موعد الميزان بعد الحساب، وهو تكملة له، أو بمثابة حساب تفصيلي بعد الحساب الإجمالي.
قال الإمام القرطبي: «وإذا انقضى الحساب كان بعد وزن الأعمال؛ لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها؛ ليكون الجزاء بحسبها». وهو من عالم الغيب الواجب الإيمان به؛ وذلك لما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالجنة والنار والميزان، وتؤمن بالغيب بعد الموت، وتؤمن بالقدَر خيره وشره». صحيح الجامع رقم: 2798
● حجم الميزان: حجم هذا الميزان ضخم هائل لا يحيط به عقل، بحيث لو وضعت السموات والأرض في كفة الميزان لوسعها، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي قال: «إن نبي الله نوحا لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك الوصية، آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين،آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع، والأرضين السبع، لو وُضِعَت في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة؛ قصمتهن لا إله إلا الله. وسبحان الله وبحمده؛ فإنها صلاة كل شيء، وبها يُرزَق الخلق. وأنهاك عن الشرك والكبر». السلسلة الصحيحة رقم: 134
هل هو ميزان واحد أو عدة موازين؟ هذه مسألة خلافية، والأصح أنه ميزان واحد، والمراد بالجمع الذي جاء في سورة الأنبياء: الموزونات، وهي متعددة. قال ابن كثير في قوله تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا: «الأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد، وإنما جُمِع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه». وقال ابن حجر: «ولا يُشكِل بكثرة من يوزن عمله، لأن أحوال القيامة لا تُكيَّف بأحوال الدنيا».
● دقة الميزان! دقة الميزان ذرية، وحساسيته خردلية، فمثاقيل الذر وحبات الخردل من الأعمال توزن بكل دقة على كفتي الميزان. لذا لما استطعم مسكينٌ عائشة أم المؤمنين، وبين يديها عنب، قالت لإنسان: خذ حبة فأعطه إياها، فجعل ينظر إليها ويعجب، فقالت عائشة: أتعجب؟! كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة؟! الذرة لها قيمة على الميزان غدا، فلا تستحقر ذرة خير، ولا تستهوِن بذرة شر، واذكر –كلما نسيتَ- عنبة أم المؤمنين، ونافس بها غيرك من المؤمنين. ذرات الحقوق والواجبات! والذرات ليست فقط ذرات العمل الصالح الذي ينفع صاحبه، بل ذرات الحقوق والواجبات، وقد روت عائشة رضي الله عنها أن رجلا قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي مملوكين يكذِّبونني ويخونونني ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا منهم؟ قال صلى الله عليه وسلم : «يُحسَب ما خانوك وعصوك وكذَّبوك، وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم؛ كان كفافًا لا لك ولا عليك. وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم؛ كان فضلاً لك. وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم، اقتُصَّ لهم منك الفضل». قال: فتنحى الرجل فجعل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما تقرأ كتاب الله {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}؟ فقال الرجل: والله يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء شيئًا خيرًا من مفارقتهم، أشهدكم أنهم أحرار كلهم». صحيح الترمذي رقم: 2531
● الميزان من أماكن الشفاعة! وزن الاعمال على كفتي الميزان موقف عظيم رهيب، لذا سيقف نبينا صلى الله عليه وسلم ليشفع عند الميزان، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال: «أنا فاعل». قلت: يا رسول الله فأين أطلبك؟ قال: «اطلبني أول ما تطلبني على الصراط». قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: «فاطلبني عند الميزان». قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: «فاطلبني عند الحوض، فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن». صحيح الترغيب والترهيب رقم: 3625 ولن يقف النبي صلى الله عليه وسلم عند الميزان – والله أعلم – إلا ليشفع لأناس خفَّت موازينهم، أو تساوت حسناتهم مع سيئاتهم.
● ما الذي سيوزن؟ أولا: الأشخاص يوزن العبد ليظهر قدر ما فيه من إيمان بالله عز وجل، فعن زر بن حبيش عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يجتني سواكًا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مم تضحكون»؟ قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه، فقال: «والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد». السلسلة الصحيحة رقم: 2750 وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرؤوا: فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا[الكهف:105]». روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال: «رأيت قبيل الفجر كأني أعطيت المقاليد والموازين، فأما المقاليد فهذه المفاتيح، وأما الموازين فهي التي تزنون بها، فوضعت في كفة، ووضعت أمتي في كفة، فوزنت بهم فرجحت، ثم جيء بأبي بكر فوزن بهم فوزن، ثم جيء بعمر فوزن فوزن، ثم جئ بعثمان فوزن بهم ثم رفعت». وصححه الألباني في تخريجه لكتاب السنة لأبي عاصم رقم: 1138
ثانيا: الأعمال: ويدل على هذا ما ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة». صحيح الجامع رقم: 5726 وما رواه أبو مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان». صحيح الجامع رقم: 3957 وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة». صحيح الجامع رقم: 5967 ويرى الحافظ ابن حجر أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : «وروثه وبوله في ميزانه»: يريد ثواب ذلك لا أن الأرواث بعينها توزن.
ثالثا: وزن صحائف الأعمال فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً – أي كتابًا – كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة؛ فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟! فقال: إنك لا تُظلَم، قال: فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة؛ فلا يثقل مع اسم الله تعالى شيء». ولا تعارض، فقد يوزن الثلاثة: الشخص والعمل وصحيفة الأعمال. وهذا ما رجحه الشيخ حافظ الحكمي فقال: «والذي استظهر من النصوص – والله أعلم – أن العامل وعمله وصحيفة عمله – كل ذلك يوزن، لأن الأحاديث التي في بيان القرآن ، قد وردت بكل ذلك، ولا منافاة بينها ، ويدل كذلك ما رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو في قصة صاحب البطاقة بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة، فيوضع ما أحصي عليه، فتمايل به الميزان، فيُبْعَث به إلى النار، فإذا أُدْبِر به إذا صائح يصيح من عند الرحمن، يقول: لا تعجلوا، لا تعجلوا، فإنه قد بقي له، فيؤتى ببطاقة فيها: لا إله إلا الله،، فتوضع مع الرجل في كِفَّة، حتى يميل به الميزان». فهذا يدل على أن العبد يوضع هو وحسناته وصحيفتها في كفة وسيئاته مع صحيفتها في الكفة الأخرى، وهذا غاية الجمع بين ما تفرق ذكره في سائر أحاديث الوزن».
● ما يثقِّل الميزان!
العمل الأول: الإخلاص عن صهيب الرومي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الرجل تطوع حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمسًا وعشرين». صحيح الجامع رقم: 3821 وسبب هذا أنها أقرب إلى الخلاص وأبعد عن الرياء. ولأهمية الإخلاص بدأ البخاري صحيحه بحديث: «إنما الأعمال بالنيات»، وختمه بحديث: «كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»، فالنية يتوقف عليها صلاح العمل وفساده، والميزان هو ما يتبين به قيمة العمل أو بطلانه، وبالتالي سعادة المرء أو شقاؤه، فكان في هذا الترتيب تنبيها للقارىء إلى إخلاص النية في البداية، لما يترتب عليه من ثقل الميزان في النهاية.
العمل الثاني: الخلق الحسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء» صحيح الجامع رقم: 5632 وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن» صحيح الجامع رقم: 134 وصاحب الخلق الحسن يغلب الصائم القائم، ويفوقه في الدرجات. عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار». صحيح الجامع رقم: 1620 قال أبو الطيب محمد شمس الدين آبادي رحمه الله تعالى: «وإنما أعطى صاحب الخلق الحسن هذا الفضل العظيم؛ لأن الصائم والمصلي في الليل يجاهدان أنفسهما في مخالفة حظهما، وأما من يحسن خلقه مع الناس مع تباين طبائعهم وأخلاقهم فكأنه يجاهد نفوسًا كثيرة فأدرك ما أدركه الصائم القائم فاستويا في الدرجة بل ربما زاد».
العمل الثالث: العمل الشاق على البدن وعلى الروح قال إبراهيم بن أدهم: «أثقل الأعمال في الميزان أثقلها على الأبدان». كلما ثقل عليك العمل، ثقل في ميزانك. فصدقة الفقير المحتاج من ماله أثقل في الميزان من صدقة الغني الموسر ببعض ماله. وركعتان من عبد منهك الجسد من السعي على الرزق طوال النهار أثقل من عبادة مستريح البدن.
العمل الرابع: الصبر على فقد الولد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان: لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر، والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه». صحيح الجامع رقم: 2817 وبخ بخ .. كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء، وتُكرَّر للمبالغة. فصبرك على فقد الولد فيه مرارة، كلما زادت رجحت كفة الميزان بحسب مقدار الإيلام، والاحتساب رضا بفعل الرب، والرضا مقابل الرضا، فرضا العبد عن قضاء الرب يقابله رضا الرب عن هذا العبد، وإذا رضي الله عن العبد، أدهشه بعطائه. رُوِي أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان، فلما رآه غُشِي علي ، فلما أفاق قال: يا إلهي .. من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات؟! فقال: «يا داود .. إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة».
العمل الخامس: الحمد لله «والحمد لله تملأ الميزان». صحيح الجامع رقم: 3957 أي أن عِظَم أجر الحمد يملأ ميزان الحامد لله؛ لأن الحمد تعبير عن الرضا، والرضا أفضل أعمال القلوب، كما أن الجهاد ذروة أعمال الجوارح.
● الحكمة من الميزان إن قيل: أليس الله عز وجل يعلم مقادير أعمال العباد، فما الحكمة في وزنها؟ قالوا في ذلك: - إظهار عدل الله عز وجل، وأنه لا يظلم عباده مثقال ذرة. - الميزان بمثابة حساب تفصيلي بعد الحساب الإجمالي الذي عُرِف بتناول الصحف. - إقامة الحجة على العباد بدقة الحساب. - تعريف العباد بأثقل أعمالهم من الحسنات والسيئات. - إظهار علامة السعادة والشقاوة، فيزداد المؤمنون سعادة، ويزداد الأشقياء تعاسة.
● أثر الإيمان بالميزان إذا آمنت بالميزان، وأنَّه ميزان حقيقي له كفتان ، توضع حسناتك في كفة، وسيئاتك في كفة ، أن كلُّ عملٍ ستبذله في هذه الحياة سيوزن غدا، فستزداد إقبالا على الحسنات، وبعدا عن السيئات، بل وستصبح انتقائيا: تنتقي من الحسنات أثقلها، وتحذر من السيئات أخفها وأثقلها. واذكر الميزان عند كل نومة، عن طريق هذا الدعاء النبوي: «كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال: بسم الله وضعت جنبي، اللهم اغفر لي ذنبي، واخسأ شيطاني، وفُكَّ رهاني، وثقِّل ميزاني، واجعلني في الندي الأعلى». صحيح الجامع رقم: 4649
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
ثامناً: الحوض
● الحوض موجود الآن: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب ذات يوم في أصحابه، فأقسم قائلا: «وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن». رواه البخاري رقم: 6590 ومسلم رقم: 2296 وللنبي صلى الله عليه وسلم منبر يخطب به على الحوض، ففي صحيح البخاري: «ومنبري على حوضي». صحيح الجامع رقم: 5587 أي يكون للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة منبر، فينصب على الحوض، ثم يصعد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو أمته إليه: هلموا هلموا، فيتسارع إليه الناس، ويتزاحمون على حوضه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لتزدحمن هذه الأمة على الحوض ازدحام إبل وردت لخمس». صحيح الجامع رقم: 5068 أَي حُبِسَت هذه الإبل عن الماء أربعة أيام حتَّى اشْتَدَّ عطشها، ثمَّ وردت على الماء في اليوم الخامس، فكما أنَّها تزدحم عليه لشدَّة ظمئها، فكذلك تزدحم هذه الأمة على الحوض يوم القيامة لشدَّة الْحر وقُوَّة العطش، فتخيل نفسك وأنت في شدة هذا الحر والعطش، تلمح ضخما حوضا، ماؤه من الجنة، ولا تجري ماؤه على طين بل على تربة جنة النعيم.
● مساحة الحوض: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «حوضي كما بين صنعاء والمدينة، فيه الآنية مثل الكواكب» . صحيح الجامع رقم: 3160 وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء». صحيح الجامع رقم: 3161 وهو هنا يصف شكله، فأضلاع الحوض متساوية، وهو مربع الشكل. وفي صحيح مسلم: «عرضه مثل طوله». صحيح مسلم رقم: 2300 صفة مائه وأثره: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «وماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من يشرب منه، فلا يظمأ أبدا». صحيح الجامع رقم: 3161 هنا حدٌّ فاصل بين عهدين: عهد العطش المتكرر وعهد الري الأبدي. هنا يمحو الله الإحساس بالعطش إلى الأبد، ويصبح الشرب للتلذذ فحسب، فكل شراب في الجنة من خمر وعسل ولبن وماء هو لتذوق ألوان المُتَع ليس غير. وللشارب من الحوض إشراقة وجه مميزة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا، ولم يسودَّ وجهه أبدا ..». صحيح ابن حبان رقم: 6457 فما إن تشرب من الحوض حتى تسري في وجهك إشراقة أبدية وأنوار بهية.
● موارد الحوض: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فيه ميزابان يمدان من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من ورِق». صحيح ابن حبان: 6456
من أين في الجنة؟! من نهر الكوثر، حيث يصُبُّ من الكوثر ميزابان في حوض النبي صلى الله عليه وسلم في موقف القيامة، فماء الحوض دائم متدفق ليس له انقطاع ولا نقصان.
آنية الحوض: كيف يشرب الناس من الحوض؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن في حوضي من الأباريق بعدد نجوم السماء». صحيح الجامع رقم: 2134 وقال صلى الله عليه وسلم : «عدد آنية الحوض كعدد نجوم السماء». صحيح الجامع رقم: 3991 أي أواني كثيرة جدا، والمراد المبالغة لا التساوي في العدد في الحقيقة، فلا خوف من التزاحم، بل كل عبد له آنيته الخاصة به، وهي في انتظاره، لا يأخذها سواه.
● كثرة الواردين على الحوض: ما نسبة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كل من يَرِد الحوض؟! وما هو فرصتنا في الفوز بهذا الكنز؟! اسمع: عن زيد بن أرقم قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلنا منزلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يَرِد عليَّ الحوض» . صحيح الجامع رقم: 5557 وفي رواية: قيل لزيد: كم كنتم يومئذ؟! قال: كنا سبعَ مائة أو ثمانَ مائة. وهذه والله بشارة عظيمة عظيمة، تغري كل مشتاق، وتلهب عزيمة كل كسول.