في الآية التي معنا يذكر ربنا سبحانه وتعالى بعض أحوال المؤمنين وأعمالهم، من أعظم صور اليقين والخضوع فيقول عز وجل( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ).
تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ أي ترتفع والمعنى يتركون مضاجعهم بالليل من كثرة صلاتهم النوافل، ومن صلى العشاء والصبح في جماعة فقد أخذ بحظه من هذا.[1]
الجفوة ترك مع كراهية المتروك، لأن مجرد الترك قد يصاحبه شوق وألم للمتروك!
{ تتجافى جنوبهم عن المضاجع } أي: ترتفع جنوبهم، وتنزعج عن مضاجعها اللذيذة، إلى ما هو ألذ عندهم منه وأحب إليهم، وهو الصلاة في الليل، ومناجاة الله تعالى.[2]
ولما كان المتواضع ربما نسب إلى الكسل، نفى ذلك عنهم بقوله مبيناً بما تضمنته الآية السالفة من خوفهم: {تتجافى} أي ترتفع ارتفاع مبالغ في الجفاء - بما أشار إليه الإظهار، وبشر بكثرتهم بالتعبير بجمع الكثرة فقال: {جنوبهم} بعد النوم {عن المضاجع} أي الفرش الموطأة الممهدة التي هي محل الراحة والسكون والنوم، فيكونون عليها كالملسوعين، لا يقدرون على الاستقرار عليها، في الليل الذي هو موضع الخلوة ومحط اللذة والسرور بما تهواه النفوس.[3]
قد بعدوا في خلال الليالي عن مواضع رقودهم واستراحتهم يَدْعُونَ رَبَّهُمْ حينئذ خَوْفاً من بطشه وأخذه حسب قهره وجلاله وَطَمَعاً لمرضاته وسعة رحمته وجوده ومغفرته حسب لطفه وجماله وَهم لا يقتصرون بمجرد قيام الليل وصلاة التهجد فيه بل مِمَّا رَزَقْناهُمْ وسقناهم نحوهم من الرزق الصوري والمعنوي يُنْفِقُونَ في سبيلنا على الطالبين المتوجهين إلينا منقطعين عن لذائذ الدنيا ومزخرفاتها سوى سد جوعة وستر عورة وهم بارتكاب هذه المتاعب والمشاق ما يريدون إلا وجه الله وما يطلبون إلا رضاه سبحانه موثرين رضاء الله على أنفسهم مخلصين فيه.[4]
المضاجع آخر مرحلة في اليقظة، ولم تأْتِ إلا بعد عدة مراحل من التعب، ومع ذلك شوق المؤمنين إلى ربهم ورغبتهم في الوقوف بين يديه سبحانه يُنسبهم هذه الراحة، ويُزهِّدهم فيها، فيجفونها ليقفوا بين يدي الله.[5]
ولما كانت العبادة تقطع عن التوسع في الدنيا، فربما دعت نفس العابد إلى التمسك بما في يده خوفاً من نقص العبادة عن الحاجة لتشوش الفكر والحركة لطلب الرزق، حث على الإنفاق منه اعتماداً على الخلاق الرزاق الذي ضمن الخلف ليكونوا بما ضمن لهم أوثق منهم بما عندهم، وإيذاناً بأن الصلاة سبب للبركة في الرزق {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك} [طه: 132] ، فقال لفتاً إلى مظهر العظمة تنبيهاً على أن الرزق منه وحده: {ومما رزقناهم} أي بعظمتنا، لا حول منهم ولا قوة {ينفقون } من غير إسراف ولا تقتير في جميع وجوه القرب التي شرعناها لهم.[6]
{ومما رزقناهم} من الرزق، قليلا كان أو كثيرا {ينفقون} ولم يذكر قيد النفقة، ولا المنفق عليه، ليدل على العموم، فإنه يدخل فيه، النفقة الواجبة، كالزكوات، والكفارات، ونفقة الزوجات والأقارب، والنفقة المستحبة في وجوه الخير، والنفقة والإحسان المالي، خير مطلقا، سواء وافق غنيا أو فقيرا، قريبا أو بعيدا، ولكن الأجر يتفاوت، بتفاوت النفع، فهذا عملهم.[7]
لما ذكر إيثارهم التقرب إلى الله على حظوظ لذاتهم الجسدية ذكر معه إيثارهم إياه على ما به نوال لذات أخرى وهو المال إذ ينفقون منه ما لو أبقوه لكان مجلبة راحة لهم فقال ومما رزقناهم ينفقون أي: يتصدقون به ولو أيسر أغنياؤهم فقراءهم.[8]
وفي إسناد التجافي إلى الجنوب دون أن يقال: يجافون جنوبهم إشارة إلى أن حال أهل اليقظة والكشف، ليس كحال أهل الغفلة والحجاب، فإنهم لكمال حرصهم على المناجاة، ترتفع جنوبهم عن المضاجع حين ناموا بغير اختيارهم، كأن الأرض ألفتهم من نفسها، وأما أهل الغفلة فيتلاصقون بالأرض لا يحركهم محرك.[9]
( يدعون ربهم خوفا وطمعا ) في صلاتهم وجميع أحوالهم هم يكثرون من الدعاء يذكرون الله سبحانه ويدعونه في وقت البلاء والرخاء.
المؤمن إذا عرف ما عند الله من عظيم الفضل، طمع بما عنده رجاء ثوابه، وبالوقت ذاته يخشى عذاب الله وعقابه ولا يأمن مكر الله، دون أن يدفعه ذلك إلى اليأس والقنوط من رحمته، فهو بين الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة، وهذه قمة العبادة.
وصف الله عباده القائمين الليل بوصف آخر إذ يقول (كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ ).
واعلم أن قيام الليل من علو الهمة، وهو وهب من الله تعالى، فمن وهب له هذا فليقم ولا يترك ورد الليل بوجه من الوجوه.[10]
قال عليه الصلاة والسلام( عليكُم بقيامِ اللَّيلِ، فإنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحينَ قبلَكُم، و قُربةٌ إلى اللهِ تعالى ومَنهاةٌ عن الإثمِ و تَكفيرٌ للسِّيِّئاتِ، ومَطردةٌ للدَّاءِ عن الجسَدِ ).[11]
وقال عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما( نعم الرجل عبد الله ، لو كان يصلي من الليل. فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا).[12]
سُئلَ عليه الصلاة والسلام: أيُّ الصلاةِ أفضلُ بعد المكتوبةِ ؟ وأيُّ الصيامِ أفضلُ بعد شهرِ رمضانَ ؟ فقال ( أفضلُ الصلاةِ، بعد الصلاةِ المكتوبةِ، الصلاةُ في جوفِ الليل. وأفضلُ الصيامِ، بعد شهرِ رمضانَ، صيامُ شهرِ اللهِ المُحرَّمِ ).[13]
يقول عليه الصلاة والسلام( إِنَّ في الجنةِ؛ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُها من باطِنِها، وباطِنُها من ظَاهِرِها، أَعَدَّها اللهُ تعالى لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وأَفْشَى السلامَ، وصلَّى بِالليلِ والناسُ نِيامٌ ).[14]
صلاة الليل عبادة جليلة لذلك اعتنى بها السلف الصالح بشكل كبير، وهذه نماذج من اهتمامهم البالغ وحرصهم وتمسكهم بها:
عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان تحت عينيه خطان أسودان من كثرة البكاء! وكان يقوم الليل ويوقظ أهله.
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه اذا هدأت العيون وأرخى الليل سدوله، سمع له دويّ كدوي النحل وهو قائم يصلي!!
يقول أحد التابعين: كابدت قيام الليل سنة، فاستمتعت به عشرين سنة.
وهذا سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما يقول: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم، وأن ذنوبك الكثيرة قيدتك!!
وقال أبو سليمان: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.
قال ابن المنكدر: ما بقى من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، وصلاة الجماعة.
ويقول أحد التابعين: منذ أربعين سنة ما حزنت على شيء كحزني على طلوع الفجر!!
الآية فيها إشارة لكثرة قيامهم الليل بدليل جمع الكثرة " جنوبهم" بمعنى أن الأصل والغالب الأعم القيام، وليس الاستثناء! وأن تجافي جنوبهم في الليلة الواحدة يتكرر!
قد يهجر المضجع أناس لغير العبادة، سهرا على معصية أو لهو وضياع وقت، لذلك أكد الله في هذه الآية أن تجافي مضاجع هذا الصنف من المؤمنين للعبادة بقوله ( يدعون ربهم خوفا وطمعا ).
من صفات المؤمنين أنهم مشغولون بذكر الله، لا ينامون إذا نام الناس، ولا يلهون أو يلعبون إذا خاض الناس في سفاسف الأمور!
في الآية تعريض بالمشركين إذ يمضون ليلهم بالنوم لا يصرفه عنهم تفكر بل يسقطون كما تسقط الأنعام.[15]
الإنفاق في سبيل الله أجره عظيم وفضله جسيم، يكفي أن الله لخص كل الأعمال الصالحة في الدنيا لمن طلب الرجوع في الصدقة! قال تعالى ( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ).[16]
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.
بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى صفات المؤمنين في الآيتين السابقتين؛ من سرعة السجود والخضوع والتسبيح والتحميد، وهجران المضاجع قائمين ساجدين مستغفرين بالأسحار، منفقين مما رزقهم الله، شرع في بيان وتعظيم جزاءهم إذ قال(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ).
يَعْنِي مِمَّا تَقَرُّ الْعَيْنُ عِنْدَهُ وَلَا تَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِهِ يُقَالُ إِنَّ هَذَا لَا يَدْخُلُ فِي عَيْنِي، يَعْنِي عَيْنِي تَطَلَّعُ إِلَى غَيْرِهِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ تَطَلُّعٌ لِلْعَيْنِ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ لَمْ يَبْقَ لِلْعَيْنٍ مَسْرَحٌ إِلَى غَيْرِهِ فَتَقَرُّ جَزَاءً بِحُكْمِ الْوَعْدِ، وَهَذَا فِيهِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ مِنَ الْعَبْدِ شَيْئًا وَهُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَمِنَ اللَّهِ أَشْيَاءُ سَابِقَةٌ مِنَ الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَغَيْرِهِمَا وَأَشْيَاءُ لَاحِقَةٌ مِنَ الثَّوَابِ وَالْإِكْرَامِ، فَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَقُولَ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِحْسَانٌ، وَأَنَا أَحْسَنْتُ أَوَّلًا وَالْعَبْدُ أَحْسَنَ فِي مُقَابَلَتِهِ، فَالثَّوَابُ تَفَضُّلٌ وَمِنْحَةٌ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ.[1]
أَيْ: فَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ عَظَمَةَ مَا أَخْفَى اللَّهُ لَهُمْ فِي الْجَنَّاتِ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَاللَّذَّاتِ الَّتِي لَمْ يَطَّلِعُ عَلَى مِثْلِهَا أَحَدٌ، لَمَّا أَخْفَوْا أَعْمَالَهُمْ أَخْفَى اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ، جَزَاءً وِفَاقًا؛ فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.[2]
والمراد: لا تعلم نفس ما أخفي لهم علما تفصيليا، وإلا فنحن نعلم ما أعد للمؤمنين من النعيم إجمالا، من حيث إنه غرف في الجنة وقصور وأشجار وأنهار وملابس ومآكل وغير ذلك، ذكره أبو السعود.[3]
أي نفس لا تعلم مهما بلغ بها الخيال والطموح والتفكير، فلا تقدر أن تعرف شيئا عن نعيمهم وما الذي ينتظرهم.
العين تشير إلى مظهر ومعالم وتقاسيم الإنسان، فمن خلالها تظهر السعادة أو الحزن، والتعب أو الراحة، كما أنها تعبر عن كثير من المشاعر والهواجس، حتى القناعة من غيرها تظهر على العين!
أهل الجنة استقرت عيونهم، فلا مطامع ولا مطامح ولا رغبات مكبوتة أو معلنة، فقد نالوا كل فضل وكرامة وشرف وخير، بل كل ما تشتهيه الأعين فاستقرت أعينهم!
ولما كانت العين لا تقر فتهجع إلا عند الأمن والسرور قال: {من قرة أعين} أي من شيء نفيس سارّ تقر به أعينهم لأجل ما أقلعوها عن قرارها بالنوم.[4]
(قرة العين) أي: استقرارها على شيء بحيث لا تتحول عنه إلى غيره، والعين لا تستقر على الشيء إلا إذا أعجبها، ورأتْ فيه كل ما تصبو إليه من متعة.[5]
قَالَ الْحَسَنُ: أَخْفَى الْقَوْمُ أَعْمَالًا فَأَخْفَى اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ.[6]
فَلا تَعْلَمُ ولا تعرف ولا تأمل نَفْسٌ منهم كيفية ما أُخْفِيَ وأعد لَهُمْ من قبل الحق قُرَّةِ أَعْيُنٍ ألا وهي فوزهم بشرف لقائه ورؤية وجهه الكريم.[7]
{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ} يدخل فيه جميع نفوس الخلق، لكونها نكرة في سياق النفي. أي: فلا يعلم أحد {مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} من الخير الكثير، والنعيم الغزير، والفرح والسرور، واللذة والحبور، كما قال تعالى على لسان رسوله: "أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر".[8]
قال اللهُ تعالى : أعددتُ لعبادي الصالحينَ ، ما لا عينٌ رأتْ ، ولا أذنٌ سمعتْ ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ . فاقرؤوا إن شئتم : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) .[9]
سأل موسى ربه : ما أدنى أهل الجنة منزلة ؟ قال : هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له : ادخل الجنة . فيقول أي رب ! كيف ؟ وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم ؟ فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت ، رب ! فيقول : لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله . فقال في الخامسة : رضيت ، رب ! فيقول : هذا لك وعشرة أمثاله . ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك . فيقول : رضيت ، رب ! قال : رب ! فأعلاهم منزلة ؟ قال : أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي . وختمت عليها . فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر . قال ومصداقه في كتاب الله عز وجل : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين).[10]
قرة عين كل واحد: ما كان بغيتَه وهِمَّته في الدنيا، فمن كانت همته القصور والحور، أعطاه ما تقر به عينه من ذلك، ومن كانت بغيته وهمته النظرة، أعطاه ما تقر به عينه من ذلك، على الدوام. قال أبو سليمان: شتان بين مَنْ هَمُّهُ القصور والحور، ومن همه الحضور ورفع الستور. جعلنا الله من خواصهم. آمين.[11]
ففي الجنة تقرّ العيون بحيث لم يَعُدْ لها تطلعات، فقد كَمُلَتْ لها المعاني، فلا ينبغي لها أنْ تطمع في شيء آخر إلا الدوام.[12]
الأعمال ليست ثمنا للجنة بل هي سببا، لأن ثمن الجنة غالي جدا جدا ( ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة ).
فالجنة سلعة الله الغالية لعباده المؤمنين الخاضعين لأوامره، ولا نقدر تتبع أو ذكر كل ما أعده الله في دار كرامته، لكن نذكر على سبيل الأمثلة:
قال تعالى( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ).
وقال تعالى( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ).
وقال تعالى( يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين ).
أما بناء الجنة يقول عليه الصلاة والسلام( الجنةُ بناؤها لَبِنَةٌ من فضةٍ ، ولَبِنَةٌ من ذهبٍ ، ومِلاطُها المسكُ الأذفرُ ، وحصباؤها اللؤلؤُ والياقوتُ ، وتربتُها الزَّعفرانُ ، من يدخلُها ينعَمْ لا يبْأَسُ ، ويخلدْ لا يموتُ ، لا تَبلى ثيابُهم ، ولا يَفنى شبابُهم ).[13]
ومن هداية الآية أهمية الإخلاص في الأعمال، فلما أخفى القائمون القانتون لله أعمالهم وتواروا عن أنظار الناس، في صلاة الليل، أعظم الله ثوابهم وأخفى جزاءهم، لأن الجزاء من جنس العمل.
وقد دلت العديد من الآيات على أهمية إخلاص النية لله في الأعمال، قال تعالى( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ )[14].
وقال سبحانه( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ )[15].
وقال عليه الصلاة والسلام( إنما الأعمال بالنيات ).[16]
ولأهمية الإخلاص كان العلماء إذا التقوا يتناصحون بالتالي:
كَانَتِ الْعُلَمَاءُ إِذَا الْتَقَوْا تَوَاصَوْا بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ، وَإِذَا غَابُوا كَتَبَ بِهَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ أَنَّهُ: مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ عَلَانِيَتَهُ، وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنِ اهْتَمَّ بِأَمْرِ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ.[17]
وقال بلال بن سعد: لَا تَكُنْ وَلِيًّا لِلَّهِ فِي الْعَلَانِيَةِ وَعَدُوَّهُ فِي السَّرِيرَةِ.[18]
والإخلاص هو أن يستوي عملك في السر والعلن، وأن لا تبتغي في أعمالك أجرا ولا فضلا ولا ثناء ولا محمدة إلا من الله وحده.
ونقل عن بعض السلف أقوالهم:
بالصدق والإخلاص يفتح الله على العبد من الفتوحات العلمية والإيمانية ما الله به عليم.
لما سُئِلَ عن أهم الأعمال قال: "الإخلاص ولا تستطيعه النفوس إلا بالمجاهدة".
أعز شيء في الدنيا الإخلاص.
ينبغي التفرغ لتعليم الناس الإخلاص.
مَا نزل من السَّمَاء أعز من التَّوْفِيق، وَلَا صعد من الأَرْض أعز من الْإِخْلَاص[19].
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.
------------------------------------
[1]مفاتيح الغيب.
[2]ابن كثير.
[3]حدائق الروح والريحان.
[4]البقاعي.
[5]الشعراوي.
[6]القرطبي.
[7]الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية.
[8]السعدي.
[9]متفق عليه.
[10]صحيح مسلم.
[11]البحر المديد.
[12]الشعراوي.
[13]صحيح الجامع برقم 3116.
[14]( البينة:5).
[15]( الزمر:11).
[16]متفق عليه.
[17]الإخلاص والنية لابن أبي الدنيا.
[18]الإخلاص والنية لابن أبي الدنيا.
[19]التحبير شرح التحرير.