قال حاتمٌ الأصمُّ : مَنْ خلا قلبُه من ذكر أربعة أخطار ، فهو مغترٌّ ، فلا يأمن الشقاء : الأوَّل : خطرُ يوم الميثاق حين قال : هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي ، فلا يعلم في أيِّ الفريقين كان ، والثاني : حين خلق في ظلمات ثلاث ، فنودي الملك بالسعادة والشَّقاوة ، ولا يدري : أمن الأشقياء هو أم منَ السعداء ؟ والثالث : ذكر هول المطلع ، فلا يدري أيبشر برضا الله أو بسخطه ؟ والرابع : يوم يَصدُرُ الناس أشتاتاً ، ولا يدري ، أيّ الطريقين يُسلك به .
وقال سهل التُّستريُّ : المريدُ يخافُ أنْ يُبتلى بالمعاصي ، والعارف يخافُ أنْ يُبتلى بالكُفر .
ومن هنا كان الصحابة ومَنْ بعدهم منَ السَّلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق ويشتد قلقهم وجزَعُهم منه ، فالمؤمن يخاف على نفسه النفاقَ الأصغرَ ، ويخاف أنْ يغلب ذلك عليه عندَ الخاتمة ، فيخرجه إلى النفاق الأكبر ، كما تقدم أنَّ دسائس السوء الخفية تُوجِبُ سُوءَ الخاتمة ، وقد كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكثرُ أنْ يقول في دعائه : (( يا مقلِّب القلوب ثبتْ قلبي على دينكَ )) فقيل له : يا نبيَّ الله آمنا بك وبما جئتَ به ، فهل تخافُ علينا ؟ فقال : (( نعم ، إنَّ القُلوبَ بينَ أصبعين منْ أصابع الله - عز وجل - يُقلِّبها كيف يشاء )) خرّجه الإمام أحمد والترمذي من حديث أنس
خرج الإمام أحمد والترمذي من حديث أمِّ سلمة : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يُكثِرُ في دعائه أنْ يقول : (( اللهُمَّ يا مقلِّبَ القلوب ، ثبت قلبي على دينك )) ، فقلت : يا رسول الله ، أو إنَّ القلوب لتتقلَّبُ ؟ قال : (( نعم ، ما من خلق الله تعالى من بني آدم من بشر إلاّ أنَّ قلبه بين أصبعين مِنْ أصابع الله ، فإنْ شاءَ الله - عز وجل - أقامه ، وإنْ شاء أزاغه ، فنسألُ الله ربَّنا أنْ لا يزيغَ قلوبنا بعد إذ هدانا ، ونسألهُ أنْ يهب لنا من لدُنه رحمةً إنَّه هو الوهَّاب )) ، قالت : قلت : يا رسول الله ، ألا تُعَلِّمني دعوةً أدعو بها لنفسي ؟ قال : (( بلى ، قولي : اللهمّ ربَّ النبيِّ محمد ، اغفر لي ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجِرْني من مضلاَّتِ الفتن ما أحييتني )) ، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة .
وخرَّج مسلم من حديث عبد الله بن عمرو : سمع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
(( إنَّ قلوبَ بني آدمَ كلَّها بين أصبعين من أصابع الرحمان - عز وجل - كقلبٍ واحدٍ يصَرِّفُه حيث يشاء )) ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( اللهُمَّ يا مُصرِّفَ القلوبِ ، صرِّف قلوبنا على طاعتك )) .
اللهم تبثنا على دينك