الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أخطر شيء في حياة المسلم أن يعتقد ما يريحه وأن يرفض ما يزعجه :
أيها الأخوة الكرام ، مع فائدة جديدة من فوائد الكتاب القيّم لابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ هذه الفائدة ليس لها نص ، ولكنها شرحت ، ولعل أقرب نص إليها " حب الدنيا رأس كل خطيئة" .
أيها الأخوة الكرام ، الإنسان بعقله الباطن يميل إلى أن يعتقد ما يريحه ، لو أن إنساناً يبيع مواد غذائية ، وقد ألف أن يغش المسلمين ، فإذا حضر درس علم ، وسمع حديثاً كقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( شفاعتي لأهل الكبائر مِنّ أمَّتي )) .
[أخرجه أبو داود والترمذي عن أنس بن مالك ]
يتعلق بهذا الحديث أشد التعلق ، ويغيب عنه أن له معان دقيقة جداً لا تغطيه ، لكن يتوهم أن هذا الحديث يغطي غشه فيتمسك به ، فالإنسان بعقله الباطن يميل إلى أن يعتقد ما يريحه ، ويرفض ما يريحه .
أوضح مثل ، إنسانان أرادا أن يشتريا سيارة ، الأول اشترى والثاني لم يشترِ ، سرت إشاعة في البلد أن هناك تخفيضاً للرسوم ، فالذي اشترى يكذب هذه الإشاعة من دون دليل ، لأنه إذا صدقها ينزعج كثيراً ، والذي لم يشترِ يصدق هذه الإشاعة من دون دليل لأنها مريحة جداً .
أخطر شيء في حياة المسلمين أن تعتقد ما يريحك ، وأن ترفض ما يزعجك ، لذلك الإسلام دين عظيم ، دين الله ، إلا أن الأطراف الأخرى الذين أرادوا أن يكيدوا لهذا الدين ما استطاعوا أن يواجهوه ، لكنهم أرادوا تفجيره من الداخل عن طريق الفتاوى ، وعن طريق إلغاء السنة ، وعن طريق التأويل الباطل ، ثلاث وسائل تفجيرية لعظمة هذا الدين ؛ من خلال الفتاوى ، ومن خلال التأويلات الباطلة ، ومن خلال إلغاء السنة ، فلذلك النقطة الدقيقة أن الإنسان إذا حصّل الدنيا أراد أن يبحث عن نصوص تغطي تحصيله للدنيا بطريقة غير مشروعة .
المؤمن لا يسعد إلا بقربه من الله تعالى :
لكن لا بدّ من التنويه إلى حقيقة خطيرة ، العالم الرباني يستدل ثم يعتقد ، أما الشهواني يعتقد ثم يستدل ، هو يريد ما هو عليه ، يبحث في النصوص عن نصوص تؤيد مزاعمه ، تؤيد سلوكه ، فأخطر شيء أن تتصور شيئاً ثابتاً لا تحيد عنه ، ثم تبحث عن دليل له ، فقد تقبل دليلاً ضعيفاً ، وقد تقبل حديثاً موضوعاً ، وقد تقبل تأويلاً باطلاً ، ذكرت أن إنساناً ذهب إلى فرنسا لينال الدكتوراه ، هذه المدينة الواسعة العريقة فيها جامعات ، فيها أسواق ، فيها معامل ، فيها مؤسسات ، فيها مسارح ، فيها بيوت سكن ، علاقته بهذه المدينة نيل الشهادة ، نصيبه من هذه المدينة نيل الشهادة فقط ، لو حيل بينه وبين هذا الهدف لغادر المدينة ، فإذا قلنا لهذا الذي ذهب إلى باريس لينال الدكتوراه : لا تنسى نصيبك من هذه المدينة، نصيبه من هذه المدينة نيل الشهادة فقط .
هناك من يفهم هذه الآية فهماً آخر ، لعله مقبول أحياناً لكنه مرفوض في التطبيقات:
المؤمن يسعد بقربه من الله ، يسعد بزوجة صالحة ، بأولاد أبرار ، بمأوى نظيف، يسعد بعمل شريف ، لكنه لا يسعد بالترف ، لا يسعده الترف ، وهناك ثمان آيات من كتاب الله المترفون وصفوا وصفاً مذموماً في القرآن الكريم ، الترف ، البذخ ، الإسراف ، التبذير .
معنى إضاعة الصلاة أي فرغوها من مضمونها ، أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها بل يعني تفريغها من مضمونها .
إله عظيم أمرك أن تصلي في اليوم خمس مرات ، هل تتصور هذا الأمر ينفذ كما يفعله المسلمون ؟ يقف ، ويقرأ ، ويركع ، ويسجد ، وهو في واد آخر ، في خواطر أخرى ، في هموم معاشه ، في مشكلات يعانيها ، هذه الصلاة ، هذا الأمر بهذا التنفيذ يليق بخالق السماوات والأرض ؟
(( ليس كل مصلٍّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكفّ شهواته عن محارمي ، ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب ، كل ذلك لي)) .
[ أخرجه الديلمي عن حارثة بن وهب ]
اتباع الشهوات التي لا ترضي الله عز وجل توصل الإنسان إلى الغي :
طبعاً ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، بالإسلام لا يوجد حرمان ، لكن هناك تنظيم ، أودع فيك حب المرأة ، قال لك : تزوج ، أودع فيك حب المال ، قال لك : اكسبه حلالاً .
ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها :
اتبعوا الشهوات التي لا ترضي الله ، فسوف يلقون غياً ، ولقد لقي المسلمون ذلك الغي .
أيها الأخوة الكرام ، هذا القلب السليم لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، ولا يُحكّم غير شرع الله ، ولا يعبد إلا الله ، أكبر إنجاز تحصّله أن تنال من الله قلباً سليماً ليس فيه حقد على أحد ، فيه نوايا طيبة ، فيه مقاصد نبيلة ، فيه طموحات بطولية ، فيه التزام ، القلب لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، ولا يحكم غير شرع الله ، ولا يعبد إلا الله .
ابتعاد الإنسان عن التمنيات و التطلعات التي لا توصله إلى شيء :
أيها الأخوة الكرام ، آية ثانية تؤكد هذه الحالة أن تعتقد أولاً ، أن تتصور أولاً ، أن تحب أولاً ، أن تقيم شيئاً لا يرضي الله ، وتبحث له عن الأدلة ، تقبل دليلاً ضعيفاً بتأويل خاطئ ، تقبل تأويلاً خاطئاً لآية ، المهم أن تغطي نفسك ببعض النصوص ، هذه حالة مرضية وما لم ينجُ المسلم منها فهو في مشكلة كبيرة .
والمسلمون في بعض أدعيتهم يا رب نحن عبيد إحسان ولسنا عبيد امتحان ، يا رب نحن مقصرون ، إن اعترفت بالتقصير ليلاً نهاراً هل تنجو من آثار التقصير ؟ أي طالب لم يدرس أبداً ، قبل الامتحان قال : يا رب أنت الكريم ، أنت القوي ، أنت الموفق ، أنا لم أدرس أبداً أريد أن تنجحني ، هذا كلام مضحك ، هناك أسباب ، وقلت قبل هذا الوقت هناك قوانين في دين الله ما لم تأخذ بها لن تصل إلى شيء ، أما التمنيات ، والتطلعات ، والتضعضع أمام النص الصحيح مثلاً ، يا رب لا تسألنا عن شيء ، الله عز وجل يقو ل:
أن تُيَئس الناس من رحمة الله ، أو أن تطمعهم بشيء لن ينالوه إلا بعملهم ، حينما تتبع حالات ، أو طروحات ، أو تصورات ، أو منطلقات لا أصل لها في الدين ، تكون قد قلت على الله ما لا تعلم .
الله عز وجل خلق كل إنسان بإرادة حرة مخيرة بين الحق و الباطل :
إنسان يقول لك : أنا ليس بيدي شيء هكذا كتب الله علي ، ماذا تفعل بقوله تعالى؟
أيها الأخوة الكرام ، البطولة أن تأتي تصوراتك وفق القرآن الكريم ، أن تأتي مقاييسك وفق القرآن الكريم ، دائماً أي حدث له تفسيرات ، له تعليلات ، له طروحات ، هناك طروحات أرضية ، طروحات شركية ، طروحات أساسها الهوى ، طروحات أساسها الحقد ، البطولة أن تعتمد التفسير الإلهي ، أحياناً يجتاح بلد ، لهذا الاجتياح تفسيرات سياسية ، تفسيرات دولية ، تفسيرات إقليمية ، تفسيرات محلية ، تفسيرات طائفية ، لكن الله عز وجل ماذا يقول ؟
مرة سألني صاحب مطعم يبيع الخمر قال لي : ماذا أفعل ؟ أنا في هذا المطعم مكان والدي ، والدي لا يوافق ، هل يمكن أن تنجو من عذاب الله إذا كنت مطيعاً لوالدك في معصية ؟ سيدنا سعد بن أبي وقاص قالت له أمه : إما أن تكفر بمحمد ، وإما أن أدع الطعام حتى أموت ، فقال : يا أمي لو أن لك مئة نفس فخرجت واحدة واحدة ما كفرت بمحمد فكلي إن شئت أو لا تأكلي .
إذاً هناك قضايا خاضعة للمساومة ، أما بحياة المؤمن هناك قضايا لا تقبل المساومة أبداً ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، بالقرآن أمثلة رائعة :
فرعون بكل جبروته ، بكل قوته ، بكل طغيانه ، ما استطاع أن يحمل زوجته على عبادته ، في أمور الدين والآخرة يقول له : أرضى عليك إن طلقت زوجتك ، قال لي : والله زوجتي صالحة ، مستقيمة ، محجبة ، لكن أبي لا يحبها ، قلت له : لا تطلقها ، قال سيدنا عمر عندما أمر ابنه أن يطلق زوجته طلقها ، قلت له : أبوك عمر ؟ أبوك ليس عمر ، سيدنا عمر عندما أمر ابنه أن يطلق زوجته لأمر أخروي ، لأمر متعلق بالآخرة ، أما أبوك لأمر متعلق بالدنيا ليس في الآخرة .
أي إذا غيرت الاسم يتغير الحكم ؟ مثلاً لو قلت : بعتك هذا الكتاب بلا ثمن ، هذا عقد هبة ، مع أن باللفظ يوجد بيع ، لو قلت : وهبتك هذا المصحف بمئة ليرة عقد بيع لا تقل وهبتك بخمسمئة ليرة ، فالعبرة في المقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني ، لذلك :
فرغها من مضمونها ، جعلها بتفسير لا يقدم ولا يؤخر ، إذاً هذا الذي يؤول الأمور لصالحه ، لصالح شهواته ، لصالح مكاسبه ، لصالح أهوائه هو من تعنيه هذه الآية .
من فرغ الآيات من مضمونها و غوى بعد الرشد سيفارق الإيمان و لن يعود إليه أبداً :
الشيء الثاني : فارق الإيمان ولن يعود إليه أبداً :
﴿ فَانسَلَخَ مِنْهَا (175)﴾ .
(سورة الأعراف)
آية قرآنية تفرغها من مضمونها ؟ الشيطان أدركه ، ولحق به ، وظفر به ، لذلك:
﴿ فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ (175)﴾ .
(سورة الأعراف)
وقد غوى بعد الرشد ، وأنه سبحانه وتعالى لم يشأ أن يرفعه بالعلم ، كان العلم سبب هلاكه ، تعلم ليتنصل ، تعلم ليلغي حكم آية ، هذا العلم الخطير أن تتعلم كي تغير وحي السماء .
أيها الأخوة ، ابتعد عن تصورات غير صحيحة ، ابتعد عن فتاوى ضالة ، ابتعد عن تفسيرات خاطئة ، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .
(( ابنعمر ، دينك ، دينك ، إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا )) .
[ العلل لابن أبي حاتم ]
أيها الأخوة ، الإنسان حينما يولد كل من حوله يضحك ويفرح وهو يبكي وحده ، فإذا وافته المنية كل من حوله يبكي فإذا كان بطلاً يضحك وحده .
((من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهى راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدِّر له)) .
[الترمذي عن أنس]
والحمد لله رب العالمين
pf hg]kdh vHs ;g o'dzm çgïkdç o'dzm RlS
توقيع : سيف الامه
من عرف نفسه لم يضره ما قال الناس فيه
لاتستحى من اعطاء القليل فان الحرمان اقل
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك على ما نقلت لنا من درر ولكن هل لك أخي الفاضل أن تبين لنا سند هذين الحديثين صحة وضعفا ونكون لك من الشاكرين :
اقتباس:
(( ليس كل مصلٍّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكفّ شهواته عن محارمي ، ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب ، كل ذلك لي)) .
[ أخرجه الديلمي عن حارثة بن وهب ]
اقتباس:
( ابن عمر ، دينك ، دينك ، إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا )) .
[ العلل لابن أبي حاتم ]
جزاك الله خيرا
توقيع : الأرقم
قال الإمام ابن قتيبة في مقدمة كتابه " إصلاح غلط أبي عبيد "
و قد كنا زمانا نعتذر من الجهل , فقد صِرنا الآن إلى الإعتذار من العلم , و كنا نؤمّل شكر الناس بالتنبيه و الدلالة , فصرنا نرضى بالسلامة , و ليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال , و لا ينكر مع تغير الزمان , و في الله خلف و هو المستعان