلا يعرف متى وقوع العذاب، وبالتالي فلا أمن من مكر الله تعالى
وأما بالتعريف : { النَّهَار } ففي جميع آيات القرآن الكريم المراد به النهار المعهود لدى الإنسان ، كقوله تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ... (114)} [هود] ، { يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ } ، { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ... (12)} [الإسراء] ، وغيرها . إذًا تصوير المعرفة في هذه الآيات وغيره هو للعهد الذهني
,,,,,,,,,,,,,
{ شَفَاعَةٌ / الشَّفَاعَةُ }
بالتنكير : { شَفَاعَةٌ } تعني أي شفاعة مهما قلّت أو عظمت، هذا ما نراه في قوله تعالى { ... وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (123)} [البقرة] ، فهي نكرة في سياق نفي تعمّ كل شفاعة، وهذا في تيئيس بني إسرائيل يوم القيامة من عامة الشفاعة، فالتنكير في سياق النفي عمم المعنى
وأما بالتعريف : { الشَّفَاعَةُ } فقد حجَّم المعنى فلم يتركه مطلقًا، وهذا نراه في قوله تعالى { وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ... (23)} [سبأ] ، وهذا يوم القيامة، فلا أحد يشفع لأحد إلا بإذن من الله تعالى فالتعريف قصر المعنى على شفاعة يوم القيامة
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
{ حَق / الْحَقّ }
بالتنكير : { حَق } تعني العموم قوله { ... وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ... (112)} [آل عِمران] ، أي بغير وجه حق، فجرأة بني إسرائيل تعدت الحقوق وانتهكوا حرمة الدماء حتى في أنبياء الله، ولمّا عبر القرآن بالنكرة التي تدل على الشيوع جاء معها بجمع الكثرة { الْأَنبِيَاءَ } الدال على العموم
و بالتعريف : { الْحَقّ } أي المعهود المشروع، وهذا تصوره لنا الآية في سورة البقرة { ... وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ... (61)} ، أي بغير الحق المشروع الذي أمر الله تعالى (النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه) فهم يَقتلون بغير هذه الحقوق، ثم إن { الْحَقّ } جاءت مع { النَّبِيِّينَ } مناسبة لها
,,,,,,,,,,,,
{ بَعْلًا / بَعْلِي }
البعل : هو الزوج في اللغة، وسمي بعلا لأنه مستعلٍ للقوامة التي كلّفه الله بها
{ بَعْلًا } في الآية في سورة الصافات نكرة : { أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)} نكّر للتحقير وتقليل شأنه، وزاد في ذلك الاستفهام الإنكاري المتقدم عليه فانظر لجمال التنكير للكلمة وما أضفاه من معنى
وأما بالتعريف : { بَعْلِي } والتعريف هنا بالإضافة لياء المتكلم فقد ورد في قوله تعالى على لسان امرأة إبراهيم عليه السلام : { ... وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ... (72)} [هود] ، فالمقصود به هو إبراهيم عليه السلام كما هو ظاهر من السياق فالإضافة أعطت معنى محددا هذا هو سمو التعبير القرآني
,,,,,,,,,,,,
{ كِتَاب / الْكِتَاب }
بالتنكير : { كِتَاب } فقد تنكر العرب لإرادة العموم وهذا حد أغراض التنكير، نلحظ هذا من قوله تعالى : { قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ... (49)} [القصص] ، أي كتاب مطلق ، وقد يراد من التنكير الإفراد كقوله سبحانه : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ... (89)} [البقرة] ، فدلالة التنكير هو الإفراد
وأما بالتعريف : { الْكِتَاب } ، فيتخصص بالسياق، كقوله عز وجلّ : { تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ } والمراد به القرآن الكريم واستفاض القرآن بلفظ الكتاب، وأكثر ما أطلق على التوارة والإنجيل كما في قوله جل وعلا : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ } والحاصل أنه محدد بذكر الكتب الثلاثة، وشذّ عنها
رد: سلسلة النكرة والمعرفة في القرآن الكريم / الشيخ صالح التركي
{ نَذِير / النّذِيرُ }
إذا سبرنا كتاب الله تعالى وجدنا أن من دلالة التنكير في { نَذِير } هو إرادة الجنس والنوع ، وهذا نراه في قوله تعالى : { ... إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ ... (12)} [هود] ، { ... وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)} [فاطر] ، أي جنس النذير أو قد يراد به العموم والاستغراق كقوله سبحانه : { ... أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ... (19)} [المائدة]
أما التعريف في { النّذِير } ، فقد وردت مرتين في التنزيل، وكلتاهما أريد بها النبي عليه الصلاة والسلام، كما في قوله عز وجلّ : { وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)} [الحِجر] ، وقوله تقدست أسماؤه : { ... وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ... (37)} [فاطر] ، قال جمهور المفسرين : هو النبي عليه السلام كما في تفسير الواحدي
{ شَيْء }
لفظ { شَيْء } أبهم كلمة في العربية، موغلة في التنكير، ينتهي التنكير عندها
{ شَيْء } تعني كل شيء في الوجود وغيره، هذه الكلمة من شدة إغراقها في التنكير لا تتعرّف تدل على العموم والشمول والإحاطة، هذا نراه أينما حلّت الكلمة وأينما ولينا أنظارها لها
ومثال ما سلف قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، هنا استغراق كامل عام لقدرة الله تعالى، فكلمة { كُلّ } التي تدل على العموم أضيف لأعم منها وهي { شَيْء } فلا شيء في ملكوت السماوات والأرض خارج قدرة الله تعالى وهيمنته وسطوته مهما كان قدره وعلا شأنه.
ونظيره قوله سبحانه : { ... وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ... (67)} [يوسف] وهنا أمر عجب حيث دخلت { مِّن } الاستغراقية على النكرة { شَيْء } فزادتها إغراقًا في التنكير، كل ذلك ليصور لنا السياق أن يعقوب عليه السلام لا يملك مثقال ذرة من نفع أو ضر لأولاده وإنما هو أخذ بالأسباب !
ومثله، قوله عز وجلّ : { ... وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ... (44)} [الإسراء] هذه الآية تصوّر لنا أن كل ما في الكون على اختلاف أممهم يسبح الله العظيم فالاستغراق في هذه الآية غشي التنكير، فجاء المعنى محيطًا بكل شيء فكل شيء يسبح وينزه خالقه العظيم، فسبحان الله العظيم.
{ قَوْم / الْقَوْم }
هذه الكلمة إذا أطلقت يراد بها الرجال، ويندر أن تضم النوعين رجالا ونساء
من دلالة التنكير لهذا الكلمة : { قَوْم } أن تكون للتحقير، كقوله تعالى : { ... وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)} [الفرقان] ، أو التهويل من الشأن كقوله سبحانه : { قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ ... (22)} [المائدة] ، وهذا من تعدد الدلالة
أما بالتعريف : { الْقَوْم } فيكثر في التعيين والتحديد وبيان النوع كقوله عز وجلّ : { الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } ، { الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ، { الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } ، { الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } ، أو تكون للعهد الذهني : { ... أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ ... (87)} [طه] ، وهذا من تعدد دلالة المعرفة في التنزيل
{ نَفْس / النَّفْس }
بالتنكير : { نَفْسًا } نراها تارة تدل على الإفراد كقوله تعالى في سورة المائدة : { أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ ... (32)} ، ألا ترى أنه قال بعدها : { ... فكأنما قتل الناس جميعاً ... (32)} وهذا من عظم حرم القتل وما رُتب عليه من الوعيد، أو قد تدل على العموم والشمول كقوله سبحانه : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ... (286)} [البقرة]
وبالتعريف : { النَّفْس } قد تكون لبيان إرادة النوع والجنس كقوله عز وجلّ : { ... إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ... (53)} [يوسف] ، أي جنس النفس، أو قد تكون للعهد الذهني وهي النفس المسلمة كقوله جلّ ثناؤه : { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } فالتعريف له دلالته اللغوية وهذا من ثراء اللغة العربية
{ طَعَام / الطَّعَام }
نلحظ من التنكير في قوله تعالى : { ... لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ ... (61)} [البقرة] دلالة الإفراد وهذا ما يؤكده لنا لفظ { وَاحِد } فإن بني إسرائيل أكرمهم الله تعالى في أرض التيه وأسبغ عليهم فضائله وأعطوا ما سألوا ، قال سبحانه : { ... فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ... (61)} وهذا قبل عبادة العجل
والتعريف في لفظ { الطَّعَامِ } ، نلحظ منه إرادة الكل، كما في قوله عز وجلّ : { كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ... (93)} [آل عِمران] ، فلفظ التعريف استغرق جميع الطعام وهذا فضل من الله تعالى على إسرائيل وهو يعقوب.
والحاصل أن هنالك بونًا شاسعًا بين دلالة النكرة والمعرفة في سنن اللغة العربية وقواعدها
وثمة لفظ آخر بالتعريف نختم به هذا المطاف وهذا الجولة الماتعة في كتاب الله في قوله تعالى : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ ... (8)} [الإنسان] ، فجاء اللفظ معرفًا { الطَّعَام } ليوحي بالطعام المعهود، فمع حبهم وشوقهم له إلا أنهم آثروا على أنفسهم وتصدقوا به طمعًا في ما عند الله
بعض أغراض التنكير والتعريف
من خلال طرح هذه الأمثلة السابقة نذّكر ببعض أغراض التنكير التي يكثر ترددها في العربية :
إفادة العموم والجنس
إفادة التهويل والتعظيم
إفادة للتحقير والتقليل
ومن أغراض التعريف أيضًا :
إفادة الجنس والنوع
إفادة الاستغراق
إفادة الحصر والقصر
والحمد لله رب العالمين