حدثت في سنة إحدى عشرة للهجرة، وكانت بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد ومُسيلمة الكذاب الذي كان يَقود أكثر من أربعين ألفًا.
سير المعركة: أرسَلَ أبو بكر الصدِّيق جيشًا بقيادة عكرمة بن أبي جهل، وأوصاه ألَّا يبدأ القتالَ، وأن ينتظر توافدَ جيوشِ المسلمين، لكنه شنَّ الغارة مستبِقًا، فأُصيبَ بهزيمة مُنكَرة، فوجَّهه أبو بكر إلى بلاد عمان والمهرة وحضرموت وقال له: "لا أرينَّك ولا تراني، لا ترجعنَّ فتوهن الناس".
ثمَّ أرسل أبو بكر شرحبيلَ بن حَسنة وأمره بالمقام حتى يَصِل خالد بن الوليد إليه، لكنَّ شرحبيل عجل بلقاء العدو، فأُصيب جنده أيضًا، ولما استكمل خالد بن الوليد الاستعدادَ وتلقَّى المدد، تقدَّم نحو مسيلمة، فعسكر مسيلمة في عَقْرَباء وأرسل يَستطلِع خبرَ خالد، فوقع مَن أرسلهم في الأَسْر، فقتلهم خالد وأبقى على مُجَّاعة بن مرارة أسيرًا عنده لشرفه في بني حَنيفة، ثمَّ التقى الجمعان في عقرباء، وكان حامل لواء الأنصار ثابت بن قيس، وحامل لواء المهاجرين سالم مولى أبي حذيفة، وبقيَّة العرب على راياتهم، واشتدَّ القتال، ولم يلقَ المسلمون حربًا مِثْلها في الشدَّة والعنف، وانهزم المسلمون وانكشف فسطاط خالد بن الوليد، ووصل بنو حنيفة إلى مُجَّاعة ففَكُّوا أسْرَه وقطعوا الفسطاط، ثمَّ إن المسلمين تداعوا للصُّمود، وتقدَّم ثابت بن قيس حامل لواء الأنصار فقاتَلَ حتى قُتل، ثمَّ حمل خالد بالناس فردوا بني حنيفة، فعاد بنو حنيفة يشتدُّون في القتال، وأصبحت المعركة تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء، وسقط من المسلمين كثير من الشهداء؛ أمثال زيد بن الخطاب وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم.
ثمَّ قال خالد: امتازوا أيها الناس؛ لنعلم بلاء كل حي، ولنعلم من أين نُؤتى؛ لذلك قال كل حي: اليوم يُستحى من الفرار، كما أبعد الأعراب عن القتال، وعاد المسلمون في كرَّتهم، ودارتِ الدائرة على مسيلمة، وركب المسلمون جندَ مسيلمة فكانت هزيمتهم، فقال بنو حنيفة لمسيلمة: أين ما كنت تعِدنا؟ فقال لهم: قاتِلوا على أحسابكم - يعني أنَّه كان كاذبًا في نبوءته - ثمَّ دخل جندُ مسيلمة الحديقةَ وأغلقوا بابَها، ثم نادى البراء بن مالِك في الناس وقال: أَلقُوني إليهم، فحملوه حتى رقي الأسوارَ، ونزل فقاتل حتى فتح الباب، ودخل المسلمون، وكَثُر القتل في جند مُسيلمة، ثم قُتِل مسيلمة وولَّى قومُه منهزمين، وقبَض خالد على مجاعة مرَّة ثانية، وقال له: أين مسيلمة؟ فتفقَّدوه بين القتلى، فدلَّهم عليه، فإذا رُوَيْجل - تصغير رجل - أُصَيفر أُخَينس - تصغير أخنَس، وهو المتأخِّر بين الناس - فقال خالد: هذا الذي فعل بكم ما فعل!
قُتِل من المهاجرين والأنصار (660) رجلًا، وقُتِل من جيش مسيلمة الكذاب نحو عشرين ألفًا.