قال تعالى: {فَمَا ٱسْطَٰعُوٓاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَٰعُواْ لَهُۥ نَقْبًا} سورة الكهف اية 97
قال اهل التفسير: في قوله تعالى: {وما استطاعوا له نقباً } لثخنه وصلابته، وزيادة التاء هنا تدل على أن العلو عليه أصعب من نقبه لارتفاعه وصلابته والتحام بعضه ببعض حتى صار سبيكة واحدة من حديد ونحاس في علو الجبل، وقد حكى ابن خرداذبه عن سلام الترجمان الذي أرسله أمير المؤمنين الواثق إليه حتى رآه أن ارتفاعه مد البصر،
وعن ابن جريج (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) قال: يعلوه (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) أي ينقبوه من أسفله .
فما اسطاعوا أي يأجوج ومأجوج أن يظهروه أي يصلوا عليه لبعده وارتفاعه واملاسه، ولا أن ينقبوه لصلابته وثخانته فلا سبيل إلى مجاوزته إلى غيرهم من الأمم إلا بأحد هذين: إما ارتقاء وإما نقب وقد سلب قدرتهم على ذلك .
وأغلب أهل التفسير وأكاد أجزم كل أهل التفسير متفقون على ما نقلته أنفا من تفسير قوله تعالى : {وما استطاعوا له نقباً } لكن السؤال كيف الجمع بين هذه الآية والمتفق على تفسيرها بل الواضحة والبينة من قراءتها وبين حديث صحيح بل متفق عليه وهو :
عن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها: أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) دخل عليها فزعا، يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث. متفق عليه.
فكيف الآية تقول {وما استطاعوا له نقباً } والنبي صلى الله عليه واله وسلم يقول : ( فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)
فأقول هنا لا تعارض بين الآية والحديث وسأذكر هذا من عدة أوجه .
1. ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية عندما تكلم على يأجوج ومأجوج قال: فإن قيل: فما الجمع بين قوله تعالى: {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} [الكهف:٩٧] وبين الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه محمرا وجهه وهو يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق تسعين)، الحديث.
وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا)؟ فالجواب
أما على قول من ذهب إلى أن هذا إشارة إلى فتح أبواب الشر والفتن، وأن هذا استعارة محضة وضرب مثل فلا إشكال، وأما على قول من جعل ذلك إخبارا عن أمر محسوس -كما هو الظاهر المتبادر- فلا إشكال أيضا؛ لأن قوله: {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} أي: في ذلك الزمان؛ لأن هذه صيغة خبر ماض، فلا ينفي وقوعه فيما يستقبل بإذن الله لهم في ذلك قدرا،
وبهذا قال العلماء: إن بالكلام يعني ببساطة، الكلام عن {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً} [الكهف: 97]
الماضي، وأنهم استطاعوا أن يثقبوا فيه ذلك الثقب إنما كان في أمر مستقبل.
{فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً} [الكهف: 97]
كان ذلك خبرا عن ماض، فلا ينفي وقوع أمر بعده طارئ وجديد، أي أنهم استطاعوا أن يثقبوا فيه ثقبا، وأن يجعلوا فيه هذه الفتحة الصغيرة.
______
قلتُ : اراد الحافظ ابن كثير ان يقول في زمن البناء وزمن ذو القرنين لم يستطيعوا له نقبا الى أن وصل زمن النبي صلى الله عليه واله وسلم: والمدة الزمنية بين ذو القرنين والنبي صلى الله عليه واله وسلم تقريبا ألفان وثمان مائة سنة ولهذا تبدلت أجيال وتعبت أجيال وماتت أجيال وولدة أجيال من قبائل يأجوج ومأجوج لربما أحفاد الاحفاد الى أن وصل زمن النبي صلى الله عليه واله وسلم و استيقظ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من نومه محمرا وجهه "..الحديث
هذا القول الاول وأراه حجة دامغة بالغة ويحتمل الصواب . أنتهى
قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي في كتاب شرح تفسير ابن كثير
والمتأمل في قوله: {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} يرى أن ظاهر أن يأجوج ومأجوج ما استطاعوا نقبه وما استطاعوا مروره، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج) ليس فيه أنهم هم الذين فتحوه، فيحتمل أنه فتح من قبل غيرهم، فقد يكون -مثلا- بأمر الله من فعله وليس من فعلهم، وهذا يدل على اقتراب أجلهم، ويدل على هذا سبب الحديث، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ فزعا محمرا وجهه يقول: (لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا) يعني أنه قد اقترب خروجهم، فإذا اقترب ذلك جعله الله دكا، وليسوا هم الذين يجعلونه دكا، كما قال تعالى: {فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء} [الكهف:٩٨]
أي: يسويه بالأرض فيكون هذا الفتح من فعل الله وليس من فعلهم، وهذا إذا جاء الوعد الحق، كما قال الله تعالى في سورة الأنبياء: {واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا} [الأنبياء:٩٧].
والمقصود أنه يظهر لي أن هذا يكون جوابا، وهو أن الفتح ليس من فعلهم، فإذا أذن الله بخروجهم جعله دكا فيزول السد كاملا، فإذا بهم يخرجون إلى الناس، وعلى هذا فلا يعارض الحديث الآية، بل الآية على ظاهرها أنهم ما استطاعوا له نقبا، والحديث ما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه أنهم هم الذين فتحوه حتى يعارض الآية، بل قال: (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج)
___________
قلتُ: قال النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم : إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فسنحفره غدا فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله تعالى واستثنوا فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم "...الحديث
وهذا الحديث في صحيح ابن ماجه | الصفحة أو الرقم : 3314
والضاهر من الحديث والواضح هم الذين يحفرون كل يوم وليس غيرهم .
قال ابن كثير في البداية والنهاية (حديث... إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا) إلى آخر الحديث، فإن لم يكن رفع هذا الحديث محفوظا، وإنما هو مأخوذ عن كعب الأحبار -كما قال بعضهم- فقد استرحنا من المؤنة، وإن كان محفوظا فيكون محمولا على أن صنيعهم هذا يكون في آخر الزمان عند اقتراب خروجهم.
ثم قال: وعلى هذا فيمكن الجمع بين هذا وبين ما في الصحيحين عن أبي هريرة: (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وعقد تسعين) أي: فتح فتحا نافذا فيه، والله أعلم.
انتهى كلام ابن كثير من البداية والنهاية، وهو يدل على أنه لا تعارض بين الآية والأحاديث، فالنقب يكون عند الإذن بخروجهم في زمن عيسى عليه السلام. أنتهى.
2. قال اهل العلم : أن النقب الذي ينفيه القران ليس هو النقب الذي يثبته الحديث فهما نقبان الاول نفاه القران ونقب اثبته الحديث "
فالنقب الذي ينفيه القران : هو النقب الذي يستطيع يأجوج ومأجوج الخروج منه {وما استطاعوا له نقبا} يخرجون منه بمعنى نقبا كبيرا يستطيعون الخروج منه هذا الذي ينفيه القران .
اما النقب الذي اثبته الحديث فهو نقب صغير كما في الحديث .
___________
قلتٌ: هذا الحديث جاء في عدة اللفاظ كلها تدل على ان النقب الذي اثبته الحديث نقب صغير فهذا النقب التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه واله وسلم" في الحديث: مثل هذه وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها"، ومعنى ذلك: أنه جعلهما حلقة، أو أنه عقد بيده تسعين.
وفي رواية: عقد مائة.
وفي رواية: عقد عشرا.
وفي رواية: حلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها.
فهذه الأرقام كانت العرب لها حركات فيها؛ لأن العرب لم تكن تكتب، فكانوا يعبرون عن الأرقام بالحركات، يعني التسعين، والمائة، والعشرة، إلى آخره، فإذا عمل هكذا مثلا لها معنى، وإذا كان هكذا لها معنى، وإذا كان هكذا لها معنى، وهكذا..
والمقصود أنه صلى الله عليه واله وسلم: عقد بأصبعيه السبابة والإبهام، عقد حلقة، المقصود أنها صغيرة، هذا المقصود التقليل والتصغير، يعني سواء كانت العقدة تسعين أو مائة أو عشرة، المقصود أنه يبين أنها صغيرة.
وهذا القول لا يتعارض مع الآية ولا مع الحديث ,
والحديث "( ليحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس...الحديث)
وايضا في رواية: "حتى إذا كادوا يخرقونه"، أي: يتعدون السد، ويهدمونه، وتظهر لهم الشمس، "قال الذي عليهم"، وهو قائدهم وسيدهم: "ارجعوا"، أي: عودوا، "فسنحفره غدا"، أي: نكمل حفره غدا، وفي رواية: "فستخرقونه غدا"، أي: ستفتحون هذا السد غدا، الحديث بمعنى ان النقب صغير مثل الحلقة مثل ما مثله النبي صلى الله عليه واله وسلم .
جمعه وكتبه
فضيلة الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
اليوم هجري 7 رمضان 1445هـ
اليوم ميلادي=17 مارس 2024 م