رد: كتاب الفقه على المذاهب الأربعة /عبد الرحمن الجزيري
[صلاة الجمعة]
[حكم الجمعة، ودليله] صلاة الجمعة فرض على كل من استكملت فيه الشروط الآتي بيانها، وهي ركعتان، لما روي عن عمر رضي الله عنه عنه أنه قال: "صلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد والنسائي، وابن ماجة بإسناد حسن، وهي فرض عين على كل مكلف قادر مستكمل لشروطها، وليست بدلاً عن الظهر فإذا لم يدركها فرض عليه صلاة الظهر أربع ركعات، وقد ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة والاجماع؛ أما الكتاب فقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع} ، وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفوا عن الجمعة بيوتهم" رواه مسلم، وقد انعقد الاجماع على أن الجمعة فرض عين.
يجب السعي لصلاة الجمعة على من تجب عليه الجمعة إذا نودي لها بالأذان الذين بين يدي الخطيب، ويحرم البيع في هذه الحالة لقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع} فقد أمر الله تعالى بالسعي إلى الصلاة عند النداء، ولم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سوى هذا الأذان، فكان إذا صعد صلى الله عليه وسلم المنبر أذن المؤذن بين يديه، وقد روى ذلك البخاري، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وقد زاد عثمان
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
[من أدرك الإمام في ركعة أو أقل من صلاة الجمعة] من أدرك الإمام في الركعة الثانية فقد أدرك الجمعة. فعليه أن يأتي بركعة ثانية ويسلم باتفاق أما إذا أدركه في الجلوس الأخير فقط فإنه يلزمه أن يصلي أربع ركعات ظهراً، بأن يقف بعد سلام الإمام، ويصلي أربع ركعات؛ ولا يكون مدركاً للجمعة باتفاق المالكية، والشافعية، وخالف الحنفية؛ والحنابلة، الحنفية قالوا: من أدرك الإمام في أي جزء من صلاته فقد أدرك الجمعة ولو تشهد سجود السهو، وأتمها جمعة على الصحيح.
الحنابلة قالوا: من أدرك مع إمام الجمعة ركعة واحدة بسجدتيها أتمها جمعة، وإلا أتمها ظهراً إن كان يصلي الجمعة في وقت الظهر؛ بشرط أن ينويه، وإلا أتمها نفلاً، ووجبت عليه صلاة الظهر ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
[هل يجوز لمن فاتته الجمعة أن يصلي الظهر جماعة؟]
من فاتته الجمعة لعذر أو لغيره جاز له أن يصلي الظهر جماعة، على تفصيل في المذاهب،
الحنفية قالوا: من فاتته صلاة الجمعة لعذر أو لغيره يكره له صلاة ظهر الجمعة بالمصر بجماعة، أما أهل البوادي الذين لا تصح منهم الجمعة فيجوز لهم صلاة ظهر الجمعة بجماعة من غير كراهة، لأن يوم الجمعة بالنسبة لهم كغيره من باقي الأيام.
الشافعية قالوا: من فاتته الجمعة لعذر أو لغيره سن له أن يصلي الظهر في جماعة، ولكن إن كان عذره ظاهراً كالسفر ونحوه سن له أيضاً إظهار الجماعة، وإن كان عذره خفياً، كالجوع الشديد، سن إخفاء الجماعة، ويجب على من ترك الجمعة بلا عذر أن يصلي عقب سلام الإمام فوراً.
الحنابلة قالوا: من فاتته الجمعة لغير عذر أو لم يفعلها لعدم وجوبها عليه، فالأفضل له أن يصلي الظهر في جماعة مع إظهاره، ما لم يخش الفتنة من إظهار جماعتها؛ وإلا طلب إخفاءها.
المالكية قالوا: تطلب الجماعة في صلاة الظهر يوم الجمعة من معذور يمنعه عذره من حضور الجمعة، كالمريض الذي لا يستطيع السعي لها والمسجون؛ ويندب له إخفاء الجماعة لئلا يتهم بالإعراض عن الجمعة؛ كما يندب له تأخيرها عن صلاة الجمعة، أما من ترك الجمعة بغير عذر أو لعذر لا يمنعه من حضورها، كخوف على ماله لو ذهب للجمعة، فهذا يكره له الجماعة في الظهر ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
[السفر يوم الجمعة] لا يجوز السفر يوم الجمعة باتفاق المذاهب، إلا أن في حكمه تفصيلاً
الحنفية قالوا: يكره الخروج من المصر يوم الجمعة بعد الأذان الأول إلى أن يصلي الجمعة على الصحيح، أما السفر قبل الزوال فلا يكره.
المالكية قالوا: يكره السفر بعد فجر الجمعة لمن لا يدركها في طريقه وإلا جاز، كما يجوز السفر قبل الفجر، أما السفر بعد الزوال فحرام، ولو كان قبل الأذان إلا لضرورة، كفوات رفقة يخشى منه ضرراً على نفسه أو ماله، كذا إذا علم أنه يدركها في طريقه، فيجوز له السفر في الحالتين.
الشافعية قالوا: يحرم على من تلزمه الجمعة السفر بعد فجر يومها إلا إذا ظن أنه يدركها في طريقه أو كان السفر واجباً، كالسفر لحج ضاق وقته وخاف فوته، أو كان لضرورة، كخوفه فوات رفقة يلحقه ضرر بفوتهم، وأما مجرد الوحشة بفوتهم فلا يبيح السفر، أما السفر قبل فجرها فمكروه.
الحنابلة قالوا: يحرم سفر من تلزمه الجمعة بعد الزوال إلا إذا لحقه ضرر، كتخلفه عن رفقته في سفر مباح فيباح له السفر بعد الزوال حينئذ، أما السفر قبل الزوال فمكره، وإنما يكون السفر المذكور حراماً أو مكروهاً إذا لم يأت بها في طريقه، وإلا كان مباحاً ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
[مندوبات الجمعة] تحسين الهيئة - قراءة سورة الكهف - المبادرة بالذهاب للمسجد، وغير ذلك. وأما مندوبات الجمعة، فمنها تحسين الهيئة، بأن يقلم أظفاره، ويقص شاربه، وينتف إبطه ونحو ذلك ومنها التطيب والاغتسال، وهو سنة باتفاق ثلاثة. وقال المالكية: إنه مندوب لا سنة. والأمر في ذلك سهل، ذكرناه قبلاً، ومنها قراءة سورة الكهف يومها وليلتها، فيندب لمن يحفظها أو يمكنه قراءتها. في المصحف أن يفعل ذلك؛ أما قراءتها في المساجد فإن ترتب عليها تهويش أو إخلال بحرمة المسجد برفع الأصوات، والكلام الممنوع، فإنه لا يجوز باتفاق، وقد تقدم في مبحث "ما يجوز فعله في المساجد. وما لا يجوز" فارجع إليه إن شئت: ومنها الاكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها الاكثار من الدعاء يومها لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه" وأشار بيده يقللها، رواه مسلم، ومنها المبادرة بالذهاب إلى موضع إقامتها لغير الإمام؛ أما هو فلا يندب له التكبير، وليس للمبادرة وقت معين، فله أن يذهب قبل الأذان. ومنها المشي بسكينة إلى موضعها بساعتين أو أكثر أو أقل، عند ثلاثة، وخالف المالكية،المالكية قالوا: يندب الذهاب للجمعة وقت الهاجرة، ويبتدئ بقدر ساعة قبل الزوال، وأما التكبير، وهو الذهاب قبل ذلك؛ فمكروه
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
[حضور النساء الجمعة] قد عرفت أن الذكورة شرط في وجوب الجمعة، فلا تجب على المرأة، ولكن تصح منها إذا صلتها بدل الظهر، وهل الأفضل للمرأة أن تصلي الجمعة، أو تصلي الظهر في بيتها؟ في ذلك تفصيل المذاهب
الحنفية قالوا: الأفضل أن تصلي المرأة في بيتها ظهراً، سواء كانت عجوزاً أو شابة، لأن الجماعة لم تشرع في حقها.
المالكية قالوا: إن كانت المرأة عجوزاً انقطع منها ارب الرجل جاز لها أن تحضر الجمعة، وغلا كره لها ذلك، فإن كانت شابة وخيف من حضورها الافتتان بها في طريقها أو في المسجد، فإنه يحرم عليه الحضور دفعاً للفساد.
الشافعية قالوا: يكره للمرأة حضور الجماعة مطلقاً في الجمعة وغيرها إن كانت مشتهاة، ولو كانت في ثياب رثة، ومثلها غير المشتهاة إن كانت تزينت أو تطيبت، فإن كانت عجوزاً وخرجت في أثواب رثة، ولم تضع عليها رائحة عطرية، ولم يكن للرجال فيها غرض؛ فإنه يصح لها أن تحضر الجمعة بدون كراهة؛ على أن كل ذلك مشروط بشروطين: الأول: أن يأذن لها وليها بالحضور، سواء كانت شابة أو عجوزاً، فإن يأذن حرم عليها؛ الثاني: أن لا يخشى من ذهابها للجماعة افتتان أحد بها، وإلا حرم عليها الذهاب.
الحنابلة قالوا: يباح للمرأة أن تحضر صلاة الجمعة، بشرط أن تكون غير حسناء؛ أما إن كانت حسناء، فإنه يكره لها الحضور مطلقاً
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
[مبحث الكلام حال الخطبة] لا يجوز الكلام حال الخطبة على تفصيل في المذاهب،
الحنفية قالوا: يكره الكلام تحريماً حال الخطبة، سواء أكان بعيداً عن الخطيب أم قريباً منه في الأصح، وسواء أكان الكلام دنيوياً أم بذكر ونحوه على المشهور؛ وسواء حصل من الخطيب لغو بذكر الظلمة أو لا، وإذا سمع اسم النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليه في نفسه، ولا بأس أن يشير بيده ورأسه عند رؤية المنكر، وكما يكره الكلام تحريماً حال الخطبة كذلك تكره الصلاة كما تقدم، باتفاق أهل المذهب: أما عند خروج الإمام من خلوته فالحكم كذلك عن أبي حنفية، لأن خروج الإمام عنده يقطع الصلاة والكلام، وعند صاحبيه يقطع الصلاة دون الكلام، ومن الكلام المكروه رد السلام بلسانه ويقلبه، ولا يلزمه قبل الفراغ من الخطبة أو بعدها، لأن البدء بالسلام غير مأذون فيه شرعاً، بل يأثم فاعله، فلا يجب الرد عليه، وكذا تشميت العاطس، ويكره للإمام أن يسلم على الناس، وليس من الكلام المكروه والتحذير من عقرب أو حية، أو النداء لخوف على أعمى ونحو ذلك، مما يترتب عليه دفع ضرر.
المالكية قالوا: يحرم الكلام حال الخطبة وحال جلوس الإمام على المنبر بين الخطبتين، ولا فرق في ذلك بين من يسمع الخطبة وغيره، فالكل يحرم عليه الكلام، ولو كان برحبة المسجد أو الطرق المتصلة به، وإنما يحرم الكلام المذكور ما لم يحصل من الإمام لغو في الخطبة، كأن يمدح من لا يجوز مدحه أو يذم من لا يجوز ذمه، فإن فعل ذلك سقطت حرمته، ويجوز الكلام حال جلوسه على المنبر قبل الشروع في الخطبة وفي آخر الخطبة الثانية عند شروع الخطيب في الدعاء للمسلمين أو لأصحاب الرسول عليه السلام أو الخليفة، ومن الكلام المحرم حال الخطبة ابتداء السلام ورده على من سلم، ومنه أيضاً نهي المتكلم حال الخطبة. وكما يحرم الكلام تحرم الإشارة لمن يتكلم ورميه بالحصى ليسكت؛ ويحرم أيضاً الشرب وتشميت العاكس، لكن يندب للعاطس والإمام يخطب أن يحمد الله سراً، وكذلك إذا ذكر الخطيب آية عذاب أو ذكر النار مثلاً، فإنه يندب للحاضر أن يتعوذ سراً قليلاً، وإذا دعا الخطيب ندب للحاضر التأمين، ويكره الجهر بذلك، ويحرم الكثير منه ومثل التأمين التعوذ والاستغفار والصلاة على النبي عليه السلام إذا وجد السبب لكل منهما، فيندب كل منهما سراً إذا كان قليلاً، وأما التنفل فيحرم بمجرد خروج الإمام للخطبة، والقاعدة أن خروج الخطيب يحرم الصلاة، وكلامه يحرم الكلام.
الشافعية قالوا: من كان قريباً من الخطيب بحيث لو أنصت يسمعه يكره له تنزيهاً أن يتكلم أثناء أداء الخطيب أركان الخطبة، وإن لم يسمع بالفعل، وقيل: يحرم؛ أما ما زاد على أركان الخطبة فإنه لا يكره الكلام في أثناء أدائه، كما لا يكره الكلام قبل الخطبة، ولو خرج الإمام من خلوته ولا بعدها قبل إقامة الصلاة ولا بين الخطبتين، وكذا لا يكره كلام من كان بعيداً عنه، بحيث لو أنصت لا يسمع؛ ويسن له حينذاك أن يشتغل بالذكر، ويستثنى من كراهة الكلام المذكور أربعة أمور: الأول: تشميت العاطس، فإنه مندوب؛ الثاني: رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكر اسمه الكرم من غير مبالغة في رفعه، فإنه مندوب أيضاً؛ الثالث: رد السلام، فإنه واجب، وإن كان البدء بالسلام على مستمع الخطبة من الكلام المكروه؛ الرابع: ما قصد به دفع أذى، كإنقاذ أعمى أو التحذير من عقرب ونحوه، فإنه واجب، أما الصلاة حال الخطبة فقد تقدم حكمها.
الحنابلة قالوا: يحرم على من كان قريباً من الخطيب يوم الجمعة - بحيث يسمعه - أن يتكلم حال الخطبة بأي كلام، ذكراً كان أو غيره، ولو كان الخطيب غير عدل، إلا الخطيب نفسه، فإنه يجوز له أن يتكلم مع غيره لمصلحة، كما يجوز لغيره أن يتكلم معه: نعم يباح للمستمع أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكر اسمه، ولكن يسن له أن يصلي عليه سراً، وكذا يجوز له أن يؤمِّن على الدعاء، وأن يحمد إذا عطس خفية، وأن يشمت العاطس، وأن يرد السلام بالقول لا بالإشارة؛ أما من كان بعيداً عن الخطيب بحيث لا سمعه، فإنه يجوز له الكلام، وإذا اشتغل بالقراءة والذكر ونحو ذلك كان أفضل من السكوت، وليس له أن يرفع صوته بذلك لئلا يشغل غيره عن الاستماع للخطيب، وكذلك لا يحرم الكلام قبل الخطبتين أو بعدهما، ولا في حال سكوت الخطيب بين الخطبتين، ولا عند شروع الخطيب في الدعاء، لأنه يكون قد فرغ من أركان الخطبة، والدعاء لا يجب الانصات له ومن سمع غيره يتكلم فليس له إسكاته بالقول، بل له أن يشير له بوضع إصبعه السبابة على فيه، وقد يجب الكلام حال الخطبة إذا كان لإنقاذ ا'مى أو تحذير الغير من حية أو عقرب أو نار أو نحو ذلك
رد: كتاب الفقه على المذاهب الأربعة /عبد الرحمن الجزيري
[الذكر الوارد عقب الصلاة وختم الصلاة]
وردت الشريعة بأذكار خاصة تقال بعد الفراغ من كل صلاة مكتوبة، ومنها أن يقول: سبحان الله، ثلاثاً وثلاثين، ويقول: الحمد لله ثلاثاً وثلاثين، ويقول: الله أكبر، ثلاثاً وثلاثين عقب كل صلاة مفروضة من صبح وظهر ... الخ. ومنها غير ذلك، مما ستعرفه، وهل يسن أن يقول هذه الأذكار قبل صلاة النافلة بدون فاصل، أو يقولها بعد صلاة النافلة؟ فإذا صلى الظهر مثلاً، ثم فرغ منه يشرع في قراءة الذكر، أو يصلي سنة الظهر، ثم يشرع في ختم الصلاة بالذكر، في ذلك تفصيل المذاهب،
الحنفية قالوا: يكره تنزيهاً أن يفصل بين الصلاة والسنة إلا بمقدار ما يقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" وأما ما ورد من الأحاديث في الأذكار فإنه لا ينافي ذلك، لأن السنن من لواحق الفرائض، فليست بأجنبية عنها: ويستحب أن يستغفر بعد السنن ثلاثاً ويقرأ آية الكرسي والمعوذتين، ويسبح، ويحمد ويكبر في كل ثلاثاً وثلاثين، ويهلل تمام المائة، بأن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ثم يقلو: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد؛ ويدعو ويختم بقول: سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
المالكية قالوا: الأفضل في الراتبة التي تصلى بعد الصلاة المكتوبة أن تكون بعد الذكر الوارد بعد صلاة الفريضة، كقراءة "آية الكرسي"، وسورة "الإخلاص"؛ والتسبيح، والتحميد، والتكبير كل منها ثلاث وثلاثون مرة. ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
الشافعية قالوا: يسن أن يفصل بين المكتوبة والسنة بالأذكار الواردة، فيستغفر الله ثلاثاً، ويقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام. تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ويسبح الله ثلاثاً وثلاثين. ويحمده ثلاثاً وثلاثين. ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويقول بعد ذلك: لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
الحنابلة قالوا: يأتي بالذكر الوارد عقب الصلاة المكتوبة قبل أداء السنن فيقول: أستغفر الله؛ ثلاث مرات، ثم يقول: الله أنت السلام ومنك وإليك السلام، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام؛ لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا غياه له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ويسبح، ويحمد، ويكبر ثلاثاً وثلاثين. والأفضل أن يفرغ منهن معاً، بأن يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثاً وثلاثين مرة، وتمام المائة لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير
رد: كتاب الفقه على المذاهب الأربعة /عبد الرحمن الجزيري
[مباحث سجود السهو]
[تعريفه - محله - هل تلزم النية فيه؟]
معنى السجود في اللغة مطلق الخضوع، سواء كان بوضع الجبهة على الأرض أو كان بأمارة أخرى من أمارات الخضوع، كالطاعة، ومعنى السهو في اللغة الترك من غير علم، فإذ قيل سها فلان، فمعناه ترك الفعل من غير علمه، أما إذا قيل سها عن كذا، فمعناه تركه وهو عالم، وبذا تعلم أن اللغة تفرق بين قول سها فلان، وبين قول سها فلان عن كذا، ولا فرق في اللغة بين النسيان وبين السهو، أما الفقهاء فإنهم لا يفرقون بين النسيان وبين السهو أيضاً، بل عندهم السهو والنسيان والشك بمعنى واحد، وإنما يفرقون بين هذه الأشياء وبين الظن؛ فيقولون: إن الظن هو إدراك الطرف الراجح، فإذا ترجح عند الشخص أنه فعل الفعل كان ظاناً، بخلاف السهو والنسيان والشك، فإنه يستوي عند إدراك الفعل وعدمه، بدون أن يرجح أنه فعل، أو أنه لم يفعل.هذا هو معنى سجود السهو في اللغة، أما معناه في اصطلاح الفقهاء وبيان محله وبيان النية فيه، فانظره تحت الخط . ,,,,,,,,,,,,,,,,,,
(1) الحنفية قالوا: سجود السهو هو عبارة عن أن يسجد المصلي سجدتين بعد أن يسلم عن يمينه فقط، ثم يتشهد بعد السجدتين، ويسلم بعد التشهد، فإن لم يتشهد يكون تاركاً للواجب، وتصح صلاته، وبعد الفراغ من التشهد لسجود السهو يجب أن يسلم، فإن لم يسلم يكون تاركاً للواجب، ولا يكفيه السلام الأول الذي خرج به من الصلاة، لأن السجود للسهو يرفعه، كما يرفع التشهد الأخير الذي قبل السلام، أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء فإنه يأتي بهما في التشهد الأخير قبل السلام، ولا يأتي بهما في سجود السهو على المختار، وقيل: يأتي بهما فيه أيضاً احتياطاً، وقولهم: يأتي بسجود السهو بعد أن يسلم عن يمينه فقط، خرج به ما إذا سلم التسليمة الثانية، فإنه إذا سلم التسليمتين فقد سقط سجود السهو عنه على الصحيح، فإن فعل ذلك عمداً فإنه يأثم بترك الواجب، وإن سلم التسليمتين سهواً فقد سقط عنه سجود السهو، ولا إثم عليه، كما لا إعادة لسجود السهو مرة أخرى، لأن نسيان سجود السهو يسقطه، وكذا إذا تكلم بكلام أجنبي عن الصلاة عمداً أو سهواً، فإن فعل ذلك سقط عنه سجود السهو، ولا يجب السجود إذا ترك الواجب عمداً أو ترك ركناً من أركان الصلاة أو نحو ذلك عمداً، لأنه إن ترك الواجب عمداً صحت صلاته مع الإثم، وسقط عنه السجود، وإن ترك الركن عمداً بطلت صلاته، ولا يجبره سجود السهو، فالسجود عند الحنفية لا يكون إلا عند السهو، أما الترك عمداً فلم يشرع لجبره السجود؛ وهل تجب نية لسجود السهو أو لا؟ فقال بعضهم: إن سجود السهو لا تجب له نية، وذلك لأنه قد جيء به لجبر نقص واجب من صلاته، أو لجبر خلل وقع فيها ثم أصلحه، والنية لا تجب لكل جزء من أجزاء الصلاة، فسجود السهو لا تجب له النية؛ وقال بعضهم: بل تجب له النية، لأنه صلاة، ولا تصح صلاة بدون نية، فكما
تجب النية لسجود التلاوة وسجدة الشكر، فكذلك تجب لسجود السهو، لأنها كلها كالصلاة، فكما تجب النية للصلاة تجب لها، وهذا القول الثاني هو الظاهر والاحتياط في العمل بهز
الشافعية قالوا: سجود السهو هو أن يأتي المصلي بسجدتين كسجود الصلاة قبل السلام، وبعد التشهد والصلاة على النبي وآله بنية، وتكون النية بقلبه لا بلسانه، لأنه إن تلفظ بها بطلت صلاته، لأنك قد عرفت أن سجود السهو عندهم لا يكون إلا قبل السلام من الصلاة، فإذا تكلم بطلت صلاته طبعاً، وإذا سجد بدون نية عامداً عالماً بطلت صلاته، وإنما تشترط النية للإمام والمنفرد، أما المأموم فإنه لا يحتاج للنية اكتفاء بنية الاقتداء بإمامه، ولا يلزم عند الشافعية أن يكون ذلك السجود بسبب السهو، بل يكون بترك جزء من الصلاة على الوجه الآتي بيانه في أسباب سجود السهو عمداً أو سهواً، وإنما سمي سجود السهو، لأن الغالب أن الإنسان لا يترك بعض صلاته عمداً، وإذا كان سببه السهو يحسن أن يقول في سجوده: سبحان الذي لا ينام ولا يسهو، أما إذا كان عمداً، فيحسن أن يستغفر الله في سجوده وبهذا تعلم أن الحنفية متفقون مع الشافعية في اشتراط النية لسجود السهو، ومختلفون معهم فيما عدا ذلك، لأن الشافعية يقولون: هو قبل: السلام، والحنفية يقولون: بل هو بعده، والشافعية يقتصرون على السجدتين؛ والحنفية يقولون: لا بد من التشهد والجلوس.
المالكية قالوا: سجود السهو سجدتان يتشهد بعدهما بدون دعاء وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن كان سجود السهو بعد السلام، فإنه يسجد ويتشهد ويعيد السلام وجوباً، فإن لم يعده فلا تبطل صلاته، وقد عرفت مذهبي الشافعية، والحنفية في ذلك، فأما الشافعية، فإنهم يقولون: إن سجود السهو قبل السلام دائماً، فالسلام بعد السجدتين لا بد منه، وأما الحنفية فإنهم يقولون إن السلام في سجود السهو واجب بحيث لو تركه يصح السجود مع الإثم، ثم إن سجود السهو عند المالكية إذا كان قبل السلام فلا يحتاج إلى نية، لأن نية الصلاة تكفي لكونه بمنزلة جزء من الصلاة عندهم، أما إن كان بعد السلام فإنه يحتاج لنية لكونه خارجاً عن الصلاة، وهم في ذلك متفقون مع الحنفية في أن النية لازمة لسجود السهو بعد السلام، ومختلفون مع الشافعية، كما عرفت في مذهبهم.
هذا، وإذا نسي سجود السهو في صلاة الجمعة بسبب نقص ثم سلم فإنه يتعين عليه أن يسجد بالجامع الذي صلى فيه، وأما إذا كان لزيادة فيها فيسجده في أي جامع كان، لأنه بعد السلام، ولا يجزئ سجوده في غير مسجد تقام فيه الجمعة، ثم إن كان سجود السهو نقصاً فقط أو نقصاً وزيادة، فإن محله يكون قبل السلام، فإذا نقص السورة ناسياً مثلاً، ولم يتذكر حتى انحنى للركوع، فإنه لا يرجع لقراءة السورة، وإلا بطلت صلاته إذا رجع، وإذا لم يرجع فعليه أن ينتظر، حتى يتشهد التشهد الأخير، ويصلي على النبي ويدعو ثم يسجد سجدتين يتشهد فيهما والتشهد فيهما سنة، ولا يصلي على النبي في تشهده، ولا يدعو ثم يسلم، وإن كان سببه الزيادة فقط سجد بعد السلام، وإذا أخره كره، وإذا قدم البعدي حرم إن تعمد التقديم أو التأخير، وغلا فلا كراهة، ولا حرمة، ولا تبطل صلاته فيهما.
الحنابلة قالوا: سجود السهور هو أن يكبر ويسجد سجدتين، وهذا القدر متفق عليه، ويجوز أن يكون قبل السلام وبعده لسبب من الأسباب الآتي بيانها، ثم إن كان السجود بعدياً فإنه يأتي بالتشهد قبل السلام، وإذا كان قبلياً لا يأتي بالتشهد في سجود السهو اكتفاء بالتشهد الذي قبله، كما يقول الشافعية؛ على أن الحنابلة يقولون: الأفضل أن يكون سجود السهو قبل السلام مطلقاً إلا في صورتين: إحداهما: أن يسجد لنقص ركعة فأكثر في صلاته، فإنه يأتي بالنقص ثم يسجد بعد السلام؛ ثانيتهما: أن يشك الإمام في شيء من صلاته، ثم يبني على غالب ظنه، فإن الأفضل في هذه الحالة أيضاً أن يسجد بعد السلام، ويكفيه لجميع سهوه سجدتان، وإن تعدد موجبه، وإذا اجتمع سجود قبلي وبعدي رجح القبلي
//////////////////////////////////////
الأسباب التي يشرع من أجلها سجود السهو مختلفة في المذاهب، فانظرها تحت الخط
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
الحنفية قالوا: أسباب سجود السهو أمور: "السبب الأول": أن يزيد أو ينقص في صلاته ركعة أو أكثر أو نحو ذلك، فإذا تيقن أنه زاد ركعة في الصلاة مثلاً، كأن صلى الظهر أربعاً، ثم قام للركعة الخامسة، وبعد رفعه من الركوع تبين أنها الخامسة، فإن له في هذه الحالة أن يقطع الصلاة بالسلام قبل أن يجلس، وله أن يجلس ثم يسلم، ولكن الأولى أن يجلس ثم يسلم، ويسجد للسهو على كل حال ومثل ذلك ما إذا تيقن أنه نقص ركعة بأن صلى الظهر ثلاث ركعات وجلس، ثم تذكر، فإن عليه أن يقوم لأداء الركعة الرابعة، ثم يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، الخ، ثم يسجد للسهو بالكيفية المتقدمة؛ أما إذا شك في صلاته فلم يدر كم صلى فلا يخلو إما أن يكون الشك طارئاً عليه فلم يتعوده، أو يكون الشك عادة له، فإن كان الشك نادراً يطرأ عليه في بعض الأحيان فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يقطع الصلاة، ويأتي بصلاة جديدة، ولا بد أن يقطع الصلاة بفعل مناف لها، فلا يكفي قطعها بمجرد النية، وقد عرفت أن قطعها بلفظ السلام واجب، وله في هذه الحالة أن يجلس ويسلم، فإذا سلم وهو قائم فإنه يصح مع مخالفة الأولى، كما تقدم، أما إذا كان الشك عادة له فإنه لا يقطع الصلاة، ولكن يبني على ما يغلب على ظنه، مثلاً إذا صلى الظهر وشك في الركعة الثالثة هل هي الثالثة أو الرابعة، فإن عليه أن يعمل بما يظنه؛ فإن غلب على ظنه أنه في الرابعة وجب عليه أن يجلس ويتشهد ويصلي على النبي ثم يسلم ويسجد للسهو بالكيفية المتقدمة في تعريفه، وإن غلب على ظنه أنه في الركعة الثالثة فإنه يجب عليه أن يأتي بالركعة الرابعة ويتشهد كذلك، ويصلي على النبي ... الخ، ثم يسلم ويسجد للسهو بعد السلام بالكيفية المتقدمة؛ وعلى هذا القياس.
هذا إذا كان يصلي منفرداً، أما إذا كان إماماً وشك في صلاته وأقره المأمومون على أنه زاد أو نقص في صلاته فإنه يلزمه أن يعيد الصلاة عملاً بقولهم، أما إذا اختلف معهم، فأجمعوا على أنه صلى ثلاث ركعت، وقال هو إنه موقن بأنه صلى أربعاً فإنه لم يعد الصلاة عملاً ببقينه، فإذا انضم واحد من المصلين أو أكثر إلى الإمام أخذ بقول الإمام، وإذا شك الإما وتيقن بعض المصلين بتمام الصلاة وبعضهم بنقصها، فإن الإعادة تجب على من شك فقطن وإذا تيقن الإمام بالنقص لزمهم الإعادة إلا إذا تيقنوا بالتمام، وإذا تيقن واحد من المأمومين بالنقص وشك الإمام والقوم فإن كان في الوقت فالأولى أن يعيدوا احتياطاً، وإلا فلا.
هذا، وإذا أخبره عدل، ولو من غير المأمومين بعد الصلاة، بأنه صلى الظهر ثلاثاً وشك في صدقه وكذبه أعاد الصلاة احتياطاً، أما لو أخبره عدلان فإنه يلزمه الأخذ بقولهما، ولا يعتبر شكه، فإذا كان المخبر غير عدل فإن قوله لا يقبل، وإذا شك في النية أو تكبيرة الإحرام، أو شك وهو في الصلاة في أنه أحدث أو أصابته نجاسة أو نحو ذلك، فإن كان هذا الشك عارضاً له في أول مرة فإن عليه أن يقطع الصلاة ويتأكد مما شك فيه ويعد الصلاة، أما إن اعتاد ذلك الشك فإنه لا يعبأ به، ويمضي في صلاته، أما إذا شك بعد تمام الصلاة فإن شكه لا يضر؛ "السبب الثاني من أسباب سجود السهو": أن يسهو عن القعود الأخير المفروض ويقوم، وحكم هذه الحالة أنه يعود ويجلس بقدر التشهد ثم يسلم ويسجد للسهو، لأنه أخر القعود المفروض عن محله، فإذا مضى في الصلاة وسجد قبل أن يجلس انقلبت صلاته نفلاً بمجرد رفع رأسه من السجدة ويضم إليها ركعة سادسة، ولو كان في صلاة العصر، ولا يسجد للسهو في هذه الحالة على الأصح، لأنه انقلابه نفلاً يرفع سجود السهو، بخلاف ما لو كان نفلاً من الأصل، فإنه يسجد له، وعلى كل حال فيكون ملزماً بإعادة الفرض الذي انقلب نفلاً، "السبب الثالث من أسباب سجود السهو" أن يسهو عن القعود الأول، وهو واجب لا فرض، فإذا سها عن القعود الأول من صلاة الفرض بأن لم يجلس في الركعة الثانية، وهم بالقيام، فإن تذكر قبل أن يقوم وجلس ثانياً فإن صلاته تصح ولا سجود عليه أما إن تذكر بعد أن يستوي قائماً فإنه لا يعود للتشهد، ولو عاد فبعضهم يقول: إن صلاته تبطل، وذلك لأن الجلوس للتشهد الأول ليس بفرض والقيام فرض، وقد اشتغل بالنفل، وترك الفرض لما ليس بفرض مبطل للصلاة، ولكن التحقيق أن صلاته بهذا العمل لا تفسد، لأنه في هذه الحالة لم يترك فرض القيام، بل أخره، ونظير ذلك
ما لوسها عن قراءة السورة وركع، فإنه يبطل الركوع ويعود إلى القيام، ويقرأ السورة وتصح صلاته، وعليه سجود السهو لتأخير الركن أو الفرض عن محله.
هذا إذا كان المصلي منفرداً أو إماماً إذا كان مأموماً وقام وجلس إمامه للتشهد فإنه يجب عليه أن يجلس، لأن، هذا الجلوس يفترض عليه بحكم المتابعة لإمامه، "السبب الرابع": أن يقدم ركناً على ركن، أو يقدم ركناً على واجب، ومثال ما إذا قدم ركناً على ركن هو أن يقدم الركوع على القراءة المفروضة، بأن يكبر تكبيرة الإحرام، ويقرأ الثناء مثلاً، ثم يسهو ويركع قبل أن يقرأ شيئاً، وفي هذه الحالة إذا ذكر فإنه يجب عليه أن يعود، ويقرأ ثم يركع ثانياً، ويسجد للسهو على الوجه المتقدم، فإن لم يذكر فإن الركعة تعتبر ملغاة، وعليه أن يأتي بركعة قبل أن يسلم ثم يسلم ويسجد للسهو، ومثال ما إذا قدم ركناً على واجب فهو كتقديم الركوع على قراءة السورة، وقد عرفت حكمه مما تقدم قريباً، وهو أنه إذا ذكر أثناء الركوع فإنه يرفع من الركوع ويقرأ السورة ثم يركع ثانياً، وإن لم يذكر فإنه يسجد للسهو بعد السلام، "السبب الخامس من أسباب سجود السهو": أن يترك واجباً من الواجبات الآتية، وهي أحد عشر "الأول": قراءة الفاتحة، فإن تركها كلها أو أكثرها في ركعة من الأوليين في الفرض وجب سجود السهو، أما لو ترك أقلها فلا يجب، لأن للأكثر حكم الكل، ولا فرق في ذلك بين الإمام والمنفرد، وكذا لو تركها أو أكثرها في أي ركعة من النفل أو الوتر فإنه يجب عليه سجود السهو لوجوب قراءتها في كل الركعات "الثاني": ضم سورة أو ثلاث آيات قصار أو آية طويلة إلى الفاتحة، فإن لم يقرأ شيئاً أو قرأ آية قصيرة وجب عليه سجود السهو، أما إن قرأ آيتين قصيرتين فإنه لا يسجد، لأن للأكثر حكم الكل، فإن نسي قراءة الفاتحة أو قراءة السورة وركع ثم
تذكرها عاد وقرأ ما نسيه، فإن كان ما نسيه هو الفاتحة أعادها وأعاد بعدها قراءة السورة وعليه إعادة الركوع ثم يسجد للسهو، أما إذا نسي قنوت الوتر وخر راكعاً ثم تذكره، فإنه لا يعود لقراءته، وعليه سجود السهو، فإن عاد وقنت لا يرتفض ركوعه وعليه سجود السهو أيضاً، من قرأ الفاتحة مرتين سهواً وجب عليه سجود السهو، لأنه أخر السورة عن موضعها ولو نكس قراءته بأن قرأ في الأولى سورة الضحى، والثانية سورة سبح مثلاً لا يجب عليه سجود السهو، لأن مراعات ترتيب السور من واجبات نظم القرآن لا من واجبات الصلاة، وكذا من آخر الركوع عن آخر السورة بأن سكت قبل أن يركع، فإنه لا يجب عليه سجود السهو، وهذه الصورة كثيرة الوقوع عند الشافعية فيما إذا كان يصلي إماما: "الثالث": تعيين القراءة في الأوليين من الفرض فلو قرأ في الأخريين أو في الثانية والثالثة فقط وجب عليه سجود السهو، بخلاف النفل والوتر، كما تقدم "الرابع": رعاية الترتيب في فعل مكرر في ركعة واحدة وهو السجود، فلو سجد سجدة واحدة سهواً، ثم قام إلى الركعة التالية فأداها بسجدتيها، ثم ضم إليها السجدة التي تركها سهواً صحت صلاته ووجب عليه سجود السهو لترك هذا الواجب، وليس عليه إعادة ما قبلها، أما عدم رعاية الترتيب في الأفعال التي لم تتكرر كأن أحرم فركع ورفع ثم قرأ الفاتحة والسورة، فإن الركوع يكون ملغى، وعليه إعادته بعد القراءة، ويسجد للسهو لزيادة الركوع الأول "الخامس": الطمأنينة في الركوع والسجود، فمن تركها ساهياً وجب عليه سجود السهو على الصحيح "السادس": القعود الواجب، وهو ما عدا مضى في صلاته وسجد للسهو.
لأنه ترك واجب القعود، وقد تقدم بيان ذلك قريباً "السابع" قراءة التشهد، فلو تركه سهواً سجد للسهو، ولا فرق بين تركه في القعود الأول أو الثاني، وقد عرفت تفصيل حكمها قريباً "الثامن": قنوت الوتر، ويتحقق تركه بالركوع قبل قراءته فمن تركه سجد للسهو "التاسع": تكبيرة القنوت، فمن تركها سهواً سجد للسهو "العاشر": تكبيرة ركوع الركعة الثانية من صلاة العيد، فإنها واجبة بخلاف تكبيرة الأولى، كما تقدم "الحادي عشر": جهر الإمام وإسراره فيما يجب فيه ذلك، فإن ترك ما يجب من ذلك وجب عليه سجود السهون وهذا في غير الأدعية والثناء ونحوها، فإنه لو جهر بشيء منها لم يسجد للسهو، ولا فرق في كل ما تقدم بين أن تكون الصلاة فرضاً أو تطوعاً.
المالكية قالوا: أسباب سجود السهو تنحصر في ثلاثة أشياء:
"السبب الأول": أن ينقص من صلاته سنة، وهذا السبب ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها: أن يترك سنة مؤكدة داخلة في الصلاة. كالسورة إذا لم يقرأها في محلها سهواً، فإن وقع منه ذلك، سواء كان ذلك الترك محققاً، أو مشكوكاً فيه، فإنه يعتبر نقصاً ويسجد قبل السلام، ومثل ذلك ما لو شك في كون الحاصل منه نقصاً، أو زيادة، فإنه يعتبره نقصاً، ويسجد قبل السلام، لما عرفت من أن القاعدة عندهم أن النقص يجبر بالسجود قبل السلام، ويشترط لسجود السهو بترك السنة ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن تكون مؤكدة، كما ذكر، فإن لم تكن مؤكدة، كما إذا ترك تكبيرة واحدة من تكبيرات الركوع أو السجود، أو ترك مندوباً، كالقنوت في الصبح سهواً، فإنه لا سجود عليه، فإذا سجد للسنة غير المؤكدة قبل السلام بطلت صلاته، لكونه قد زاد فيها ما ليس منها؛ أما إن سجد بعد السلام فإنها لا تبطل، لكونه زاد زيادة خارجة عن الصلاة، فلا تضر؛ الشرط الثاني: أن تكون داخلة في الصلاة، أما إذا ترك سنة من السنن الخارجة عن الصلاة، كالسترة المتقدمة، فإنه لا يسجد لها إذا نسيها؛ الشرط الثالث: أن يتركها سهواً، أما إذا ترك سنة مؤكدة عمداً داخلة في الصلاة، ففي صحة صلاته وبطلانها خلاف؛ ومثل السنة المؤكدة في هذا الحكم، وفي الشروط السنتان غير المؤكدتين الداخلتين في الصلاة، فمن تركهما سهواً فإنه يسجد لهما قبل السلام، ومن تركهما عمداً ففي صلاته خلاف، وأما من ترك من سنتين عمداً فصلاته باطلة على الراجح، فعليه أن يستغفر الله ويعيدها.
وحاصل هذا كله أن ترك السنة المؤكدة والسنتين الخفيفتين يجبر بسجود السهو وإن ترك السنة الخفيفة والمندوب - ويقال له فضيلة - لا يشرع له السجود، فإذا سجد له قبل السلام بطلت صلاته، وإذا سجد له بعد السلام فلا تبطل، أما إذا ترك فرضاً من الفرائض فإنه لا يجبر بسجود السهو، ولا بد من الإتيان به، سواء تركه في الركعة الأخيرة أو غيرها، إلا أنه إذا كان الركن المتروك من الأخيرة فإنه يأتي به إذا تذكره قبل أن يسلم معتقداً كما صلاته، فإن سلم معتقداً ذلك فإن تدارك الركن المتروك وألغى الركعة الناقصة وأتى بركعة بدلها صحت صلاته، وعليه أن يسجد للسهو بعد سلامه لكونه قد زاد ركعة ألغاها، وهذا إن قرب الزمن عرفاً بعد السلام، وغلا بطلت صلاته، وإن كان الركن المتروك من غير الركعة الأخيرة فإنه يأتي به ما لم يعقد ركوع الركعة التي تليها، وعقد الركوع يكون برفع الرأس منه مطمئناً معتدلاً، إلا إذا كان المتروك سهواً هو الركوع، فإن ع قد الركعة التالية يكون بمجرد الانحناء في ركوعها وإن لم يرفع منه، كما تقدم، فإذا ترك سجود الركعة الثانية ثم قام للركعة الثالثة، فإنه يأتيبالسجود المتروك إذا تذكؤ قبل أن يرفع رأسه من ركوع الركعة التي قام لها مطمئناً معتدلاً، فإن لم يتذكر حتى رفع من ركوعها مضى في صلاته وجعل الثالثة ثانية، فيجلس على رأسها، ويأتي بعدها بركعتين ثم يسلم ويسجد قبل سلامه لنقص السورة من الركعة الثانية التي كانت ثالثة قرأ فيها بأم القرآن فقط، ولزيادة الركعة التي ألغاها، وكيفية الإتيان بالنقص أن تارك الركوع يرجع قائماً، ويندب له أن يقرأ شيئاً يصل لحد الركوع ثم يرفع بنيته، وتدرك سجدة واحدة يجلس ليأتي بها من جلوس، وتارك سجدتين يهوي لهما من قيام ثم يأتي بهما، ويستثنى مما تقدم الفاتحة إذا تركها سهواً، ولم يتذكر حتى
ركع، فإنه يمضي في صلاته على المشهور، ويسجد قبل السلام، سواء كان الترك لها في ركعة من الصلاة أو أكثر متى أتى بها، ولو في ركعة واحدة من صلاته، وذلك لأن الفاتحة، وإن كان المعتمد في المذهب هو القول بوجوبها في كل ركعة من ركعات الصلاة، إلا أنه إذا أتى بها في ركعة واحدة منها وتركها في الباقي سهواً، فإن صلاته تصح، ويجبر تركها بالسجود قبل السلام مراعاة للقول بوجوبها في ركعة واحدة، ويندب له إعادة الصلاة احتياطاً في الوقت وخارجه، فإن ترك السجود لترك الفاتحة فإن كان عمداً بطلت الصلاة وإن كان سهواً أتى به إن قرب الزمن عرفاً، وإلا بطلت، كما تبطل إذا ترك الفاتحة عمداً أو تركها سهواً، وتذكر قبل الركوع، ولم يأت بها على القول بعدم وجوبها في كل ركعة لاشتهار القول بوجوبها في الكل.
السبب الثاني: الزيادة، وهي زيادة فعل ليس من جنس أفعال الصلاة، كأكل خفيف سهواً أو كلام خفيف كذلك، أو زيادة ركن فعلي من أركان الصلاة كالركوع والسجود، أو زيادة بعض من الصلاة، كركعة أو ركعتين على ما تقدم في "مبطلات الصلاة"، فأما إذا كانت الزيادة من أقوال الصلاة، فإن لم يكن القول المزيد فريضة، كأن زاد سورة في الركعتين الأخيرتين من الرباعية سهواً، فلا يطلب منه السجود ولا تبطل صلاته إذا سجد بعد السلام؛ لأنها زيادة خارج الصلاة فلا تضر، كما تقدم، وإن كان القول المزيد فريضة، كالفاتحة إذا كررها سهواً، فإنه يسجد لذلك، والزيادة على ما ذكر تقتضي السجود، ولو كانت مشكوكاً فيها، فمن شك في صلاة الظهر مثلاً هل صلى ثلاثاً أو أربعاً، فإنه يبني على اليقين، ويأتي بركعة، ويسجد بعد السلام، لاحتمال أن الركعة التي أتى بها زائدة بركعة وتراً، ويسجد بعد السلام، لاحتمال أنه صلى الشفع ثلاث ركعات، فيكون قد زاد ركعة. ومن الزيادة أن يطيل في محل لا يشرع فيه التطويل، كحال الرفع من الركوع والجلوس بين السجدتين، والتطويل أن يمكث أزبد من الطمأنينة الواجبة والسنة زيادة ظاهرة، أما إذا طول بمحل يشرع فيه التطويل، كالسجود والجلوس الأخير، فلا يعد ذلك زيادة، فلا سجود، ومن الزيادة أيضاً أن يترك الإسرار بالفاتحة، ولو في ركعة، ويأتي بدله بأعلى الجهر، وهو أن يزيد على إسماع نفسه ومن يليه؛ أما إذا ترك الجهر، وأتى بدله بأقل السر، وهو - حركة اللسان - فإنه نقص لا زيادة، فيسجد له قبل السلام إن كان ذلك في الفاتحة فقط، أو فيها وفي السورة فإن كان في السورة فقط، فلا يسجد له إن كان ذلك في ركعة واحدة لأنه سنة خفيفة، بخلاف ما إذا كان في ركعتين، فإنه يسجد له.
هذا، وإذا ترك المنفرد أو الإمام الجلوس للتشهد الأول، فإنه يرجع للإتيان به استناناً ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه، وإلا فلا يرجع، فلو رجع فلا تبطل صلاته، ولو كان رجوعه بعد قراءة شيء من الفاتحة، أما إذا رجع بعد تمام الفاتحة فتبطل، وعلى المأموم أن يتبع إمامه في الركوع إذا رجع قبل مفارقة الأرض بيديه وركبتيه، أو رجع بعد المفارقة وقبل تتميم الفاتحة، كما يتبعه في عدم الرجوع إذا فارق الأرض بيديه وركبتيه، فإن خالفه في شيء من ذلك عمداً ولم يكن متأولاً أو جهلاً بطلت صلاته.
السبب الثالث من أسباب السجود: نقص وزيادة معاً، والمراد بالنقص هنا نقص سنة، ولو كانت غير مؤكدة، والمراد بالزيادة ما تقدم في السبب الثاني، فإذا ترك الجهر بالسورة وزاد ركعة في الصلاة سهواً فقد اجتمع له نقص وزيادة، فيسجد لذلك قبل السلام ترجيحاً لجانب النقص على الزيادة.
الحنابلة قالوا: أسباب السهو ثلاثة، وهي: الزيادة، والنقص، والشك في بعض صوره إذا وقع شيء من ذلك سهواً، أما إن حصل عمداً فلا يسجد له، بل تبطل به الصلاة إن كان فعلياً، ولا تبطل إن كان قولياً في غير محله، ولا يكون السهو موجباً للسجود إلا إذا كان في غير صلاة جنازة، أو سجدة تلاوة، أو سجود سهو، أو سجود شكر.
فإنه لا يسجد للسهو في ذلك كله، أما الزيادة في الصلاة فمثالها أن يزيد قياماً أو قعوداً، ولو كان القعود قدر جلسة الاستراحة عند من يقول بها، أو أن يقرأ الفاتحة مع التشهد في القعود أو يقرأ التشهد مع الفاتحة في القيام؛ فإنه يسجد للسهو وجوباً في الزيادة الفعلية، وندباً في القولية التي أتى بها في غير محلها، كما ذكر؛ وأما النقص في الصلاة فمثاله أن يترك الركوع أو السجود أو قراءة الفاتحة، أو نحو ذلك سهواً، فيجب عليه إذا تذكر ما تركه قبل الشروع في قراءة الركعة التي تليها أن يأتي به وبما بعده ويسجد للسهو في آخر صلاته، فإن لم يتذكره حتى شرع في قراءة الركعة التالية لغت الركعة وقامت ما بعدها مقامها، وأتى بركعة بدلها، ويسجد للسهو وجوباً، فإن رجع إلى ما فاته بعد الشروع في قراءة التالية عالماً بحرمة الرجوع، فإن صلاته تبطل، أما إذا كان معتقداً جوازه فلا تبطل، وإذا تذكره قبل الشروع في قراءة التالية، ولم يعد إلى ما تركه عمداً، فإن كان عالماً بالحكم بطلت صلاته، وإن كان جاهلاً بالحكم لغت الركعة، وقامت تاليتها مقامها، وأتى بركعة بدلها وسجد للسهو وجوباً: أما إذا لم يتذكر ما فاته إلا بعد سلامه، فيجب عليه أن يأتي بركعة كاملة إن كان ما تركه من غير الركعة الأخيرة، فإن كان منها فيجب عليه أن يأتي به وبما بعده، ثم يسجد للسهو، وهذا إذا لم يطل الفصل، ولم يحدث أو يتكلم، وإلا بطلت صلاته، وجبت إعادتها، وأما الشك في الصلاة الذي يقتضي سجود السهو، فمثاله أن يشك في ترك ركن من أركانها، أو في عدد الركعات، فإنه في هذه الحالة يبني على المتيقن، ويأتي بما شك في فعله؛ ويتم صلاته، ويسجد للسهو وجوباً، ومن أدرك الإمام راكعاً، فشك هل شارك الإمام في الركوع قبل أن يرفع أو لم يدركه لم يعتد بتلك الركعة، ويأتي بها مع ما يقضيه
ويسجد للسهو، أما إذا شك في ترك واجب من واجبات الصلاة؛ كأن شك في ترك تسبيحة من تسبيحات الركوع أو السجود، فإنه لا يسجد للسهو، لأن سجود السهو لا يكون للشك في ترك الواجب، بل يكون لترك الواجب سهواً؛ وإذا أتم الركعات وشك وهو في التشهد في زيادة الركعة الأخيرة لا يسجد للسهو، أما إذا شك في زيادة الركعة الأخيرة قبل التشهد، فإنه يجب عليه سجود السهو. ومثل ذلك ما إذا شك في زيادة سجدة على التفصيل المتقدم. ومما تقدم يعلم أن الشك لا يسجد له في بعض صوره، فمن سجد السهو في حالة لم يشرع لها سجود السهو وجب عليه أن يسجد للسهو لذلك، لأنه زاد في صلاته سجدتين غير مشروعتين، ومن علم أنه سها في صلاته، ولم يعلم هل السجود مشروع لهذا السهو أو لا لم يسجد، لأنه لم يتحقق سببه، والأصل عدمه، ومن سها في صلاته وشك هل سجد لذلك السهو أو لا سجد للسهو سجدتين فقطن وإذا كان المأموم واحداً وشك في ترك ركن أو ركعة، فإنه يجب عليه أن يبني على الأقل، كالمنفرد، ولا يرجع لفعل إمامه، فإذا سلم إمامه لزمه أن يأتي بما شك فيه، ويسجد للسهو، ويسلم، فإن كان مع إمامه غيره من المأمومين، فإنه يجب عليه أن يرجع إلى فعل إمامه، وفعل من معه من المأمومين، وإذا شك شكاً يشرع السجود له، ثم تبين له أن مصيب لم يسجد لذلك الشك، ومن لحن لحناً يغير المعنى سهواً أو جهلاً وجب عليه أن يسجد للسهو، وإذا ترك سنة من سنن الصلاة أبيح له السجود.
الشافعية قالوا: تنحصر أسباب سجود السهو في ستة أمور: الأول: أن يترك الإمام أو المنفرد سنة مؤكدة، وهي التي يعبر عنها بالأبعاض، وذلك كالتشهد الأول، والقنوت الراتب، وهو غير قنوت النازلة، أما لو ترك سنة غير مؤكدة، وهي التي يعبر عنها بالهيئات، كالسورة ونحوها مما تقدم، فإنه لا يسجد لتركها عمداً أو سهواً، فلو ترك فرضاً، كسجدة أو ركوع، فإن تذكره قبل أن يفعل مثله أتى به فوراً، وإن لم يتذكره إلا بعد فعل مثله قام المثل مقامه، بحيث يعتبر أولاً، ويلغي ما فعله بينهما، فإن ترك الركوع مثلاً ثم تذكره قبل أن يأتي بالركوع الثاني أتى به، ثم يلغى مما فعله أولاً، ويمضي في إتمام صلاته، ويسجد قبل السلام، فإن تذكره بعد الإتيان بالركوع الثاني قام الثاني مقام الأول؛ وهكذا يقوم المتأخر مقام المتقدم، ويلغي مابينهما متى تذكر قبل السلام، وأما إذا تذكره بعد السلام، فإن لم يطل الفصل عرفاً ولم تصبه نجاسة غير معفو عنها، ولم يتكلم أكثر من ست كلمات؛ ولم يأت بفعل كثير مبطل وجب عليه أن يقوم ويركع، ثم يأتي بما يكملهان ويتشهد، ويسجد للسهو، ثم يسلم، ومن ترك سنة مؤكدة كالتشهد الأول المتقدم ذكره، ثم قام، فإن كان إلى القيام أقرب؛ فلا يعود له؛ فإن عاد عامداً عالماً بطلت صلاته، أما إن عاد ساهياً أو جاهلآً، فلا تبطل؛ إلا أنه يسن له السجود؛ ولو ترك القنوت المشروع لغير النازلة؛ ونزل للجلوس حتى بلغ حد الركوع لا يعود له، فإن عاد عالماً عامداً بطلت صلاته، وإلا كان حكمه كما تقدم في التشهد؛ وهذا إن كان غير مأموم، فإن كان مأموماً وترك التشهد والقنوت قصداً فهو مخير بين أن يعود لمتابعة إمامه أو ينتظره حتى يلحقه إمامه فيمضي معه، وإن تركهما سهواً يجب عليه العود مع الإمام، فإن لم يعد بطلت صلاته، إلا إذا نوى المفارقة في الصورتين، فإنه حينئذ يكون منفرداً، فلو ترك الإمام والمقتدي التشهد الأول مثلاً أو القنوت عمداً وكانا إلى القيام أقرب في الأول، وبلغا حد الركوع في الثاني، ثم عاد الإمام فيجب على المأموم أن لا يعود معه، وإنما يفارقه بالنية بقلبه أو ينتظره في القيام أو في السجود، فإن عاد المأموم معه عالماً عامداً بطلت صلاته، وإلا فلا تبطل، وإذا ترك الإمام التشهد الأول وقام، وجب على المأموم أن يقوم معه، فإن عاد الإمام، فلا يعود المأموم معه؛ السبب الثاني: الشك في الزيادة، فلو شك في عدد ما أتى به من الركعات بنى على اليقين، وتمم الصلاة وجوباً، وسجد لاحتمال الزيادة، ولا يرجع الشاك إلى ظنه ولا لإخبار مخبر، إلا إذا بلغ عدد المخبرين التواتر فيرجع لقولهم؛ السبب الثالث: فعل شيء سهواً يبطل عمده فقط، كتطويل الركن القصير بأن يطيل الاعتدال أو الجلوس بين السجدتين، ومثل ذلك الكلام القليل سهواً، ولا يسجد إلا إذا تيقنه، فإن شك فيه فلا يسجد، أما ما لا يبطل عمده ولا سهوه، كالتفات بالعنق، ومشي خطوتين، فلا يسجد لسهوه ولا لعمده، وأما ما يبطل عمده وسهوه ككلام كثير وأكل، فلا يسجد له أصلاً، لبطلان الصلاة؛ السبب الرابع: نقل ركن قولي غير مبطل في غير محله، كأن يعيد قراءة الفاتحة كلها أو بعضها في الجلوس، وكذلك نقل السنة القولية، كالسورة من محلها إلى محل آخر. كأن يأتي بها في الركوع فإنه يسجد له؛ ويستثنى من ذلك إذا قرأ السورة قبل الفاتحة، فلا يسجد لها؛ السبب الخامس: الشك في ترك بعض معين، كأن شك في ترك قنوت: لغير النازلة، أو ترك بعض مبهم، كأن لم يدر هل ترك القنوت أو الصلاة على النبي في القنوت.
وأما إذا شك هل أتى بك الأبعاض أو ترك شيئاً منها؛ فلا يسجد؛ السبب السادس: الاقتداء بمن في صلاته خلل، ولو في اعتقاد المأموم، كالاقتداء بمن ترك القنوت في الصبح، أو بمن يقنت قبل الركوع فإنه يسجد بعد سلام الإمام وقبل سلام نفسه، وكذلك إذا اقتدى بمن يترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، فإنه يسجد
رد: كتاب الفقه على المذاهب الأربعة /عبد الرحمن الجزيري
[مباحث سجدة التلاوة]
[دليل مشروعيتها]
ورد في الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن فيقرأ السورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعاً لمكان جبهته" وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار" رواه مسلم. وقد أجمعت الأمة على أنها مشروعة عند قراءة مواضع مخصوصة من القرآن.
[حكمها]
أما حكمها، فهو السنية للقارئ والمستمع، بالشروط الآتية، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط
,,,,,,,,,,,,,,, الحنفية قالوا: حكم سجدة التلاوة الوجوب تارة يكون موسعاً وتارة يكون مضيقاً، فيكون موسعاً إن حصل موجبه خارج الصلاة فلا يأثم بتأخير السجود إلى آخر حياته إن مات ولم يسجد، ولكن يكره تأخيره تنزيهاً، ويكون الوجوب مضيقاً إن حصل موجب للسجود في الصلاة بأن تلا آية السجدة وهو يصلي، فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يؤديه فوراً، وقدر الفور بأن لا يكون بين السجدة وبين تلاوة آيتها زمن يسع أكثر من قراءة ثلاث آيات، فإن مضى بينهما زمن يسع ذلك بطول الفور، ثم إن آية السجدة إما أن تكون وسط السورة أو آخرها، فإن كانت وسطها فالأفضل للمصلي أن يسجد لها عقب قراءتها وقبل إتمام السورة ثم يقوم فيختم السورة ويركع، فإن لم يسجد وركع قبل انقطاع الفور السابق ونوى بالركوع السجدة أيضاً فإنه يجزئه كما يجزئ السجود للصلاة قبل انقطاع الفور المذكور ولو لم ينوبه السجدة أيضاً، انقطع الفور فلا تسقط عنه لا بالركوع ولا بسجود الصلاة وعليه قضاءها بسجدة خاصة ما دام في صلاته، فإذا خرج من الصلاة فلا يقضيها لفوات وقتها، إلا إذا كان خروجه بالسلام، ولم يأت بمناف للصلاة بعده فإنه يقضيها عقب السلام أما إن كانت الآية آخر السورة فالأفضل أن يركع وينوي السجدة ضمن الركوع، فإذا سجد لها ولم يركع وعاد إلى القيام فيندب أن يتلو آيات من السورة التي تليها ثم يركع ويتم للصلاة
[شروط سجدة التلاوة]
وأما شروطها فمنها أن يكون السامع قاصداً للسماع، فإن لم يقصد فلا تجب عليه عند المالكية، والحنابلة، أما الحنفية قالوا: لا يشترط القصد، بل يطلب من السامع السجود ولو لم يقصد السماع
، ومنها غير ذلك مما هو مفصل تحت الخط
,,,,,,,,,,
الحنفية قالوا: يشترط لها ما يشترط للصلاة إلا التحريمة ونية تعين الوقت، فإنهما لا يشترطان لها، ولا يؤتى بالتحريمة فيها كما سيأتي في صفتها، ويشترط لوجوبها كذلك ما يشترط لوجوب الصلاة من الإسلام والبلوغ والعقل والطهارة من الحيض والنفاس، فلا تجب على كافر وصبي ومجنون، ولا على حائض أو نفساء، لا فرق بين أن يكون أحد هؤلاء قارئاً أو سامعاً، أما من سمع من أحدهم فإنه يجب عليه السجود إن كان أهلاً للوجوب أداء أو قضاء، فيجب على السكران والجنب لأنهما أهل للوجوب قضاء، إلا إذا كان القارئ مجنوناً فإنها لا تجب على من سمع منه، ومثله الصبي الذي لا يميز، لأنه صحة التلاوة يشترط لها التمييز، وكذا إذا سمع آية السجدة من غير آدمي كأن يسمعها من الببغاء أو من آلة حاكية (كالفونوغراف) ، فإن هذا السماع لا يوجب السجود لعدم صحة التلاوة بفقد التمييز.
الحنابلة قالوا: يشترط لها بالنسبة للقارئ والمستمع ما يشترط لصحة الصلاة من طهارة الحدث واجتناب النجاسة واستقبال القبلة والنية وغير ذلك مما تقدم، ويزاد في المستمع شرطاً. الأول: أن يصلح القارئ للإمامة له ولو في صلاة النفل، فلو سمعها من امرأة لا يسن له السجود، وأولى إذا سمعها من غير آدمي كالآلة الحاكية والببغاء، نعم إذا سمعها من أمي أو زمن لا يصلحان لإمامته فإنه يسن أن يسجد للاستماع منهما؛ الثاني: أن يسجد القارئ، فإن لم يسجد فلا يسن للمستمع، ولا يصح السجود أمام القارئ أو عن يساره إذا كان يمينه خالياً، ويكره أن يقرأ الإمام آية سجدة في صلاة سرية، ولا يلزم المأموم متابعته لو سجد لذلك، بخلاف الجهرية، فإنه يلزم متابعته فيها.
المالكية قالوا: يشترط لها في القارئ والمستمع شروط صحة الصلاة من طهارة حدث وخبث واستقبال قبلة وستر عورة وغير ذلك مما تقدم، ويسجدها القارى، ولو كان غير صالح للإمامة؛ كالفاسق والمرأة، ولو قصد بقراءته إسماع الناس حسن صوته، وكذلك يسجدها في الصلاة إذا قرأ آيتها فيها، ولو كانت صلاة فرض، إلا أنه يكره تعمد قراءة آيتها في الفريضة.
هذا إذا كان المصلي إماماً أو منفرداً، أما المأموم فإنه يسجد تبعاً لإمامه، فلو لم يسجد فلا تبطل صلاته، لأنها ليست جزءاً من الصلاة، وإذا قرأها هو دون إمامه فلا يسجد، فلا سجد بطلت صلاته لمخالفة فعله فعل الإمام؛ ويستثنى من الصلاة صلاة الجنازة فلا يسجد فيها، كما أنه إذا قرأ آية السجدة في خطبة جمعة أو غيرها لا يسجد، ولا تبطل صلاة الجنازة ولا الخطبة لو سجد، ويزاد في المستمع شروط ثلاثة: أولاً: أن يكون القارئ صالحاً للإمامة في الفريضة، بأن يكون ذكراً بالغاً عاقلاً مسلماً متوضئاً، فلو كان القارئ مجنوناً أو كافراً أو غير متوضئ فلا يسجد هو ولا المستمع، كما لا يسجد السامع الذي لم يقصد الاستماع، وإن كان القارئ امرأة أو صبياً سجد القارئ دون المستمع؛ ثانياً: أن لا يقصد القارئ إسماع الناس حسن صوته، فإن كان ذلك فلا يسجد المستمع؛ ثالثاً: أن يكون قصد السامع من السماع أن يتعلم من القارئ القراءة أو أحكامها من إظهار وإدغام ومد وقصر وغير ذلك، أو الروايات، كرواية ورش أو غيره، أو يعلم القارئ ذلك، ومتى استكملت شروط السامع فإنه يسجدها، ولو ترك القارئ السجود إلا في الصلاة فيتركها تبعاً للإمام، وإذا كان القارئ غير متوضئ ترك آية السجود ويلاحظها بقلبه محافظة على نظام التلاوة، وكذا إذا كان الوقت ينهي فيه عن سجود التلاوة، وإذا كرر المعلم أو المتعلم آية السجدة فيسن السجود لكل منهما عند قراءتها أول مرة فقط، وإذا جاوز القارئ محل السجود بيسير كآية أو آيتين طلب منه السجود ولا يعيد قراءة محله مرة أخرى وإن جاوره بكثير أعاد آية السجدة وسجد، ولو كان في صلاة فرض، ولكن لا يسجد في الفرض إلا إذا لم ينحن للركوع؛ أما في النفل فإنه يأتي بآية السجدة في الركعة الثانية، ويسجد إن لم يركع، فإن ركع في الثانية فاتت السجدة.
الشافعية قالوا: يشترط لسجود التلاوة شروط: أولاً: أن تكون القراءة مشروعة، فلو كانت محرمة، كقراءة الجنب، أو مكروهة، كقراءة المصلي في حال الركوع مثلاً، فلا يسن السجود للقارئ ولا للسامع، ثانياً: أن تكون مقصودة، فلو صدرت من ساه ونحوه، كالطير (والفونوغراف) ، فلا يشرع السجود؛ ثالثاً: أن يكون المقروء كل آية السجدة، فلو قرأ بعضها فلا سجود؛ رابعاً: أن لا تكون قراءة آية السجدة بدلاً من قراءة الفاتحة لعجزه عنها، وغلا فلا سجود، خامساً: أن لا يطول الفصل بين قراءة الآية والسجود، وأن لا يعرض عنها، فإن طال وأعرض عنها فلا سجود، والطول أن يزيد على مقدار صلاة ركعتين بقراءة متوسطة بين الطول والقصر؛ سادساً: أن تكون قراءة الآية من شخص واحد، فلو قرأ واحد بعض الآية، وكملها شخص آخر فلا سجود؛ سابعاً: يشترط لها ما يشترط للصلاة من طهارة واستقبال وغير ذلك، وهذه الشروط في جملتها عامة للمصلي وغيره، ويزاد في المصلي شرطان آخران: أولاً: أن لا يقصد بقراءة الآية السجود، فإن قصد ذلك وسجد بطلت صلاته إن سجد عامداً عالماً، ويستثنى من ذلك قراءة سورة "السجدة" في صبح يوم الجمعة، فإنها سنة، ويسن السجود حينئذ، فإن قرأ في صبح يوم الجمعة غير هذه السورة وسجد بطلت صلاته بالسجود إن كان عامداً عالماً، كما تبطل صبح يوم الخميس مثلاً لو قرأ فيها السورة المذكورة وسجد، ويجب على المأموم أن يسجد تبعاً لإمامه حيث كان سجوده مشروعاً، فإن ترك متابعة الإمام عمداً مع العلم بطلت صلاته، ثانياً: أن يكون هو القارئ؛ فإن كان القارئ غيره وسجد فلا يسجد، فإن سجد بطلت صلاته إذا كان عالماً عامداً، ولا يسجدها مصلي الجنازة بخلاف الخطيب، فيسن له السجود، ويحرم على القوم السجود لما فيه من الإعراض عن الخطبة
أسباب سجود التلاوة موضحة في المذاهب:
الحنفية قالوا: أسباب سجود التلاوة ثلاثة أمور: الأول: التلاوة؛ فتجب على التالي، ولو لم يسمع نفسه، كأن كان أصم، لا فرق بين أن يكون خارج الصلاة أو فيها، إماماً كان أو منفرداً، أما المأموم فلا تجب عليه بتلاوته، لأنه ممنوع من القراءة خلف إمامه فلا تعتبر تلاوته موجباً لها، وإذا تلا الخطيب يوم الجمعة أو العيدين آية سجدة وجبت عليه وعلى من سمعه، فينزل من فوق المنبر ثم يسجد ويسجد الناس معه، ولكن يكره له أن يأتي بآية السجدة وهو على المنبر؛ أما الإتيان بها وهو في الصلاة، فإنه لا يكره إذا أدى السجدة ضمن الركوع أو السجود؛ بخلاف ما إذا أتى بها وحدها، فإنه يكره لما فيه من التهويش على المصلين، الثاني: سماع آية سجدة من غيره، والسامع إما أن يكون في الصلاة أو لا، وكذا المسموع منه، فإن كان السامع في الصلاة، وكان منفرداً أو إماماً، فإنه يجب في الصلاة أو لا، وكذا المسموع منه، فإن كان السامع في الصلاة، وكان منفرداً أو إماماً، فإنه يجب عليه فعلها خارج الصلاة، إلا إذا سمعها من مأموم على الصحيح، فإنه لا تجب عليه السجدة، أما إذا كان السامع مأموماً، فإن سمعها من غير إمامه فحكمه كذلك، وإن سمعها من إمامه، فإن كان مدركاً للصلاة وجبت عليه متابعته في سجوده، وإن كان مسبوقاً فإن أدرك الإمام قبل سجوده للتلاوة تابعه أيضاً، وإن أدركه بعد سجود التلاوة في الركعة التي تلا فيها الآية لم يسجد أصلاً، وإن أدركه في الركعة التي بعدها سجد بعد الصلاة؛ الثالث: الاقتداء، فلو تلاها الإمام وجبت على المقتدي وإن لم يسمعها.
الحنابلة قالوا: لها سببان: التلاوة، والاستماع بالشروط المتقدمة، وبشرط أن لا يطول الفصل عرفاً بينها وبين سببها، فإن كان القارئ أو السامع محدثاً ولا يقدر على استعمال الماء تيمم وسجد، أما إذا كان قادراً على استعمال الماء فإن السجود يسقط عنه، لأنه لو توضأ يطول الفصل هذا، ولا يسجد المقتدي للتلاوة إلا متابعة لإمامه:
المالكية قالوا: سببها التلاوة والسماع بشرط أن يقصده، كما تقدم بيانه في شروطها.
في صفة سجود التلاوة أو تعريفها وركنها تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط
,,,,,,,,,,,, الحنفية قالوا: صفة سجود التلاوة أو تعريفه هو أن يسجد الإنسان سجدة واحدة بين تكبيرتين: إحداهما: عند وضع بجهته على الأرض للسجود، وثانيتهما: عند رفع جبهته، ولا يقرأ التشهد ولا يسلم، والتكبيرتان المذكورتان مسنونتان، فلو وضع جبهته على الأرض دون تكبير صحت السجدة مع الكراهة، فلسجود السهو ركن واحد عندهم، وهو وضع الجبهة على الأرض، أو ما يقوم مقامه من الركوع أو السجود، أو من الإيماء للمريض: أو للمسافر الذي يصلي على الدابة في السفر، لأن سجدة التلاوة تؤدي عند الحنفية ضمن الركوع أو السجود أو الإيماء، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاثاً، أو يقول ما يشاء مما ورد، نحو اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود، ويستحب لمن تلاها جالساً أن يقف ويخر لها ساجداً، ومن كرر آية سجدة في مجلس واحد سجد كذلك سجوداً واحداً، فإن اختلف المجلس فإنه يكرر السجود.
الحنابلة قالوا: تعريف سجدة التلاوة هو أن يسجد بدون تكبيرة إحرام، بل بتكبيرتين: إحداهما عند وضع جبهته على الأرض، والثانية. عند رفعها، ولا يتشهد، إلا أنه يندب له الجلوس إذا لم يكن في الصلاة ليسلم جالساً على أنهم قالوا: إن التكبيرتين ليستا من أركان السجدة بل هما واجبتان؛ فأركان السجدة عندهم ثلاثة: السجود، والرفع منه، والتسليمة الأولى، أما التسليمة الثانية فليست بركن ولا واجب، ويندب أن يدعو في سجوده بالدعاء المتقدم ذكره عند الحنفية.
المالكية قالوا: تعريف سجود التلاوة هو أن يسجد سجدة واحدة بلا تكبيرة إحرام وبلا سلام "بل يكبر للهوي وللرفع استناناً. وإذا كان قائماً يهوي لها من قيام، سواء كان في صلاة أو غيرها، ولا يطلب منه الجلوس، بل يسجد كما يسجد القائم من ركوع الصلاة المعتادة، لا فرق بين أن يكون في صلاة أو غيرها، وإذا كان راكباً على دابة أو غيرها نزل وسجد على الأرض، إلا إذا كان مسافراً أو كان مقيماً وتوفرت فيه شروط صلاة النفل على الدابة المتقدم ذكرها، ويسجد عليها بالإيماء.
هذا، ويندب أن يدعو في سجوده بالدعاء المتقدم ذكره عند الحنفية.
الشافعية قالوا: سجدة التلاوة، إما أن يفعلها المتلبس بالصلاة أو غيره، فتعريفها بالنسبة لغير المصلي هو أن ينوي بلسانه، ثم يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يسجد سجدة واحدة كسجدات الصلاة، ثم يجلس بعد السجدة ثم يسلم، وبهذا تعلم أن أركان سجدة التلاوة لمن لم يكن في الصلاة خمسة، أما إذا كان في الصلاة وقرأ آية فيها سجدة فإنه يسجد، وتتحقق السجدة بأمرين؛ أحدهما: النية ولا بد أن تكون بالقلب، بحيث لو تلفظ بها بطلت صلاته، ثانيتهما: أن يسجد سجدة واحدة كسجدات الصلاة؛ وإذا كان مأموماً فلا تطلب منه النية بل تكفيه نية إمامه، ويشترط لغير المصلي أن يقارن بين النية وتكبيرة الإحرام، ويسن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، ويسن التكبير للهوّي للسجود والرفع منه، والدعاء فيه، والتسليمة الثانية ويسن أن يدعو بالدعاء المتقدم ذكره عند الحنفية.
هذا، ويقوم مقام سجود التلاوة ما يقوم مقام تحية المسجد، فمن لم يرد فعل سجدة التلاوة قرأ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أربع مرات، فإن ذلك يجزئه عن سجدة التلاوة، ولو كان متطهراً
[المواضع التي تطلب فيها سجدة التلاوة]
تطلب في أربعة عشر موضعاً: وهي آخر آية في الأعراف: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته، ويسبحونه، وله يسجدون} ، وآية الرعد: {ولله يسجد ما في السموات والأرض طوعاً وكرهاً، وظلالهم بالغدوّ والآصال} وآية النحل: {ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة، والملائكة، وهم لا يستكبرون، يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} ، وآية الإسراء التي آخرها: {يزيدهم خشوعاً} ، وآية مريم التي آخرها: {خرُّوا سجداً وبكياً} ، وآيتان في سورة الحج: أولاهما {ويفعل ما يشاء} في آخر الربع {لعلكم تفلحون} ، عند الشافعية، والحنابلة، وخالف، المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) : وآية الفرقان وهي: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن، قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً} ، وآية النمل وهي: {أن لا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض، ويعلم ما تخفون وما تعلنون، الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم} ، وآية سورة السجدة وهي: {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً} إلى قوله تعالى: {وهم لا يستكبرون} وآية سورة فصلت وهي: {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} وآية النجم وهي: {أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا} وآية سورة الانشقاق، وهي قوله تعالى: {وإذ ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .وأما آية "ص" وهي: {وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب} ، فليست من مواضع سجود التلاوة عند الشافعية، والحنابلة خلافاً للمالكية، والحنفية؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (الحنفية، والمالكية قالوا: إنها من مواضع سجود التلاوة، إلا أن المالكية قالوا: إن السجود عند قوله تعالى: {وأناب} والحنفية قالوا: الأولى أن يسجد عند قوله تعالى: {وحسن مآب} .ومن هذا يتضح أن عدد مواضع سجدة التلاوة عند الحنفية أربعة عشر موضعاً بنقص آية أخر الحج، وزيادة أية {ص} .وعند المالكية أحد عشر موضعاً بنقص آية النجم، والانشقاق، وسورة اقرأ، وزيادة آية ص) ، والسجود يكون عند آخر كل آية من آياتها المتقدمة باتفاق، إلا عند الحنفية في بعض المواضع، فانظر مذهبهم تحت الخط 3 (1) المالكية، والحنفية لم يعدوا آية آخر الحج من المواضع التي يطلب فيها سجود التلاوة
(2) المالكية قالوا: إن آية النجم، وآية الانشقاق، وآية اقرأ ليست من المواضع التي يطلب فيها سجود التلاوة
(3) الحنفية قالوا: إن السجود في آية سورة فصلت عند قوله تعالى: {وهم لا يسأمون}