من الآية 1 إلى الآية 7: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾؟ يعني أرأيتَ أيها الرسول حالَ ذلك الذي يُكذِّب بالبعث والجزاء؟ (إذ المقصود بالدين هنا: الجزاء، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾ أي جزاءهم الحق)، ﴿ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾: أي فذلك هو الذي يَدفع اليتيم بعنف وشدة عن حقه؛ لقساوة قلبه، ﴿ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ يعني: ولا يَحُثّ الناس على إطعام أهل الفقر والاحتياج (إذ لم يكن في قلبه رحمة يَرحم بها الفقراء والمساكين، فلا هو أطعمهم من ماله ولا حَثَّ غيره على إطعامهم)،﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ أي: فعذابٌ شديد للمُصَلِّينَ الذين هم عن صلاتهم لاهون (أي لا يُقيمونها على وَجْهها الصحيح الذي شَرَعه اللهُ لهم، ولا يؤدونها في أوقاتها)﴿ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ﴾: أي الذين هم يَتظاهرون بأعمال الخير مُراءاةً للناس (أي طلباً لثناءهم)﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ يعني: ويمنعون إعارة (أي إقراض) ما لا يَضُرّ إعارته من الآنية وغيرها، فكيف يُنفقون ما هو أكثر مِن ذلك؟! (فلا هم أحسَنوا عبادة ربهم، ولا هم أحسَنوا معاملة خَلْقه).
♦ واعلم أنه لا يَدخل في ذلك مَن كانَ متأكداً - مِن تجارب سابقة - أنّ جيرانه أو أصدقائه لا يعيدون إليه هذه الأشياء بعد استعارتها، فهذا لا إثمَ عليه في عدم إعطائها لهم.
♦ واعلم أيضاً أنّ لفظ "الماعون" هو ما يُطلِق عليه المصريون لفظ "المَواعين"، والصحيح أنّ اسمه "الماعون" وهي الآنية بمختلف أشكالها.
تفسير سورة الكوثر
من الآية 1 إلى الآية 3: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾: يعني إنا أعطيناك أيها النبي الخير الكثير في الدنيا والآخرة (ومِن ذلك: نهر الكوثر في الجنة، الذي حافّتاه - أي شاطئاه -: خيام اللؤلؤ المُجَوَّف، وطِينُه: المِسك)، ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ ﴾ أي: فأخلِص صلاتك لربك وحده، ﴿ وَانْحَرْ ﴾: أي اذبح ذبيحتك له، وعلى اسمه وحده،﴿ إِنَّ شَانِئَكَ ﴾: يعني إنّ الذي يَكرهك، ويَكره ما جئتَ به من الهدى والنور: ﴿ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ أي هو المنقطع أثره، المقطوع من كل خير.
تفسير سورة الكافرون
من الآية 1 إلى الآية 6: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - للذين كفروا بتوحيد الله تعالى وكفروا برسوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ ﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾: يعني إنني لا أعبد هذه الأصنام والمَعبودات الباطلة التي تعبدونها من دون الله تعالى (إذ هي مخلوقاتٌ عاجزة لا تنفع ولا تضر، وما أنزل اللهُ مِن شيءٍ يدل على أنها تستحق لعبادتكم أو أنها تُقَرِّبكم إليه كما تزعمون)،﴿ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ (لأنني أعبد إلهاً واحداً، وهو الله رب العالمين، الخالق الرازق المُستحِق وحده للعبادة)﴿ وَلَا أَنَا عَابِدٌ ﴾ - في المستقبل - ﴿ مَا عَبَدْتُمْ ﴾﴿ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ ﴾ - في المستقبل - ﴿ مَا أَعْبُدُ ﴾ (واعلم أن هذه الآية قد نزلت في أشخاص من المُشرِكين بعَينهم، قد عَلِمَ اللهُ أنهم لا يؤمنون أبدًا؛ لعنادهم وإصرارهم من بعد ما تبيَّنَ لهم الحق)،﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ ﴾ الذي أصررتم على اتّباعه، ﴿ وَلِيَ دِينِ ﴾ يعني: ولي ديني الذي لا أطلب غيره.
تفسير سورة النصر
من الآية 1 إلى الآية 3: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾: يعني إذا تمَّ لك - أيها الرسول - النصرُ على كفار قريش، وتمَّ لك فتح "مكة"﴿ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴾ يعني: ورأيتَ الكثير من الناس يدخلون في الإسلام جماعات جماعات:﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ﴾ يعني فإذا وقع ذلك الوعد: فاستعد للقاء ربك بالإكثار من التسبيح بحمده والإكثار من استغفاره.
♦ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر قبل موته مِن أن يقول: (سبحان الله وبحمده، أستغفرُ اللهَ وأتوب إليه)، (فلذلك ينبغي للعبد ان يُكثِر من هذا الذِكر، حتى يستعد للقاء الله تعالى بكثرة الحمد على نعمه، وكثرة الاستغفار من ذنوبه، حتى يُعِدّ حَمداً كثيراً ليُساعده في سؤال النعم أمام اللهِ تعالى، كما يُعِدّ استغفاراً كثيراً ليُساعده في سؤال الذنوب)، ﴿ إِنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ كَانَ تَوَّابًا ﴾ على التائبين من عباده، المُكثِرين من التسبيح والحمد والاستغفار (إذ يوفقهم سبحانه للتوبة الصادقة النصوح، ويَقبلها منهم، فلا يُعَذِّبهم).
♦ واعلم أنّ الفعل (كان) إذا جاء مع صفة معينة، فإنه يدل على أنّ هذه الصفة مُلازِمة لصاحبها، كقوله تعالى - واصفاً نفسه بالرحمة والمغفرة -: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) أي كانَ - دائماً وأبَداً - غفوراً رحيماً.
تفسير سورة المسد
من الآية 1 إلى الآية 5: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾: أي خَسِرَت يدا أبي لهب (أي خسر عمله)،﴿ وَتَبَّ ﴾ أي خسر هو بذاته، إذ هو من أهل النار بسبب إيذائه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ ﴾: أي ما نفعه ماله ﴿ وَمَا كَسَبَ ﴾ يعني: وما نفعه ولده الذي كَسَبه (إذ الولد مِن كَسْب أبيه)، فلن يَدفع عنه ماله وولده شيئاً من عذاب الله إذا نزل به، ﴿ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴾ أي سيَدخل نارًا شديدة الاشتعال، هو﴿ وَامْرَأَتُهُ ﴾ التي كانت ﴿ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴾ أي كانت تحمل الشوك، فتُلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم لتؤذيه،﴿ فِي جِيدِهَا ﴾ أي سيكون في عُنُقها ﴿ حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ أي حبلٌ مِن ليف شديد خشن، تُرفَع به في نار جهنم، ثم تُرمَى إلى أسفلها.
♦ ومِن لطيف ما يُذكَر أنّ هذه السورة كانت سبباً في إسلام أحد علماء الغرب، إذ قال بعد إسلامه - ما مُختصَرُه -: (هذا الرجل (أبو لهب) كانَ َيكره الإسلام كُرهاً شديداً، وكان يَسخر مِن دعْوة النبي محمد، وكانَ يُشَكِّك الناسَ في كلامه، وقبل وفاة (أبي لهب) بعشر سنوات: نزلتْ سورة في القرآن اسمها سورة المَسَد، تُقَرِّر أنَّ (أبا لهب) سوف يدخل النار، أو بمعنى آخر: إنَّ (أبا لهب) لن يَدخل الإسلام.
♦ ففي خلال عشر سنوات ما كانَ على (أبي لهب) إلا أن يأتي أمام الناس ويقول: (محمدٌ يقول بأنني لن أُسلِم، وبأنني سوف أدخل النار، ولكني أُعْلِن الآن أنني مُسلِم!!)، لكنَّ (أبا لهب) لم يفعل ذلك مُطلَقاً، رَغمَ أنَّ كل أفعاله كانت مُخالِفة لأفعال النبي محمد: إلا أنه لم يُخالِفه في هذا الأمر، رغم أنه كانت لديه الفرصة - عشر سنوات كاملة - أن يَهدِمَ الإسلام بكلمة واحدة! ولكنْ، لأنَّ هذا الكلام ليس كلام محمد، ولكنه كلامُ مَن يَعلمُ الغيبَ وحده، ويَعلمُ أنَّ (أبا لهب) لن يُسلِم.
♦ ما رأيُكُم الآن؟، إنْ لم يكن هذا القرآن وَحْيٌ من الله تعالى: فكيف للنبي محمد أنْ يَعلم أنَّ (أبا لهب) سوف يُحقق كل ما في هذه السورة بالحرف الواحد؟!، إنْ لم يكن النبي محمد يَعلم أنّ القرآن وَحْيٌ من عند الله تعالى: فكيف يكونُ واثقاً خِلال عشر سنوات أنَّ ما عنده هو الحق؟!، إنني الآن أستطيعُ أن أقول: (إنه لِكَي يَضَع شخصٌ مِثل هذا التحدي الخطير، فهذا ليسَ له إلا أمرٌ واحد: (أنَّ كلامَهُ هذا هو وَحْيٌ مِن الله)).
من سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.