شخصية السلطان المظفر سيف الدين قطز جمعت كثيرا من الصفات جعلتها تدخل قائمة المجددين في الإسلام
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»[1].
لاشك أن السلطان المظفر سيف الدين قطز كان من هؤلاء المجددين الذين تكلم عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث؛ فهو كما وصفه الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: «كان فارسًا شجاعًا، سائسًا (سياسيا)، ديِّنًا، محببًا إلى الرعية، هزم التتار، وطهّر الشام منهم يوم عين جالوت، ويَسْلَم له إن شاء الله جهادُه (..) له اليد البيضاء في جهاد التتار، فعوَّض الله شبابه بالجنة، ورضي عنه».
كما وصفه ابن كثير، في البداية والنهاية قائلا: «كان شجاعًا بطلًا، كثيرَ الخير، ناصحًا للإسلام وأهلِه، وكان الناس يحبونه، ويدعون له كثيرًا».
ويقول الشيخ العز بن عبد السلام عنه: «ما ولي أمر المسلمين بعد عمر بن عبد العزيز من يعادل قطز صلاحًا وعدلًا».
اقرأ أيضًا:
من قتل قطز؟
وما لاحظناه من كلام المؤرخين المسلمين أنهم يعلقون دائما على مسألة حب الناس للشخص، وهو مقياس دقيق من مقاييس العظمة الحقيقية، فمن أجمع الصالحون على حبه فهو محبوب عند الله، ومن أجمع الصالحون على بغضه، فهو بغيض عند الله.
ومن المفاجأت العجيبة في قصة قطز؛ أنه لم يبقَ في كرسي الحكم إلا أحد عشر شهرًا وسبعة عشر يومًا فقط .. ولم يُكمل السنة!
فكل هذا التاريخ المجيد، والإعداد المتقن، والتربية العالية، والانتصار المذهل، والنتائج الهائلة في أقل من سنة، وقيمة الرجال لا تقاس بطول العمر، ولا بكثرة المال، ولا بأبهة السلطان.. إنما تقاس بالأعمال الخالدة التي تغير من وجه التاريخ.
ولقد قال الإمام العز بن عبد السلام بعد موت قطز: «رحم الله شبابه، لو عاش طويلًا لجدد للإسلام شبابه».
ولكن قطز جدد فعلًا للإسلام شبابه، مع أنه لم يعش طويلًا؛ فلقد ظلت دولة المماليك قرابة ثلاثة قرون تدافع عن أمة الإسلام.. لقد وضع قطز الأساس المتين.. وعليه بنى الآخرون بناءً راسخًا.
فنسأل الله عز وجل أن يصلح آخرته كما أصلح دنياه، وأن يكتب اسمه في سجل المجاهدين المجددين.
للمزيد .. د.راغب السرجاني: وداعًا قطز [divider]
[1] أبو داود: كتاب الملاحم، باب ما يذكر في القرن مائة (4291)، وقال الألباني: صحيح.