من الملاحظ أن المنافسات الدنيوية يتم الاستعداد لها وفقا وأهميتها وحجمها، فنرى الدول تخصص لها الميزانيات، وتجلب أمهر المدربين وتغدق عليهم من الأموال وذلك قبل الدخول في أي منافسة رجاء أن يحرزوا مراتب متقدمة، ويصعدوا منصات التتويج، وحري بالمسلم أن يشمر عن ساعد الجد، ويدخل معسكر تدريبي قبل الخوض في المنافسة الرمضانية، حيث التجارة مع الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، والمتاجرة مع الله ربح لا خسارة فيها:{ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} ، أما الجوائز فمن نوع:{وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ} ، والمتأمل في هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يجد أن هنالك عبادات خص بها شعبان من سائر الشهور، ولعل ذلك إشارة إلى الاستعداد لرمضان، وهي كالراتبة القبلية للفريضة، وكالمعسكر التدريبي لمن يخوض منافسة. فدعونا لتأمل في بعض الأحاديث الواردة في شهر شعبان حتى نستشعر أهمية الاستعداد ونبدأ ه عملياً، وسوف نحاول تأمل أربع عبارات نبوية اقتربت من هذا المعنى: (ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان): ذم الله سبحانه وتعالى الغفلة في كتابه فقال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}، فعلى المسلم ألا يغفل عن عبادة ربه في أي وقت لا سيما في المواسم، والمسلمون في رمضان يكثرون من الخيرات ما لا يكثرون في غيره من الأشهر، وهم على مراتب؛ لذلك إذا كان المرء في شعبان يقظاً فسوف يكون في رمضان أكثر يقظة، فلا تغفل أخي المسلم في هذا الشهر، ومن الملاحظات الواضحة أن المسلم في رمضان يزداد في الخير أكثر منه قبل دخول الشهر، فمثلا من لا يختم القرآن طوال السنة يختمه في رمضان، ومن يختم كل شهر لربما ختم في رمضان كل أسبوع وهكذا، وكذلك الصلاة، فمن يحافظ على الجماعة تجده يضم إليها النوافل، فازْددْ عبادة ويقظة في شعبان فهذا يؤدي _ بعد توفيق الله _ إلى الاجتهاد أكثر في شهر الخيرات، فما تكون عليه في شعبان تزيد عليه في رمضان. (وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم): في شعبان يكون الرفع السنوي للأعمال، فما أجمل أن تختم أعمال السنة بخير، وعمل فاضل كالصيام اقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـ (إن الخيل إذا شارفت نهاية المضمار بذلت قصارى جهدها لتفوز بالسباق)، وبذلك يكون المسلم على أهبة الاستعداد لأهم محطة للتزود بالباقيات الصالحات وهو رمضان، فالكيِّس من يجعل من شعبان شهر الجرد لأعماله ويحاسب نفسه على ما مضى ويستعد لما يستقبل، ويختمه بأعمال صالحة كالصيام، ويتشرف لعام آخر يرجوا الله أن يكون خيرا مما سبقه. (كان يصوم شعبان إلا قليلا): أبرز مظاهر رمضان الصيام فهو الركن الواجب القيام به، وسبيل تحقيق التقوى، ويأتي الصيام في شعبان للتدرب على الصوم وليكون كصلاة النافلة القبلية للفريضة، لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم (يصوم شعبان إلا قليلا)، فإذا ما جاء رمضان وقد تروضت النفس على الصيام، فلم تجد فيه كبير مشقه، فيكون بمثابة جرعات تدريبية تقوي عزيمة الصائم وتيسر له صيام الفرض، فمن من لم يتعود على الصيام قبل رمضان فإن الصيام يستنفد طاقته بالنهار فلا يستطيع القيام بالكثير من الطاعات نظراً لضعفه، فسبحان الله تعالى! وما أعظم صاحب خير الهدي صلى الله عليه وسلم. «إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ»: ذكرنا في نقطة سابقة أن شعبان هو موعد الرفع السنوي للأعمال، وفيه يتفضل الله تعالى (فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ)، فاحذر كل الحذر من أن تكون أحد هذين الصنفين أو من كليهما. أما الشرك فهو أعظم الذنوب، لذا يجب تركه ما قل منه أو أكثر، كبيره وصغيره، ما كان في الاعتقاد وما كان في الأعمال وحتى الألفاظ. وأما سلامة الصدر فنحن راجعون إلى الله (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، فشعبان فرصة لتنقية القلب من الشوائب، وتطهيره من الأدران العالقة به والتي تحول بين العبد ومغفرة ربه له، وسلفنا الصالح (كانوا يعملون يسيرًا ويؤجرون كثيرًا، قلت: ولِمَ ذلك؟ قال: لسلامة صدورهم)، فما أعظم سلامة الصدر وأن يستقل المرء شهر التقوى بصدر سليم، لأن(أقصر طريق للجنة سلامة الصدر) كما قال القاسم الجوعي رحمه الله، فيا أخي المسلم وفقك الله قبل أن يحل عليك شهر الرحمات والمغفرة للسيئات لا تكن مشركاً ولا مشاحناً حتى لا يحال بينك وبين ما تشتهي. فعلى المسلم الاجتهاد بالأعمال الصالحة من غير تخصيص لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيقع في البدع بدلاً من السنن فقد (اتفق أهل العلم على أنه لم يثبت حديث في النصف من شعبان، لا في إحياء ليلتها بصلاة، ولا نهارها بصوم، وإجابة الدعاء فيها ...). والحقيقة أن شهر شعبان مع رمضان بمنزلة السنن الرواتب، فـ (شعبان كالمقدمة لرمضان، وكالتمرين على صيامه؛ يشرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ...) ،فاللذين يشتكون من صعوبة الصيام والقيام والعجز عن كثرة تلاوة القرآن، هؤلاء لا يعرفون الصيام والقيام وكثرة التلاوة إلا في رمضان. فازْرعْ في شعبان لتحصد في رمضان. أهم المراجع: ٣٢ فائدة في شهر شعبان- المنجد. أحاديث النصف من شعبان وأحكام المحدِّثين عليها – القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية. سالم محمد أحمد