(14) بذر كل شئ ...
يروى أن قيصر الروم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان رسالة يقول فيها :
أخبرني عما لا قِبلة له ، وعمن لا أب له ، وعمن لا عشيرة له ، وعمن سار به قبره ، وعن ثلاثة أشياء لم تُخلق في الرحم ، وعن شئ ، وعن نصف شئ ، وعن لاشئ ، وابعث إليّ في هذه القارورة ببذر كل شئ .
فبعث معاوية بالكتاب والقارورة إلى عبد الله بن عباس أعظم الفقهاء المسلمين في ذلك الوقت ليجيب على الأسئلة ، ورد ابن عباس قائلاً :
أما ما لا قِبلة له فالكعبة..وأما من لا أب له فعيسى.. وأما من لا عشيرة له فآدم..وأما من سار به قبره فيونس (النبي الذي ابتلعه الحوت)..وأما ثلاثة أشياء لم تُخلق في الرحم فكبش ابراهيم ، وناقة صالح ، وحيّة موسى.. وأما شئ فالرجل له عقل يعمل به.. وأما نصف شئ فالرجل ليس له عقل ويعمل برأي ذوي العقول.. وأما لا شئ فالذي ليس له عقل يعمل به ولا يستعين برأي وعقل غيره... ثم ملأ ابن عباس القارورة ماء وقال : هذا بذر كل شئ ..
(15) الوصايا السبع...
قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه : أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع :
* بحب المساكين ، وأن أدنو منهم..
* أن أنظر إلى من هو أسفل مني ، ولا أنظر إلى من هو فوقي..
* أن أصل رحمي وإن جفوني..
* أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله..
* أن أتكلم بالحق..
* ألا تأخذني في الله لومة لائم..
* أن لا أسأل الناس شيئاً..
(16) أنا اليوم صائم ...
قام الحجاج بن يوسف ذات يوم برحلة صيد في الصحراء ، وبينما هو يتناول طعامه مرّ عليه راعٍ رقيق الحال ، فدعاه الحجاج لتناول الطعام معه ، فقال الراعي : دعاني من هو أكرم منك فأجبته . قال الحجاج : ومن هو ؟ قال الراعي : الله تبارك وتعالى دعاني للصوم ، فأنا اليوم صائم . قال الحجاج : أتصوم في مثل هذا اليوم الحار ؟ قال الراعي : نعم صمت ليوم أحرّ منه . قال الحجاج : تعال وكل معي اليوم وصم غداً . قال الراعي : إذا أفطرت اليوم فهل يضمن لي الأمير أن أعيش غداً . قال الحجاج : ليس لي ذلك . قال الراعي : فكيف تسألني عاجلاً بآجل ليس لك إليه سبيل ..
(17) عثمان بن عفان ...
دعاه أبو بكر رضي الله عنه للإسلام ، فأسلم على الفور ، وعُرف بشدة الحياء وسعة نفقته ، تزوج من بنتين من بنات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو شرف لم ينله أحد قط من صحابة الرسول ..فعندما ماتت رقيّة أثناء غزوة بدر ، زوجه الرسول أختها أم كلثوم ، وبعد وفاتها قال الرسول صلى الله عليه وسلم : لو كان عندنا ثالثة لزوّجناك إياها ، ولهذا سُمّي بذي النورين . قال الرسول : أن ملائكة الرحمن لتستحي من عثمان بن عفان .
وفي عهده تم جمع القرآن الكريم ، ونسخ المصاحف ، وفتح أفريقيا . وانتهت خلافته باستشهاده وهو يتلو كتاب الله عزّ وجلّ ، وهو من العشرة المبشرين بالجنة.
(18) من الحكم ...
* أنعم على من شئت تكن أميره..
* واستغن عمن شئت تكن نظيره..
* واحتج إلى من شئت تكن أسيره..
19) إيثار ...
كان الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ماراً بالسوق ومعه خادم له.. فوقف أمام بائع للثياب وقال له : هل عندك ثوبان بخمسة دراهم ؟ فقال البائع : نعم ، وقدّم له ثوبين .. ثوباً بثلاثة دراهم ، وثوباً بدرهمين.. فأعطى سيدنا عليّ الخادم الثوب الأول ، واحتفظ لنفسه بالثوب الثاني.. فقال الغلام : يا سيدي خذ أنت هذا فإنك تعلو المنبر وتخطب الناس..قال الإمام : أنا أعلو المنبر وأخطب الناس وأنا عليّ ، أما أنت فشاب لك بهجة الشباب ، وأنا أكره أن أتفضل.. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ألبسوهم مما تلبسون وأطعموهم مما تأكلون ، فتجمّلوا بالإيثار تنالوا رضا الله تعالى.
(20) الخليفة المأمون ...
كان الخليفة المأمون كريماً متسامحاً ، نادى مرة غلامه ، فدخل الغلام مغاضباً وقال : كل ساعة يا غلام يا غلام .. أما ينبغي للغلام أن يأكل وأن يشرب وأن ينام وأن يستريح ؟ فأطرق المأمون ، وظن الحاضرون أنه سيأمر بقتله ، ولكنه رفع رأسه وقال : إذا حسُنت أخلاق السيد ساءت أخلاق خادمه ، وإذا ساءت أخلاق السيد حسُنت أخلاق خادمه ، ونحن لا نسوّئ أخلاقنا لتحسُن أخلاق خدمنا ، وعفا عنه.
(21) لطائف وطرائف ...
دخل أحد الصالحين على هارون الرشيد ، وبعد أن تحدثا في بعض الأمور لفترة من الوقت ، همّ الشيخ الصالح بالإنصراف .. فقال له هارون الرشيد : عظني أيها الشيخ..فقال الشيخ الصالح له : لو دامت لغيرك ما وصلتك (يعني الخلافة) ..قال له الرشيد : زدني أيها الشيخ . قال الشيخ : تلك قصورهم وهذه قبورهم..قال الرشيد : زدني أيها الشيخ . قال : كفى بالموت لك واعظاً . فبكى هارون الرشيد حتى ابتلت لحيته ، ثم قال : أيها الشيخ ، أعليك دَيْن فنقضيه عنك ؟ قال الشيخ : يقضيه عني من هو أقدر على قضائه منك . قال الرشيد : خذ من مالي ما يكفيك رزقاً لك ولعيالك . فتبسم الشيخ الصالح وقال : ويحك يا خليفة المسلمين ، أتحسب أن الله يرزقك وينساني ..؟
(22) القوة والضعف أمام الله ...
قال الإمام عليّ رضي الله عنه لولده الحسن : يا بنيّ ، احذر أن يراك الله عند معصية ، ويفقدك عند طاعة ، فتكون من الخاسرين .. فإذا قويت ، فاقو على طاعة الله ، وإذا ضعفت فاضعف من معصيته.
(23) حسن الخلق ...
سُئل أحد الحكماء عن حُسن الخلق فقال : هو أن يكون المرء كثير الحياء ، قليل الأذى ، كثير الإصلاح ، صدوق اللسان ، قليل الكلام ، قليل الخطأ ، قليل الفضول ، وفياً ، شديد الصلة بالأقارب والأصحاب ، وقوراً ، صبوراً ، يلقى الناس لقاءاً جميلاً.
قال لعمته صفية : لا تدخل الجنة عجوز .. فبكت ، فقال لها وهو يضحك : الله تبارك وتعالى يقول :"إنا أنشأناهن إنشاءا * فجعلناهن أبكارا *عرباً أترابا". ففهمت ما أراد وثابت إلى الرضا والرجاء .. وطلب إليه بعضهم أن يحمله على بعير ، فوعده أن يحمله على ولد الناقة ، فقال : يا رسول الله ، ما أصنع بولد الناقة ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : وهل تلد الإبل إلا نوق ؟ .. وكان في بعض أسفاره ، فأمر بإصلاح شاه ، فقال رجل : عليّ ذبحها ، وقال آخر عليّ سلخها ، وقال آخر عليّ طبخها ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : وعليّ جمع الحطب ، فقالوا : نحن نكفيك . فقال : قد علمت أنكم تكفوني ولكني أكره أن أتميز عليكم ، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزاً بين أصحابه..وقام وجمع الحطب .
(25) شجاعة الأمام عليّ رضي الله عنه ...
في وقعة الخندق .. خرج عمرو بن ودّ - فارس الجزيرة العربية الذي كان يقوم بألف رجل عند أصحابه وعند أعدائه - خرج مقنعاً في الحديد ينادي جيش المسلمين : من يبارز ؟ فصاح عليّ : أنا له يا نبيّ الله .. قال النبي وبه اشفاق عليه : إنه عمرو ، اجلس .ثم عاد عمرو ينادي : ألا رجل يبرز لي ؟ وجعل يؤنّبهم قائلاً : أين جنّتكم التي زعمتم أنكم داخلوها إن قُتلتم ؟ أفلا تبرزون إلى رجل ؟ فقام عليّ مرة بعد مرة وهو يقول : أنا له يا رسول الله . ورسول الله يقول له مرة بعد مرة : أجلس ، إنه عمرو ، وهو يجيبه : وإن كان عمراً ؟..حتى أذن له فمشى إليه فرحاً بهذا الإذن الممنوع . فنظر إليه عمرو فاستصغره وأنف أن يناجزه وأقبل يسأله : من أنت ؟ .. قال ولم يزد : أنا عليّ . قال عمرو : ابن عبد مناف ؟ قال عليّ : ابن أبي طالب . فأقبل عمرو إليه يقول : يا ابن أخي ، من أعمامك من هو أسنّ ، وإني أكره أن أريق دمك . فقال له عليّ : لكني والله لا أكره أن أريق دمك . فغضب عمرو وأهوى عليه بسيف كان كما قال واصفوه كأنه شعلة نار ، واستقبل عليّ الضربة بدرقته (درعه) فقدها السيف وأصاب رأسه ثم ضربه عليّ فسقط ونهض وثار الغبار ، فما انجلى إلا عن عمرو صريعاً ، وعليّ يجأر بالتكبير .
(26)إجابة الدعاء ...
مر إبراهيم بن أدهم بسوق البصرة ، فاجتمع الناس حوله ثم قالوا له : يا أبا اسحق ، ما لنا ندعو الله تعالى فلا يستجيب لنا ؟ فقال : لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء :
1- عرفتم الله فلم تؤدوا حقوقه .
2- زعمتم أنكم تحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركتم سنّته .
3- قرأتم القرآن ولم تعملوا به .
4- أكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها .
5- قلتم أن الشيطان عدوّكم ولم تخالفوه .
6- قلتم أن الجنّة حق ولم تعملوا لها .
7- قلتم أن النار حق ولم تهربوا منها .
8- قلتم أن الموت حق ولم تستعدوا له .
9- انتبهتم من النوم فاشتغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم .
10- دفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم .
فكيف يستجيب الله لكم ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتي هو " أبو بكر".. وأقواهم في دين الله "عمر بن الخطاب".. وأشدّهم حياءا "عثمان بن عفان".. وأمضاهم هو "عليّ بن أبي طالب".. ولكل نبيّ حواري ، ومن حواريّ "طلحة" و "الزبير".. وحيثما كان "سعد بن أبي وقاص" كان الحق معه..و" سعيد بن زيد" من أحباب الرحمن.. و "عبد الرحمن بن عوف " من تجار الرحمن.. و" أبو عبيدة بن الجراح " أمين الله ورسوله وأمين الأمة.
(28) أشدّ جنود الله ...
سُئل أحد الخلفاء الراشدين : ما أشدّ جنود الله ؟ فأجاب : أشدّ جنود الله عشرة :
الجبال الرواسي.. والحديد يقطع الجبال فهو أقوى من الجبال .. والنار تذيب الحديد فهي أقوى من الحديد.. لكن الماء يطفئ النار ، فالماء أقوى.. إلا أن السحاب المسخّر بين السماء والأرض يحمل الماء .. والريح تقطع السحاب ، فالريح أقوى.. وابن آدم يغلب الريح ويتحكم بها .. والمرض يغلب ابن آدم ويقعده .. والنوم يغلب المرض ويخففه .. ثم أن الهمّ يغلب النوم فالهمّ أقوى.. ولا يتغلب على همّ الإنسان إلا قوة إيمانه بربه.. فكن مع الله تصبح أشدّ جنود الله ..
(29) من المواقف العظيمة ...
اشتدّ الغلاء في عهد أبي بكر الصدّيق ، وافتقد الناس الكثير من السلع ، فدعا أبو بكر ، ودعا المسلمون أن يفرّج الله عنهم ما هم فيه من شدّة.. وإذا بقافلة تجارية مكوّنة من ألف جمل تحمل أصنافاً من السلع تدخل المدينة.. هذه القافلة كانت تجارة لعثمان بن عفان، فتسابق إليه تجار المدينة وأهلها ، يرجونه أن يبيعهم ليوسّعوا على الناس وليخرجوهم من هذه الشدّة..فقال لهم سيدنا عثمان : كم تربحوني ؟ فقالوا : نشتري منك بالضعف .. وقال آخرون نشتري بالضعفين.. فرفض سيدنا عثمان وقال لهم : لقد بعتها بعشرة أضعاف .. قالوا له : من أعطاك أكثر من هذا ونحن تجار المدينة لم يغب منا أحد ؟ .. فقال : قد أعطاني الله الواحد بعشرة .. وأشهدكم يا معشر التجار والمسلمين ، إنني قد تصدّقت بالطعام الذي تحمله القافلة على فقراء المدينة.
(30) عمر رضي الله عنه قاضياً...
عين أبو بكر رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاضياً على المدينة ، فمكث سيدنا عمر سنة لم يختصم إليه إثنان ، فطلب من سيدنا أبو بكر إعفاءه من القضاء .فسأله سيدنا أبو بكر : أمن مشقّة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر ؟ .. قال عمر رضي الله عنه : لا يا خليفة رسول الله ، ولكن لا حاجة لي عند قوم مؤمنين ، عرف كلٌ منهم ما له من حق فلم يطلب أكثر منه ، وما عليه من واجب فلم يقصّر في أدائه ، أحب كلٌ منهم لأخيه ما يحب لنفسه ، إذا غاب أحدهم تفقّدوه ، وإذا مرض عادوه ، وإذا افتقر أعانوه ، وإذا احتاج ساعدوه ، وإذا أصيب واسوه.. دينهم النصيحة ، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. ففيم يختصمون ؟.
(31) كيف ترضى بمرتبة الضعفاء ...
الفضيل بن عياض العالم الزاهد القدوة إمام الحجاز شيخ الإسلام في القرن الثاني من الهجرة، كان له صديق عابد. قرر العابد يوما أن يخرج في تجارة من بلده، وودع الإمام. لكنه لم يلبث أن عاد للبلد. سأله الفضيل ما القصة؟ قال: بينما كنت في الطريق أبصرت قُبّرَة (طائرا صغيرا) عمياءَ. فسألت نفسي كيف تعيش هذه ومِم تقتات؟ ثم إذا بقبَّرة مبصرة تأتيها بطعام تضعه في فمها. قال العابد المؤمن: فعلمت أن الله تعالى يرزق من يشاء كما يشاء. ورجعت مقتنعا بأن رزقي يأتيني بتجارة وبدون تجارة.
فماذا قال الفضيل؟ وكان الفضيل رحمه الله من أئمة الزهاد.
قال للعابد: يا أخي، الأمر كما تقول، لكن كيف ترضى أن تكون مثل القبرة العمياء التي يسعى إليها برزقها غيرها، ولا تسمو بك همة لتكون أنت القبرة المبصرة التي تسعى لنفسها ولغيرها. كيف ترضى بمرتبة الضعفاء ولك قدرة على الكسب؟
قبراتٍ عمياواتٍ تردن معشر المؤمنين والمومنات، أم ساعين وساعياتٍ على أنفسهم وعلى أمتهم؟