منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   لغتنا العربية (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   منهج التربية في سورة العصر (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=127869)

امانى يسرى محمد 30-12-2020 10:16 PM

منهج التربية في سورة العصر
 
نتكلم هنا باختصار عن منهج التربية في سورة العصر، فنقول وبالله التوفيق:

قال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].

في هذه السورة الكريمة أربعة أصول للتربية:

1- الإيمان.
2- العمل الصالح.
3- التواصي بالحق.
4- التواصي بالصبر.
يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -:
(أقسم سبحانه أن كل أحدٍ خاسرٌ، إلا مَن كمَّل (قوته العلمية) بالإيمان، و"قوته العملية" بالعمل الصالح، وكمَّل غيره بالتوصية بالحق والصبر عليه، فالحق هو الإيمان والعمل، ولا يتمَّانِ إلا بالصبر عليهما، والتواصي بهما، وكان حقيقًا بالإنسان أن يُنفِق ساعات عمره - بل أنفاسه - فيما ينال به المطالب العالية، ويخلص به من الخسران المبين)[1].

1- الإيمان:
الإيمان شعبٌ كثيرة متدرجة، أعلاها (لا إله إلا الله)، وأقلها إزالة الأذى من طريق الناس.
ذكر البخاري - رحمه الله تعالى - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان)).
ويقول ابن حجر:
وفي رواية مسلم من الزيادة: ((أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها أماطة الأذى عن الطريق))، وفي هذا إشارة إلى أن مراتبه متفاوتة[2].
وذكر البخاري كذلك: (كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عَدي بن عدي: أن الإيمان فرائض، وشرائع، وحدود، وسنن؛ فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان).
قال ابن حجر: قوله (فرائض)؛ أي: أعمال مفروضة، (وشرائع)؛ أي: عقائد دينية و(حدود)؛ أي: منهيات ممنوعة، و(سنن)؛ أي: مندوبات[3].
ومن هنا كان البَدْء والاهتمام بالفرائض والعقائد، ثم الاجتهاد في المندوبات، وبذلك يزيد الإيمان، وتعلو همة المؤمن واهتماماته، فتكون المرحلة التالية، وهي الدليل على الإيمان وقرينه؛ وهو:

2- العمل الصالح:
والعمل الصالح كي يكون مقبولاً عند الله تعالى؛ لا بد من توافر شرطين فيه، هما:
أ- أن يكون العمل خالصًا لوجه الله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى...))[4].
ب- أن يكون العمل في ظاهرِه موافقًا للسنة؛ لقول الله - عز وجل -: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2].
يقول الإمام الرازي:
(أن يكون أخلص الأعمال وأصوبها؛ لأن العمل إذا كان خالصًا غير صواب لم يُقبَل، وكذلك إذا كان صوابًا غير خالص، فالخالص أن يكون لوجه الله تعالى، والصواب أن يكون على السنة)[5].
هذا، والعمل الصالح يشمل جميع أنواع العبادات، وأهمها العمل لإعلاء كلمة الله في الأرض، ورفع شأن المسلمين، وتحسين أحوالهم الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والسياسية والعسكرية، وما مِن شأنه تحقيقُ ذلك؛ بالأخذ بأساليب العلم والتقدم، والأخذ بجميع الأسباب الممكنة، وهذا من أجلِّ العبادات، وأعظم القربات؛ لأنه ما فائدة أداء الصلوات، وإخراج الزكوات، والاحتفال بشهر رمضان والأعياد والمواسم الدينية، والمسلمون كُسَالى لا يملكون قُوتَهم، ولا يستطيعون كفاية أنفسِهم من الخبز، ولا يعتمدون على أنفسهم فيما يستعملون ويستهلكون، وأصبحوا في لهوٍ دائم ولعب متواصل؟!
أليس رفع الذل وإزالة التخلف عن المسلمين عبادة لا تعدلها عبادة؟
أليس من الواجب التواصي بذلك؟

3- التواصي بالحق والصبر عليه: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3]:
يقول الإمام الرازي:
(فالتواصي بالحق يدخل فيه سائر الدين من علم وعمل، وأنه كما يلزم المكلَّفَ تحصيلُ ما يخص نفسه، فكذلك يلزمُ في غيرِه أمورٌ؛ منها الدعاء إلى الدين، والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ودلت الآية على أن الحق ثقيل، وأن المحن تلازمه، فلذلك قرن به التواصي، وإنما قال: ﴿ وَتَوَاصَوْا ﴾، ولم يقل (وتَواصُوا)؛ لئلا يقع أمرًا، بل الغرض مدحهم بما صدر عنهم في الماضي، وذلك يُفِيد رغبتهم في الثبات عليه في المستقبل...)[6].
إن الذي يعيش في النعمة، ويشعر باللذة، وفي قلبه رحمةٌ، يتمنَّى ويسعى لينال الناس كلُّهم هذه الخيرات وتلك البركات.
وقد اقتَضَت حكمة أحكم الحاكمين أن أقام في هذا العالَم لكلِّ حق جاحدًا، ولكل صواب معاندًا، كما أقام لكل نعمة حاسدًا، ولكل شر رائدًا.
فإذا ارتفع صوت الحق ونادى منادي الإصلاح، تحرَّكت جحافل الشر وحُمَاة الباطل، أصحاب المصالح والأهواء، من الملأ وغيرهم، لإسكات أصوات الدعاة إلى الله، والنَّيل منهم، وصب الأذى وألوان العذاب والاضطهاد عليهم صبًّا، فهم في ضلال، وفي سفاهة، وعندهم هوس، ومفسدون في الأرض، وتستمر حملات التشويه والتشويش، لتحذير الناس منهم، فهم شر لا بد أن يستأصل، فكان بعد التواصي بالحق:

4- التواصي بالصبر:
ولعل تلك المحن هي التي تصقل الدعاة وتصهرهم في بوتقة المحنة؛ حتى ينالوا الأجر من الله تعالى، ويكون لدعوتهم أثر حتى بعد الممات.
يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى - وهو يتكلم عن أربع المراتب في سورة العصر:
(وبيان ذلك أن المراتب أربعة، وباستكمالِها يحصل للشخص غاية الكمال؛ إحداها: معرفة الحق، الثانية: عمله به، الثالثة: تعليمه من لا يحسنه، الرابعة: صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه)[7].

ومن هنا فإني أقول:

إن التربية تقوم على منهج، وهذا المنهج يقوم على التدرج وصولاً إلى المطلوب، ولتحقيق الأثر المنشود لا بد من تحديد الأولويات استنادًا إلى قاعدة شرعية، وأصول علمية مدروسة ومحددة؛ وذلك لبناء العبد الرباني، والمثال الإنساني؛ ليتأكد أن نظام الإسلام وغايته ومنهجه إنما هو في تحقيق نظامٍ ومنهجٍ مثالي صالح للتطبيق في دنيا الواقع.
يقول الأستاذ: رفاعي سرور:
(وإذا كان منهج التربية يهدف بالاعتبار العقيدي إلى تكوين "العبد الرباني" لتحقيق التجرُّد، ويهدف بالاعتبار الأخلاقي إلى تكوين "المثال الإنساني" لتحقيق القدوة، ويهدف بالاعتبار المادي إلى تكوين "الإمكانية البشرية" لاستخلاص الطاقة - فإن منهج التربية يهدف بالاعتبار القدري إلى تكوين (أداة الخير لتحقيق الهداية)؛ أي: الداعي المثال...، وبهذا الاعتبار يكونُ منهج التربية هو أسلوبَ تكوين تلك الأداة، ليكون المسلم صاحب دعوة ورسالة، وذلك من خلال سنن النفس البشرية، كما أوجدها الله تعالى مرتكِزًا على الخصائص التي أودعها الله تعالى في تلك النفس، مستفيدًا بالفاعلية القدرية للنفس البشرية في الواقع الكوني بالصفة العامة والفردية، مستحدِثًا بهذا المنهج أثرًا هائلاً في النفس، وبهذه النفس أثرًا هائلاً في الدعوة، وبهذه الدعوة أثرًا هائلاً في الوجود...)[8].

من كتاب: "خصيصة التدرج في الدعوة إلى الله (فقه التدرج)"

[1] مدارج السالكين، المكتب الثقافي للنشر والتوزيع، ص 20.
[2] فتح الباري، جزء 1 ص44 - 45.
[3] فتح الباري، جزء 1 ص 47 باب الإيمان.
[4] فتح الباري، جزء 1 ص 111.
[5] مفاتيح الغيب جزء 15 ص609.
[6] مفاتيح الغيب جزء 16 ص629.
[7] مفتاح دار السعادة، مكتبة دار البيان، 1998م ، جزء 1، ص 82.
[8] كتاب قدر الدعوة، للأستاذ رفاعي سرور، مكتبة الحرمين للعلوم النافعة، 1992، ص 291.

د امين الدميرى
شبكة الالوكة



الساعة الآن 02:52 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام