هو آدم أبو البشر خلقه الله بيده تشريفا له على جميع المخلوقات وقبض قبضة من جميع الأرض سهلها وحزنها وطيبها وخبيثها ليكون النسل على هذه الطبائع فكان ترابا أولا ثم ألقى عليه الماء فصار طينا ثم لما طالت مدة بقاء الماء على الطين تغير ذلك الطين فصار حمئا مسنونا (طينا أسودا) ثم أيبسه بعدما صوره فصار كالفخار الذى له صلصله.
وهو فى هذه الأطوار جسد بلا روح فلما تكامل خلق جسده نفخ فيه الروح فانقلب ذلك الجسد الذى كان جمادا إنسانا له عظام ولحم وأعصاب وعروق وروح هى حقيقة الإنسان.
وقد أعده الله لكل علم وخير ثم أتم عليه النعمه فعلمه أسماء الأشياء كلها فأراد الله أن يرى الملائكة كمال هذا المخلوق فعرض هذه المسميات عليهم وقال لهم ﴿فَقَالَ أَنۢبُِٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾.
فعجزت الملائكة عن معرفة أسماء هذه المسميات وقالوا ﴿قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ﴾ فقال الله ﴿قَالَ يَٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡۖ فَلَمَّآ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ﴾.
فشاهدت الملائكة من كمال هذا المخلوق وعلمه ما لم يكن لهم فى حساب وعرفوا بذلك على وجه المشهادة كمال حكمة الله فى خلق آدم وعظموا آدم غاية التعظيم.
وقد أراد الله عز وجل أن يظهر هذا التعظيم والإحترام لآدم من الملائكة ظاهرا وباطنا فقال الله للملائكة اسجدوا لآدم إكراما له وتبجيلا وعبادة منكم لله, فبادروا كلهم بالسجود إلا ابليس أبى واستكبر.
وكان ابليس بين الملائكة وليس منهم فقد كان من الجن المخلوقين من نار السموم وقد وجه الله إليه الأمر بالسجود معهم وكان قبل ذلك مبطنا للكفر بالله والحسد لهذا المخلوق الذى فضله الله هذا التفضيل فحمله كبره وكفره على الإمتناع عن السجود لآدم كفرا واستكبارا واعترض على ربه وقدح فى حكمته فقال ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ فقال الله له ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾.
فلم يخضع الخبيث لربه ولم يتب إليه بل بارزه بالعداوة وصمم التصميم الجازم على عداوة آدم وذريته ووطن نفسه لما علم أنه حتم عليه الشقاء الأبدى أن يدعوا الذرية بقوله وفعله وجنوده إلى أن يكونوا من حزبه الذين كتبت لهم دار البوار فقال ﴿قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾
ليتفرغ لإعطاء العداوات حقها فى آدم وذريته.
ولما كانت حكمة الله اقتضت أن يكون الآدمى مركبا من طبائع متباينه وأخلاق طيبة أو خبيثه وكان لا بد من تمييز هذه الأخلاق وتصفيتها بتقدير أسبابها من الإبتلاء والإمتحان الذى من أعظمه تمكين هذا العدو من دعوتهم إلى كل شر فأجابه سبحانه ﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ٨٠ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡوَقۡتِ ٱلۡمَعۡلُومِ٨١﴾.
فقال الخبيث لربه معلنا معصيته وعداوته لآدم وذريته ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ١٦ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ١٧﴾.
فمكنه الله تعالى من الأمر الذى يريده إبليس لآدم وذريته.
فقال الله له ﴿قَالَ ٱذۡهَبۡ فَمَن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمۡ جَزَآءٗ مَّوۡفُورٗا٦٣ وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَيۡهِم بِخَيۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِ وَعِدۡهُمۡۚ﴾
ثم إن الله تعالى بعد ذلك أتم نعمته على آدم فخلق منه زوجته حواء من جنسه وعلى شكله ليسكن إليها وتتم المقاصد المتعدده من الزواج وتحصل الذرية بذلك وأدخلهما الجنه وبين له ولزوجته عداوة الشيطان ووجوب الحذر منه وأباح لهم الأكل من جميع ثمار الجنه إلا شجرة معينة فيها حرمها عليهما.
فمكثا فى الجنة ما شاء الله وعدوهما يراقبهما وينظر الفرصة فيهما فلما رأى سرور آدم بهذه الجنة ورغبته العظيمة فى دوام البقاء فيها جائه فى صورة الصديق الناصح فقال هل أدلك على شجرة إذا أكلت منها خلدت فى هذه الجنه ودام لك الملك الذى لا يبلى؛ فلم يزل يوسوس ويزين ويعد ويمنى ويلقى عليهما من النصائح وهى أكبر الغش حتى غرهما فأكلا من الشجرة التى نهاهما الله عنها وحرمها عليهما فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما بعدما كانا مستورين وطفقا يخصفان على أبدانهما العارية من أوراق تلك الجنه ليكون بدل اللباس فناداهما ربهما ﴿وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمَا عَدُوّٞ مُّبِينٞ٢٢﴾
فأوقع الله فى قلبيهما التوبة التامه والإنابة الصادقه وقالا ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ٢٣﴾ فتاب الله عليهما ومحا الذنب الذى أصابا.
ولكن الأمر الذى حذرهما الله منه وهو الخروج من هذه الجنة إن تناولا منها قد تحتم ومضى فخرجا منها إلى الأرض التى اختلط خيرها بشرها وسرورها بكدرها وأخبرهما الله أنه لا بد أن يبتليهما وذريتهما وأن من آمن وعمل صالحا كانت عاقبته خير من حالته الأولى ومن كذب وتولى فآخر أمره الشقاء الأبدى والعذاب السرمدى.
وحذر الله ذرية آدم من الشيطان وأبدلهم الله بذلك اللباس الذى نزعه الشيطان من الأبوين لباسا يوارى السوءات من الريش وغيره فيحصل به الجمال الظاهر فى الحياه ولباسا أعلى من ذلك وهو لباس التقوى الذى هو لباس القلب والروح بالإيمان والإخلاص والإنابه والتحلى بكل خلق جميل والتخلى عن كل خلق ردئ.
ثم إن الله بث من آدم وزوجه رجالا كثيرا ونساءا ونشرهم فى الأرض واستخلفهم فيها لينظر كيف يعملون.
وعاش آدم عليه السلام حتى رأى ذريته فلما قضى الله الموت على آدم أرسل إليه الملائكه الكرام عليهم السلام فقبضوا روحه وغسلوه وكفنوه وحنطوه وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه فيه ثم حثوا عليه التراب ثم قالوا يا بنى آدم هذه سنتكم وعزوا فيه ابنه ووصيه شيثا عليه السلام وكان ذلك يوم الجمعه وكان عمره ألف سنه