رد: كتاب الفقه على المذاهب الأربعة /عبد الرحمن الجزيري
[الكفارة الواجبة على من أفطر رمضان، وحكم من عجز عنها]
تقدم أن الصيام ينقسم إلى مفروض وغيره، وأن المفروض ينقسم إلى أقسام. صوم رمضان وصوم الكفارات، والصيام المنذور؛ أما صوم رمضان فقد تقدم الكلام فيه، وأما الكفارات، فأنواع: منها كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة القتل، ولهذه الأنواع الثلاثة مباحث خاصة بها في قسم المعاملات. "وقد ذكرنا كفارة اليمين في الجزء الثاني وكفارة الظهارة في الجزء الرابع، ومن أنواع الكفارات كفارة الصيام، وهي المراد بيانها هنا: فكفارة الصيام هي التي تجب على ما أفطر في أداء رمضان على التفصيل السابق في المذاهب. وهي إعتاق رقبة مؤمنة، باتفاق ثلاثة، وقال الحنفية، لا يشترط أن تكون الرقبة مؤمنة في الصيام، ويشترط أن تكون سليمة من العيوب المضرة، كالعمى والبكم والجنون، فإن لم يجدها فصيام شهرين متتابعين، فإن صام في أول الشهر العربي أكمله وما بعده باعتبار الأهلة، وإن ابتدأ في أثناء الشهر العربي صام باقيه. وصام الشهر الذي بعده كاملاً باعتبار الهلال، وأكمل الأول ثلاثين يوماً من الثالث، ولا يحسب يوم القضاء من الكفارة، ولا بد من تتابع هذين الشهرين بحيث لو أفسد يوماً في أثنائها ولو بعذر شرعي، كسفر، صار ما صامه نفلاً، ووجب عليه استئنافها لانقطاع التتابع الواجب فيها، باتفاق ثلاثة، وقال الحنابلة: الفطر لعذر شرعي كالفطر للسفر لا يقطع التتابع، فإن لم يستطع الصوم لمشقة شديدة ونحوها، فإطعام ستين مسكيناً، فهي واجبة على الترتيب المذكور باتفاق ثلاثة. وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) وقد استدل الثلاثة بخبر الصحيحية عن أبي هريرة رضي الله عنه، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هلكت، قال: وما أهلكك،! قال: واقعت امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، ثم جلس السائل، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر "العرق: مكتل في خوص النخل، وكان فيه مقداره الكفارة" فقال تصدق بهذا، فقال: على أفقر منا يا رسول الله، فو الله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب، فأطعمه أهلك" وما جاء في هذا الحديث من إجراء صرف الكفارة لأهل المكفر، وفيهم من تجب عليه نفقته فهو خصوصية لذلك الرجل، لأن المفروض في الكفارة إنما هو إطعام ستين مسكيناً لغير أهله، بحيث يغطي كل واحد منهم مقداراً مخصوصاً، على تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (2)
.وتتعدد الكفارة بتعدد الأيام التي حصل فيها ما يقتضي الكفارة، عند الشافعية، والمالكية؛ أما الحنفية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (3)، أما إذا تعدد المتقضى في اليوم الواحد فلا تتعدد، ولو حصل الموجب الثاني بعد أداء الكفارة عن الأول، فلو وطئ في اليوم الواحد عدة مرات فعليه كفارة واحدة، ولو كفر بالعتق أو الإطعام عقب الوطء الأول، فلا يلزمه شيء لما بعده، وإن كان آثماً لعدم الإمساك الواجب، فإن عجز عن جميع أنواع الكفارات استقرت في ذمته إلى الميسرة، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط(4)
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
1- المالكية قالوا: كفارة رمضان على التخيير بين الإعتاق والإطعام، وصوم الشهرين المتتابعين، وأفضلها الإطعام، فالعتق، فالصيام، وهذا التخيير بالنسبة للحر الرشيد، أما العبد فلا يصح العتق منه، لأنه لا ولاء له، فكيفر بالإطعام إن أذن له سيده فيه، وله أن يكفر بالصوم، فإن لم يأن له سيده في الإطعام تعين عليه التكفير بالصيام، وأما السفيه فيأمره وليه بالتكفير بالصوم، فإن امتنع أو عجز عنه كفر عنه وليه بأقل الأمرين قيمة من الإطعام، أو العتق
2-المالكية قالوا: يجب تمليك كلواحد مداً بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ملء اليدين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين، ويكون ذلك المد من غالب طعام أهل بلد المكفر من قمح أو غيره، ولا يجزئ بدله الغداء ولا العشاء على المعتمد، وقدر المد بالكيل بثلث قدح مصري، وبالوزن برطل وثلث، كل رطل مائة وثمانية وعشرون درهماً مكياً، وكل درهم يزن خمسين حبة، وخمس حبة من متوسط الشعير، والذي يعطى إنما هو الفقراء أو المساكين، ولا يجزئ إعطاؤها لمن تلزمه نفقتهم، كأبيه وأمه وزوجته وأولاده الصغار، أما أقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم فلا مانع من إعطائهم منها إذا كانوا فقراء، كإخوته وأجداده.
الحنفية قالوا: يكفي في إطعام الستين مسكيناً أن يشبعهم في غذاءين أو عشاءين، أو فطور وسحور، أو يدفع لكل فقير نصف صاع من القمح أو قيمته، أو صاعاً من الشعير، أو التمر أو الزبيب، والصاع قد حان وثلث بالكيل المصري. ويجب أن لا يكون في المساكين من تلزمه نفقته. كأصوله وفروعه وزوجته.
الشافعية قالوا: يعطي لكل واحد من الستين مسكيناً مداً من الطعام الذي يصح إخراجه في زكاة الفطر، كالقمح والشعير، ويشترط أن يكون من غالب قوت بلده، ولا يجزئ نحو الدقيق والسويق، لأنه لا يجزئ في الفطرة. والمد: نصف قدح مصري. وهو ثمن الكيلة المصرية. ويجب تمليكهم ذلك. ولا يكفي أن يجعل هذا القدر طعاماً يطعمهم به، فلا غداهم وعشاهم به لم يكف ولم يدزئ. ويجب أن لا يكون في المساكين من تلزمه نفقته إن كان الجاني في الصوم هو المكفر عن نفسه؛ أما إن كفر عنه غيره فيصح أن يعتبر عيال ذلك الجاني في الصوم من ضمن المساكين.
الحنابلة قالوا: يعطي كل مسكين مداً من قمح، والمد: هو رطل وثلث بالعراقي، والرطل العراقي مائة وثمانية، وعشرون درهماً، أو نصف صاع من تمر أو شعير أو زبيب أو أقط، وهو اللبن المجمد، ولا يجزئ إخراجها من غير هذه الأصناف مع القدرة؛ والصاع أربعة أمداد، ومقدار الصاع بالكيل المصري قد حان، ويجوز إخراجها من دقيق القمح والشعير أو سويقهما، وهو ما يحمص ثم يطحن، إذا كان بقدر حبة في الوزن لا في الكيل، ولو لم يكن منخولاص، كما يجزئ إخراج الحب بلا تنقية، ولا يجزئ في الكفارة إطعام الفقراء خبزاً، أو إعطاؤهم حباً معيباً، كالقمح المسوس والمبلول والقديم الذي تغير طعمه، ويجب أن لا يكون في الفقراء الذين يطعمهم في الكفارة من هو أصل أو فرع له، كأمه وولده، ولو لم يجب عليه نفقتهما، ولا من تلزمه نفقته، كزوجته وأخته التي لا يعود لها غيره، سواء كان هو المكفر عن نفسه، أو كفر عنه غيره.
3- الحنفية قالوا: لا تتعدد الكفارة بتعدد ما يقتضيها مطلقاً، سواء كان التعدد في يوم واحد، أو في أيام متعددة، وسواء كان في رمضان واحد، أو في متعدد من سنين مختلفة، إلا أنه لو فعل ما يوجب الكفارة ثم كفر عنه ثم فعل ما يوجبها ثانياً، فإن كان هذا التكرار في يوم واحد كفت كفارة واحدة، وإن كان التكرار في أيام مختلفة عما بعد الأول الذي كفر عنه بكفارة جديدة، وظاهر الرواية يقتضي التفصيل، وهو إن وجبت بسبب الجماع تتعدد، وإلا فلا تتعدد.
الحنابلة قالوا: إذا تعدد المقتضى الكفارة في يوم واحد، فإن كفر عن الأول لزمته كفارة ثانية للموجب الذي وقع بعده، وإن لم يكفر عن السابق كفته كفارة واحد عن الجميع
4-الحنابلة قالوا: إذا عجز في وقت وجوبها عن جميع أنواعها سقطت عنه ولو أيسر بعد ذلك
رد: كتاب الفقه على المذاهب الأربعة /عبد الرحمن الجزيري
الصيام المحرَّم - صيام يوم العيد، وصيام المرأة بغير إذن زوجها
حرَّم الشارع الصوم في أحوال:
منها الصيام يوم العيدين: عيد الفطر، وعيد الأضحى؛ وثلاثة أيام بعد عيد الأضحى، عند ثلاثة من الأئمة، إلا أن الحنفية قالوا: إن ذلك مكروه تحريماً، وقال المالكية، يحرم صوم يومين بعد عيد الأضحى لا ثلاثة أيام، وقد ذكرنا تفصيل كل مذهب في ذلك تحت الخط (1)
ومنها صيام المرأة نفلاً بغير إذن زوجها، أو بغير أن تعلم بكونه راضياً عن ذلك وإن لم يأذنها صراحة، إلا إذا لم يكن محتاجاً لها، كأن كان غائباً، أو محرماً، أو معتكفاً. وهذا هو رأي الشافعية، والمالكية؛ أما الحنفية، والحنابلة، فانظر رأيهما تحت الخط (2)
..................
(1)المالكية قالوا: يحرم صيام يوم عبد الفطر، وعيد الأضحى، ويومين بعد عيد الأضحى، إلا في الحج للتمتع والقارن؛ فيجوز لهما صومهما؛ وأما صيام اليوم الرابع من عيد الأضحى فمكروه.
الشافعية قالوا: يحرم ولا ينعقد صيام يوم عيد الفطر وعيد الأضحى، وثلاثة أيام بعد عيد أضحى مطلقاً، ولو في الحج.
(2) الحنفية قالوا: صيام المرأة بدون إذن زوجها مكروه.
الحنابلة قالوا: متى كان زوجها حاضراً؛ فلا يجوز صومها بدون إذنه، ولو كان به مانع من الوطء، كإحرام، أو اعتكاف، أو مرض
[الصوم المندوب - تاسوعاء - عاشوراء - الأيام البيض - وغير ذلك]
الصوم المندوب، منه صوم شهر المحرم، وأفضله يوم التاسع والعاشر منه، والحنفية يقولون: إن صومهما سنة لا مندوب؛ وقد عرفت أن الشافعية، والحنابلة يوافقون على هذه التسمية؛ إذا لا فرق عندهم بين السنة والمندوب، أما المالكية فلا يوافقون؛ للفرق عندهم بين المندوب والسنة كما هو عند الحنفية، ومنه صيام ثلاثة أيام من كل شهر. ويندب أن تكون هي الأيام البيض، أعني الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من الشهر العربي، وخالف المالكية، المالكية قالوا: يكره قصد الأيام البيض بالصوم
[صوم يوم عرفة]
يندب صوم اليوم التاسع من ذي الحجة، ويقال له: يوم عرفة. وإنما يندب صومه لغير القائم بأداء الحج، أما إذا ان حاجاً ففي صومه هذا اليوم تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط
,,,,,,,,,,,,,,,,,
الحنابلة قالوا: يندب أن يصوم الحاج يوم عرفة إذا وقف بها ليلاً ولم يقف بها نهاراً، أما إذا وقف بها نهاراً فيكره له صومه.
الحنفية قالوا: يكره صوم يوم عرفة للحاج إن أضعفه، وكذا صوم يوم التروية؛ وهو ثامن ذي الحجة.
المالكية قالوا: يكره للحاج أن يصوم يوم عرفة، كما يكره له أيضاً أن يصوم يوم التروية وهو يوم الثامن من ذي الحجة.
الشافعية قالوا: الحاج إن كان مقيماً بمكة ثم ذهب إلى عرفة نهاراً فصومه يوم عرفة خلاف الأولى، وإن ذهب إلى عرفة ليلاً، فيجوز له الصوم، أما إن كان الحاج مسافراً فيسن له الفطر مطلقاً
[صوم يوم الخميس والإثنين]
يندب صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، وأن في صومها مَصلحة للأبدان لا تخفى
[صوم ست من شوال]
يندب صوم ستة من شوال مطلقاً بدون شروط عند الأئمة الثلاثة، وخالف المالكية، والأفضل أن يصومها متتابعة بدون فاصل، عند الشافعية، والحنابلة؛ أما المالكية؛ والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط
,,,,,
المالكية قالوا: يكره صوم ستة أيام من شوال بشروط:
1- أن يكون الصائم ممن يقتدي به، أو يخاف عليه أن يعتقد وجوبها.
2 - أن يصومها متصلة بيوم الفطر.
3 - أن يصومها متتابعة.
4 - أن يظهر صومها؛ فإن انتقى شرط من هذه الشروط، فلا يكره صومها، إلا إذا اعتقد أن وصلها بيوم العيد سنة، فيكره صومها، ولو لم يظهرها، أو صامها متفرقة.الحنفية قالوا: تستحب أن تكون متفرقة في كل أسبوع يومان) .
[صوم يوم وإفطار يوم]
يندب للقادر أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، وقد ورد أن ذلك أفضل أنواع الصيام المندوب.
رد: كتاب الفقه على المذاهب الأربعة /عبد الرحمن الجزيري
[كتاب الإعتكاف]
[تعريفه وأركانه]
هو اللبث في المسجد للعبادة على وجه مخصوص، ومعنى هذا أن النية ليست ركناً من أركان الاعتكاف، وإلا لذكرت في التعريف، وهو كذلك عند الحنفية، والحنابلة، فإنهم يقولون: إن النية شرط لا ركن، وخالف المالكية. والشافعية، فقالوا: إنها ركن لا شرط. وقد عرفت أن الأمر في ذلك سهل، إذ النية لا بد منها عند الفريقين، سواء كانت شرطاً أو ركناً، فمن قال: إنها ركن ذكرها في التعريف، فزاد بعد كلمة "مخصوص" كلمة، "بنية" ومن لم يقل: إنها ركن حذف كلمة "بنية". فأركانه ثلاثة: المكث في المسجد. والمسجد. والشخص المعتكف. والنية عند من يقول: إنها ركن. وله أقسام. وشروط. ومفسدات. ومكروهات وآذاب.[أقسامه ومدته]فأما أقسامه فهي اثنان: واجب، وهو المنذور، فمن نذر أن يعتكف وجب عليه الاعتكاف، وسنة، وهو ما عدا ذلك، وفي كون السنة مؤكدة في بعض الأحيان دون بعض تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط (1) . وأقل مدته لحظة زمانية بدون تحديد، وخالف المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) .
,,,,,,,,,,,,,,,,,
(1) الحنابلة قالوا: يكون سنة مؤكدة في شهر رمضان وآكده في العشر الأواخر منه.
الشافعية قالوا: إن الاعتكاف سنة مؤكدة في رمضان وغيره، وهو في العشر الأواخر منه آكد.
الحنفية قالوا: هو سنة كفاية مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان، ومستحب في غيرها فالأقسام عندهم ثلاثة.
المالكية قالوا: هو مستحب في رمضان وغيره على المشهور، ويتأكد في رمضان مطلقاً وفي العشر الأواخر منه آكد، فأقسامه عندهم اثنان: واجب، وهو المنذور، ومستحب، وهو ما عداه
(2) المالكية قالوا: أقله يوم وليلة على الراجح.
الشافعية قالوا: لا بد في مدته من لحظة تزيد عن زمن قول: "سبحان الله"
[شروط الاعتكاف - اعتكاف المرأة بدون زوجها]
وأما شروطه: فمنها الإسلام، فلا يصح الاعتكاف من كافر، ومنها التمييز، فلا يصح من مجنون ونحوه؟ ولا من صبي غير مميز، أما الصبي المميز فيصح اعتكافه، ومنها وقوعه في المسجد، فلا يصح في بيت ونحوه، على أنه لا يصح في كل مسجد؛ بل لا بد أن تتوافر في المسجد الذي يصح فيه الاعتكاف شروط مفصلة في المذاهب، مذكورة تحت الخط (1) ، ومنها النية، فلا يصح الاعتكاف بدونها. وقد عرفت أنها من الشروط عند الحنفية، والحنابلة، وخالف المالكية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، ومنها الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس، عند الشافعية، والحنابلة، أما المالكية؛ والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (3) .
,,,,,,,,,,,,,,,,,
(1) المالكية: اشترطوا في المسجد أن يكون مباحاً لعموم الناس، وأن يكون المسجد الجامع لمن تجب عليه الجمعة، فلا يصح الاعتكاف في مسجد البيت ولو كان المعتكف امرأة، ولا يصح في الكعبة، ولا في مقام الولي.
الحنفية قالوا: يشترط في المسجد أن يكون مسجد جماعة، وهو ما له إمام ومؤذن سواء أقيمت فيه الصلوات الخمس أو لا.
هذا إذا كان المعتكف رجلاً، أما المرأة فتعتكف في مسجد بيتها الذي أعدته لصلاتها، ويكره تنزيهاً اعتكافها في مسجد الجماعة المذكور، ولا يصح لها أن تعتكف في غير موضع صلاتها المعتاد، سواء أعدت في بيتها مسجداً لها أو اتخذت مكاناً خاصاً بها للصلاة.
الشافعية قالوا: متى ظن المعتكف أن المسجد موقوف خالص المسجدية - أي ليس مشاعاً - صح الاعتكاف فيه للرجل والمرأة، ولو كان المسجد غير جامع، أو غير مباح للعموم.
الحنابلة قالوا: يصح الاعتكاف في كل مسجد للرجل والمرأة، ولم يشترط للمسجد شروط، إلا أنه إذا أراد أن يعتكف زمناً يتخلله فرض تجب فيه الجماعة، فلا يصح الاعتكاف حينئذ إلا في مسجد تقام فيه الجماعة ولو بالمعتكفين
(2) الشافعية، والمالكية قالوا: النية ركن لا شرط، كما تقدم، ولا يشترط عند الشافعية في النية أن تحصل وهو مستقر في المسجد ولو حكماً، فيشمل المتردد في المسجد، فتكفي في حال مروره على المعتمد
(3) الحنفية قالوا: الخلو من الجنابة شرط لحل الاعتكاف لا لصحته، فلو اعتكف الجنب صح اعتكافه مع الحرمة، أما الخلو من الحيض والنفاس فإنه شرط لصحة الاعتكاف الواجب، وهو المنذور؛ فلو اعتكف الحائض أو النفساء لم يصح اعتكافهما، لأنه يشترط للاعتكاف الواجب الصوم،ولا يصح الصيام منهما، أما الاعتكاف المسنون، فإن الخلو من الحيض والنفاس ليس شرطاً لصحته لعدم اشتراط الصوم له على الراجح.
المالكية قالوا: الخلو من الجنابة ليس شرطاً لصحة الاعتكاف، إنما هو شرط لحل المكث في المسجد، فإذا حصل للمعتكف أثناء اعتكافه جنابة بسبب غير مفسد للاعتكاف؛ كالاحتلام، ولم يكن بالمسجد ماء وجب عليه الخروج للاغتسال خارج المسجد، ثم يرجع عقبه فإن تراخى عن العود إلى المسجد بعد اغتساله بطل اعتكافه، إلا إذا تأخر لحاجة من ضرورياته، كقص أظافره أو شاربه، فلا يبطل اعتكافه، وأما الخلو من الحيض والنفاس فهو شرط لصحة الاعتكاف مطلقاً، منذوراً أو غيره، لأن من شروط صحته الصوم، والحيض والنفاس مانعان من صحة الصوم؛ فإذا حصل للمعتكفة الحيض أو النفاس أثناء الاعتكاف خرجت من المسجد وجوباً، ثم تعود إليه عقب انقطاعهما لتتميم اعتكافها التي نذرته أو نوته حين دخولها المسجد، فتعتكف في المنذور بقية أيامه وتأتي أيضاً ببدل الأيام التي حصل فيها العذر، وأما في التطوع فتكمل الأيام التي نوت أن تعتكف فيها، ولا تقضي بدل أيام العذر.
وزاد المالكية على ذلك شروطاً أخرى، فانظرها تحت الخط (1) ، ولا يصح اعتكاف المرأة بغير إذن زوجها، ولو كان اعتكافها منذوراً، سواء علمت أنه يحتاج إليها للاستمتاع، أو ظنت، أو لا. وخالف الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2)
,,,,,,,,,,,,,,,,,,
(1) المالكية: زادوا في شروط الاعتكاف الصوم، سواء كان الاعتكاف منذوراً أو تطوعاً.
الحنفية: زادوا في شروط الاعتكاف الصيام إن كان واجباً، أما التطوع فلا يشترط فيه الصوم
(2) الشافعية قالوا: إذا اعتكف المرأة بغير إذن زوجها صح وكانت آثمة، ويكره اعتكافها إن أذن لها، وكانت من ذوات الهيئة.
المالكية قالوا: لا يجوز للمرأة أن تنذر الاعتكاف أو تتطوع به، بدون إذن زوجها إذا علمت أو ظنت أنه يحتاج لها للوطء، فإذا فعلت ذلك بدون إذنه، فهو صحيح، وله أن يفسده عليها بالوطء لا غير، ولو أفسده وجب عليها قضاؤه؛ ولو كان تطوعاً، لأنها متعدية بعدم استئذانه ولكن لا تسرع في القضاء إلا بإذنه