إنها آية جليلة القدر، عظيمة المعنى ، فيها النجاة والسلامة لكل من عمل بمدلولها.
إن التمسك بالوحي فيه الخير كله في الدين والدنيا ، وفيه السلامة من كل ضلالة وانحراف ، وفيه الثبات ودوام الاستقامة ، وفيه السعادة في الدنيا والآخرة.
قال السعدي في تفسير الآية: ( فاستمسك ) أي: فعلاً واتصافاً بما يأمر بالاتصاف به ودعوة إليه، وحرصاً على تنفيذه بنفسك وفي غيرك.
( إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) أي: موصل إلى الله وإلى دار كرامته، وهذا مما يوجب عليك زيادة التمسك به والاهتداء. ا.هـ.
وقال ابن كثير: أي: خذ بالقرآن المنزل على قلبك فإنه هو الحق، وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم. ا.هـ.
إن الاعتصام بالكتاب والسنة وخاصة في أوقات الفتن هو المخرج وهو المنجى بتوفيق الله تعالى ؛ ومما يؤكد ذلك، هذا الحديث: ( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي ) صحيح الجامع .
وإن الناظر في أحوال الناس اليوم يجد أن بعضهم قد أعرض عن الكتاب والسنة، لا قراءة ولا تدبراً ولا عملاً ولا تحاكماً، بل هو متبع لهواه أو لمذهب شيخه وقدوته، أو لرأي محبوبه، أو غير ذلك من الأهواء والمذاهب.
ولا شك أن كل من أعرض عن الحق سيقع في الباطل، وكل من بحث عن الهداية في غير الكتاب والسنة فوالله لن يجدها مهما طال عمره.
إنها حقيقة تتمثل في فطرة الإنسان وطبيعة نشأته ، إنه الاستعجال ذلك الأمر الذي هو داء ، ويجر إلى عدة أدواء.
وإذا كانت بعض أمور الفطرة ضرر فلا بد أن نعلم أن الله قد فتح لنا باب المجاهدة ووعدنا أن يهدينا ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) .
والاستعجالُ قد جرَّ على الأمة والأفراد والجماعات ضرراً وشؤماً لا يحيط بخطره قلم فانظر مثلاً:
- الاستعجال في اتخاذ القرار على مستوى بعض المشتروات ، كيف أوقع صاحبه في ديون تراكمت عليه حتى أودعته خلف القضبان.
- الاستعجال في الدعوة إلى الله وحب تغيير الواقع والغفلة عن سنة الله في التدرج فإنه قد أوقع أصحابه في خطأ التفسيق والتفجير والتكفير.
- وانظر إلى الاستعجال في طلب العلم كيف يرمي بصاحبه في فوضى الطلب فلا يخرج بعد سنين إلا مثقفاً لا طالب علم.
- وأما إن سألت عن الاستعجال في طلب الطلاق من قبل تلك المرأة ، ثم استعجال الزوج في قبول طلبها ، فهناك تقع الكارثة وتتفرق الأسرة ، وتزول سحابة الأنس وتغيب معالم السكن ، وأما الأولاد فهم ضحية الاستعجال وغياب الصبر.
- وهناك استعجال في قبول الرأي الآخر وعدم التأني والدراسة له مما ينتج من ورائه الإقدام على المهالك في الغالب.
- والاستعجال في قيادة السيارة يوقع صاحبها في الحوادث مما يدخل في ( وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ).
- والاستعجال في الحكم على الآخرين بدون قانون التثبت يتسبب في دمار العلاقات بل والويلات وفي التنزيل ( فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ).
- والاستعجال في قبول الرجل لتلك الفتاة لتكون زوجة بسبب إقناع الوالدين أو أحدهما بدون معالم التدين والنتيجة في الغالب طلاق أو تنازل عن الثوابت بسبب التورط في الديون أو وجود أبناء فيضطر الزوج إلى البقاء معها مع كراهيته لذلك , والسبب الاستعجال.
- وأيضاً استعجال الفتاة في قبول الزوج لأجل منصبه أو ماله أو جماله وعدم التفكير في دينه وصلاته ، يجر على الفتاة آلام ويُغيَّب عنها آمال ، وقد يكون من رواد المخدرات أو صاحب معاكسات فتندم الفتاة ولكن لا ينفع الندم.
- والاستعجال في علاج الأخطاء بلا منهج مدروس وخطة مناسبة لا يساهم في العلاج ، بل يجعل الخطأ مجموعة أخطاء.
- والحديث عن الاستعجال يطول ، وآثاره لا تنتهي فكن صبوراً متأنياً متأملاً وحينها سيكون لحياتك معنى.
عندما نتأمل في الأسماء الحسنى لله تعالى فينبغي أن لا نقتصر على مجرد الدراسة العلمية العقدية بل لابد من النظر إلى الفوائد التربوية والإيمانية.
وبارك الله فيكم