منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   الشريعة و الحياة (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=99)
-   -   ضم تونس إلى الدولة العثمانية ثم فقدها من جديد (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=132099)

المراقب العام 15-07-2021 06:57 AM

ضم تونس إلى الدولة العثمانية ثم فقدها من جديد
 
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif





https://islamstory.com/images/upload...9%86%D8%B3.png

ضمُّ تونس، ثم فقدها من جديد: (1534-1535م)

كثيرًا ما تكون معاناة الأمَّة الإسلامية في بعض قادتها الذين يطلبون الدنيا بالدين، ويبيعون أوطانهم ليشتروا مجدًّا زائفًا عن طريق زعامةٍ مدعومةٍ بأعداء الأمَّة! هكذا فعل الحسن الحفصي سلطان تونس في هذه الحقبة التاريخيَّة المهمَّة! فعل الأسوأ مطلقًا في عالم السياسة؛ إذ تحالف مباشرةً مع أكبر عدوَّين للمسلمين في هذه الفترة: إسبانيا، وفرسان القديس يوحنا[1].

الذي يرفع من درجة هذه الخيانة هو التوقيت الذي تمَّت فيه هذه التحالفات؛ فإسبانيا الآن -بعد طردها للمسلمين من الأندلس- تسعى للسيطرة على الشمال الإفريقي، وقد احتلَّت بالفعل عدَّة مواقع على الساحل، في المغرب، والجزائر، وتونس، وإمبراطورها شارل الخامس في حربٍ مستمرَّةٍ مع الدولة العثمانية، وتحالف الحفصي معه يُهدِّد الأساطيل العثمانية التي تجوب المنطقة، خاصَّةً وأن الإسبان يحكمون صقلية القريبة (مائة وخمسين كيلو مترًا فقط من تونس)، ووجودهم العسكري في تونس يُعيق حركة السفن المسلمة في غرب البحر المتوسط.

أمَّا فرسان القديس يوحنا فهم أعداءٌ قدامى للمسلمين بشكلٍ عام، وللدولة العثمانية بشكلٍ خاص، ولم تمر على حربهم الأخيرة مع العثمانيين إلا سنواتٌ قليلة، وهم الآن مستوطنون في جزيرة مالطة، على بعد ثلاثمائة كيلو متر فقط من الساحل التونسي؛ ممَّا يجعل التعاون بينهم وبين الحكومة التونسية مؤذيًا للغاية للملاحة العثمانية. هذا الوضع كان يتطلَّب تدخُّلًا حاسمًا من الدولة العثمانية.

كان السلطان سليمان القانوني يعرف أن المستقبل سيحمل صداماتٍ بحريَّةً كثيرةً للأسطول العثماني مع القوى الأوروبية خاصَّةً إسبانيا، وكان يُدرك أن الميدان الرئيس لهذه المعارك لن يكون شرق البحر المتوسط؛ لأن السيطرة العثمانية على هذه المناطق صارت كبيرةً بعد سقوط رودس في أيدي المسلمين، إنما سيكون القتال في معظمه -على الأغلب- في مدخل الأدرياتيكي، وغرب البحر المتوسط، وهذا دفعه إلى البحث عن الرجل المناسب الذي يمكن أن يقود هذه العمليات البحرية المعقَّدة.

لم يجد السلطان أفضل من خير الدين بربروسا -الذي يشغل الآن منصب والي الجزائر- لهذه المهمَّة؛ فالرجل ذو خبرةٍ واسعةٍ بالقتال البحريِّ بشكلٍ عام، وعاش حياته كلَّها في مناطق الجزائر وتونس، ودارت بينه وبين الأساطيل الأوروبية معارك شتى، وقصف الموانئ الإيطالية، والفرنسية، والإسبانية كثيرًا، ويعرف جغرافيَّة الجزر والخلجان في البحر المتوسط عن ظهر قلب، وفوق كلِّ ذلك هو صاحب حميَّةٍ إسلاميَّة، وعزيمةٍ جهاديَّة، بالإضافة إلى مَلَكَاتٍ قياديَّةٍ ودبلوماسيَّةٍ نادرة.

إنه شخصيَّةٌ لا تتكرَّر في التاريخ كثيرًا! التقى السلطان سليمان القانوني وخير الدين بربروسا في إسطنبول في عام 1533م[2]، ومنحه منصب القائد الأعلى للبحرية العثمانية، وفوق ذلك عيَّنه واليًا عامًّا على الشمال الإفريقي كلِّه[3]، وليس الجزائر فقط، ووضَّح له أهداف الدولة المستقبلية في غرب البحر المتوسط، وكانت تشمل، بالإضافة إلى تحجيم الإمبراطورية الإسبانية، ضمَّ تونس إلى الدولة العثمانية.

في ربيع 1534م، وقبل أن يخرج السلطان سليمان القانوني إلى حملته السادسة على إيران والعراق، التقى وقائد بحريَّته بربروسا؛ ليضعا اللمسات الأخيرة لحملةٍ بحريَّةٍ كبيرةٍ في غرب المتوسِّط. خرج بربروسا في أبريل من السنة نفسها من إسطنبول على رأس أسطولٍ مكوَّنٍ من ثمانين سفينة، وثمانية آلاف مقاتل، لأداء المهمَّة. بدأ الأسطول رحلته باسترداد موانئ كورون، وباتراس، وليبانتو في جنوب اليونان، وكانت إسبانيا قد احتلَّتهم قريبًا، ثم أكمل طريقه غربًا؛ ليقصف في يوليو عدَّة موانئ إيطاليَّة تابعةٍ لإسبانيا في نابولي وصقلية، قبل أن يتَّجه جنوبًا صوب تونس! في أغسطس ظهر الأسطول العثماني فجأةً أمام سواحل مدينة تونس. فَزِع السلطان الحسن الحفصي، وهرب من المدينة إلى القيروان، وأتى بجيشٍ لمحاربة بربروسا، ولكنه هُزِم، فعاود الفرار، ولكن في هذه المرَّة إلى الإسبان في مدينة بجاية بالجزائر[4][5]، وكانت تحت الحكم الإسباني آنذاك. دخل خير الدين بربروسا إلى مدينة تونس في 16 أغسطس 1534م[6] ليُعلن ضمَّها إلى الدولة العثمانية.

لم تبقَ تونس في يد العثمانيين طويلًا في هذه المرحلة؛ إذ إن استغاثة الحسن الحفصي بالإسبان وجدت صدًى واسعًا عند الإمبراطور شارل الخامس، إلى الدرجة التي دعته في العام التالي إلى تجهيز أسطولٍ كبيرٍ خرج هو بنفسه على رأسه ليستردَّ تونس. كان الأسطول الإسباني مكوَّنًا من ثلاثمائة سفينة، ويحمل ثلاثين ألف جندي، ومزوَّدًا بالمدفعيَّة الثقيلة[7].

بالإضافة إلى ذلك ضمَّ الأسطول معونةً برتغاليَّةً مؤثِّرة في صورة سفينةٍ عسكريَّةٍ عملاقة، كانت تُعتبر في هذا التوقيت أقوى سفينةً في العالم، واسمها سفينة القديس چون المعمداني São João Baptista، وكانت مزوَّدةً بثلاثمائةٍ وستَّةٍ وستِّين مدفعًا برونزيًّا؛ وذلك في مقابل مليون دوقيَّة ذهبيَّة تدفعها إسبانيا للبرتغال[8]! شاركت چنوة كذلك بعدَّة سفنٍ عسكرية[9]. -أيضًا- سعى البابا لمشاركةٍ فرنسيَّةٍ في الحملة؛ لكن فرانسوا الأول ملك فرنسا رفض لوجود معاهدةٍ بينه وبين العثمانيين، فوق أنه يُضمر العداء الشديد لشارل الخامس؛ ومع ذلك أخذ البابا وعد الملك الفرنسي بعدم الدخول في حروبٍ أوروبيةٍ مع إسبانيا أثناء الحملة على تونس[10]. هذا الإعداد يفتح مداركنا على القيمة الحقيقيَّة التي تُعطيها القوى الأوروبية لهذه المواقع الاستراتيجيَّة في العالم الإسلامي.

في أول يونيو 1535م ظهر الأسطول الإسباني أمام شواطئ تونس. في لحظاتٍ دُمِّر جانبٌ كبيرٌ من الأسطول العثماني. بعد قتالٍ قصيرٍ أدرك خير الدين بربروسا أن الأسطول الإسباني متفوُّقٌ بشدَّة، وأن المقاومة الأطول ستقود إلى فقد الأسطول العثماني بكامله. انسحب بربروسا ببعض السفن إلى الجزائر[11]. دخل الإسبان تونس وقاموا بمجزرةٍ عنيفة؛ إذ ذبحوا -وَفْقًا للمصادر الأوروبية نفسها- ثلاثين ألف مدني تونسي[12]! سيطر الإسبان على كلِّ الشمال الشرقي لتونس، وهو الوضع الذي سيستمر ما يقرب من أربعين سنةً كاملة، إلى 1574م. في 6 أغسطس 1535م دخل السلطان الحسن الحفصي إلى مدينة تونس تحت الحماية الإسبانية، وبعدها بيومين، في 8 أغسطس، وقَّع معاهدة تبعيَّة مخزية للإمبراطور شارل الخامس[13]، الذي ترك تونس لتابعه المسلم!

لم يستسلم خير الدين بربروسا لهذا الوضع، على الرغم من إدراكه لاستحالة استعادة تونس في هذه الظروف. كان رجلًا فوق العادة! لقد أخذ ما تبقَّى من الأسطول العثماني واخترق المياه الإقليمية لمملكة نابولي وصقلية التابعتين لإمبراطور إسبانيا؛ وهذا يعني أنه دخل عقر دار عدوِّه! وصل خير الدين بربروسا إلى جزيرة كابري Capri التي تقع على مسافة خمسة كيلو مترات فقط من شاطئ مدينة نابولي؛ بينما هي بعيدةٌ للغاية عن تونس (حوالي خمسمائة وخمسين كيلو مترًا!).

في هذه الجزيرة بنى بربروسا قلعةً حصينةً ما زالت موجودةً إلى الآن، وما زالت تحمل اسمه Castello Barbarossa، واتخذها قاعدةً له[14]. كان الهدف هو القيام بقصفٍ موجعٍ للموانئ التابعة لشارل الخامس؛ وذلك للضغط عليه ليرفع يده عن تونس وشمال إفريقيا. قصف الأسطول العثماني عدَّة موانئ في إيطاليا وصقلية، وطوَّر عمليَّاته باحتلالٍ مؤقَّتٍ لمدينة ماهون Mahon عاصمة جزيرة مينورقة Menorca في جزر البليار القريبة من إسبانيا ذاتها، ومن هذه المدينة الأخيرة استطاع خير الدين بربروسا أسر خمسة آلاف وخمسمائة إسباني، أتى بهم إلى الجزائر[15]. في أوائل 1536م، يمَّم القبطان وجهه شطر إسطنبول للتباحث مع السلطان سليمان القانوني في وضع الدولة العثمانية بشكلٍ عام، والأسطول بشكلٍ خاص، في المرحلة القادمة[16]، وقد تزامنت عودة خير الدين بربروسا إلى إسطنبول مع عودة السلطان إليها بعد حملته الطويلة في إيران، والعراق[17].



[1] التر، عزيز سامح: الأتراك العثمانيون في أفريقيا الشمالية، ترجمة: محمود علي عامر، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1409هـ=1989م.صفحة 114.
[2] بربروس، خير الدين: مذكرات خير الدين بربروس، ترجمة: محمد دراج، شركة الأصالة للنشر والتوزيع، الجزائر، الطبعة الأولى، 2010م.صفحة 169.
[3] التر، 1989 الصفحات 101-104.
[4] إيڤانوڤ، نيقولاي: الفتح العثماني للأقطار العربية 1516 – 1574، راجعه وقدم له: مسعود ضاهر، نقله إلى العربية: يوسف عطا الله، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الأولى، 1988م.صفحة 190.
[5] التر، 1989 الصفحات 112، 113.
[6] Crowley, Roger: 1453: The Holy War for Constantinople and the Clash of Islam and the West, Hyperion , New York, USA, 2005., p. 58.
[7] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، 1988 صفحة 1/292.
[8] Crowley, 2008, p. 60.
[9] Dauverd, Céline: Imperial Ambition in the Early Modern Mediterranean: Genoese Merchants and the Spanish Crown, Cambridge University Press, New York, USA, 2015., p. 35.
[10] Garnier, Édith: L'alliance impie: François Ier et Soliman le Magnifique contre Charles Quint (1529-1547), Editions du Félin, Paris, 2008., pp. 94-95.
[11] Crowley, 2008, p. 61.
[12] Tucker, Spencer C.: A Global Chronology of Conflict: From the Ancient World to the Modern Middle East, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2010., vol. 2, p. 506.
[13] التر، 1989 الصفحات 119-120.
[14] Borà, Salvatore: Itinerari storici e monumentali di Capri ed Anacapri (in Italian), La Conchiglia, 2002, pp. 209-210.
[15] أوزتونا، 1988 صفحة 1/294.
[16] بربروس، 2010 الصفحات 179، 180.
[17] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 1/ 449- 453.
لشراء كتاب قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط يرجى الاتصال على الرقم التالي: 01116500111


الساعة الآن 09:29 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام