في هذه المرحلة الحَرِجة من تاريخ الإسلام في الهند، ظهرت حركات تجديدية إسلامية متتابعة؛ بعضها حركات فكريَّة، وبعضها حركات جهادية اجتماعية، ويقودها علماء، نذكُر منهم:
ظهرت حركتُه وقويتْ في عهد المَلِك جهانكير المتوفى 1037م، وبعد أن وصل الإسلام إلى حالة من الضَّعف والهوان لا تُوصف.
ومن واقع المسلمين هذا نهَض الشيخ السرهندي بدعوته التي تركَّزت على تثبيت العقيدة الصحيحة، والقضاء على معالم الوثنيَّة الهندوكية والديانات الأخرى.
الإمام ولي الله الدهلوي[2]:
وبعد وفاة الشيخ السرهندي ولِد الإمام ولي الله الدهلوي في ضواحي مدينة دلهي، وأحوالُ الهند في حالة تقهقر سياسيًّا وفكريًّا وعقيديًّا.
يقول أبو الأعلى المودودي:
"ولكن من أعاجيب الدهر أن ينشأ في مِثل هذا العصر الخامل المُظلِمِ مفكِّرٌ مُتبصِّر، حر الرأي، يُفكِّر متجرِّدًا عن أوضاع بيئته وزمانه، ويَفُك أغلال المسلم التقليدي، والعصبيات الراسخة في النفوس على طول القرون، إن الإمام ولي الله - لا ريب - من زعماء التاريخ الإنساني الذين يُعالِجون مرتبِكَ الأفكار، مُتشابِكَ الآراء، فيُجلون غامضها، ويَحُلون مَقصِدَها، ويضعون للفكر والنظر الإنساني نهجًا واضحًا مستقيمًا، ثم يُخلِّفون في نفس الناس تضجُّرًا من الأحوال الراهنة، ويتركون في أذهانهم صورة رائعة لبرامج الإصلاح والإنشاء؛ مما يُفضي، لا محالة، إلى أن تَنبعِث منهم حركةٌ لهدم الفاسد وعمارة الصالح"[3].
أحمد بن عرفان الشهيد والشاه إسماعيل الدهلوي:
ومن رواد النهضة الإسلامية في الهند الإمام أحمد بن عرفان البريلوي 1201 – 1246هـ (1786-1831م)، الذي درس على يد الشاه عبدالقادر بن ولي الله الدهلوي، بدأ يُرشِد الناس ويدعوهم إلى الاعتصام بالكتاب والسنة، وأدَّى فريضة الحج سنة 1237هـ (1821م) بصحبة المئات من أتباعه، وبعد عودته نادى بالجهاد في سبيل الله؛ لتحرير الهند من السيطرة الإنجليزية، التي بدأت في الهند سنة 1600م على يد شركة الهند الشرقية، ثم استولت على الهند عند انتهاء القرن الثامن عشر الميلادي[4].
[1] لُقِّب بمجدد الألف الثاني للهجرة، ولِد سنة 971 هـ (1564م)، وتوفي في 1034هـ (1624م).
[2] الإمام ولي الله الدهلوي: هو الإمام قطب الدين أحمد بن عبدالرحيم، المعروف بشاه ولي الله الدهلوي، ولد سنة 1114هـ (1703م)، قرأ وحفظ القرآن على أبيه وهو ابن سبع سنين، وفاق أقرانه بالعلوم وهو ابن خمس عشرة سنة، اشتغل بالتدريس، وزار الحرمين الشريفين سنة 1143 هـ، وقرأ الحديث على الشيخ أبي الطاهر محمد بن إبراهيم الكردي المدني المتوفى سنة 1145هـ، ثم رجع إلى الهند عام 1145هـ، وبقي فيها يُدرِّس ويؤلف ثلاثين سنة، وقد انتفع بعلمه خَلْق كثير، ومن أشهر مؤلَّفاته: حجة الله البالغة، والمسوى شرح الموطأ (بالعربية)، والمصفى (بالفارسية)، وشرح تراجم أبواب صحيح البخاري، والإرشاد إلى مهمات الإسناد، وفتح الرحمن في ترجمة القرآن، وغير ذلك من المؤلفات القيمة.
[3] تجديد الدين وإحياؤه؛ للمودودي، (ص: 138- 140)، وانظر مقدمة كتاب الإنصاف للدهلوي؛ بقلم رشيد أحمد.
[4] انظر: تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند (ص: 188).