سألت أخت فاضلة عن هذا الجزء من الآية (228) من سورة البقرة، وكيف يتفق هذا مع قوله قبلها: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فلماذا فضّل الله الرجل على المرأة؟ هذا ملخص سؤال الأخت.
وأحببت أن أجعل الإجابة عامة عل الفائدة تعم.
فأقول والله المستعان والهادي: إننا نقع في الإشكالات من سوء الفهم للنص، لا من النص الديني.. فمعاذ الله أن يكون في النص نقص.
فأما عن المساواة في الإنسانية والتكليف والجزاء والمسؤولية، فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:1] وقال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] ولا نحصي الآيات. ولكنه قال: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران:36]، فمَن الأفضل؟ النص لم يطرح هذه القضية أصلاً، وإنما هذه حقيقة فيزيائية ودينية ونفسية وجسمية وتكوينية ووظيفية.. لا علاقة لها بتفضيل أحد على أحد، ولا يماري في هذا عاقل. وأما قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ} [النساء:32] فهو يعني أن كلاً منهما مفضل في الجانب الذي خُلق له وأُنيط به، فالمرأة مفضلة في قوة العاطفة، وفي مقدار الحنان والرأفة والرحمة.. لدور الأمومة الذي يقتضي كل هذا، وأما الرجل ففُضّل فيما يعينه على عمله في القوة الجسمية، وفي نمط التفكير لا في الذكاء. فالمرأة مفضلة في النظرة ونمط التفكير التفصيلي للأشياء.. وهو مفضل في النظرة العامة والشاملة للأشياء، وهذا مطلوب وهذا مطلوب، وهما متكاملان لتتكامل الوظائف، ولسداد احتياجات الحياة.
وأما قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34] فلو تأملنا واقع الحياة وضروراتها وسيكولوجية كل من الرجل والمرأة تجد أنها بالفطرة تحتمي بالرجل أباً أو أخاً أو زوجاً. فجُعلت الحماية منوطة به، هذه فطرة وليس مجرد تنشئة اجتماعية. والقوامة لا تعني الأفضلية. فالصدّيق كان يقول: وُلّيتُ عليكم ولستُ بخيركم. فالقوامة خدمة ومسؤولية وصعوبات. فإذا كان الرجل ضعيفاً أو سفيهاً أو قليل حيلة فيمكن أن تتولى المرأة مسؤولية البيت، لكن الوضع الطبيعي المؤهل له كلٌّ منهما بالفطرة هو مسؤولية الرجل، وهذه كما أسلفت لا علاقة لها بالتفضيل.
بقي أن نقول: فما معنى وللرجال عليهن درجة؟ هي درجة القوامة التي بيّناها في الوقفة السابقة، ومعاذ الله أن يجعل الله أحداً مفضلاً على أحد بطبيعة خلقته وبما لا كسب له فيه، وكيف هذا وهو يقول: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}؟ ولو بُعثت مريم عليها السلام حيّة هذه الأيام ثم جئنا نوازنها ونقارنها بعدد من الرجال فكم مليار رجل لا يوازنونها؟ أعتقد أن 4 مليارات من الرجال لا يُوازَنون بمريم عليها السلام وهي المصطفاة من الله على نساء العالمين.
أقصد إلى القول: إن الأفضلية للعمل والتقوى لا لما ليس للإنسان فيه دور واختيار وجهد وعمل.
أيها الإخوة الكرام والأخوات الكريمات، اعلموا يقيناً أننا ننطلق من ديننا ولسنا نخضع فيما نقول أو نكتب لضغوط الحضارة الغربية فهي تزعم لنفسها الانحياز للمرأة وهي في الحقيقة تدمّر أنوثتها وإنسانيتها.
ونقل المرأة وتحويلها من مظلومة إلى ظالمة لا يحل المشكلة. وإنما تحلّ مشكلة الظلم بالعدل والقسطاس والميزان الحق.
خلاصة القول: إن بعض المثقفين المتغربين فكراً يزعمون أن الإسلام حابى الرجال وظلم النساء.. وهذا أعجب العجب فالله يقول: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] ويقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40]، ثم إن الله نصير المستضعفين وليس ينحاز للأقوياء على حساب الضعفاء. هؤلاء ساء ظنهم بربهم وتعالى الله عمّا يقولون. فهم جميعاً رجالاً ونساءً خلقه سبحانه، وهو يقول مطمئناً الفريقين: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195].
وللعلم فلو رجعنا إلى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن فسنجد أن مشتقات كلمة رجل 57 مرة، والنساء بتصريفاتها المختلفة 57 مرة بالضبط، فالعدل حتى في عدد مرات الورود في كتاب الخلود، فمن أين يتسرب إلى عقولنا أو أوهامنا أو أفهامنا الظلم من قبل الخالق الحكم العدل الذي وضع الميزان وأمر بالقسط.. أفيجوّز هو وهل يجوز أن نفهم نحن على هذا النحو؟ هذه عجالة كتبتها على عجال في دقائق فإن جاءت غير وافية فمن تقصيري واستعجالي.
ويا أعزة ويا إخوة ويا أخوات، ما من دين أكرم المرأة كدينكم أماً وأختاً وزوجة، ولا دينٌ أوصى بها كدينكم.. ولاحظوا قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} [الأحقاف:15] لقد انتقل من الوالدين إلى الأم مباشرة في منهجية مطردة في القرآن حيثما وصى بالوالدين.
فارفعوا رؤوسكم بدينكم واطردوا الأوهام من عقولكم وأحسنوا فهم قرآنكم وسنّة نبيكم وأحسنوا عرض إسلامكم الجميل، ثم فلنفرق بين الإسلام في ذاته وبين ممارستنا للإسلام فهذه تخضع للتنشئة والثقافة المجتمعية والبيئة والعادات والتقاليد، وقد تكون هذه متخلفة ولا منطبقة مع الإسلام..