نحن مقبلون على شهر رمضان المبارك نحتاج أن نعقد العزم على أن نستقبله بنيّة أن يكون القرآن حياتنا لنخرج منه وقد أصبح القرآن حياتنا صدقًا وحقًا.
وتدبر القرآن وتعظيمه قرينان فلا يتدبّر القرآن إلا من عظّمه في قلبه ولا يمكن لنا أن نتلمس شيئا من عظمته إلا بتدبره والتفكر في معانيه وتلقي رسالات الله جلّ جلاله لنا من خلال آياته ومواعظه وأمثاله وقصصه ووعده ووعيده فيزيد رصيدنا الإيماني مع كل قرآءة ومع كل ختمة حتى تمتلئ القلوب بحبّ القرآن وتعظيمه حبّا بالله العظيم الذي أنزله..
إن من عظمة كتاب الله تعالى أن أقسم الله عز وجلّ به في ثلاثة مواضع في القرآن في فواتح ثلاث سور هي:
1.(يس وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ )
2.(ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ )
3. (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ )
فهذه السور الثلاث كأنها أسرة واحدة يجمعها الافتتاح بالحروف المقطعة التي هي سرّ من أسرار عظمة القرآن ويجمعها افتتاحها بالقسم بالقرآن والله سبحانه وتعالى العظيم يقسم بما شاء على ما شاء والعظيم لا يقسم إلا بعظيم فالقرآن كلام العظيم عظيم.
وقد افتتحت هذه السور الثلاث بصفة من صفات القرآن، فالقرآن حكيم والقرآن عظيم ذو ذكر والقرآن مجيد ومن عظمة القرآن أن الله عز وجلّ أقسم للقرآن بأمور عظيمة في ثلاثة مواضع أيضًا:
1. أقسم بمواقع النجوم على أنه (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
2. وأقسم بعالم الغيب والشهادة على أنه (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
3. وأقسم بالسماء والأرض (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ )
ومن عظمة القرآن أن الله عز وجلّ أقسم بالقرآن للقرآن في موضعين:
1. (حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )
اللغة العربية هي أمّ اللغات وأوسعها ألفاظًا وتراكيب لغوية بلاغية فهي تستوعب القرآن العظيم بمعانيه وأوصافه وتراكيبه وإعجازه، فلنحمد الله عز وجلّ أننا عرب نتكلم بلغة العرب ونفهم القرآن الذي يسّره الله عز وجلّ للذكر.
2. (حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ )
كتاب مبارك في ليلة مباركة في قرية مباركة على رسول مبارك فالبركة كلها فيه فما عليك أن أن تتعرّض لبركاته بكثرة مصاحبتك له وتدبره والعمل به..
ومن عظمة القرآن كثرة صفاته فقد جاء وصف القرآن الكريم في نصوص الوحي بأنه هدى ونور وشفاء ورحمة وموعظة وبشرى ومبارك وعزيز وكريم ومجيد وبشير ونذير وفرقان. وورد وصفه أنه القصص الحق والقول الفصل وقرآنا عجبا ومبين وبيان للناس وبلاغ وغيرها، وأول هذه الأوصاف ذكرًا في المصحف هو:
" هُدًى"
(ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ )(2)البقرة
هو الهدى وفيه الهداية لمن استرشد به واستضاء بنوره..
هذا نموذج من تدبر القرآن بتتبع بعض الآيات التي تحدثت عن القرآن وصفا وتعظيما وقسمًا ومُقسما به وله وهذه نفحة من تلمس جوانب عظمة القرآن من القرآن، أما آن لنا أن نكسر أغلال قلوبنا الموصدة لتدبره؟!
أما آن لجلودنا أن تخشع لآياته ولدموعنا أن تفيض خشية من مواعظه ولجنوبنا أن تتجافى عن مضاجعها لتقوم به بين يدي الله جلّ جلاله؟!!
هذا شهر القرآن مقبلٌ علينا فهلّا أقبلنا على القرآن وهلّا عظمناه في قلوبنا لنحيا به ما بقي من أعمارنا عسى الله عز وجلّ أن يبعثنا في زمرة أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته إنه جواد كريم..
التهيئة بكثرة الاستغفار
وبالمبادرة والمسارعة في الخيرات
قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم:
"يا أيها الناس استغفروا الله وتوبوا إليه فإني استغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة"
وعلّمنا دعاء سيد الاستغفار:
"اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
فالأمان الأول وجود النبي صلّ الله عليه وسلم في أمّته في حياته ووجود سنّته وهديه فيهم بعد وفاته والأمان الثاني هو الاستغفار وهذا كائن إلى أن تقوم الساعة!
ومن عظمة هذا الدين أنه مهما طالت الجفوة أو الغفلة من العبد لا يغلق الله جلّ جلاله في وجه أحد من خلقه أبواب مغفرته حتى يغرغر أو تقوم الساعة لأنه الغفور الرحيم العفو التواب اللطيف بعباده الودود سبحانه!
والاستغفار هو سبب لنزول الرحمات الربانية فلنهيئ قلوبنا من الآن بحملة إصلاح وتطهير واستغفار عما سلف من ذنوب وتقصير وغفلة وانشغال بسفاسف الأمور عن معاليها لندخل شهر رمضان بقلوب بيضاء نقيّة صافية تليق أن نتقرب بها إلى الله عز وجلّ نتضرع إليه أن يملأها إيمانا به ويقينا به وخشية له وتعلّقا به وصدق لجوء إلى حماه فلا يبقى لنا شيئا من حظوظ أنفسنا ويصبح الاستغفار ديدن قلوبنا على مدى الشهور والأعوام فنستغفر الله عند إفطارنا لنذكِّر أنفسنا أننا لولا توفيق الله عز وجلّ لنا ما صُمنا يومنا وما أدّينا ما علينا من واجبات، ونستغفره بعد كل صلاة وبعد كل صدقة وكل عمل صالح ونستغفره لكل زلّة لسان ولكل نظرة ولكل خاطرة سوء...
ولأننا نسعى ونحب ونطمع أن نكون من المؤمنين الذين يحبهم الله عز وجلّ ويثني عليهم ويعدهم بالجزاء الأوفى عنده فينبغي علينا أن نسارع في الخيرات كما سارعوا ولا نسوّف ولا نؤخّر عملا صالحا أو خيرا نرغب به..
أيقنوا أنهم إلى ربهم راجعون فلم يغفلوا عن الاستعداد للآخرة فسارعوا في الخيرات وسابقوا فيها.
فليتنا نسارع ونسابق ونبادر من اللحظة بتلاوة القرآن وبالصدقات وبفعل الخيرات وصلة الأرحام وإطعام الطعام وقيام الليل والاجتهاد بالدعاء ولا يغرّنا طول الأمل فإن لم يكتب الله تعالى لنا بلوغ رمضان بآجالنا فعسى الله عز وجلّ أن يبلّغنا إياه بالنيّة الصادقة وبالمسارعة في كل خير يحبه ويرضاه ويقرّبنا منه لنكون ممن آمنوا بحقيقة الرجوع إليه فوجلت قلوبهم وعقدوا العزم على عدم الغفلة واللهو فتنافسوا في الصالحات وسارعوا فيها وسابقوا ودعوا الله جلّ جلاله رغبا ورهبا بقلوب خاشعة محبة للخير ساعية له راجية محبة الله عز وجلّ ورضوانه وطامعة في جناته... اللهم نعوذ بك من العجز والكسل ومن الضعف والوهن ومن التكاسل والتسويف ونعوذ بك من شرور أنفسنا ومن شر الشيطان وشرطه ووسوسته وتثبيطه.