من النكد الذي يصيب عالمنا العربي – وهو قلب العالم الإسلامي وميزان قوته – أنه ما زال يعيش فى عصور الملكيات المطلقة التي طلقها العالم تماما ، لكن الأبشع والأنكى أن ما تحول من هذه الملكيات إلى جمهوريات يحاول أن يعود مرة أخرى بمسرحيات مكشوفة إلى أسلوب الملكيات .
ومن كوارثنا أن هناك من رجال الإعلام الرسمي من لا يستحي أن يفعل أي شئ في سبيل التبرير للحاكم الديكتاتور ، ولو كان هذا الشئ هو الاستخدام المسف لشخصيات بحجم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لذا فلا يتردد أحدهم أن يستغل موقفا تم في ظروف استثنائية لم تعد موجودة الآن – كما سنوضح – مثل عهد سيدنا معاوية بالخلافة لابنه يزيد ، لكي يبرر توريث الحكم الآن وبعد ما يقرب من خمسة عشر قرنا .
وعلى الجانب الآخر سيوجد معارضون يرجعون كل المصائب التى تحدث الآن إلى حادثة حدثت منذ خمسة عشر قرنا ليصبون اللعنات على سيدنا معاوية رضى الله عنه ، وهذا ربط مستحيل بالحقائق العلمية والظروف الموضوعية ، فلا أبعد عن الإسلام من ديكتاتور يظلم الناس ، ولا يستطيع أجرأ المعترضين أن يدعي أن ديكتاتور العصر الحديث مؤمن تقي يقتفى أثر معاوية رضى الله عنه .
هؤلاء المعارضون منهم من يريد النيل من الإسلام باعتباره لا يصلح أصلا ليكون مرجعية ، ومنهم من ينطلق من منطلقات إحقاق الحق ونقد التاريخ بمنهج علمي .
على كل حال ، سنوضح فى السطور القادمة ، كيف أنه لا رابط أصلا بين الظروف التى حدث فيها توريث الخلافة لأول مرة فى الإسلام ، وبين محاولات توريث الحكم في عصرنا هذا .. حتى ينتفي ما يمكن أن يستغله الإعلام الحكومي أو المعارضين على اختلاف منطلقاتهم .
****
بداية : استأذن القارئ الكريم فى أربع تمهيدات قبل الدخول للموضوع :
أولا :
نحن فى الدنيا نعامل الناس على ظاهرهم ، ولا نعلم بواطنهم .. فضلا عن أن نعلم مدى مكانة إنسان عند الله أو موقعه من رضا الله أو سخطه .. ولذا نعامل الناس على ظاهر تصرفاتهم ومعاملاتهم ، ونحكم عليهم بهذا الظاهر .. ونكل السرائر إلى الله تعالى .
ونحن بهذه القاعدة نعترف ضمنيا بأن حكمنا على الناس حكم ناقص فى ميزان الحقيقة ، لأن جانبا كبيرا من الحقائق والمعلومات لا تقع فى مجال إدراكنا .. ويكون الحكم الوحيد الصحيح العادل الذى لاشك فيه ولا ظلم فيه هو حكم الله تعالى الذى يعلم حتى ما تخفى الصدور .
بهذا التصور .. يفسر البشر أفعال البشر وتصرفاتهم ، ويخوضون فى تاريخهم محاولين استكناه وتحليل أفعالهم ومواقفهم ومبادئهم .. ثم يظل حكم البشر مهما بلغ من استقصاء للمعلومات حكما ناقصا .
أتذكر الآن كلمة للأديب والمفكر العظيم عباس العقاد فى كتابه ( أنا ) إذ يقول : ” وعباس العقاد كما أراه – بالاختصار – هو شئ مختلف كل الاختلاف عن الشخص الذى يراه الكثيرون من الأصدقاء أو من الأعداء .. هو شخص استغربه كل الاستغراب حين أسمعهم يصفونه أو يتحدثون عنه ، حتى ليخطر لى فى أحسن الأحيان أنهم يتحدثون عن إنسان لم أعرفه قط ولم ألتق به مرة فى مكان . فأضحك بين نفسى وأقول : ويل للتاريخ من المؤرخين .
أقول ، ويل التاريخ من المؤرخين لأن الناس لا يعرفون من يعيش بينهم فى قيد الحياة ومن يسمعهم ويسمعونه ويكتب لهم ويقرأونه ، فكيف يعرفون من تقدم به الزمن ألف سنة ولم ينظر إليهم قط ولم ينظروا إليه ؟ ” (صـ 15، 16 )
عند التعرض للأنبياء أو للصحابة يستجد هنا مستجد جديد تماما .. إذ فى هذه الحالة تتوفر لدينا معلومات لا يمكن أن تتوفر عن أحد غيرهم .. ألا وهى منزلتهم عند الله تعالى .. وفى هذه الحالة الخاصة جدا يجب أن تتغير مفاهيم التحليل والتفسير لتصرفاتهم وأفعالهم ، ولا تكون بنفس المعايير التى نحكم بها على تصرفات البشر .
فلقد أخبرنا الله تعالى من خلال القرآن الكريم ، وأخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم من خلال أحاديث نبوية صحيحة وفى أعلى درجات الوثوق أن هؤلاء الصحابة ممن رضى الله عنهم وممن أسكنهم الجنة ، وهم خير الخلق عند الله تعالى بعد الأنبياء والمرسلين .
بهذه المعرفة عن منزلتهم ومكانتهم عند الله يجب على المسلم أن يوقر ويجل ويحترم هؤلاء الصحابة الذين رضى الله عنهم .. وألا يظن بهم أو بأحدهم السوء أو يفسر تصرفاتهم ومواقفهم كما يفسر سلوك أى بشر آخرين .. كتعبير عن الطمع والخسة والتآمر والتكبر والخداع والحرص على المصالح الشخصية .. لأنه قد وصل لنا علم الغيب يخبرنا أنهم فى الجنة ، رضوان الله عليهم جميعا .
ثانيا :
ومن هذا المنطلق كان علماء الإسلام يحرصون ألا يتكلموا فى ما وقع بين الصحابة من فتن ، وقد سموها فتنا لأن الخائض فيها أقرب للخطر منه إلى السلامة ، وكانوا يرفعون شعار : ” فتنة طهر الله منها سيوفنا فلنطهر منها ألسنتنا ” ، وهو شعار يعترف ضمنا بأن الصحابة بشر ويخطئون وليست لهم العصمة .. فالعصمة للأنبياء فقط .. لكنه فى نفس اللحظة يتوقف عن الخوض فى ما وقع بينهم لأن طرفى الخلاف هم خير البش
gdSdï ldWç lXç,dé hggi èçgîgçé ]dk RAn Xiï Xki ;çk
جزاك الله خيرا كثيرا، فعلا مقال مفيد جدا... وضحت الصورة بالنسبة لي كثيرا...
اما بالنسبة لما يحصل الان فهناك نقطة مهمة لا اجد بدا من ان اقولها وان كنت مخطئة فلينبهني احدكم وهي انه فعلا لا تشابه بين الظروف ولا تشابه بين الشخصيات نهائيا فأين الحاكم الحالي من معاوية وخدمته للاسلام واين ابنه من ابنه...فعلا لا مجال للمقارنة.. ولكن انبه هنا ان للشعب دورا لابد منه، فهل الشعب اليوم يستحق ما يفعل به من الحكام (ليس في مصر قط وانما في كل البلدان العربية)، فهل يحق لنا ان نطالب بحق الديمقراطية؟!!! ونحن فيما نحن فيه غارقون؟!!!
فكما نحن يول علينا، ولا اقصد الدفاع عن احد ولكن لا يجب علينا ان ننسى دورنا في كل هذا، ولا يجب علينا ان نكتفي باللوم والشجب والشعور بالاسى، فلو صلح حال الشعب فلابد ان يصلح حال الحكم...اليس كذلك؟؟
توقيع : Sarah
إن المسلمين إذا فقدوا مودّة الرحمن لم يبق لهم على ظهر الأرض صديق، وإذا أضاعوا شرائع الإسلام فلن يكون لهم من دون الله وليّ ولا نصير
من أكبر دواعى سرورى أن تكون أول مشاركاتى فى المنتدى هى تعليق على مشاركة الحبيب إلى قلبى ورفيق دربى المهندس محمد إلهامى ......يعلم الله كم أفتقدك يا إلهامى ....وكم أشتاق إليك .
جزاك الله خيرا كثيرا على هذا التوضيح لهذه القضية الشائكة جدا فى التاريخ الإسلامى والتى طالما حيرت الدارسين والباحثين ...
ولكن هناك تعليق بسيط ..
أننا كما أشرت فى كلامك نفرق بين الحكم على الصحابى والحكم على غيره من الأشخاص ...أى أننا فى تقييمنا لموقف سيدنامعاوية رضى الله عنه لا نعمم ذلك الحكم على عموم من خلفه من بنى أمية ...فعندما نتحدث عن واقعة توريث يزيد الخلافة لانبرر بذلك حرص عموم خلفاء بنى أمية على توريث الحكم ....,انا طبعا لا اتهم نواياهم حاش لله ولكن فى رأيى...ليس معنى أنه جرى العرف على توريث الحكم أن ذلك أسلم طريقة للحفاظ على وحدة الامة فقد راينا قمة التوحد والقوة فى عهد الخليفتين (عمر ,و أبو بكر ) رضى الله عنهما والحقنابه وبقائدهم المصطفى (ص) ...
أى أنه فى ميزان الإسلام عموما لابد وأن يذهب الحكم لمن هو أحق به وكفئ له كما رأينا فى حالة إختيار الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم ..أما دخول عامل العصبية والقبلية والأقدرية على الحكم والسطوة على باقى الناس فلا أنكره ولكن تغليب هذالعامل على العوامل الرئيسية التى حددها لنا الإسلام فى إختيار الحاكم والخليفة فهو خطأ ..... جاء فى الحديث "من ولى أمر جماعة من السلمين وفيهم من هو أتقى لله منه فقد خان الله ورسوله ".....رأينا ذلك فى إختيار الصحابة لأبى بكر يوم الثقيفة بعدما ذكرهم عمر رضى الله عنه بقوله عن أبو بكر "رضيه الرسول لدينكم أفلا ترضونه لدنياكم " فى إشارة لإمة أبى بكر للمسلمين فى حياة الرسول ......وتم بعده الإتفاق على أبى بكر خليفة.....
وقد وصف الرسول ذلك العهد بأنه خلافة راشدة على منهاج النبوة أى أنه المرجع والأساس في تلقى الأحكام ...
أى أنه فى ميزان الإسلام قضية التوريث نفسها غير مقبولة كأداة لإنتقال الحكم بين المسلمين ....وأنا هنا أتكلم عن التوريث عموما وليس عن موقف سيدنا معاوية ...فحاشا لله أن أضع نفسى حكما على أحد الصحابة وقد ذكرت أنى أوافق المهندس محمد فى الظروف التى أحاطت بالموقف ..... ولكن هنا أود التأكيد على القواعد التى يجب الرجوع إليها عند الإختلاف...وهى قاعدة الأكفأ ....
ولعل ما ذكره الأستاذ محمد قطب فى كتاب كيف نكتب التاريخ الإسلامى من تحليل لفتر ة حكم بنى أمية من أروع ماقرأته فى ذلك الموضوع فقد ذكر وعدد حسنات و أخطاء بنى أمية
"وقد كان من أخطاء بنى أمية التعارف على قضية توريث الحكم ,والشدة فى ضرب المعارضين واللتان أديتا إلى إنصراف عامة المسلمين تماما عن الحياة السياسية بما فيه من أمر بمعروف ونصيحة للحكام وتقويمهم فى أخطائهم" (بتصرف يسير).
ملاحظة "حسنات بنى أمية تفوق كثيرا أخطائهم ولكن الأخطاء تذكر للتعلم ولتجنبها."
الشاهد أنى رأيت فى الكلام الذى نقله المهندس محمد عن إبن خلدون وكشك وهو مع صحته يوحى بأنه لم يكن هناك
بد من التوريث وإنحصار الخلافة فى الدار الحاكمة ..
أما كلام الأستاذ جلال كشك الذى إستشهد به المهندس إلهامى عن أن الخلافة الأول هوعهد لن يتكرر بعد ذلك فهو كلام مع إحترامى الشديد له وإعترافى بواقعيته, إلا أنه يوحى باليأس من الوصول إلى ماكان عليه الحال من العدل والطهر فى الحكم مع أن الرسول بشرنا بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة بعد الحكم الجبرى والملك العضوض ...
أما الكلام على أن موقف سيدنا معاوية قد يكون مبرر لمتجبرى عصرنا هذا كمن يذهب ويخون بلده ووطنه بدعوى موقف سيدنا حاطب بن ابى بلتعة(موقف سيدنا معاوية مختلف فى مدى صحته من خطأه ,وهو فى رأيى اقرب إلى الصحة....أما موقف سيدنا حاطب فهو خطأواضح جدا ) أو يذهب ليرتكب المعاصى والكبائر بدعوى أن الرسول قال "كل ابن أدم خطاء ......."وهذا كله نوع من الهزل الذى لا يستحق الإهتمام .
رد: هل كان معاوية رضي الله عنه محقًا حين عهد بالخلافة ليزيد ؟؟
لا يغير الله ما بقوم حتى يغيرو ما بانفسهم
فليحاول كل منا اصلاح نفسه اولا لان صلاح الامة لايكون الابصلاح الفرد اما ولاة الامر فلندعو الله ان يصلح امرهم ويرزقهم البطانة الصالحة التي تامرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر لان الناس على دين ملوكهم اما الفتنة فقد سلمت منها ايدينا فلتسلم منها السنتنا اعاذنا الله واياكم من شر الفتن فلا ندع التارخ يكرر نفسه