♦ المتأمل في سيرة الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة والسلام - يلحظ السمة البارزة والصفة الظاهرة المداومة على التضرع والابتهال والتذلل والخضوع والإقرار والاعتراف بالقصور والنقص والحاجة والفاقة والعوز والمسكنة مع ما أولاهم المولى جلَّ وعلا به من الاصطفاء والاجتباء والعناية والرعاية والنصرة والولاية.
♦ الاعتراف بالضعف والخلل نابع من الوعي بطبيعة النفس وحقيقة الذات وحدود العقل وحالة القلب، كما أنه ناتج عن اليقين بما للمولى جل وعلا من صفات الجلال والجمال والكمال، وأفعال التفضل والامتنان والإنعام والإكرام.
♦ البصيرة بحقيقة الذات تورث في النفس جدًّا واجتهادًا وعلمًا وعملًا وتوكلًا واستعانة ومجاهدة ومصابرة لتحصيل معالي ومحاسن الأقوال والأعمال والأحوال في الدنيا والآخرة؛ ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ﴾ [البقرة: 201].
♦ اليقين بمنزلة الرب جل جلاله تدعو الفرد لدوام الالتجاء والاعتصام والاستغناء والاكتفاء والإلحاح والانطراح والطلب والسؤال في جميع شؤونه الدينية والدنيوية "اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت".
♦ في الآية الكريمة توجيه كريم وإرشاد عظيم للنبي المبجل والرسول الموقر صلى الله عليه وسلم بطلب الاستزادة ورجاء الوفرة من العلم والمعرفة والفقه والفهم.
♦ العلم في الآية عام مطلق يشمل كافة العلوم بجميع فروعها ومجالاتها وأقسامها ومستوياتها.
♦ دلت الآية الجليلة على الحاجة الدائمة والعوز المستمر للعلم والفهم والخبرة والتجربة بلا تكبرٍ ولا استعلاء ولا ضعف ولا استحياء، كما ألمحت لشرف العلم ومنزلة المعرفة وأهميتهما في تزكية النفوس وصلاح الأفراد ورقي الأمم وتطور المجتمعات.
♦ تفسير العلم الممدوح والفاضل في الكتاب والسنة بالعلم الشرعي - على اختلاف في توصيفه بأنه فن التفسير أو الحديث أو الفقه أو الاعتقاد - واعتبار ما سواه من علوم الآلة والكون والطبيعية والإنسان علوم ثانوية وهامشية ومفضولة وقاصرة جعل الأمة الإسلامية تعيش حالة من الصراع الفكري بين أرباب العلوم وأصحاب المذاهب ودهورًا من التخلف والتأخر والتبعية والاستجداء للأمم المتقدمة والحضارات المتعاقبة.
♦ المعادلة الحتمية والنظرية المنطقية: العلم يدعو للعمل، والعمل يؤدي للتهذيب والإصلاح، والإصلاح يحتاج للمصابرة والمرابطة، وهذه العناصر الأربعة هي ركائز ومقومات النجاح الديني والدنيوي
>>>>>>
.
إشراقة آية: قال تعالى ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ... ﴾
♦ في الآية الكريمة توجيه من المولى جل وعلا لعباده المؤمنين بأخذ الحيطة والحذر سواء في الأمن والسلامة أو الكرب والمخافة من الإشاعة والإذاعة واستعلام الأخبار من المصادر الصحيحة والمراجع المأمونة.
♦ كما تشير الآية الجليلة إلى نزوعِ أكثر الناس وأغلب المجتمع لنشر الإشاعات الكاذبة أو ترويج التحليلات المغلوطة أو إثارة المعلومة الخاطئة.
♦ من آثار التزام الأمر الرباني والتوجيه الإلهي ما يلي:
١ - حفظ المجتمع وصيانة الوطن من المرجفين والمتربصين من الكفار والمنافقين.
٢ - وحدة الصف وجمع الكلمة عن الآراء المخالفة أو الاجتهادات المعارضة أو الأقوال المناوئة.
٣ - رعاية الأنفس والأعراض عن الاتهامات المجحفة أو التصنيفات الظالمة بالكفر والبدعة أو الاتهام بالخيانة والعمالة.
٤ - رد الأحداث العامة والقضايا المصيرية لأصحاب الرأي وأولي الشأن العالمين بخبايا الأمور وخفايا الأوضاع.
٥ - الالتجاء للخالق والتضرع للرب جل وعلا بأن يعصم ألسنتنا ويحفظ جوارحنا عن الوقوع في مضلات الفتن ومزالق المحن.
<<<<<,<
إشراقة آية
قال تعالى ﴿ وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ...﴾
• عبارات رقراقة وألفاظ رفرافة تأخذ باللب وتتصل بالعمق تشعرك بالقرب والمعية مع العلو والعظمة قرب من الصائمين بالثواب والجزاء والأجر والعطاء وقرب من السائلين بالهبات والاعطيات والمنح والمكرمات، إنها آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة والود المؤنس والرضى المطمئن والثقة واليقين والرجاء والاستغناء بالرب الكريم والإله العظيم، يعيش معها المؤمن في جناب رضيّ، وقرب ندي، وملاذ أمين وقرار مكين.
• المتدبر لآيات الكتاب العزيز يلحظ التضرع والدعاء والاستكانة والسؤال من الملائكة المقربين والرسل المصطفين والخلق المكلفين في جميع الأوضاع والأحوال ولكافة الاحتياجات والطلبات الدينية والدنيوية العامة والخاصة.
• المتأمل للسنة النبوية يجد الدعوة الصريحة والتوجيه المباشر للزوم هذه العبادة والتلذذ بهذه الطاعة والتنويه بفضلها والإشارة لمكانتها بتعبير جامع ووصف مانع (الدعاء هو العبادة).
• من خصائص الدعوات النبوية أنها من (جوامع الكلم) ذات الكلمات القليلة والألفاظ القصيرة المتضمنة للمعاني الجليلة والدلالات العظيمة.
• الإنسان أعرف بحالته وحاجته والرب جل وعلا يعطيه بحسب رغبته واضطراره، وما يقوم بالقلب من التضرع والانكسار والتذلل والابتهال خير من سؤال الآخرين الدعاء له أو الاستغفار عنه.
• التزام الداعين والسائلين بالهدي النبوي في الأقوال والأفعال والصفات والهيئات أفضل الوسائل وأقرب الطرق لطمأنينة القلب وراحة النفس ولذة التعبد وحلاوة التقرب ونيل الجزاء ورجاء القبول.
• زُين للناس حب الشهوات والميل للملذات لامتحان الإنسان وعمارة الأرض والاستمتاع بالحياة وتحقيق العبودية والشوق للآخرة.
• جاءت الرسالات الإلهية والضوابط الشرعية لتهذيب الشهوات وتقويم الغرائز تزكية للنفس وطهرة للفرد وصيانة للمجتمع من الانزلاق والانفلات أو القمع والكبت.
• نبهت الآية الكريمة على إرادة الضالين والمفسدين بإثارة الشهوات وتأجيج الغرائز الإيقاع بالإنسان في الانحراف العظيم والميل الكبير عن الصراط المستقيم والمنهج القويم.
• تأنس النفوس المنحرفة والأرواح الشريرة بمشاركة الآخرين لها في الأهواء والرغبات للخروج من تبعات تأنيب الضمير والشعور بالذنب ولوم الناس ومحاسبة المجتمع.
• تعددت وتنوعت في العصر الحديث وسائل وأساليب تحريك الشهوات وتهييج النوازع بصورة تدلف من خلالها لكل المنافذ الإنسانية وتثير معها جميع كوامن النفس البشرية.
• تجتمع على الإنسان في صراعه مع الشهوات وسوسة النفس وجلبة الشيطان وإغراء القرين وضغط الواقع.
• في الآية الجليلة بيان لفضل المولى جل وعلا الواسع وكرمه المغدق بفتح باب التوبة وإتاحة فرص الأوبة لمن حاد عن الطريق وضل السبيل، كما فيها دعوة للمربي والمصلح للرفق بالمذنب والشفقة على العاصي والرحمة بالمخطئ ومساعدته على الرجعة وإعانته على الإنابة.
♦ في الآية الكريمة تصريح واضح وتأكيد جلي على أثر مكر المجرمين وكيد المفسدين في صرف الأفراد وانحراف المجتمعات عن الصراط المستقيم والمنهج القويم.
♦ قيد مكر الكافرين في الكتاب العزيز بعدد من الأوصاف والمقيدات الدالة على قوته وسطوته وشدته وشناعته وأثره وفاعليته، ﴿ مَكْرًا كُبَّارًا ﴾ [نوح: 22]، (﴿ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ [سبأ: 33]، ﴿ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ [إبراهيم: 46].
♦ كما ارتبط الكيد والمكر للأنبياء والمصلحين بالأغنياء والمترفين والجبابرة والمستكبرين لما تنطوي عليه نفوسهم من بطر الحق وغمط الناس، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ [سبأ: 34].
♦ تنوعت أساليب المكر وتعددت وسائل الكيد كمًا وكيفًا وصفة وهيئة وجنسًا ونوعًا لتطوين النفس وتذكير الذات باستمرارية ودوام الصراع بين الحق والباطل والخير والشر من عهد آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: ٣٠].
♦ دلت الآية الجليلة على تأكيد المسؤولية الذاتية والمحاسبة الشخصية على الزيغ والضلال وسقوط التذرع والاعتذار بهوى النفس ونزغات الشيطان وكيد الكافرين ومكر المستكبرين.
<<<<<<<
إشراقة آية
قال جل وعلا: ﴿ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ﴾
• قال المفسرون: «هل جزاء إحسان العمل من العبد إلا إحسان الثواب والجزاء من الربِّ جل وعلا».
• أمر جل وعلا بالإحسان في الأقوال والأفعال ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90]، وكتبه وفرضه على كل شيء؛ « إنَّ الله كتب الإحسانَ على كل شيءٍ ». وأخبر عن رضاه ومحبته للمتصفين بهذه الصفة؛ ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]. وجعل لهم الجزاء الأوفى والثواب الأسنى؛ ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26].
• في الآية طلب وجزاء وتكليف وثواب في كافة الأعمال وجميع الأحوال الدينية والدنيوية فمن أحسن الأداء وأتقن الإيفاء أدرك الجزاء واستحق الأجر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة، يعطى بها في الدنيا ويجزي بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكن له حسنة يجزى بها».
• تعرض مصطلح الإحسان لغياب مفهومه الشامل وتحجيم معناه الواسع عن العديد من الجوانب والمجالات ومنها:
• الديني والتعبدي ليقتصر على المظاهر والأشكال ويتخلف عن الحقائق والأعمال.
• الفكري والمعرفي ليعيش الفرد على الظنون والاحتمالات والخرافات والخزعبلات.
• التربوي والأخلاقي ليواجه الإنسان أزمة نفسية وازدواجية قيمية بين التنظير والواقع والتصور والتطبيق.
• الاجتماعي والإنساني ليرزح المسلم تحت وطأة التمزق والتشتت والتحزب والتعصب.
• الواقع الحضاري والنهضوي لتقبع الأمة في مؤخرة الركب وذيل القائمة.
الحفي: البر اللّطيف الذي يحتفي بعباده ويعتني بهم، ويقوم في حاجتهم ويبالغ في كرامتهم، ويستجيب دعاءهم ويجزل عطاءهم.
♦ حفاوة المولى - جل وعلا - بعموم الخلق بالإنشاء والإيجاد في أكمل هيئة وأحسن صورة، ثم بالإعداد والإمداد بأسباب الحياة وعوامل البقاء، ثم بالبيان والإيضاح لوسائل الهداية وطرق السلامة، وأخيرًا بالفناء والنهاية للجزاء والحساب.
♦ أما الحفاوة الخاصة والعناية البالغة فهي لجميع المسلمين وعموم المؤمنين بتهيئة الخير وإيصال النفع لهم من حيث لا يحتسبون ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17].