يرددالمسلم هذه السورة القصيرة ذات الآيات السبع , سبع عشرة مرة في كل يوم وليلةعلى الحد الأدنى ; وأكثر من ضعف ذلك إذا هو صلى السنن
إن في هذه السورة من كليات العقيدة الإسلامية , وكليات التصور الإسلامي , وكلياتالمشاعر والتوجيهات , ما يشير إلى طرف من حكمة اختيارها للتكرار في كل ركعة , وحكمة بطلان كل صلاة لا تذكر فيها ..
تبدأالسورة (بسم الله الرحمن الرحيم).. والبدء باسم الله هو الأدب الذي أوحى الله لنبيه [ص] في أول ما نزل من القرآن باتفاق , وهو قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك ...).. وهو الذي يتفق مع قاعدة التصورالإسلاميالكبرى من أن الله (هو الأول والآخر والظاهر والباطن).. فهو - سبحانه -الموجود الحق الذي يستمد منه كل موجود وجوده , ويبدأ منه كل مبدوء بدأه . فباسمه إذن يكون كل ابتداء . وباسمه إذن تكون كل حركة وكل اتجاه .
ووصفه - سبحانه - في البدء بالرحمن الرحيم , يستغرق كل معاني الرحمة وحالاتها ..
الْحَمْدُللّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
وإذاكان البدء باسم الله وما ينطوي عليه من توحيد الله وأدب معه يمثل الكلية الأولى في التصور الإسلامي . . فإن استغراق معاني الرحمة وحالاتها ومجالاتها فيصفتيالرحمن الرحيم يمثل الكلية الثانية في هذا التصور , ويقرر حقيقة العلاقة بينالله والعباد فإطلاق الربوبية في هذه السورة , وشمول هذه الربوبية للعالمين جميعا , هي مفرقالطريقبين النظام والفوضى في العقيدة . لتتجه العوالم كلها إلى رب واحد , تقر له بالسيادة المطلقة
الرَّحْمـنِالرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
تكشف عن مدى عظمة الدور الذي قامت به هذهالعقيدة وتقوم في تحرير الضمير البشري ومن ثم فإنهذهالكلية تعد مفرق الطريق بين العبودية للنزوات والرغائب , والطلاقة الإنسانية اللائقة ببني الإنسان . بين الخضوع لتصورات الأرض وقيمها وموازينها والتعلق بالقيم الربانية والاستعلاء على منطق الجاهلية
إِيَّاكَنَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
وهنا كذلك مفرق طريق . . مفرق طريق بين التحرر المطلق من كل عبودية , وبينالعبودية المطلقة للعبيد ! وهذه الكلية تعلن ميلاد التحرر البشري الكامل الشامل .التحررمن عبودية الأوهام . والتحرر من عبودية النظم , والتحرر من عبودية الأوضاع .وإذاكان الله وحده هو الذي يعبد , والله وحده هو الذي يستعان , فقد تخلص الضميرالبشريمن استذلال النظم والأوضاع والأشخاص , كما تخلص من استذلال الأساطيروالأوهاموالخرافات . .
اهدِنَــــاالصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْغَيرِالمَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)
فيؤمنبأن هنالك علاقة أخرى غير علاقة القهر والجفوة أنه يعتقد أن الله هومبدع هذه القوى جميعا . خلقها كلها وفق ناموس واحد وأنه سخرها للإنسان وبعد تقرير تلك الكليات الأساسية في التصور الإسلامي ; وتقرير الاتجاه إلى الله وحده بالعبادة والاستعانة . . يبدأ في التطبيق العملي لها بالتوجه إلى الله بالدعاءعلىصورة كلية تناسب جو السورة وطبيعتها المعين . وهذا الأمر هو أعظم وأول ما يطلب المؤمن من ربه العون فيه . فالهداية إلى الطريقالمستقيمهي ضمان السعادة في الدنيا والآخرة عن يقين . . وهي في حقيقتها هداية فطرةالإنسانإلى ناموس الله الذي ينسق بين حركة الإنسان وحركة الوجود كله في الاتجاهإلىالله رب العالمين .