الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ: فقد أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن شجرة الزقوم؛ فقال سبحانه:{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء: 60]، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقزم. وقوله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ* إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ* إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ* فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الصافات: 62 - 66] وقال سبحانه: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة: 51-56 ]. وشجر الزقوم من أخبث شجر البادية، ولكن شتان بين شجر الدنيا وشجر النار، فلا يشتركان إلا في الاسم فقط، ويختلفان في الحقيقة، اختلافًا لا يعلم مداه إلا الله سبحانه وتعالى، إثبات المعنى العام، المشترك في الأذهان، ليُفهم الخطاب؛ فليس في النار مما في الدنيا إلا الأسماء، فالأسماء واحدة والحقائق والمسميات متفاوتة، فمثلاً قوله تعالى: {عَيْنٍ آَنِيَةٍ}، ومعناه مدرك في الذهن وهو الحرارة المتناهية، ولكن تلك العين الآنية في النار ليست كعين حارة في الدنيا، ومثله قوله تعال: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية: 6]، فالضريع الذي في الدنيا نبت يقال له: الشبرق، يسميه أهل الحجاز: الضريع إذا يبس، أما الضريع الذي في النار، فلا يسد جوع صاحبه ولا يزيل عنه ألمه، بل هو طعام في غاية المرارة والنتن والخسة نسأل الله العافية، والمراد المعنى المشترك، وهو الأذى والمعاناة في تناوله، لأنه شوك تعافه البهائم، وفائدة هذا الاتفاق هي: فهم الخطاب، ثم الدليل نفسه يدل على الفارق المميز بين المعنيين، مثل ما أخبرنا الله تعالى به عما في الجنة من أنواع النعيم بألفاظ مما تستعمل في الحياة الدنيا، ثمّ بيّن سبحانه الفارق بينهما؛ فقال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]، وقال في الحديث القدسي: "أعددت لعبادي الصالحين في الجنة: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"؛ متفق عليه. فهذا المعنى المشترك مفهوم لدينا في الدنيا وأما حقيقة ما أخبر به في الآخرة فهو من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. ولكن بعض الناس يستعظم ذلك لجهلهم بعموم قدرة الله تعالى، وقياسا على أنفسهم، وقصرا لخواطرهم القاصرة عن منتهى العلوم، وجهل كلام أهل العلم في المعنى المشترك والمتواطئ، وفائدته فهم خطاب الشارع عن الأمور الغيبية؛ فلو خاطبنا الله تعالى بما لم نعهد له مثيلاً في الدنيا، لما عقلنا مراده. يبين هذا إن الله تعالى أخبرنا بما في الدار الآخرة من النعيم والعذاب، مما يؤكل ويشرب وينكح، ويفرش وغير ذلك، ولولا معرفتنا بهذا لم نفهم ما وعد الله؛ فبين هذه الموجودات التي في الدنيا وتلك الموجودات في الآخرة مشابهة وموافقة واشتراك من بعض الوجوه، وبه فهمنا المراد ورغبنا فيه، فنحن نعلم معنى العسل واللحم واللبن والحرير والذهب والفضة، نفرق بين مسميات هذه الأسماء، وأما حقائقها على ما هي عليه، فلا يمكن أن نعلمها نحن، و وكذلك الحال بما ورد من عذاب أهل النار. وأعظم من هذا أن الله سبحانه وتعالى يوصف بأنه حي عليم قدير سميع بصير، والمخلوق يوصف بذلك أيضًا، ولم يوجب ذلك أن يشترك المخلوق والخالق سبحانه وتعالى فيما هو من خصائص أحدهما، بل ما أضيف إلى وأحد منهما فهو مختص به ويفسر بما يليق به؛ فالصفة تتبع الموصوف، ولكن اتفقا في المعنى العام، وهو القدر المشترك، أعني: أن مدلول الحي ضد الميت، والحياة ضد الموت، ومدلول العليم ضد الجاهل والعلم ضد الجهل، ومدلول القدير ضد العاجز، والقدرة ضد العجز، فقد اتفقا في مدلول الاسم ومدلول الصفة وذلك هو القدر المشترك. ولمزيد فائدة راجع فتوى: "هل الحياة في الجنة كالحياة العصرية؟!"،، والله أعلم. خالد عبد المنعم الرفاعي