المفسرون رحمهم الله أقوالهم في معنى همزة لمزة تدور على أن الهمزة اللمزة هو:
العياب الغياب الطعان، أي: الذي يعيب الناس ويغتابهم ويطعن فيهم. ما الفرق بينهما؟
قال بعضهم:
الهمز يكون باللسان، واللمز يكون بالعين وبالرأس وباليد ونحو ذلك،
وبعضهم يعكس ويقول:
الهمزة :
ما كان باليد والرأس والعين .
واللمزة : ما كان باللسان .
واستدل بقوله تعالى: ( لا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ)[الحجرات:11] .
وبعضهم يقول:
الأمر لا يتعلق بالآلة، وإنما الهمزة هو من يطعنك في وجهك،
* * * * * * * * * *
واللمزة :
هو من يطعنك في غيابك، وعلى كلٍّ، فكلاهما مذموم منبوذ مقبوح .
وعن ابن عباس أنه سئل عن قوله: { وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ }
قال : هو المفرّق بين الجمع، المغري بين الإخوان ..
* * * * * * * * * *
قوله - تعالى -: ﴿ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ ﴾: هذه أيضًا مِن أوصافه القبيحة، جَمَّاع منَّاع؛
أي: يجمع المال، ويمنع العطاء، فهو بخيلٌ لا يُعطي شيئًا.
قال بعض المفسرين:
أي إنَّ الذي يحمله على الحطِّ من أقدار الناس هو جمعُه المال، وتعديده - أي: عدُّه - مرة بعد أخرى؛ شغفًا به وتلذذًا بإحصائه؛ لأنَّه لا يرى عزًّا ولا شرفًا ولا مجدًا في سواه،
روى البخاريُّ في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:((تَعِس عبدُ الدينار، وعبدُ الدرهم، وعبد الخميصة، إنْ أُعطي رضي، وإن لم يُعطَ سَخِط)).
قوله - تعالى -: ﴿ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ﴾؛
أي: أيظنُّ أنَّ ماله الذي جمعَه وأحصاه، وبخِل بإنفاقه مُخلدُه في الدنيا، فمزيلٌ عنه الموت؟
كلاَّ، قال - تعالى - لنبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 34] .
* * * * * * * * * *
وقال - تعالى -: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 185].
قوله - تعالى -: ﴿ كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴾:
(كَلاَّ)؛ أي: فليرتدعْ عن هذا الحُسبان، فإنَّ الأمر ليس كما يظن؛ بل لا بدَّ أن يُفارق هذه الحياةَ إلى حياةٍ أخرى، يُعاقَب فيها على ما كَسَب من سيِّئ الأعمال، و﴿ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴾ .
أي: ليُلقَينَّ وليقذفنَّ يومَ القيامة في النار، التي مِن شأنها أن تكسِرَ كلَّ ما يُلقى فيها وتحطمه، والنبْذ يفيد التحقيرَ والتصغير.
قوله - تعالى -: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ﴾: استفهامٌ عنها؛ لتهويل أمرها، كأنَّها ليستْ من الأمور التي تدركها العقول .
أي: هي النار التي لا تُنسَب إلا إليه - سبحانه - لأنَّه هو منشِئُها في عالَم لا يعلمه سواه .
قال أبو السعود: "وفي إضافتها إليه - سبحانه - ووصفِها بالإيقاد - أي: المشتعلة -
مِن تهويل أمرها ما لا مزيدَ عليه".
قوله - تعالى -: ﴿ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ﴾.
قال ابنُ جرير: أي التي يطَّلع ألمُها ووَهَجُها على القلوب .
وقال الزمخشريُّ: يعني أنَّها تدخل في أجوافهم حتى تصلَ إلى صدورهم، وتطَّلع على أفئدتهم، وهي أوساطُ القلوب، ولا شيءَ في بدن الإنسان ألطفُ من الفؤاد، ولا أشدُّ تألمًا منه بأدنى أذًى يمسه، فكيف إذا اطَّلعتْ عليه نارُ جهنم، واستولتْ عليه؟! ويجوز أن يخصَّ الأفئدة؛ لأنَّها مواطنُ الكفر والعقائد الفاسدة والنيَّات الخبيثة.
* * * * * * * * * *
قال بعضُ المفسِّرين:
وخصَّ الأفئدة؛ لأنَّ الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبُه؛ أي: إنهم في حال مَن يموت وهم لا يموتون .
كما قال - تعالى -: ﴿ ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى ﴾ [الأعلى: 13] .
تأمَّل الآن لو أنَّ إنسانًا كان في حجرة أو سيَّارة اتَّقدت النيران فيها، وليس له مهرَب، والأبواب مغلقة، ماذا يكون؟! سيصبح في حسرةٍ عظيمة لا تماثلها حسرة، وهكذا في النار ﴿ عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ﴾؛
أي: إنَّ النار مؤصدةٌ، وعليها أعمدة مُمَدَّة .
أي: ممدودة على جميع النواحي والزوايا؛ حتى لا يتمكَّنَ أحد من فتْحها أو الخروج منها.
ويَنبغي للمؤمن أن يَحذَر من هذه الصِّفات الذميمة: عيْب الناس بالقول أو الفعل، والحِرْص على المال وجمعه كأنَّ الإنسان خُلق للمال ليخلدَ له، وأنَّ من كانتْ هذه صفاته، فإنَّ جزاءه هذه النار.
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
دروس علمية
,,,,,,,,,,,,,,
يقول صالح بن فوزان الفوزان
أيها المسلمون: إنه إخبار من أصدق القائلين، وتهديد من عزيز مقتدر يقول للشيء: (كُنْ فَيَكُونُ) إنه وعيد لمن أعجبته نفسه فاحتقر الناس بالهمز واللمز –وأعجبه ماله حتى صار عبداً له، اشتغل به عن طاعة ربه، وحبسه عن واجبه، وصار يظن أنه سيبقى دائماً لهذا المال وسيبقى هذا المال له. لا يفكر في حساب، ولا يخاف من عقاب، ولا يطمع في ثواب، إن هذه السورة العظيمة الكريمة، تحذرنا تحذيراً مؤكداً من هذه الصفات، وتحثنا على الاتصاف بأضدادها من صفات الخير- صفة التواضع واحترام المسلمين والكف عن أعراضهم، وإطابة المكاسب وعدم الاغترار بالمال والغني، والانشغال به عما أوجب الله، إن الله لم يحرم علينا جمع المال ومنح الحقوق الواجب والمستحبة. إنه سبحانه إنما ذم من (وَجَمَعَ فَأَوْعَى) (الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ) وأثنى على (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) فاتقوا الله عباد الله – واحذروا أن تكون أموالكم سبباً في هلاككم وشقاوتكم.