فى سنةِ سِتِّمِائة للميلاد عَلَتْ صرخاتُ المولود الجديد فى أَكْنَافِ بيت أبى طالب وملأت الفرحة أرجاء المكان وفرحت به أمه فاطمة بنت أسدٍ أشدَّ الفرح فلم تنتظر قدوم زوجها أبى طالب من تجارته لتشاوره فى تسمية ابنهما الوسيم, فتفَرَّسَت فيه الشجاعة والإقدَام فسَمَتْهُ حَيْدَرَه على إسم أبيها أسد والحيدرة من أسماء الأسد ليكون له بعد ذلك من إسمه نصيب, فلما قَدِمَ أبو طالب من السَفَر ورأى غلامه فرح به وغَيَّر إسمه فسمَاه عَليَّا, وفى إسم حيدرةَ يقول على بن أبى طالب :
نشأ على رضي الله عنه فى بيت والده أول الأمر وكان أبو طالب كثيرَ العيال فأصابت قريشً أزمة شديدة إفتقر فيها الناس وعَسُرَت عليهم الأحوال فقال النبى لعمه العباس: يا عَمْ إن أخاك أبا طالبٍ كثيرُ العيال وقد أصاب الناسَ ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا إليه فلنُخَفِفْ عنه من عِيَالِه فآخذُ أنا من بنيه واحدا وتأخذ أنت من بنيه واحدا فنكفَلُهُما عنه, فقال العباس: نعم, فانطلقا حتى أَتيَا أبا طالب فقالا له: إنَّا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشِفَ عن الناس ما هم فيه فقال لهما أبو طالب: إذا تركتُما لى عقيلا فاصنعا ما شئتما, فأخذ رسول الله عليَّاً فضمَّه إليه وأخذ العباس جعفراً فضمه إليه, وكان هذا من تقدير الله الخير لعلىّ وإرادته له فنشأ على بن أبى طالب فى كَنَفِ رسول الله حتى بعث الله محمداً نبيَّا فاتَّبعَه على فآمن به وصدَّقَه فكان بذلك أول من أسلم من الصِبيَان حيث دخل فى الإسلام وعمره عشر سنين.
وجاء فى قصة إسلامه:
أنه دخل ذات يوم على النبى وخديجة وهما يُصلِّيان فقال: ما هذا يا محمد؟ فقال النبى : دين الله الذى اصطفىٰ لنفسه وبعث به رُسلًه فأدعُوك إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونَبْذِ اللاَّتِ والعُزَّىٰ فقال علىّ: هذا أمرٌ لم أسمع به من قبل ولست بقاضٍ أمراً حتى أستشير به أبا طالب, فكره رسول الله أن يُفْشِي علىُّ سِرَّه فقال له: يا علىّ إذا لم تُسْلمِ فاكْتُم, فمَكَثَ على رضي الله عنه تلك الليله ثم إن الله تبارك وتعالى أوقع فى قلبه الإسلام فغَدَا فى صبيحة اليوم التالى إلى النبى وقال: ماذا عرَضْتَ على يا محمد فقال له النبى: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وتكفر باللاَّت والعُزَّى وتبرأ من الأَنْدَاد ففعل علىّ فأسلَمَ وكَتَمَ إسلامه.
كان على بن أبى طالب آدَمَ حَسَنَ الوجه, أدعَجَ العينين, رَبْعَةً من الرجال, وهو إلى القِصَرِ أقرب, عَريضَ ما بين المَنْكِبَين, ضخم البَطن, خَشِنَ الكَّفَيْن, أصْلَع ليس فى رأسه شَعرٌ إلا من خَلفِه, كَثَّ الِلحيَه, حَسَنَ الوجه كأنه القمر ليلة البدر حُسْنَا, اذا مشى تَكَفَأ وأسرع وإذا مشى للحرب هرول, وإذا أمسك بذراع رجل أمسك بنَفَسِه فلم يستطع أن يتنَفَس, ثَبْتَ الجَنَان قوىً شُجاعاً منصوراً على من لاَقَاه, واشتُهِرَ بالفروسية والشجاعة والإِقْدَام والذكاء والفصاحة والزهد فى الدنيا وعدم تطلُعِه إلى زَهرَتِها, وكان قوياً فى القضاء والفتوى والعلم بكتاب الله والفهم الدقيق لمعانيه ومقاصِدِه فكان من أعْلَمِ الصحابة بأسباب نزول القرآن ومعرفة تأويلِه وهو أقرب الصحابة العشرة المبشرين بالجنة نسباً بالنبى فهو ابن عمه أبى طالب بن عبد المطلب ويُكْنَى بأبى الحَسَن وأبى تُراب وهى أحبُ الأسماء إليه لأن النبى ناداه بها كما سيأتى معنا إن شاء الله.
لقد لازم على بن أبى طالب رسول الله منذ نعومة أظفَارِه وقد تهيأ له رضي الله عنه ما لم يتهيأ لغيره فتربَى فى بيت رسول الله صغيرا, وكبيراً حينما صاهره وتزوج إبنته فاطمة رضى الله عنها فكان من أعلم الصحابة بأمور الرسول على كل أحواله وكان رسول الله يري فيه النَجَابَة والذكاء فكان يحبه ويُولِيْه من حُسن الرعاية والإهتمام ما أثَرَّ فى شخصيته وحياته فقد قال له النبى ذات يوم: قل اللهم اهدنى وسَددنى واذكر بالهُدى هدَايَتَكَ الطريق والسدادِ سدادَ السَهم وقد اقرَأَه النبى ما كان ينزل عليه من القرآن وكان عَلِىٌّ يعرض على النبى ما يحفظه من القرآن, ورَوَى للأمة الكثير من أقوال النبى فقد حفظت له كتب السُنَّةِ أكثر من خمسمائة حديث إتفق البخارى ومُسلِمٌ منها على عشرين حديثا وانفرد البخارى بتسعة أحاديث ومُسْلِمٌ بخمسة عشر حديثا.
وربما سار على رضي الله عنه مع النبى فى بعض نواحى مكة فيسمع الحجر والشجر وهم يسلمون على النبى بقولهم: السلام عليك يا رسول الله.
وأمضى على بن أبى طالب حياته فى مكة رِدْئَاً للنبى مناصراً للمسلمين دالاً على الخير لمن طلبه ومن ذلك استضافته لأبى ذَرٍ الغِفَارىّ عندما جاء طالباً للحق, ففى الخَبَر أن أبا ذر الغفارى أتى مكة وليس معه سوى جِرَابٍ وعصا وكان لا يعرف النبى ويكره أن يسأل عنه فكان يشرب من ماء زمزم ويمكث فى المسجد فمَرَّ به على رضي الله عنه وقال: كأن الرجل غريب؟ فقال أبو ذر: نعم, فقال له علىّ: انطلق إلى المنزل, فانطلق معه لا يسأله علىٌّ عن شئ ولا يخبره أبو ذر بشئ حتى طَلَعَ الصباح فغَدا أبو ذَرٍ إلى المسجد ولم يسمع بخبر النبى فى ذلك اليوم أيضا فمَرَّ به على رضي الله عنه وقال: أما آن للرجل أن يعرف منزلَه؟ فقال أبو ذر: لا, فقال علىّ: انطلق معى, فانطلق أبو ذر معه ثم سأله على رضي الله عنه فقال: ما أمْرُك وما أقدَمَكَ هذه البلدة؟ فقال أبو ذر: إن كتمت على أخبرتك, قال علىٌّ: فإنى أفعل, فقال أبو ذر: بَلَغَنَا أنه قد خرج ها هنا رجل يزعم أنه نبى فأرسلت أخى ليُكَلِمَه فرجع ولم يشْفِنِى من الخبر فأردت أن ألقاه, فقال له على رضي الله عنه أما إنك قد رَشَدْت هذا وجهى إليه فاتَّبِعْنى وادخُل حيث أدخل فإنى إن رأيت أحداً أخافُه عليك قُمتُ إلى الحائط كأنى أُصلِحُ نَعْلِى وامضِ أنت, فمَضَيَا حتى دخلا على النبى فقال له أبو ذر: إعرض على الإسلام فعرضه عليه فأسلم مكانه.
ظل على بن أبى طالب فى مكة قبل الهجرة لم يفارق رسول الله ولم يفارقه رسول الله فلما أذِنَ الله تعالى لرسوله بالهجرة إلى المدينة النبوية أوصى علياً بالبقاء فى مكة من بعده من أجل تسليم الودائع التى كانت لأهل مكة عند النبى وذلك أنه لم يكن بمكة أحدٌ عنده شئ يخشى عليه إلا وضعه عند النبى لما يَعرِف من صدقه وأمانته فبقى على رضي الله عنه فى مكة ثلاثة أيام حتى أدى كل الودائع ثم لحِقَ بالنبى مهاجراً إلى المدينة.
oghtm ugd fk Hfd 'hgf vqd hggi uki 1 lèn hggi îgçé RAn Xgn Xki ~çgè