بيان شؤم المعصية على الفرد والمجتمع :
هاهم بنو إسرائيل -كما في كتاب التوابين لابن قدامة – يلحق بهم قحط على عهد موسى عليه السلام، فاجتمعوا إلى موسى
وقالوا: يا نبي الله! ادعُ لنا ربك أن يسقينا الغيث.
فقام معهم، وخرجوا إلى الصحراء ليستسقوا وهم سبعون ألفاً أو يزيدون،
فقال موسى: إلهنا اسقنا غيثك، وانشر علينا رحمتك، وارحمنا بالأطفال الرُّضَّع، والبهائم الرُتَّع، والشيوخ الرُّكَّع، فما ازدادت السماء إلا تقشعاً، ذهب السحاب الذي في السماء، وما ازدادت الشمس إلا حرارة،
فقال: يا رب! استسقيناك فلم تسقِنا،
فقال عز وجل: يا موسى إن فيكم عبداً يبارزني بالمعصية منذ أربعين عاماً، فمُرْهُ أن يخرج من بين أظهركم؛ فبشؤم ذنبه مُنِعْتم القطر من السماء،
قال: يا رب! عبد ضعيف، وصوتي ضعيف، أين يبلغ وهم سبعون ألفاً أو يزيدون؟ فأوحى الله إليه -سبحانه وبحمده-: منك النداء وعلينا البلاغ. فقام ينادي في سبعين ألفاً،
قائلاً: يا أيها العبد العاصي الذي بارز الله بالمعصية أربعين عاماً! اخرج من بين أظهرنا؛ فبشؤم ذنبك مُنِعْنَا القطر من السماء، فيوحي الله إلى موسى أنه تلفت هذا العبد يميناً وشمالاً لعله يخرج غيره، فعلم أنه المقصود بذلك،
فقال في نفسه: إن خرجت افتضحت على رءوس بني إسرائيل، وإن بقيت هلكت وهلكوا جميعاً بالقحط والجدب. فماذا كان منه ؟ ما كان منه إلا أن أدخل رأسه في ثيابه،
وقال: يا رب! عصيتك أربعين وأمهلتني، واليوم قد أقبلت إليك طائعاً تائباً نادماً، فاقبلني واسترني بين الخلق هؤلاء يا أكرم الأكرمين! فلم يستتم الكلام حتى علتْ السماء سحابة بيضاء، فأمطرت كأفواه القِرَب،
فقال كليم الله (موسى) لربه: يا رب ! سقيتنا ولم يخرج من بين أظهرنا أحد.
فقال عز زجل: يا موسى! أسقيتكم بالذي منعتكم به – بنفس العبد الذي منعتكم به أسقيتكم به-
قال: يا رب! أرني هذا العبد الطائع التائب النادم،
قال عز وجل: يا موسى! لم أكن لأفضحه وهو يعصيني أفأفضحه وهو يطيعني ؟!
يا من ألوذ به فيما أؤمله وأستعيذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره
كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي:
{يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة }
سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخَطَا
يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار،
ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها،
هو القائل :
في الحديث القدسي:
{يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم }