هل قوله تعالى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ} هو صيغة دعاء ؟
الجواب:
هذا دعاء، ولا دعاء مفروض على المسلم قوله غير هذا الدعاء، فيتوجب على المسلم قوله عدة مرات في اليوم، وهذا بدوره يدلّ على أهمية الطلب، وهذا الدعاء له أثره في الدنيا والآخرة، ويدلّ على أنّ الإنسان لا يمكن أن يهتدي للصراط المستقيم بنفسه إلا إذا هداه الله تعالى لذلك. وإذا تُرك الناس لأنفسهم لذهب كل إلى مذهبه ولم يهتدوا إلى الصراط المستقيم ,وبما أنّ هذا الدعاء في الفاتحة ولا صلاة بدون فاتحة؛ فلذا يجب الدعاء به في الصلاة الفريضة , وهذا غير دعاء السنة كما في قوله تعالى: [وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] [البقرة:201].
السؤال الثاني:
ما معنى الهداية ؟ وهل فعل (هدى) لازمٌ أم متعدٍّ؟
الجواب:
الهداية : هي الإلهام والدلالة، وهي الإرشاد لطريق الحقِّ والهدى والدلالة عليه والتبيين , وفعل الهداية ( هدى يهدي ) في العربية قد يتعدَّى بثلاث طرق :
آ ـ بنفسه دون حرف جر، مثل قوله تعالى{اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ} حيث تعدى الفعل بنفسه.
ب ـ وقد يتعدى بإلى، كقوله تعالى: [وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] [الشورى:52] [وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى] [النازعات:19] .
ج ـ وقد يتعدى باللام: [الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا] [الأعراف:43] [بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ] [الحُجُرات:17].
وذكر أهل اللغة أنّ الفرق بين التعدية بالحرف والتعدية بالفعل نفسه هو :
1ـ التعدية بدون حرف تقال لمن يكون في الطريق أو الصراط ولمن لا يكون فيه، كقولنا : هديته الطريقَ، قد يكون هو في الطريق فنعرّفه به، وقد لا يكون في الطريق فنوصله إليه.
شواهد قرآنية :
آ ـ استعملت لمن هم خارج الطريق أو الصراط :
[فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا] [مريم:43] الآية خطاب لأبي إبراهيم عليه السلام، وأبو سيدنا إبراهيم لم يكن في الطريق.
[وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا] [النساء:68] والمنافقون ليسوا في الطريق.
ب ـ واستعملت لمن هم في الصراط :
[وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا] [إبراهيم:12] قيلت في رسل الله تعالى.
[وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا] [الفتح:2] الآية خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والرسول مالك للصراط, فاستعمل الفعل المعدّى بنفسه في الحالتين.
2 ـ أنّ التعدية بالحرف تستعمل عندما لا تكون الهداية فيه، بمعنى أنّ المهديَّ كان خارج الصراط فهداه الله له فيصل بالهداية إليه، لذلك فإن التعدية ( باللام وإلى) لمن لم يكن في الصراط، كقوله تعالى: [فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ] [ص:22] [قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ] [يونس:35].
وتستعمل (هداه له) بمعنى (بينه له).
السؤال الثالث:
ما مراحل الهداية؟
الجواب:
الهداية على مراحل وليست هداية واحدة , فالبعيد عن الطريق (الضال ) يحتاج من يوصله إليه ويدله عليه (فنستعمل هداه إليه) والذي يصل إلى الطريق يحتاج إلى هادٍ يعرّفه بأحوال الطريق وأماكن الأمن والنجاة والهلاك للثقة بالنفس, ثم إذا سلك الطريق في الأخير يحتاج إلى من يريه ويبين غايته, واستعمل سبحانه اللام [الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ] [الأعراف:43] وهذه خاتمة الهدايات.
ونلخِّص ما سبق على النحو التالي:
-إنسان بعيد يحتاج من يوصله إلى الطريق نستعمل الفعل المتعدي بإلى .
-إذا وصل إلى الطريق ويحتاج إلى من يعرّفه بالطريق وأحواله نستعمل الفعل المتعدي بنفسه.
-إذا سلك الطريق ويحتاج إلى من يبلغه مراده وغايته نستعمل الفعل المتعدي باللام.
والهداية مع اللام لم تستعمل مع السبيل أو الصراط أبداً في القرآن؛ لأنّ الصراط ليس غاية وإنما وسيلة توصل للغاية , واللام إنما تستعمل عند الغاية. وقد اختص سبحانه الهداية باللام له وحده أو للقرآن لأنها خاتمة الهدايات كقوله: [إِنَّ هَذَا القُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ] [الإسراء:9] وقوله : [يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ] [النور:35].
السؤال الرابع:
هل جاءت الهدايات كلها بمعنى واحد مع اختلاف الحروف ؟
جاءت يهدي للحق المقترنة بالله تعالى؛ لأنّ معنى الآيات تفيد : (هل من شركائكم من يوصل إلى الحق، قل الله يهدي للحق) الله وحده يرشدك ويوصلك إلى خاتمة الهدايات، ويعني أنّ الشركاء لا يعرفون أين الحق, ولا كيف يرشدون إليه ويدلون عليه.
ب ـ قوله تعالى :[يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] [المائدة:16].
استعمل الهداية معدّاة بنفسها بدون حرف، واستعملها في سياق واحد مع الفعل المعدّى بإلى لأنّ معنى الآيات : أنه من اتبع رضوان الله وليس بعيداً ولا ضالاً استعمل له الفعل المعدى بنفسه , والذي في الظلمات هو بعيد عن الصراط ويحتاج إلى من يوصله إلى الصراط ؛ لذا قال : [وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] استعمل الفعل المعدى بإلى .
السؤال الخامس:
في آية الفاتحة تعدّى فعل الهداية بنفسه؛ فما دلالة ذلك ؟
الجواب:
في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ} (الفعل معدّى بنفسه) وهنا استعمل هذا الفعل المعدّى بنفسه لجمع عدة معانٍ، فالذي انحرف عن الطريق نطلب من الله تعالى أن يوصله إليه، والذي في الطريق نطلب من الله تعالى أن يبصّره بأحوال الطريق والثبات والتثبيت على الطريق.
السؤال السادس:
كم مرة جاء فعل الهداية بصوره المختلفة في القرآن الكريم ؟
الجواب:
لقد جاء فِعلُ ـ هدى ـ ومشتقاته في القرآن على 68 صيغة وبتكرار 314 مرة وذلك حسب الجدول التالي :
السؤال السابع:
لماذا لم تأت الصيغةٌ مثلاً ( إيانا أهدِ ) كما في الآية السابقة ؟
الجواب:
كما سبق وقدَّمَ سبحانه مفعولي العبادة والاستعانة في:[إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] فلماذا لم يقل سبحانه (إيانا اِهدِ)؟
هذا المعنى لا يصح، فالتقديم بإياك نعبد وإياك نستعين تفيد الاختصاص، ولا يجوز أنْ نقول : (إيانا اِهدِ) بمعنى خُصَّنا بالهدايةِ ولا تهدِ أحداً غيرنا، فهذا لا يجوز، لذلك لا يصح التقديم هنا. المعنى تطلَّب التقديم في المعونة والاستعانة ولم يتطلَّبه في الهداية ؛ لذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم).
السؤال الثامن:
لم قال : اهدنا ، ولم يقل : اهدني؟
الجواب:
لأنه مناسب لسياق الآيات السابقة، وكما في آيات الاستعانة والعبادة اقتضى الجمع في الهداية أيضاً ، كما أنّ فيه إشاعة لروح الجماعة وقتلاً لروح الأثرة والأنانية، وفيه نزع الأثرة والاستئثار من النفس بأنْ ندعو للآخرين بما ندعو به لأنفسنا.
والاجتماع على الهدى وسير المجموعة على الصراط دليل قوة، فإذا كثر السالكون يزيد الأنس ويقوى الثبات, فالسالك وحده قد يضعف وقد يمل أو يسقط أو تأكله الذئاب, فكلما كثر السالكون كان أدعى للاطمئنان والاستئناس.
والاجتماع رحمة والفرقة عذاب,ويشير الله تعالى إلى أمر الاجتماع والأنس بالاجتماع وطبيعة حب النفس للاجتماع، كما ورد في قوله الكريم: [وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا] [النساء:13] فكلمة {خَلِدِينَ} جاءت بصيغة الجمع ؛ لأنّ المؤمنين في الجنة يستمتعون بالأنس ببعضهم، بينما قوله تعالى:[وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ] [النساء:14] هذا في العذاب فيزيد على عذاب الكافر عذاب الوحدة، فكأنما عذبه الله تعالى بشيئين: النار والوحدة.
لذلك عندما قال سبحانه وتعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ} فيه شيءٌ من التثبيت والاستئناس .
وهذا الدعاء ارتبط بأول السورة وبوسطها وآخرها؛ لأنّ: [الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ] مهمة الرَّبِّ وهي الهدايةُ , وكثيراً ما اقترنت الهدايةُ باسمِ الرَّبِّ فهو مرتبطٌ برب العالمين، وارتبط بقوله: [الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] لأنّ من هداه الله فقد رحمه، وأنت الآن تطلب من الرحمن الرحيم الهداية, أي : تطلب من الرحمن الرحيم ألا يتركك ضالاً غير مهتد.
ثم قال: [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] فلا تتحقق العبادة إلا بسلوك الطريق المستقيم, وكذلك الاستعانة , ومن الاستعانة طلب الهداية للصراط المستقيم: [صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ] {الفاتحة:7} أي: صراط الذين سلكوا الصراط المستقيم: [وَلَا الضَّالِّينَ] والضالون هم الذين سلكوا غير الصراط المستقيم , فالهداية والضلال نقيضان و [الضَّالِّينَ] نقيض الذين سلكوا الصراط المستقيم.
السؤال التاسع:
ما دلالة الفعل (هدى) ؟ و لماذا لم يستخدم الفعل أرشد أو دلّ مثلاً ؟
الجواب:
1ـ تختلف دلالة الفعل (هدى) باختلاف الحرف المصاحب له (هداه ، هداه إلى, هداه لـ) : والتعبير (هداه إلى الشيء) يشير إلى بُعده كما هو مبين في السؤال الثالث من هذه الآية , بينما الأفعال : بيّن ودلّ وأرشد كلها تعطي معنى الإيضاح والتبيين.
2 ـ أيضاً يوجد شيء في [اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ]: فعلُ الهداية ليس هو مجرد الإرشاد, وإنما الهداية فيها شيء كأنه يكون إلى القلب أيضاً، صحيح هو هداه إلى كذا كأنه أرشده , لكن في استعمالات العرب كأنه يمس شيئاً داخلياً فيه، ومنه الهدية لما تقدمها لإنسان, والهدية غير العطاء, العطاء شيء مادي, بينما الهدية هي أيضاً شيء مادي لكن في داخله نوع من المحبة والحميمية والود, وفي الحديث الشريف «تهادوا تحابوا» وهناك فرق بين أعطيته وأهديته , الهدية فيها شيء قلبيٌّ وكأنّ هذا الشيء جعل القرآن يختار [اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ] لأنه ليس فيها فقط مجرد إرشاد أو إيضاح ، وإنما تتضمن نوعاً من المحبة والود .
السؤال العاشر:
لماذا اختار كلمة (الصراط) بدلا من الطريق أو السبيل؟
الجواب:
لو لاحظنا البناء اللغوي للصراط هو على وزن (فِعال) بكسر الفاء، وهو من الأوزان الدالة على الاشتمال كالحِزام والشِّداد والسِّداد والخِمار والغِطاء والفِراش، هذه الصيغة تدل على الاشتمال، بخلاف كلمة الطريق التي لا تدل على نفس المعنى.
الصراط يدل على أنه واسع رحب يتسع لكل السالكين , أمّا كلمة طريق فهي على وزن فعيل بمعنى مطروق أي مسلوك , والسبيل على وزن فعيل ونقول أسبلت الطريق إذا كثر السالكون فيها، لكن ليس في صيغتها ما يدل على الاشتمال. فكلمة الصراط تدل على الاشتمال والوسع, وهذا في أصل البناء اللغوي .
(قال الزمخشري في كتابه «الكشاف» :الصراط من صرط كأنه يبتلع السبل كلما سلك فيه السالكون وكأنه يبتلعهم من سعته).
السؤال الحادي عشر:
ما المعاني الأخرى من النظائر والوجوه للفظة ( الهدى ) ؟
الجواب:
لفظة ( الهدى ) وردت في القرآن الكريم بمعانِ متعددة منها :
1 ـ بمعنى البيان , كقوله تعالى :[أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ] [البقرة: ٥].
2 ـ بمعنى الدين , كقوله تعالى : [قُلْ إِنَّ الهُدَى هُدَى اللهِ] [آل عمران: 73].
3 ـ بمعنى الإيمان , كقوله تعالى: [وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى] [مريم: 76].
4 ـ بمعنى الداعي , كقوله تعالى : [وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ] [الرعد: 7] [وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا] [الأنبياء: 73].
5 ـ بمعنى الرسل والكتب , كقوله تعالى : [فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} [البقرة: 38].
6 ـ بمعنى المعرفة , كقوله تعالى : [وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ] [النحل: 16].
7 ـ بمعنى الرشاد , كقوله تعالى : [اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ] [الفاتحة: 6].
8 ـ بمعنى القرآن , كقوله تعالى : [وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الهُدَى] [النجم: 23].
9 ـ بمعنى التوراة , كقوله تعالى :[وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الهُدَى] [غافر: 53].
حول معنى قوله تعالى {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}
السؤال الأول:
لماذا جاءت كلمة (الصراط) معرفة بأل مرة في الآية السابقة، ومضافة مرة أخرى هنا في هذه الآية {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}؟
الجواب:
جاءت كلمة الصراط مفردة ومعرفة بتعريفين: بالألف واللام والإضافة , وموصوفة بالاستقامة ممّا يدل على أنه صراط واحد لا غير، وهو موصوف بالاستقامة؛ لأنه ليس بين نقطتين إلا طريق مستقيم واحد, والمستقيم هو أقصر الطرق وأقربها وصولاً إلى الله، وأي طريق آخر غير هذا الصراط المستقيم لا يوصل إلى المطلوب ولا يوصل إلى الله تعالى. والمقصود بالوصول إلى الله تعالى هو الوصول إلى مرضاته، فكلنا واصل إلى الله وليس هناك من طريق غير الصراط المستقيم {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [المزَّمل:19] [الإنسان:29] {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:56] {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحِجر:41].
وقد وردت كلمة الصراط في القرآن مفردة ولم ترد مجتمعةً أبداً بخلاف السبيل، فقد وردت مفردة ووردت جمعاً { سُبُلَ }لأنّ الصراط هو الأوسع وهو الذي تفضي إليه كل السبل { فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } [الأنعام:153] {يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ } [المائدة:16] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت:69] {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ }[يوسف:108] فالصراط هو صراط واحد مفرد؛ وهو طريق الإسلام الرحب الواسع الذي تفضي إليه كل السبل، واتباع غير هذا الصراط ينأى بنا عن المقصود.
ثم زاد هذا الصراط توضيحاً وبياناً بعد وصفه بالاستقامة وتعريفه بأل بقوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}[الفاتحة:7] فجمعت هذه الآية كل أصناف الخلق المكلفين ولم تستثنِ منهم أحداً فذكر:
1ـ الذين أنعم الله عليهم وهم الذين سلكوا الصراط المستقيم وعرفوا الحق وعملوا بمقتضاه.
2ـ الذين عرفوا الحق وخالفوه{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}[الفاتحة:7] { المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } ويقول قسم من المفسرين: إنهم العصاة.
3ـ الذين لم يعرفوا الحق وهم الضالون {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)}[الكهف:103-104] وهذا الحسبان لا ينفعهم، إنما هم من الأخسرين.
ولا يخرج المكلفون عن هذه الأصناف الثلاثة؛ فكل الخلق ينتمي لواحد من هذه الأصناف.
السؤال الثاني:
هل كلمة الصراط توحي بالاستقامة؟
الجواب:
كلا، الصراط هو السبيل الواسع؛ لأنّ كلمة (فِعَال) فيها معنى الاشتمال فيشتمل على كل ما فيه ولا يضيق بما فيه , بغض النظر عما إذا كان مستقيماً أو متعرجاً, ولذا لا بدّ من قول : (المستقيم) لعدة معانٍ:
آـ مستقيم حتى يبيّن استقامته فليس فيه اعوجاج .
ب ـ وليبيّن أنه لا يوجد طريق مستقيم آخر بين نقطتين، أي بينك وبين النهاية التي يريدها الله عز وجل لك , فلا يوجد إلا طريق واحد بخط واحد بمستقيم واحد , وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم عندما خطّ خطاً في الأرض وقال : هذا صراط الله المستقيم وخطّ خطوطاً على جانبيه وقال: هذه هي السُّبُل، وعلى رأس كل سبيلٍ شيطانٌ يدعو إليه.
لذلك لا يوجد إلا دين واحد، وطريق واحد يوصل إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى, وهوخط مستقيم لا يحتمل التعدد، فإذا قال شخص : منهجي لا يتعارض مع الإسلام، أو يوازي الإسلام فهذا الكلام كله لا ينفع، منهجك هو الإسلام ولا يكون بين نقطتين إلا مستقيم واحد؛ لأنه يمكن أنْ يكون بينهما أكثر من خط متعرج أو منحنٍ لكنَّ هناك مستقيماً واحداً.
السؤال الثالث:
قال تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }[الفاتحة:7] ولم يقل: (تُنعم عليهم)؛ فلماذا ذكر الفعل الماضي؟
الجواب:
اختار الفعل الماضي على المضارع ليتعين زمانه وليبين صراط الذين تحققت عليهم النعمة نحو قوله تعالى : {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}[النساء:69].
وفي الآية {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}إذا قال: (تُنعم عليهم) لأغفل كل من أنعم عليهم سابقاً من رسل الله والصالحين, ولو قال: (تنعم عليهم) لم يدل في النص على أنه سبحانه أنعم على أحد سابقاً، ولاحتمل أنْ يكون صراط الأولين غير الآخرين، ولا يفيد التواصل بين زُمَر المؤمنين من آدم عليه السلام إلى أنْ تقوم الساعة. مثال: اذا قلنا : أعطني ما أعطيتَ أمثالي، فمعناه : أعطني مثل ما أعطيت سابقاً، ولو قلنا: أعطني ما تعطي أمثالي فهي لا تدل على أنه أعطى أحداً قبلي.
ولو قال : (تنعم عليهم) لكان صراط هؤلاء أقل شأناً من صراط الذين أنعم عليهم، فصراط الذين أنعم عليهم من أولي العزم من الرسل والأنبياء والصديقين, أمّا الذين تنعم عليهم فلا يشمل هؤلاء، فالإتيان بالفعل الماضي يدل على أنه بمرور الزمن يكثر عدد الذين أنعم الله عليهم , فمن ينعم عليهم الآن يلتحق بالسابقين من الذين أنعم الله عليهم فيشمل كل من سبق وأنعم الله عليهم , فهم زمرة كبيرة من أولي العزم من الرسل وأتباعهم والصديقين وغيرهم ,وهكذا تتسع دائرة المنعم عليهم.
أما الذين (تنعم عليهم)، فتختص بوقت دون وقت, ويكون عدد المنعم عليهم قليلاً، لذا كان قوله سبحانه {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}أوسع وأشمل وأعم من الذين تنعم عليهم.
السؤال الرابع:
لماذا عبّر عن الذين أنعم عليهم باستخدام الفعل {أَنْعَمْتَ}والمغضوب عليهم والضالين بالاسم؟
الجواب:
الاسم يدل على الشمول ويشمل سائر الأزمنة من المغضوب عليهم والدلالة على الثبوت، أمّا الفعل فيدل على التجدد والحدوث فوصفه أنهم مغضوب عليهم وضالون دليل على الثبوت والدوام.
السؤال الخامس:
إذن فلماذا لم يقل: (المُنْعَم عليهم) للدلالة على الثبوت؟
الجواب:
لو قال: (صراط المُنْعَم عليهم) بالاسم لم يتضح من الذي أنعم , إنما بيّن المنعِم (بكسر العين) في قوله {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}لأنّ معرفة المنعِم مهمة , فالنعم تقدر بمقدار المنعِم (بكسر العين)؛ لذا أراد سبحانه وتعالى أنْ يبين المُنعِم ليبين قدرَ النعمة وعظيمها, ومن عادة القرآن أنْ ينسب الخير إلى الله تعالى وكذلك النعم والتفضل, وينزه نسبة السوء إليه سبحانه كما في قوله تعالى : {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:10] والله سبحانه لا ينسب السوء لنفسه فقد يقول: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} [النمل:4] لكن لا يقول: زينا لهم سوء أعمالهم {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ} [التوبة:37] {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ } [آل عمران:14] { زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ } [غافر:37] {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ } [فاطر:8] {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } [الأنفال:48] أما النعمة فينسبها الله تعالى إلى نفسه لأنّ النعمة كلها خير {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } [القصص:17] {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } [الزُّخرُف:59] {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [فصِّلت:51] ولم ينسب سبحانه النعمة لغيره إلا في آية واحدة {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } [الأحزاب:37] فهي نعمة خاصة بعد نعمة الله تعالى عليه.
السؤال السادس:
لماذا ذكرت الآية {المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}بصيغة المبني للمجهول و {الضَّالِّينَ} بصيغة اسم الفاعل؟
الجواب:
أولاً جيء بكلٍّ منهما اسماً {المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} و {الضَّالِّينَ} للدلالة على الثبوت , فالغضب عليهم ثابت والضلال فيهم ثابت لا يرجى فيهم خير ولا هدى، والقرآن لم يقل : (صراط الذين غضب عليهم وضلوا) وإنما المغضوب عليهم ولا الضالين، فجاء بالوصفين بالاسمية للدلالة على ثبوت هذين الوصفين فيهما.
يبقى السؤال : لماذا جاء المغضوب عليهم اسم مفعول ولم يقل: (غاضب) اسم فاعل؟ والجواب: أنّ مغضوب عليهم، اسم مفعول، يعني وقع عليهم الغضب، ولم يذكر الجهة التي غضبت عليهم، ليعم الغضب عليهم من جميع الجهات : غضب الله وغضب الغاضبين لله من الملائكة وغيرهم , فهو لا يتخصَّصُ بغاضب معين , أي لم يغضب عليهم فلان أو فلان وإنما مغضوب عليهم من كل الجهات , بل هؤلاء سيغضب عليهم أخلص أصدقائهم في الآخرة، كما في قوله تعالى: { وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94] وقوله تعالى {ثُمَّ يَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [العنكبوت:25] إذن مغضوب عليهم من كل الجهات، وحذفُ جهةِ الغاضب فيه عموم وشمول، أما (الضالين) فهم الذين ضلّوا.
السؤال السابع:
لماذا قال : {المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}ولم يقل: (غضبت عليهم)؟
الجواب:
جاء باسمِ المفعولِ وأسنده للمجهول ليعم الغضب عليهم من الله والملائكة وكل الناس، حتى أصدقاؤهم يتبرأ بعضهم من بعض، وحتى جلودهم تتبرأ منهم، ولذا جاءت (المغضوب عليهم) لتشمل غضب الله وغضب الغاضبين.
الجواب:
جاء في «التفسير القيِّم» : وأضاف النعمةَ إليه وحذف فاعلَ الغضبِ لوجوه :
1ـ أنّ النعمة هي الخير، والغضب من باب الانتقام , فأضاف إلى نفسه أكمل الأمرين وأسبقهما.
2ـ أنّ الله سبحانه هو المتفرد بالنِّعَمِ , فأضيف إليه ما هو متفردٌ به .
3ـ أنّ في حذف فاعل الغضب من الإشعار بإهانة المغضوب عليه وتحقيره.
إضافة إلى أنّ القرآن جعل كُلاًّ من المغضوب عليهم والضالين اسماً وذلك للدلالة على الثبوت فهو غضب عليهم دائم ثابت لا يزول , واتصافهم بالضلال على وجه الثبوت أيضاً فلا يُرجى لهم خيرٌ ولا هدى .
ثم انظر كيف ذكر (لا) بين المغضوب عليهم والضالين , لئلا يُفهمَ أن المباينةَ لمن جمع الغضب والضلال دون من لم يجمعهما .
ونظير ذلك أن تقول : أنا لا أحب من تكبَّر وبخل , أو : أنا لا أحب من تكبر ولا من بخل , فالجملة الأولى تحتمل أنه لا يحب هذين الصنفين وتحتمل أنه لا يحب من جمع بين الوصفين دون من لم يجمعهما .
السؤال التاسع:
في قوله تعالى{غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} لِمَ ذكر ( لا ) بعد ذكر (غير)؟ أي لوقال مثلاً: (غير المغضوب عليهم والضالين)؟
الجواب:
إذا حذفت (لا) يمكن أن يفهم أنّ المباينة والابتعاد هو فقط للذين جمعوا الغضب والضلالة فقط، أمّا من لم يجمعها {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}فلا يدخل في الاستثناء.
فاذا قلنا مثلا : لا تشرب الحليب واللبن الرائب (أي: لا تجمعهما) أمّا إذا قلنا: لا تشرب الحليب ولا تشرب اللبن الرائب، كان النهي عن كليهما إن اجتمعا أو انفردا.
السؤال العاشر:
ما الحكمة في أنه تعالى جعل المقبولين طائفةً واحدة، والمردودين فريقين : مغضوباً عليهم وضالين ؟
الجواب:
الذين جمعوا بين الحق والعمل به هم {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} فإن اختلَّ قيدُ العمل فهم الفسقة { المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وإن اختلَّ قيدُ العلم فهم {الضَّالِّينَ}.
وللعلم فإن مدّ كلمة {الضَّالِّينَ} في التلاوة مداً لازماً مثقلاً مقداره ست حركات توحي بكثرة هؤلاء الضالين ووفرتهم, وهم ( النصارى) ومن ضلّ من الأمم الأخرى , ومن ضلّ من المسلمين أيضاً , وذلك بالمقارنة بـ : {المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وهم اليهود , حيث جاءت بدون مد لتدل على قلة عددهم . والله أعلم .
السؤال الحادي عشر :
فلماذا قدّم إذن المغضوب عليهم على الضالين؟
الجواب:
1ـ المغضوب عليهم الذين عرفوا ربهم ثم انحرفوا عن الحق وهم أشد بعداً؛ لأنه ليس من عَلِمَ كمن جَهِلَ، لذا بدأ بالمغضوب عليهم , وفي معنى الحديث الصحيح: «أنّ المغضوب عليهم هم اليهود، وأما النصارى فهم الضالون».
2ـ المغضوب عليهم أشد ضلالاً وجرماً وعقوبة؛ لأنه علم وجحد, وليس من علم كمن لا يعلم فبدأ بهم . لذلك قيل في العقائد :
وعالم بعلمه لم يَعْمَلَنْ= مُعذَّبٌ من قبل عُبّاد الوَثَن
3ـ جاء في الحديث الصحيح أنّ المغضوب عليهم هم اليهود، والضالين النصارى, واليهود أسبق فناسب أنْ يُبدأ بهم .
4ـ صفة المغضوب عليهم هي أول معصية ظهرت في الوجود، وهي صفة إبليس عندما أُمر بالسجود لآدم عليه السلام وهو يعرف الحق ومع ذلك عصى الله تعالى, وهي أيضاً أول معصية ظهرت على الأرض عندما قتل ابن آدم أخاه، فهي إذن أول معصية في الملأ الأعلى وعلى الأرض، قال تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ } [النساء:93] ولذا بدأ بها.
أمّا جعل المغضوب عليهم بجانب المنعم عليهم فلأنّ المغضوب عليهم مناقض للمُنعم عليهم والغضب مناقض للنعم.
السؤال الثاني عشر :
ما الفرق بين معنى الضلال في الفاتحة {وَلَا الضَّالِّينَ}و قوله تعالى {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء:20] و {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضُّحى:7] ؟
الجواب:
معنى الضلال في الآيات الثلاث واحد وهو عدم معرفة شرع الله سبحانه وتعالى.
آ ـ قوله تعالى {وَلَا الضَّالِّينَ} أي: عدم معرفة شرع الله .
ب ـ فموسى عليه السلام فعل هذا قبل النبوة ؛ فهو لا يعرف شرع الله.
ج ـ والرسول عليه السلام عندما يقول له الله عز وجل : {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} {الضُّحى:7} يعني: لم تكن عارفاً شرع الله تعالى فهداك إلى معرفة شرع الله بالنبوة.
فالضلال هنا عدم معرفة شرع الله، وليس الضلال معناه الفسق والفجور وعمل المنكرات، وإنما هو الجهل بشرع الله سبحانه وتعالى أي: غير الضالين، وموسى عليه السلام قبل النبوة فعل هذا؛ لأنه كان جاهلاً بشرع الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف شرع الله تعالى قبل النبوة، فالمعنى واحد.
السؤال الثالث عشر :
ما مرادفات كلمة: {الصِّرَاطَ} التي جاءت في القرآن الكريم ؟
الجواب:
منظومة كلمة ( صراط ) تأتي على النحو التالي:
إمام - صراط - طريق - سبيل - نهج - فَجٌّ - جُدَدٌ (جمع جادَّةٍ) - نفق وجاء المعنى العام لكل منها على النحو التالي: ـ إمام : وهو الطريق العام الرئيس الدولي الذي يربط بين الدول وليس له مثيل، وتتميز أحكامه في الاسلام بتميز تخومه، وقدسية علامات المرور فيه هي من أهم صفاته،وهو بتعبيرنا الحاضر الطريق السريع بين المدن (Highway)، وقد استعير هذا اللفظ في القرآن الكريم؛ ليدل على الشرائع {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } [الإسراء:71] أي كل ما عندهم من شرائع، وجاء أيضا بمعنى كتاب الله {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:12]. ـ صراط: هو كل ممر بين نقطتين متناقضتين كضفتي نهر، أو قِمَّتي جبلين، أو الحق والباطل، والضلالة والهداية في الإسلام، أو الكفر والإيمان. والصراط واحد لا يتكرر في مكان واحد ولا يثنى ولا يجمع، وقد استعير في القرآن الكريم للتوحيد فــ (لا إله إلا الله) تنقل من الكفر إلى الإيمان {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام:161] {مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام:39] {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] {فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم:43] {وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} [المؤمنون:74] .
والصراط عموماً هو العدل المطلق لله تعالى وما عداه فهو نسبي. {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:56] والتوحيد هو العدل المطلق وما عداه فهو نسبي.
ـ سبيل: هو الطريق الذي يأتي بعد الصراط ، وهو ممتدٌّ طويل آمن سهل لكنه متعدد (سُبُلٌ جمع سبيل) {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت:69] والسبل متعددة ، ولكن شرطها أنْ تبدأ من نقطة واحدة وتصب في نقطة واحدة عند الهدف. وفي السبيل عناصر ثلاث: ممتدٌّ، متحرك ويأخذ إلى غاية.
والمذاهب في الإسلام من السبل كلها تنطلق من نقطة واحدة وتصل إلى غاية واحدة، وسبل السلام تأتي بعد الإيمان والتوحيد بعد عبور الصراط المستقيم، ولتقريب الصورة إلى الأذهان فيمكن اعتبار السبل في عصرنا الحاضر وسائل النقل المتعددة؛ فقد ينطلق الكثيرون من نقطة واحدة قاصدين غاية واحدة، لكن منهم من يستقل الطائرة، ومنهم من يستقل السيارة ومنهم من يستقل الدراجة، ومنهم من يركب الدواب وغيرها.
واستخدمت كلمة السبيل في القرآن بمعنى (حقوق) في قوله تعالى : {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ } [آل عمران:75].
وابن السبيل في القرآن هو من انقطع عن أهله انقطاعا بعيداً وهدفه واضح ومشروع؛ كالمسافر في تجارة أو للدعوة؛ فلا تعطى الزكاة لمن انقطع عن أهله بسبب غير مشروع كالخارج في معصية أو ما شابه. ـ طريق: الطريق يكون داخل المدينة, وللطرق حقوق خاصة بها، وقد سميت طرقاً؛ لأنها تطرق كثيراً بالذهاب والإياب المتكرر من البيت إلى العمل والعكس، والطريق قد تكون هي العبادات التي نفعلها بشكل دائم كالصلاة والزكاة والصوم والحج والذكر. {يَهْدِي إِلَى الحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأحقاف:30] . ـ نهج: وهو عبارة عن ممرات خاصة لا يمر بها إلا مجموعة خاصة من الناس، وهي كالعبادات التي يختص بها قوم دون قوم, مثل نهج القائمين بالليل ونهج المجاهدين في سبيل الله ونهج المحسنين وأولي الألباب وعباد الرحمن، فكل منهم يعبد الله تعالى بمنهج معين, وعلى كل مسلم أن يتخذ لنفسه نهجاً معيناً خاصاً به يعرف به عند الله تعالى؛ كبرّ الوالدين والذكر والجهاد والدعاء والقرآن والإحسان وغيرها {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48] وإذا لاحظنا وصفها في القرآن وجدنا لها ثلاث صفات والإنفاق فيها صفة مشتركة. آ ـ نهج المستغفرين بالأسحار: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ(17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ(19) } [الذاريات:17-18-19]. ب ـ ونهج أهل التهجد: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] . ج ـ ونهج المحسنين: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] . ـ فجّ: وهو الطريق بين جبلين {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27] . ـ جادة: وتجمع على جُدُد كما وردت في القرآن الكريم: {وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ } [فاطر:27] والجادة هي الطريق الذي يرسم في الصحراء أو الجبال من شدة الأثر ومن كثرة سلوكه. ـ نفق: وهو الطريق تحت الأرض، قال تعالى: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ } [الأنعام:35] .
السؤال الرابع عشر:
ما أصل كلمة آمين التي نختم بها الفاتحة على أنها دعاء، وهل لها بديل في لغة العرب؟.
الجواب:
لا شك أنّ الذي يصلي في المساجد يلحظ هذا الأمر أنه عندما ينتهي الإمام من قراءة الفاتحة يقول هو : آمين، ويقول من وراءه: آمين ويحرص على أنْ يكون التأمين واحداً، ففي السنة والحديث الصحيح أنّ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يهتز من كلمة آمين؛ لأنّ الصحابة كانوا يقولونها بصوت واحد ليس مرتفعاً، ولا يعني علو الصوت كما يفهمه بعض الشباب أنْ يصرخ بأعلى صوته؛ لأنك لا تنادي أصم ، ولكنك تناجي ربك.
ومن هذه الألفاظ كلمة (آمين) وهي كلمة عربية صميمية النسبة، مثل: هيهات ومثل أفٍّ ومثل صه، فهذه أسماء أفعال. آمين: اسم فعل بمعنى: اللهم استجب، هي فعل أمر طبعاً ولكنّ الأمر من الأدنى إلى الأعلى يخرج للدعاء, كما نقول: اللهم اغفر لنا، اغفر: فعل أمر لكن علماءنا يقولون :خرج للدعاء. فإذن (آمين) اسم فعل أمر بمعنى: اللهم استجب؛ لأنّ كلمة آمين لم تستعمل إلا مع الله، حتى في الجاهلية لا تقول لشخص يتكلم آمين بمعنى: استجب لي يا فلان، لكن آمين يعني: اللهم استجب لكلامه وحتى قبل نزول القرآن، كلمة اللهم كانت مستعملة عندهم ويعنون بها يا الله :
إني إذا ما حدثٌ ألمّا= أقول ياللهم ياللهمّا
لأنّ هذه الكلمة (اللهم) جُعِلت خاصة بنداء الله تعالى، ولأنها جُعِلت هكذا أُدخل عليها حرف النداء مع أنّ الميم هي عوض عن حرف النداء، فقال ياللهم) وهذا شاهد نحوي. إذن آمين هي اسم فعل.
وهناك إشكال : أنّ كلمة آمين نسمعها في الصلوات في الكنائس من الأوروبيين الآن يميلونها يقولون Amen) هذه الكلمة وجودها في اللغات الأخرى لا يعني أنها ليست عربية، وإنما هي موجودة في اللغة السريانية التي هي الآرامية.
وكلمة (آمين) من لغتنا، والرسول صلى الله عليه وسلم حثّ على قول آمين ثم بعد ذلك صاروا يشتقون منها «إني داعٍ فأمّنوا» اُشتق منها فعل أي: قولوا آمين اللهم استجب. لهذا الكلمة عربية، وهي اسم فعل طالما كان عندنا صفة نشتق منها، آمين هي كلمة عربية شأنها شأن هيهات وشأن أفٍ ثم صارت العرب تولّد أسماء.
وفي الحديث الشريف «إذا أمّن الإمام فأمّنوا، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» .
خامسًا : تناسب افتتاح الفاتحة مع خاتمتها :
تبدأ السورة بقوله تعالى :{الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}.
وختمت بقوله سبحانه : {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}.
والعالَمون إما مُنعَم عليهم، أو مغضوب عليهم وهم الذين عرفوا الحق وحادوا عنه، أو ضالون وهم الذين لم يعلموا الحق.
ولا يخرج العالمون عن هذا، فناسب المفتتح الخاتمة أوثق مناسبة وأتمها.
جاء في «التفسير القيم» لابن القيم : "من بعد ذكر المُنعَم عليهم وتمييزهم عن طائفتي الغضب والضلال، فانقسم الناس بحسب معرفة الحق والعمل به إلى هذه الأقسام الثلاثة؛ لأنّ العبد إمّا أن يكون عالمًا الحق أو جاهلاً به.
والعالم بالحق إمّا أن يكون عاملاً بموجبه أو مخالفًا له.
فهذه أقسام المكلفين لا يخرجون عنها البتة.
فالعالم بالحق العامل به هو المُنعَم عليه .
والعالم به المتبع هواه هو المغضوب عليه.
والجاهل بالحق هو الضال.
والمغضوب عليه ضال عن هداية العمل.
والضال مغضوب عليه لضلاله عن العلم الموجب للعمل.
فكل منهما ضال مغضوب عليه، ولكن تارك العمل بالحق بعد معرفته به أولى بوصف الغضب وأحق به، والجاهل بالحق أحق باسم الضلال" .
سادساً : من اللطائف العددية في سورة الفاتحة :
آ ـ البسملة :
نزلت الآية {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} بعد المدثر , ويبدو أنّ هذه الآية هي المحور في اللطائف العددية :
1ـ تتكون البسملة من 19 حرفاً وفق الرسم العثماني للقرآن الكريم وتكسب (190) حسنة من الله تعالى لدى قراءتها؛ لأنّ الحسنة بعشر أمثالها.
2ـ عدد الآيات التي تحتوي على ( اسم ـ بسم ـ أسماء ـ اسمه ـ أسمائه ) هو (19) آية.
3ـ تكررت كلمات البسملة في القرآن كالتالي :
كلمة {بِسْمِ} تكررت 19 مرة = 19 × 1
كلمة {اللهِ} تكررت 2698 مرة = 19 × 142
كلمة {الرَّحْمَنِ} تكررت 57 مرة = 19 × 3
كلمة {الرَّحِيمِ} تكررت 114 مرة = 19 × 6
المجموع = 19 × 152 = 19 × 19 ×8
4ـ تكررت البسملة بكاملها 114 مرة = 19 × 6
5ـ لم نحصِ كلمة رحيم في الآية : {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] لأنها جاءت صفة للرسول صلى الله عليه وسلم أمّا {رَّحِيمِ} كصفة واسم لله تعالى؛ فقد ورد 114 مرة .
6ـ إذا بدأنا العد من السورة التي لا يوجد فيها بسملة؛ أي سورة التوبة تكون السورة رقم 19 هي السورة التي يوجد فيها بسملتان (النمل).
ب ـ سورة الفاتحة :
1 ـ تتكون من (139) حرفاً أي تكسب بقراءتها من فضل الله تعالى (1390) حسنة , وهي تتكون من ( 29 ) كلمة.
2ـ الفاتحة سبع آيات، فاذا كتبنا أرقام الآيات متسلسلة من اليمين إلى اليسار يتكون لدينا رقم هو من مضاعفات العدد 19، أي : 7654321 = 19 × 402859.
3ـ واذا كتبنا عدد أحرف كل آية متسلسلة من اليمين إلى اليسار يتكون لدينا رقم هو من مضاعفات العدد 19 أي :
الآيات 1 ـ2 ـ3 ـ4 ـ5 ـ6 ـ 7 ـ
عدد الأحرف 19 ـ17ـ12ـ11ـ19ـ18ـ43ـ
العدد هو 43181911121719 = 19 × 2272732164301
وخاتمة سورة الفاتحة هي مناسبة لكل ما ورد في السورة من أولها إلى آخرها,فَمَنْ لم يحمد الله تعالى فهو مغضوب عليه وضال , ومن لم يؤمن بيوم الدين وأنّ الله سبحانه وتعالى مالك يوم الدين وملكه ,ومن لم يخص الله تعالى بالعبادة والاستعانة , ومن لم يهتد إلى الصراط المستقيم فهم جميعاً مغضوب عليهم وضالون.
ولقد تضمنت السورة الإيمان والعمل الصالح، الإيمان بالله: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} واليوم الآخر : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} والملائكة والرسل والكتب: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ} لما تقتضيه من إرسال الرسل والكتب.
وقد جمعت هذه السورة توحيد الربوبية: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} وتوحيد الألوهية: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ولذا فهي حقاً أم الكتاب.
خاتمـــة :
من منا مهما بلغ من فصاحة وبلاغة وبيان، من منا يستطيع أن يأتي بكلام فيه هذا الإحكام وهذا الاستواء مع حسن النظم ودقة الانتقاء؟ فكل كلمة في موقعها جوهرة ثمينة منتقاة بعناية؛ لتؤدي معاني غزيرة بكلمات يسيرة، وكل واحدة واسطة عقد لا يجوز استبدالها ولا نقلها ولا تقديمها ولا تأخيرها وإلا لاختل المعنى أو ضعف أو فقد بعض معانيه؟
إنه الإعجاز الإلهي الذي يتجلى في الكون كله، ويحف بالقرآن كله، مجموعه وجزئياته، كلماته وحروفه، معانيه وأسراره، ليكون النور الذي أراد الله أن يهدي ويسعد به كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
والحمد لله رب العالمين