منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   لغتنا العربية (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   تفسير الشيخ الشعراوى( سورة ال عمران) (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=131224)

امانى يسرى محمد 06-01-2022 02:37 PM

رد: تفسير الشيخ الشعراوى( سورة ال عمران)
 
{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)}


روى- في سبب نزول هذه الآية الكريمة: قال سعيد بن جُبير عن ابن عباس- رضي الله عنهما- لما نزل قوله تعالى: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} قالت اليهود: يا محمد افتقر ربك، فسأل عباده القرض؟ فأنزل الله {لَّقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الذين قالوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ}.



والذين عايشوا الإسلام في المدينة كانوا من اليهود. واليهود كما نعرف كانوا يَدِلون ويفخرون على العالم بأنهم أهل كتاب وعلم ومعرفة، ويدلون على البيئة التي عاشوا فيها أنهم ملوك الاقتصاد كما يقولون الآن عن أنفسهم. كل من يريد شيئاً يأخذه من اليهود. وكانوا يبنون الحصون ويأتون بالأسلحة لتدل على القوة. وجاء الإسلام وأخذ منهم هذه السيادات كلها، ثم تمتعوا بمزايا الإسلام من محافظة على أموالهم وأمنهم وحياتهم.
أكان الإسلام يتركهم هكذا يتمتعون بما يتمتع به المسلمون أمناً واطمئناناً، وسلامة أبدان وسلامة أموال ثم لا يأخذ منهم شيئاً؟ لقد أخذ منهم الإسلام الجزية. فلم يكن من المقبول أن يدفع المسلم الزكاة ويجلس اليهود في المجتمع الإيماني دون أن يدفعوا تكلفة حمايتهم. ولذلك أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سيدنا أبو بكر الصديق إلى اليهود في المكان الذي يتدارسون فيه فعن ابن عباس قال: دخل ابو بكر الصديق بيت المدراس فوجد من يهود ناساً كثيرة قد اجتمعوا على رجل منهم يقال له فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم ومعه حبر يقال: أشيع، فقال له أبو بكر: ويحك يا فنحاص، اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله من عند الله قد جاء بالحق من عنده، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل، فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة من فقر، إنه إلينا لفقير، ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنّا غنيَّا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطينا، ولو كان غنيا ما أعطانا الربا. فغضب أبو بكر- رضي الله عنه- فضرب وجه فنحاص ضربا شديداً، وقال: والذي نفسي بيده لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدوّ الله فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين.
فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: يا محمد أبصر ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حملك على ما صنعت يا أبا بكر»؟ فقال يا رسول الله: إن عدوّا الله قال قولا عظيما، يزعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال فضربت وجَهه فجحد فنحاص ذلك وقال: ما قلت ذلك.
فأنزل الله فيما قال فنحاص {لَّقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الذين قالوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ}.
هؤلاء لم يفطنوا إلى سر التعبير الجميل في قوله سبحانه: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً} [الحديد: 11].
فإن هذا القول هو احترام من الحق سبحانه لحركة الإنسان في التملك. لماذا احترم الله حق الإنسان في التملك؟ هو سبحانه يريد أن يغري المتحرك بزيادة الحركة، ويحمل غير المتحرك على أن يتحرك. فإن طلب سبحانه شيئاً من هذا المال فهو لا يقول للإنسان: أعطي ما أعطيت لك. بل كأنه سبحانه يقول: إنني سأحترم عرقك، وسأحترم حركتك، وسأحترم فكرك، وسأحترم جوارحك وطاقاتك وكل ما فيك، فإن أخذتُ منك شيئاً فلن أقول لك أعطني ما أعطيت لك، لكن أقول لك: أقرضها لي؛ وإن أقرضتها فسوف تقرضها لا لأنتفع بها، ولكنها لأخيك. وقد اقترض من القادر فيما بعد وذلك لك أنت إذا أصابتك الحاجة. لماذا لأنني أنا الله الذي استدعيت خلقي إلى الوجود. وما دمت أنا الله الذي استدعيت الخلق إلى الوجود فأرزاقهم مطلوبة مني.


إن الواحد من البشر عندما يدعو اثنين من أصدقائه فهو يصنع طعاماً يكفي خمسة أو عشر أشخاص. وما دام الله هو الذي استدعى الخلق إلى الوجود فهو الذي يكفل لهم الرزق. وعندما يكفل لهم الرزق فلابد أن يتحركوا. وعندما يتحركون فهو سبحانه يضمن آثار الحركة، وذلك حتى ينال كلٌ ما يرضيه، أو على الأقل ما يكفيه من الضروريات.


ولذلك عندما جاءت آثار الحركة من المال وتدخل البشر فيها تأميماً وغير ذلك من الإجراءات قلّت الحركة. لكن الله سبحانه وتعالى يعلم حرص الإنسان على منفعة نفسه فيغريه بذلك حتى يتحرك وسينتفع المجتمع بحركته، سواء قصد الإنسان أو لم يقصد. إذن فحين يقترض الحق سبحانه وتعالى من بعض خلقه لبعض خلقه، فهو سبحانه لا يتراجع فيما وهب. بل يقول جل وعلا: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد: 11].


وأضرب هذا المثل- ولله المثل الأعلى- نحن البشر قد نضطر إلى هذا الموقف؛ فالواحد منا عندما يعطي أبناءه مصروف اليد، فكل ابن يدخر ما يبقى منه، وبعد ذلك يأتي ظرف لبعض الأبناء يتطلب مالاً ليس في مُكنْة الوالد ساعة يأتي الحدث. فيقول الوالد لأبنائه: أقرضوني ما في (حصّالاتكم)، وسأردها لكم مضاعفة، هو أخذها لأخيهم، لكن لأنه الذي وهب أولاً فلم يرجع في الهبة، لكنه طلبها قرضاً. وعندما يأتي أول الشهر فهو يرد القرض مضاعفاً، فإن كان ذلك ما يحدث في مجال البشر فما بالنا بما يحدث من الخالق الوهاب لعباده؟.
هو سبحانه يقول: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً}.


لكن اليهود لم يأخذ المسألة بهذا الفهم، لكنه أخذها بغباء المادة فقال: إن الله فقير ونحن أغنياء. لذلك قال الحق سبحانه: {لَّقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الذين قالوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ}.
ولماذا يكتب الله ذلك وهو العالم بكل شيء؟. جاء هذا القول ليدل على التوثيق أيضاً، فعندما يأتي هذا الرجل ليقرأ كتابه يوم القيامة يجدها مكتوبة؛ فالكتابة لتوثيق ما يمكن أن يُنكر- بالبناء للمجهول- فإذا كان العلم من الله فقط فالعبد قد يقول: إنك يارب الذي تعاقب. فلك أن تقول ما تقول. فإذا ما كان مكتوباً عليهم ليقرأوه. فهذا توثيق لا يمكن إنكاره.


ولم يفهم ذلك اليهودي أن القرض لله هو تلطف من الحق سبحانه وتعالى واستدرار لحنان الإنسان على الإنسان. فقد شاء الحق أن يحترم أثر مجهودك وعرقك أيها الإنسان، فإن وصلت إلى شيء من المال فهو مالك. ولم يقل الله لك: أعط أخاك، فسبحانه وتعالى تلطفاً مع خلقه يقول: أقرضني؛ ليضمن الإنسان أن ما أعطاه إنما هو عند ملئ. لكن أدب بني إسرائيل مع الله مفقود، فقد قالوا من قبل: {وَقَالَتِ اليهود يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ} [المائدة: 64].


وسبب ذلك إنه أصابتهم سنة وجدب وذلك بسبب تكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس: إن الله وسع على اليهود في الدنيا حتى كانوا أكثر الناس مالا، فلما عصوا الله وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وكذبوه ضيّق الله عليهم في زمنه صلى الله عليه وسلم، فقال فنحاص بن عازوراء ومن معه من يهود: يد الله مغلولة فأنزل الله هذه الآية. إنهم قالوا: السماء بخلت علينا ويد الله مغلولة، فلم تعطنا رزقاً. وهكذا كان اجترأوا عليه بكلمة أو على أصحابه باستهزاء، فسبحانه يوضح لرسوله: أنهم لم يصنعوا ذلك معك ولا مع أتباعك، إن هذا هو موقفهم مني أنا فإذا كان موقفهم وسوء أدبهم وصل بهم إلى أن يجترئوا على الذات المقدسية العليّة، ويقولون: {إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أغنياء} ويقولون: {يَدُ الله مَغْلُولَةٌ}. أفتحزن وتأسى على أن يقولوا لك أو لأتباعك أي شيء يسيء إليكم؟


إنها نعمت المواساة من الله لرسوله ونعمت التسلية. ويضيف الحق: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ}. لماذا يكتب الله ما قالوا مع أن علمه أزلي لا يُنسى؟ {لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى} [طه: 52].
لقد جاءت كلمة {سنكتب} حتى لا يؤاخذهم سبحانه وتعالى يوم القيامة بما يقول هو إنهم فعلوه، ولكن بما كتب عليهم وليقرأوه بأنفسهم، وليكون حجة عليهم، كأن الكتابة ليست كما نظن فقط، ولكنها تسجيل للصوت وللأنفاس، ويأتي يوم القيامة ليجد كل إنسان ما فعله مسطوراً: {اقرأ كتابك كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء: 14].


وهذا القول يدل على أنه ساعة يرى الإنسان ما كتب في الكتاب سيعرف أنه منه، وإذا كنا نحن الآن نسجل على خصومنا أنفاسهم وكلماتهم أتستبعد على من علمنا ذلك أن يسجل الأنفاس والأصوات والحركات بحيث إذا قرأها الإنسان ورآها لا يستطيع أن يكابر فيها أو ينكرها؟ {سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ} وهم قالوا: {إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ} وهذا معصية في القمة، وتبجح على الذات العلية، ولم يكتفوا بذلك بل قتلوا الأنبياء الذين أرسلهم الله لهدايتهم؛ لذلك يقول الحق: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأنبياء بِغَيْرِ حَقٍّ}.
وعندما يأتي هذا النبأ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو تسلية له من الحق سبحانه. لقد قالوا في ربك يا محمد ما قالوا، وقتلوا الأنبياء إخوانك، فإذا صنعوا معك ما صنعوا فلا تحزن فسوف يُجازَوْن على ما كتبناه عليهم بشهادة أنفسهم، ونقول: ذوقوا عذاب الحريق. والحريق يصنع إيلاماً إحساسياً في النفس.


والإحساس يختلف من حاسة إلى أخرى، فمرة يكون الإحساس بالبصر، ومرة بالأذن، ومرة بالشم أو باللمس أو بالذوق.
والذوق هو سيد الأحاسيس، فهو لا يضيع من أحد أبداً، فقد نجد إنساناً أعمى، وآخر أصم، أو شخصاً ثالثاً أصيب بالشلل فلا تستطيع يده أن تلمس، وقد يصاب واحد بزكام مستمر فلا يصبح قادراً على الشم، أما الذوق فهو حاسة لا تختفي من أي إنسان، لذلك أن الذوق أمر من داخل الذات؛ لذلك فهو أبلغ في الإيلام. ونجد الحق سبحانه وتعالى يقول: {وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].


انظر إلى التعبير القرآني {فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف}. جاء التعبير بالإذاقة، وجاء بشيء لا يذاق وهو اللباس. وهل اللباس يذاق؟ لا، لكنه سبحانه يريد ان ينبه الإنسان إلى أن كل الحواس التي فيه تحس، حتى تلك الحاسة المختفية داخل النفس، إنّ ذلك يَشمل كل جزء في الإنسان.
فالإذاقة تحيط بالإنسان في هذا التصوير البياني القرآني الكريم: {فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف}. إذن فهي شدة وقع الإيلام؛ واستيعاب العذاب المؤلم لكل أجزاء الجسم حتى صار الذوق في كل مكان. {ذُوقُواْ عَذَابَ الحريق}، والحريق هو النار القوية التي تحرق ومن بعذ ذلك يقول الحق: {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ...}.





نداء الايمان


https://media.gemini.media/img/large..._28_52_572.jpg

امانى يسرى محمد 10-01-2022 10:41 PM

رد: تفسير الشيخ الشعراوى( سورة ال عمران)
 
{ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)}


{ذلك} إشارة إلى عذاب الحريق. والحق سبحانه لم يظلمهم، لكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم. {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} فهل معنى ذلك أن كل المعاصي من تقديم اليد؟ إن هناك معصية للعين، ومعصية للسان، ومعصية للرجل، ومعصية للقلب، ولا حصر للمعاصي. فلماذا إذن قال الحق: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ}؟



قال الحق ذلك لأن الأعمال الظاهرة تٌمارس عادة باليد؛ فاليد هي الجارحة التي نفعل بها أكثر أمورنا، وعلى ذلك يكون قول الحق: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} مقصود به: بما قدمتم بأي جارحة من الجوارح.



وبعد ذلك يخبرنا سبحانه: {وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} لقد أذاقهم عذاب الحريق نتيجة ما كتبه عليهم؛ من قول وفعل. والقول هو الافتراء باللسان حين قالوا: {إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ}. والفعل هو قتلهم الأنبياء. فهم يستحقون ذلك العذاب.


والقضية العامة في الإله وعدالة الإله أنه ليس بظلام للعبيد.
وهنا وقفة لخصوم الإسلام من المستشرقين، هم يقولون: الله يقول في قرآنهم {وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}، وكلمة (ظلام) هي مبالغة في كلمة (ظالم)، ففيه (ظالم) وفيه (ظلاّم)، و(الظَّلاّم) هو الذي يظلم ظلماً قوياً ومتكرراً؛ فـ:(ظلاّم) هي صيغة مبالغة في (ظالم).


وحين نرد عليهم لابد لنا أن نعرف أن صيغ المبالغة كثيرة، فاللغويون يعرفون أنها: فعّال، فعيل، مفعال، فعول، فَعِل، فظلاَّم مثلها مثل قولنا: (أكَّال)، ومثل قولنا: (قتَّال) بدلاً من أن نقول: (قاتل) فالقاتل يكون قد ارتكب جريمة القتل مرة واحدة، لكن ال (قتَّال) هو من فعل الجريمة مرات كثيرة وصار القتل حرفته. ومثل ذلك (ناهب)، ويقال لمن صار النهب حرفته: (نَهَّاب) أي أنه إن نهب ينهب كثيراً، ويعدد النهب في الناس.
وهذه تسمى صيغة المبالغة. وصيغة المبالغة إن وردت في الإثبات أي في الأمر الموجب فهي تثبت الأقل، فعندما يقال: (فلان ظلاّم) فالثابت أنه ظالم أيضاً، لأننا ما دمنا قد أثبتنا المبالغة فإننا نثبت الأقل. ومثل ذلك نقول: (فلان علاّم) أو (فلان علاّمة) فمعنى ذلك أن فلاناً هذا عالم. ولكن إذا قلنا: (فلان عالم) فلا يثبت ذلك أنه (علاّمة). فصيغة المبالغة ليس معناها (اسم فاعل) فحسب، إنها أيضاً اسم فاعل مبالغ فيه، لأن الحدث يأتي منه قوياً، أو لأن الحدث متكرر منه ومتعدد. فإذا ما أثبتنا صفة المبالغة فمن باب أولى تثبت صفة غير المبالغة فإذا ما قال واحد: (فلان أكّال) فإنه يثبت لنا أنه آكل، هذا في الإثبات.
والأمر يختلف في النفي. إننا إذا نفينا صفة المبالغة تثبت الصفة التي ليس فيها مبالغة من باب أولى. أما إذا نفيت صفة المبالغة فلا يستلزم ذلك نفي الصفة الأقل.


والتذليل للآية التي نحن بصددها الآن هو {وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}.
يفهم المستشرقون من هذا القول أنه مجرد نفي للمبالغة في الظلم لكنها لم تنف عنه أنه ظالم ولم يفهم المستشرقون لماذا تكون المبالغة هنا: إن الحق قد قال: إنه ليس بظلاَّم للعبيد، ولم يقل إنه ليس بظلام للعبد. ومعنى ذلك أنه ليس بظلام للعبيد من أول آدم إلى أن تقوم الساعة، فلو ظلم كل هؤلاء- والعياذ بالله- لقال إنه ظلام، حتى ولو ظلم كل واحد أيسر ظلم. لأن الظلم تكرر وذلك بتكرر من ظُلِم وهم العبيد، فإن أريد تكثير الحديث فليفطن الغبي منهم إلى أن الله قال: {وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} ولم يقل إنه ليس بظلام للعبد.
وإذا كان الظالم لابد أن يكون أقوى من المظلوم، أذن فكل ظلم يتم تكييفه بقوة الظالم. فلو كان الله قد أباح لنفسه أن يظلم فلن يكون ظالماً؛ لأن عظم قوته لن يجعله ظالماً بل ظَلاَّما.


فإن أراد الحدث فيكون ظلاماً، وإن أردنا تكراراً للحدث فيكون ظلاماً. وحين يحاول بعض المستشرقين أن يستدركوا على قول الحق: {وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} فهذا الاستدراك يدل على عجز في فهم مرامي الألفاظ في اللغة أو أنّ هؤلاء يعلمون مرامي الألفاظ ويحاولون غش الناس الذين لا يملكون رصيداً لغوياً يفهمون به مرامي الألفاظ. ولكن الله سبحانه وتعالى يُسخر لكتابه من ينبه إلى إظهار إعجازه في آياته.


وبعد أن انتهى الحق من غزوة أُحُد، فهو سبحانه يريد أن يقرر مبادئ يبين فيها معسكرات العداء للإسلام: معسكر أهل الكتاب، ومعسكر مشركي قريش في مكة، ومعسكر المشركين الذين حول المدينة وكانوا يغيرون على المدينة.
فبعد غزوة أُحٌد التي صفّت، وربّت، وامتحنت وابتلت، وعرّفت الناس قضايا الدين، أراد الحق بعدها أن يضع المبادئ.
فأوضح القرآن: أن هؤلاء أعداؤكم؛ تذكروهم جيداً، قالوا في ربكم كذا، ويقولون في رسولكم كذا، وقتلوا أنبياءكم.
ومن بعد ذلك يقول الحق سبحانه: {الذين قالوا إِنَّ الله عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حتى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النار...}.




نداء الايمان



https://media.gemini.media/img/large..._51_17_494.jpg




امانى يسرى محمد 15-01-2022 06:22 PM

رد: تفسير الشيخ الشعراوى( سورة ال عمران)
 
{الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183)}


هم يدّعون ذلك ويقولون: ربنا قال لنا هذا في التوراة؛ إياكم أن تؤمنوا برسول يأتيكم، حتى يأتيكم بمعجزة مُحسة، هذه المعجزة المُحسّة هي أن يقدم الرسول قرباناً فتنزل نار من السماء تأكله.
هذا كان صحيحاً، وكلنا نسمع قصة قابيل وهابيل: {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابني ءَادَمَ بالحق إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إني أَخَافُ الله رَبَّ العالمين} [المائدة: 27-28].
ونريد أن نقبل على القرآن ونتدبر: لماذا جاء هذا اللفظ: {فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر}؟ إن القبول من الله، وهو مسألة سرية عنده، فكيف نعرف نحن أن الله تقبل أو لم يتقبل؟ لابد أنه الله قد جعل للقبول علامة حسية. ونحن نعرف أن الإنسان قد يعمل عملاً فيقبله الله، ونجد إنساناً آخر قد يعمل عملاً ولا يقبله الله والعياذ بالله، فمن الذي أعلمنا أن الله قد قبل عمل إنسان وقربانه، ولم يقبل عمل الآخر وقربانه؟.
وبما أن القبول سر من أسرار الله إذن فلن نعرف علامة القبول إلا إذا كانت شيئاً مُحساً، بدليل قوله: {فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر}. وقال الذي لم يتقبل الله قربانه: {لأَقْتُلَنَّكَ} كأن الذي قبل الله قربانه قد عرف، والذي لم يتقبل الله قربانه قد عرف أيضاً، إذن فلابد أن هناك أمراً حسياً قد حدث.


وقلنا: إن الله كان يخاطب خلقه على قدر رشد عقولهم حساً ومعنى؛ ولذلك كانت معجزاته سبحانه وتعالى للأنبياء السابقين لرسول الله هي من الأمور المُحسة. فالمعجزة التي آتاها الله لإبراهيم كانت نارا لا تحرق، وعصا سيدنا موسى تنقلب حية، وسيدنا عيسى عليه السلام يبرئ الأكمه والأبرص ويُحيي الموتى بإذن الله. والمعجزة الحسية لها ميزة أنها تقنع الحواس، ولكنها تنتهي بعد أن تقع لمرة واحدة. لكن المعجزة العقلية التي تناسب رشد الإنسانية، هي المعجزة الباقية، وحتى تظل معجزة باقية فلا يمكن أن تكون حسية.


إذن فعندما تأتي معجزة خالدة لرسول هو خاتم الرسل، والذي سوف تقوم القيامة على المنهج الذي جاء به هذه المعجزة لابد أن تكون ذات أمد ممتدّ، والامتداد يناقض الحسيّة؛ لأن الحسّية تظل محصورة فيمن رآها، والذي لم يرها لا يقولها ولا يؤمن بها إلا إذا كان على ثقة عظيمة بمن أخبره بها. وابنا آدم، قابيل وهابيل قرّب كل منهما قربانا.
و(قُربان) مثلها في اللغة مثل (غفران) و(عُدوان) والقُربان هو شيء أو عمل يتقرب به العبد من الله.


وقبول هذا العمل من البر هو سرّ من أسرار الله. فما الذي أدرى هؤلاء أن قربان هابيل قد تقبّله الله ولم يتقبل الله قربان قابيل؟ لابد أن تكون المسألة حسيّة. ولابد أن قابيل وهابيل قد اختلفا، ولكن القرآن لم يقل لنا على ماذا اختلفا، إنها دعوى أن واحداً منهما مُقرّب إلى الله أكثر، ولكن بأي شكل؟ لم يظهر القرآن لنا ذلك، ولو كانت المسألة مهمة لأظهرها الله لنا في القرآن الكريم، فلا تقل كان الخلاف على زواج أو غير ذلك. فالذي ظهر لنا من القرآن أن خلافاً قد وقع بينهما أو أنهما قد حكما السماء. ومبدأ تحكيم السماء لا يستطيع أحد أن ينقضه. وكان لكل واحد منهم شُبهة. وعندما قامت الشبهة التي لقابيل ضد الشبهة التي لهابيل، فلا إقناع من صاحب شبهة، ولذلك ذهبا إلى التحكيم.


ونحن في عصرنا الحديث عندما نختلف على شيء فإننا نقول: نجري قرعة. وذلك حتى لا يرضخ إنسان لهوى إنسان آخر، بل يرضخ الاثنان للقدر، فيكتب كل منهما ورقة ثم يتركان ثالثا يجذب إحدى الورقتين. أما هابيل وقابيل فيذكر القرآن الكريم: {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابني ءَادَمَ بالحق إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر}.


إذن فكل واحد منهما كانت له شبهة، ولا أحد منهما بقادر على إقناع الثاني؛ لذلك قال قابيل بعد أن قبل الله قربان هابيل: {لأَقْتُلَنَّكَ} فماذا قال هابيل؟. قال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين}.
إذن فالذي يتقبل الله منه القربان هو الذي سيُقْتل. والذي يملأه الغيظ هو من لم يتقبل الله قربانه، وهو الذي سوف يَقْتُل. فماذا قال صاحب القربان المقبول: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إني أَخَافُ الله رَبَّ العالمين} [المائدة: 28].
إذن فهذا أهل لأن يتقبل الله قربانه، لأنه متيقظ الضمير بمنهج السماء، وهذه حيثية لتقبل القربان.


وحتى لا نظن أن الآخر (قابيل) كله شر لمجرد أن الشهوة سيطرت عليه، لكن الحق يظهر لنا أن فيه بعض الخير، ودليل ذلك قول الحق: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخاسرين} [المائدة: 30].
وهذا القول يدل على أنه تردد، فلا يقال: (طوّعت الماء)، ولكن يقال (طوّعت الحديد)، فكأن الإيمان كان يعارض النفس، إلا أن النفس قد غلبت وطوّعت له قتل أخيه. وعندما قتل قابيل أخاه وهدأت شرّة الغضب وسُعار الانتقام، رأى أخاه مُلقى في العراء: {فَبَعَثَ الله غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأرض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الغراب فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين} [المائدة: 31].


وعلى هذا النسق قال اليهود: إن الله أوصانا ألا نؤمن برسول إلا بعد أن يأتي بمعجزة من المُحسّات.
لماذا قالوا ذلك؟. قالوا ذلك لأن معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبرى وهي القرآن الكريم لم تكن من ناحية المحسّات وانتهى عهد الإعجاز بالمحسّات فقط، فرسولنا له معجزات حسية كثيرة، ونظرا لأن هذه ينتهي إعجازها بانقضائها فكان القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة وهو الذي يناسب الرسالة الخاتمة، فهم طلبوا أن تكون المعجزة بالمحسّات حتى يصنعوا لأنفسهم شبه عذر في أنهم لم يؤمنوا، فقالوا ما أورده القرآن: {الذين قالوا إِنَّ الله عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حتى يَأْتِيَنَا}.. إلخ.


وعلمنا الحق في هذه الآية أن القربان تأكله النار، ومن هذا نستنبط كيف تقبل الله قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل، لكي نفهم أن القرآن لا يوجد به أمر مكرر. والحق سبحانه يرينا ردوده الإلهية المقنعة الممتعة: {قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بالبينات وبالذي قُلْتُمْ}.. إلخ الآية.
لقد جائكم رسل قبل رسول الله بالقربان وأكلته النار ومع ذلك كفرتم. فلو كان كلامكم أيها اليهود صحيحاً، لكنتم آمنتم بالرسل الذين جاءوكم بالقربان الذي أكلته النار. وهكذا يكشف لنا الحق أنهم يكذبون على أنفسهم ويكذبون على رسول الله، وأنها مجرد (مماحكات) ولجاج وتمادٍ في المنازعة والخصومة.


والحق سبحانه يأمر رسوله أن يسأل: {فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}؟
هو سبحانه يريد أن يضع لنا قضية توضح أن عهد المعجزات الحسيّة وحدها قد انتهى، ورُشد الإنسانية وبلوغ العقل مرتبة الكمال قد بدأ؛ لذلك أتى سبحانه يآية عقلية لتظلّ مع المنهج إلى أن تقوم الساعة. ولو كانت الآية حسيّة لاقتصرت على المعاصر الذي شهدها وتركت من يأتي بعده بغير معجزة ولا برهان. أما مجيء المعجزة عقلية فيستطيع أي واحد مؤمن في عصرنا أن يقول: سيدنا محمد رسول الله وتلك معجزته. ولكن لو كانت المعجزة حسيّة وكانت قربانا ً تأكله النار، فما الذي يصير إليه المؤمن ويستند إليه من بعد ذلك العصر؟


إن الحق يريد أن يعلمنا أن الذي يأتي بالآيات هو سبحانه، وسبحانه لا يأتي بالآيات على وفق أمزجة البشر، ولكنه يأتي بالآيات التي تثبت الدليل؛ لذلك فليس للبشر أن يقترحوا الآية. هو سبحانه الذي يأتي بالآية، وفيها الدليل. لماذا؟ لأن البعض قد قال للرسول: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنهار خِلالَهَا تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ ترقى فِي السمآء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً} [الإسراء: 90-93].
لقد كانت كل هذه آيات حسيّة طلبوها، والله سبحانه وتعالى يرد على ذلك حين قال لرسوله: إن الذي منعه من إرسال مثل هذه الآيات هو تكذيب الأولين بها: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون} [الإسراء: 59].


فحتى هؤلاء الذين قالوا: لن نؤمن حتى تأتي بقربان تأكله النار قد جاءهم من قبل من يحمل معجزة القربان الذي تأكله النار، ومع ذلك كذبوا، إذن فالمسألة مماحكة ولجاج في الخصومة. ويُسلّي الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وتسلية الله لرسوله هنا تسلية بالنظير والمثل في الرسل. كأن الحق يوضح: إن كانوا قد كذبوك فلا تحزن؛ فقد كذبوا من قبلك رسلاً كثيرين، وأنت لست بِدعاً من الرسل.



نداء الايمان




https://media.gemini.media/img/large..._53_37_696.jpg

امانى يسرى محمد 19-01-2022 12:09 PM

رد: تفسير الشيخ الشعراوى( سورة ال عمران)
 
{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)}


ويتسامى الحق سبحانه وتعالى بروح سيدنا رسول الله إلى مرتبة العلو الذي لا يرقى إليه بشر سواه، فيقول: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام: 33].
فالمسألة ليست مسألتك أنت إنهم يعرفون أنك يا محمد صادق لا تكذب أبداً {ولكن الظالمين بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ}. أي هذا الأمر ليس خاصا بك بل هو راجع إليّ فلا أحد يقول عنك إنك كذّاب هم يكذبونني، الظالمون يجحدون وينكرون آياتي فالحق سبحانه يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم هنا للتسلية ويعطيه الأسوة التي تجعله غير حزين مما يفعله اليهود والمكذبون به فيقول: {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بالبينات والزبر والكتاب المنير} [آل عمران: 184].


ونعرف أن الشرط سبب في وجود جوابه. فإذا كان الجواب قد حصل قبل الشرط فما الحال؟. الحق يوضح: إن كذبوك يا محمد فقد كذبوا رسلاً من قبلك. أي أن (جواب الشرط) قد حصل هنا قبل الشرط وهذه عندما يتلقفها واحد من السطحيين أدعياء الإسلام، أو من المستشرقين الذين لا يفهمون مرامي اللغة فمن الممكن أن يقول: إن الجواب في هذه الآية قد حصل قبل الشرط. وهنا نرد عليه قائلين: أقوله تعالى: {فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ..} هو جواب الشرط.. أم هو دليل الجواب؟ لقد جاء الحق بهذه الآية ليقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن كذبوك فلا تحزن، فقد سبقك أن كَذّب قوم رسلَهم، إنها علة لجواب الشرط، كأنه يقول: فإن كذبوك فلا تحزن. إذن فمعنى ذلك أن المذكور ليس هو الجواب، إنما هو الحيثية للجواب {فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بالبينات}.. إلخ.


وعندما نقول: (جاءني فلان بكذا) فقد يكون هو الذي أحضره، وقد يكون هو مجرد مصاحب لمن جاء به.
ولنضرب هذا المثل للإيضاح- ولله المثل الأعلى- فلنفترض أن موظفاً أرسله رئيسه بمظروف إلى إنسان آخر، فالموظف هو المصاحب للمظروف.
إذن فالبينات جاءت من الله، لكن هؤلاء الرسل جاءوا مصاحبين ومؤيِّدين بالبينات كي تكون حُجة لهم على صدق بلاغهم عن الله، {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بالبينات}. أي جاءوا بالآيات الواضحة الدلالة على المراد. والآيات قد تكون لفتاً للآيات الكونية، وقد تكون المعجزات.
ونعلم أن كل رسول من رسل الذين سبقوا سيدنا رسول الله كانت معجزتهم منفصلة عن منهجهم، فالمعجزة شيء وكتاب المنهج شيء آخر. (صحف إبراهيم) فيها المنهج لكنها ليست هي المعجزة؛ فالمعجزة هي الإحراق بالنار والنجاة، وموسى عليه السلام معجزته العصا وتنقلب حية، وانفلاق البحر، لكن كتاب منهجه هو (التوراة)، وعيسى عليه السلام كتاب منهجه (الإنجيل) ومعجزته العلاج وإحياء الموتى بإذن الله، إذن فقد كانت المعجزة منفصلة عن المنهج، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن معجزته القرآن، ومنهجه في القرآن، لماذا؟
لأنه جاء رسولاً يحمل المنهج المكتمل وهو القرآن الكريم، ومع ذلك فهو صلى الله عليه وسلم الرسول الخاتم، فلابد أن تظل المعجزة مع المنهج؛ كي تكون حُجة، إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: {جَآءُوا بالبينات}: أي المعجزات الدالات على صدقهم.


{والزبر والكتاب المنير} أي الكتب التي جاءت بالمنهج، فهم يحتاجون إلى أمرين اثنين: منهج ومعجزة.


و(البينات) هي المعجزة أي الأمور البينة من عند الله وليست من عند أي واحد منهم، ثم جاء (المنهج) في {الزبر والكتاب المنير}. ومعنى (الزِبْر): الكتاب، وما دام الشيء قد كُتب فقد (زبره) أي كَتَبَهُ، وهذا دليل على التوثيق أي مكتوب فلا ينطمس ولا يمحى فالزَّبْر الكتابة، و(الزَّبْر) تعني أيضا الوعظ؛ لأنه يمنع الموعوظ أن يصنع ما عظم أي يمتنع عن الخطأ وإتيان الانحراف، و(الزَّبْر) أيضا تعني العقل؛ لأنه يمنع الإنسان من أنْ يرد موارد التهلكة.
والذين يريدون أن يأخذوا العقل فرصة للانطلاق والانفلات، نقول لهم: افهموا معنى كلمة (العقل)، معنى العقل هو التقييد، فالعقل يقيدك أن تفعل أي أمر دون دراسة عواقبه. والعقل من (عَقَلَ) أي ربط، كي يقال هذا، ولا يقال هذا، ويمنع الإنسان أن يفعل الأشياء التي تؤخذ عليه. و(الزبر) أيضاً: تحجير البئر؛ فعندما نحفر البئر ليخرج الماء، لا نتركه. بل نصنع له حافة من الحجر ونبنيه من الداخل بالحجارة. كي لا يُردم بالتراب وكل معاني الزبر ملتقية، فهو يعني: المكتوبات، والمكتوبات لها وصف، إنّها منيرة، وهذه الإنارة معناها أنها تبين للسالك عقبات الطريق وعراقيله، كي لا يتعثر.
إذن فالحق سبحانه وتعالى يسلّي رسوله صلى الله عليه وسلم ويوضح له: لا تحزن إن كذبوك؛ فقد كذب رسل من قبلك، والرسل جاءوا بالمنهج وبالمعجزة، وبعد أن يعطي الله للمؤمنين ولرسول الله مناعة ضد ما يذيعه المرجفون من اليهود وضد ما يقولون، وتربية المناعة الإيمانية في النفس تقتضي أن يخبرنا الله على لسان رسوله بما يمكن أن تواجهه الدعوة؛ حتى لا تفجأنا المواجهات ويكشف لنا سبحانه بما سيقولون. وبما سيفعلونه.
ونحن نفعل ذلك في العالم المادي: إذا خفنا من مرض ما كالكوليرا- مثلاً- ماذا نفعل؟ نأخذ الميكروب نفسه ونُضْعِفُه بصورة معينة ثم نحقن به السليم؛ كي نربّي فيه مناعة حتى يستطيع الجسم مقاومة المرض.
ثم بعد ذلك يأتي الحق سبحانه وتعالى بقضية إيمانية يجب أن تظل على بال المؤمن دائماً. هذه القضية: إن هم كذبوك فتكذيبهم لا إلى خلود؛ لأنهم سينتهون بالموت، فالقضية معركتها موقوتة، والحساب أخيراً عند الحق سبحانه، ولذلك يقول: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القيامة...}.



نداء الايمان


الساعة الآن 10:50 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام