منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   الشريعة و الحياة (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=99)
-   -   وقرآن الفجر.................. (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=134626)

نبيل القيسي 22-11-2021 12:52 PM

وقرآن الفجر..................
 
الحمد لله مسدي النعماء، ودافع البلاء، له الحمد في الضراء كما له الحمد في السراء. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له في الأرض ولا في السماء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام الحنفاء، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الشرفاء. أما بعد، فاتقوا الله - عباد الله -، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ.... ﴾ [البقرة: 278].



أيها المؤمنون!

من أعظم مشاهد الإيمان وأوقعها أثراً في النفس مشهد المصلين في المساجد حال تراصهم في الصفوف؛ لمقابلة خالقهم في أحب فرائضه إليه. ويزداد ذلك الموكب هيبة ويزدان جمالاً بكثرة من يأرز إليه وينضوي فيه. وبالعكس من ذلك إنْ تقالّ روّادُه، وكثر هاجروه. وذاك أجلى ما يكون عند صلاة الفجر - وللأسف -! إذ ترى الصفوف وقد انكمشت إلى ما يقرب من النصف بل قد تزيد، والمتخلفون على الفرش يتقلبون! وفي استبانة أجريت على مائتين وسبعة عشر طالباً في المرحلة الثانوية؛ لمعرفة حجم التخلف عن شهود صلاة الفجر؛ تبين أن مائة وأربعة عشر منهم لا يشهدون تلك الصلاة مع الجماعة في المسجد! غيرهم من بركات هذه الصلاة ينهل، وهم من فضلها في نقص وحرمان!



أيها المسلمون!

صلاة الفجر فيصل بين نَشْط الإيمان وثَقْل النفاق، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَثْقَلُ الصَّلاَةِ عَلَى المُنَافِقِينَ العِشَاءُ وَالفَجْرُ» رواه البخاري، وقال أبيّ بن كعب - رضي الله عنه -: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا الصُّبْحَ، فَقَالَ: أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: " إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ. وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَيْتُمُوهُمَا، وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَب " رواه أبو داود وحسنه الألباني. ومن هنا كانت غلبة ترك الجماعة فيها سبباً مشروعاً في إساءة الظن بالمتخلف، يقول ابن عمر - رضي الله عنهما -: " كُنَّا إِذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةِ الصُّبْحِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ " رواه ابن خزيمة بإسناد صحيح كما قال ابن رجب. والنوم أكبر مضيّع لتلك الصلاة، وهو من أسباب عذاب البرزخ إن اقترن به تفريط، ففي صحيح البخاري رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الملكين أنهم أَتَوا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى، وأخبراه أنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة.



عباد الله!

﴿ والفجر ﴾ قَسَمٌ من الله العظيم بوقت هذه الصلاة؛ فكيف بها هي ؟! قَسَم يدعو إلى تساؤل عن غُنْمها الذي بوّأها هذا النزل العليَّ، وأضحى به شهودُها مطلباً وإن كان حبواً على الركب كما يحبو الصغير الدارج ؟

في ذلك الشهود حفظ الله بالدخول في ذمته، وجَارُ اللَّهِ آمن غَيْرُ مَخْذُولٍ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:" من صلى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذمَّة الله " رواه مسلم. وفي حنادس ظُلَم الفجر بشارة النور التام في ظُلَم القيامة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وشهود صلاتي الفجر والعشاء مع جماعة المسجد تعدل ثواب إحياء الليل كله بالصلاة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: « مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ » رواه مسلم. وملائكة الليل تجتمع بملائكة النهار صلاةَ الفجر في المسجد، وتسجّل شهادتها عند الله كلَّ يوم للمصلين في ذلك المشهد، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " المَلاَئِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ؛ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ، وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ، فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ يُصَلُّونَ " رواه البخاري ومسلم. وهذا هو شهود قرآن الفجر الذي نوّه الله به، وحثَّ عليه في قيله: ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78]. وصلاة الفجر عاصمة من ولوج النار، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: « لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» - يَعْنِي: الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ - رواه مسلم. وإذا كانت تلك الصلاة عاصمة من النار؛ فإنها سبب عظيم للفوز بالجنة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: « مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ »، والبردان: الفجر والعصر، رواه البخاري ومسلم. قَالَ إبراهيم النخعي: " كانوا يرون أن المشي إلى الصلاة فِي الليلة الظلماء موجبة "، أي: توجب لصاحبها الجنة. بل إن صلاة الفجر سبيل للظفر برؤية الله - جل وعلا -؛ أعظم نعيم أهل الجنة، يقول جَرِيرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ - رضي الله عنه -: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةً - يَعْنِي البَدْرَ -، فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ ﴾، قَالَ إِسْمَاعِيلُ - أحد الرواة -: «افْعَلُوا؛ لاَ تَفُوتَنَّكُمْ» رواه البخاري. ومصلو الفجرِ جماعةً في المسجد دروع يقي الله بهمُ البلاد والعباد من العذاب، يقول شداد بن أوس - رضي الله عنه-: " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهُ اللَّهُ مِنَ الَّذِينَ يَدْفَعُ بِهِمُ الْعَذَابَ عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْجَمَاعَةِ؛ الصُّبْحِ، وَالْعَتَمَةِ ". رواه ابن عبدالبر.



أيها المسلمون!

وما يزال فيض خير تلك الصلاة دفّاقاً على ما احتف به من نوافل الطاعة؛ إذ شرفت بشرفه، وعظمت بقدره. ومن تلك الطاعات: راتبة الفجر التي فاقت نعيم الدنيا بأسره، هذه السنة؛ كيف الفريضة؟! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا » رواه مسلم. ولذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتركها حضراً ولا سفراً. وللذكر بعد صلاة الفجر مزية جعلت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لا يدع الذكر وقتئذٍ، روى جابر بن سمرة - رضي الله عنه -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا ( مرتفعة ) » رواه مسلم. وقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ" رواه الترمذي وحسنه الألباني. يقول ابن القيم: " وَمِنَ الْمَكْرُوهِ عِنْدَهُمُ النَّوْمُ بَيْنَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ؛ فَإِنَّهُ وَقْتُ غَنِيمَةٍ، وَلِلسَّيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتَ عِنْدَ السَّالِكِينَ مَزِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، حَتَّى لَوْ سَارُوا طُولَ لَيْلِهِمْ لَمْ يَسْمَحُوا بِالْقُعُودِ عَنِ السَّيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ النَّهَارِ وَمِفْتَاحُهُ، وَوَقْتُ نُزُولِ الْأَرْزَاقِ، وَحُصُولِ الْقَسْمِ، وَحُلُولِ الْبَرَكَةِ، وَمِنْهُ يَنْشَأُ النَّهَارُ، وَيَنْسَحِبُ حُكْمُ جَمِيعِهِ عَلَى حُكْمِ تِلْكَ الْحِصَّةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَوْمُهَا كَنَوْمِ الْمُضْطَر ". وقال: " حضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إليّ، وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي ".



بارك الله...



الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد، فاعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله...

أيها المؤمنون!

لئن كان لصلاة الفجر مع جماعة المسجد هذا القدر العليُّ في الإسلام، وكان للتفريط فيها شؤم العاقبة؛ فإن المسلم مأمور أن يأخذ بالحزم في أسباب رعيها؛ بصون الجوارح عن الحرمات يومَه وليلته، والبعد عن السهر إن كان حائلاً عن شهود الصلاة، وأن ينام على طهارة وطاعة وذكر،خاصة أوراد النوم، وأن يهيئ وسائل الإيقاظ، وأن يلحّ على الله بإعانته عليها، ويحاسب نفسه على التقصير فيها، وأن يحرص على إيقاظ أهل بيته؛ لشهود قرآن الفجر. وليحرص على القرب من الإمام في كل صلاة، وخاصة صلاة الفجر، قال ابن القيم: " إِن للقرب من الإِمام تأثيراً في سر الصلاة، ولهذا القرب تأْثير في صلاة الفجر خاصة يعرفه من عرف قوله تعالى: ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْر إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْر كَانَ مَشْهُوداً ﴾ ".


الساعة الآن 07:21 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام